تسلم مجلس القيادة الرئاسي اليمني مقترحًا من المبعوث الأممي هانس جروندبرج، بتمديد الهدنة في البلاد، قبيل ساعات من انتهائها المقرر غدًا الثلاثاء. وذلك وفق شروط جديدة جرى التفاوض عليها بين الطرفين (الحكومة الشرعية والحوثيين)، خلال الأيام القليلة الماضية في العاصمة العمانية مسقط.
يقضي المشروع، الذي سُلم أول أمس السبت، بتوقيع اتفاق بين مجلس القيادة الرئاسي اليمني والحوثيين، تُمدد بموجبه الهدنة لمدة 6 شهور. على أن تدخل حيز التنفيذ في 2 أغسطس/آب الجاري وتستمر إلى 2 فبراير/شباط من العام المقبل. مع إمكانية تمديدها باتفاق الطرفين.
ويهدف الإطار (المشروع) – الذي اطلع “مصر 360” على نسخة منه – إلى تسهيل حرية حركة وحماية السكان المدنيين وحركة السلع والخدمات الإنسانية والتجارية. وكذا تحسين الوضع الاقتصادي، وأمن وسلامة الشعب اليمني ودول الجوار. بالإضافة إلى حماية المنشآت والبنى التحتية والمرافق المدنية.
كما يستهدف المشروع، وقد بحثه مجلس القيادة اليمني خلال اجتماع أول أمس السبت بالعاصمة المؤقتة عدن، المساهمة في إيجاد بيئة مواتية تسمح باستئناف عملية سياسية يقودها اليمنيون. وذلك تحت رعاية الأمم المتحدة، وبغرض التوصل إلى اتفاق يضع نهاية شاملة للنِّزاع، ويرسي دعائم سلام شامل وعادل، ويلبي المطالب والتطلعات المشروعة لليمنيات واليمنيين.
ترتيبات مؤقتة لاتفاق هدنة يمهد للسلام
المشروع يؤكد كذلك على أن الترتيبات المنفذة ضمن اتفاق الهدنة “مؤقتة بطبيعتها ولا تمثل سابقة. فالاتفاق لا يحدث أي تغيير في الحقوق والمراكز القانونية للطرفين، وأي مسائل تتعلق بالترتيبات السياسية والأمنية المستقبلية لليمن ستحدد حصرًا من خلال اتفاقية السلام الشامل، التي سيتم التوصل إليها من خلال عملية يقودها اليمنيون تحت رعاية الأمم المتحدة”.
إلا أنه وفق هذا المشروع يلتزم الطرفان بوقف جميع العمليات العسكرية الهجومية البرية والجوية والبحرية داخل اليمن وخارجه. مع تجميد المواقع العسكرية الحالية على الأرض.
وشهد اليمن سجالًا كبيرًا حول الهدنة بعد انطلاقها لمدة شهرين في 2 إبريل/نيسان الماضي. وقد جرى تمديدها حتى 2 أغسطس/آب الجاري. في وقت يرى كثيرون أن الميليشيات المدعومة من إيران لم تلتزم بنود الهدنة ولم تتجاوب مع مقترحاتها وتحركاتها.
التزامات عسكرية
ولكي يدخل هذا المقترح الجديد بالهدنة ووقف العمليات العسكرية حيز التنفيذ، يفرض المشروع على الطرفين عددًا من الالتزامات العسكرية، تشمل:
1) تجتمع لجنة التنسيق العسكري المكونة من سبعة أعضاء من كل طرف، مرة واحدة على الأقل كل شهر. وذلك تحت رعاية الأمم المتحدة، للتصدي للقضايا الاستراتيجية، ولتمتين التواصل فيما بين أعضائها ومنع وقوع الحوادث بين الأطراف وخفض تصعيدها. ذلك إدراكًا بأنَّ جميع الجهود المبذولة لتمتين الهدنة تساعد في التهيئة لوقف مستدام لإطلاق النار على مستوى البلاد كافة. وستقوم لجنة التنسيق العسكرية بالتنسيق مع لجنة الطرق، فيما يتعلق بالجوانب العسكرية والأمنية وتدابير التخفيف المطلوبة لفتح الطرق.
2) تُؤسَّسُ غرفة التنسيق المشتركة بغرض التسهيل المستمر للحوار، والمساعدة في خفض تصعيد الحوادث على المستوى العملياتي. كما تقدم الدعم للعمل على المستوى الاستراتيجي الذي تقوم به لجنة التنسيق العسكرية.
3) تُتَّخَذ مزيد من الخطوات لتعميق الهدنة العسكرية، بما في ذلك معالجة مصادر التوتر على المستوى المحلي من خلال الحوار و بناء الثقة، بالتعاون مع شخصيات من المجتمع المدني وشخصيات اجتماعية. ويُسَهِّل الطرفان عمليات التعامل مع الألغام وإزالة الذخائر غير المنفجرة بما في ذلك عن طريق تسليم خرائط الألغام للتصدي للخطر المتزايد على المدنيين والمدنيات من النِّساء والرجال والأطفال.
4) خلال الهدنة، يتفاوض الطرفان للوصول إلى وقف مستدام لإطلاق النَّار في جميع أنحاء البلاد. بما يوقف بشكل مستدام جميع العمليات العسكرية البرية والبحرية والجوية داخل اليمن وخارجه.
الطرق التي مهدتها الهدنة الجديدة
ويفرض المشروع على الطرفين (مجلس القيادي الرئاسي وجماعة الحوثي) فتح الطرق التالية فور دخول الهدنة حيز التنفيذ:
1. عصيفرة – الحوجلة – سوق الرمدة – مفرق العدين – خط الستين – مفرق الذكرة
- خط الزيلعي – الصرمين – أبعر – صالة
- خط كرش- الشريجة- الراهدة
- خط الضالع-دمث
وتلتزم لجنة الطرق (المشكَّلة من خمسة أعضاء من كل طرف) الاستمرار في اللقاء ومشاركة المجتمع المدني تحت رعاية الأمم المتحدة للاتفاق على فتح طرق رئيسية أخرى في تعز ومحافظات أخرى، بما فيها مأرب والبيضاء والجوف والحديدة. ذلك بهدف تسهيل حركة المدنيين من نساء ورجال وأطفال، وكذلك لتسهيل حركة السلع والخدمات الإنسانية والتجارية.
سفن النفط بالحديدة ووجهات طيران جديدة
وفيما يخص أزمة مطار صنعاء الدولي، دعا مشروع الهدنة الطرفين إلى توسيع نطاق فتح المطار أمام الرحلات الجوية المدنية والتجارية والإنسانية بشكل منتظم ومجدول عبر الناقل الوطني وأية خطوط يمنية أخرى، وكذلك عبر شركات الطيران الدولية إلى الوجهات المحددة كالتالي:
عَمَّان (الأردن)، والقاهرة (مصر)، وجدة (المملكة العربية السعودية)، ودبي (الإمارات العربية المتحدة)، ومومباي (الهند)، والدوحة (قطر). بعد الحصول على الموافقات الرسمية من دول المقصد ومع مراعاة الإجراءات الأمنية واللوجستية المتبعة فيها.
ويجتمع الطرفان -بحسب ما جاء في المشروع- بشكل دوري تحت رعاية الأمم المتحدة لبحث جميع التدابير والإجراءات الفنية. بما في ذلك تنسيق العمل بين أقسام الهجرة و الجوازات المعنية.
ودعا المقترح الأممي الطرفين إلى ضمان سلاسة دخول السفن المحملة المشتقات النفطية إلى مواني الحديدة بشكل منتظم ودون تأخير. على أن تستمر آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش بمنح تصاريح الدخول إلى جميع السفن، بعد تأكيد امتثالها لحظر توريد الأسلحة. وبعد ذلك يُسمح لسفن المشتقات النفطية الدخول إلى مواني مدينة الحديدة اليمنية، دون تأخير في ظرف زمني لا يتعدى ثلاثة أيام عمل كحد أقصى.
ما جاء باتفاق الهدنة عن أزمة الرواتب
أما فيما يخص ملف الرواتب والذي أثار خلافًا بين الطرفين خلال الأيام الماضي، فيقضي المشروع بتخصيص كل الإيرادات المتأتية من عائدات الجمارك والضرائب المحصلة من السفن المحملة بالمشتقات النفطية عبر مواني الحديدة. وذلك للمساهمة في سداد جميع رواتب موظفي الخدمة المدنية والمتقاعدين المدنيين. على أساس قاعدة بيانات كشوف رواتب عام 2014.
يلتزم الطرفان بصرف جميع رواتب موظفي الخدمة المدنية ورواتب المتقاعدين المدنيين بشكل منتظم. وذلك على أساس قاعدة بيانات كشوفات رواتب عام 2014.
واقترح المشروع خيارين فيما يخص دفع الرواتب؛ الأول: يتقاسم الطرفان تكاليف دفع هذه الرواتب بالتساوي. أما الخيار الثاني فيقضي بمساهمة الحكومة اليمنية بالمبلغ المتبقي المطلوب لدفع رواتب الموظفين والمتقاعدين على أساس كشوف 2014 بعد حساب الإيرادات المتأتية من عائدات الجمارك والضرائب المحصلة من السفن المحملة بالمشتقات النفطية عبر مواني الحديدة.
ودعا المشروع الطرفين إلى التوصل لاتفاق على طريقة إيداع وصرف الإيرادات المتفق عليها لدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية والمتقاعدين المدنيين. على أن يستخدم حساب ضمان يتبع الأمم المتحدة كجهة ثالثة في بنك تجاري داخل اليمن. ومن ثم يتم تعيين شركة تدقيق محاسبي مستقلة لمراجعة جميع الأنشطة المالية المتعلقه بهذا الحساب.
ويفرض المشروع الأممي تعيين 4 ممثلين يتفق عليهم الطرفان في لجنة اقتصادية تجتمع مرة واحدة على الأقل شهريًا تحت رعاية الأمم المتحدة بمشاركة المجتمع المدني وبدعم من المنظمات الدولية المختصة. وتكون مهمة اللجنة متابعة آلية دفع الرواتب. وكذا تطوير مبادرات تحسين الخدمات الأساسية. فضلًا عن تسهيل التجارة الداخلية والخارجية وحركة البضائع والأفراد في جميع أنحاء البلاد.
ملف الأسرى.. ولجنة سياسية لإنهاء النزاع
وتحت بند “الأسرى”، دعا المشروع الطرفين إلى الالتزام بمواصلة عمل اللجنة الاشرافية بشكل بَنَّاء و عاجل، من أجل الإفراج عن جميع المحتجزين على خلفية الصراع، وفقاً لإلتزاماتهم الواردة في اتفاق ستوكهولم لتبادل الأسرى والمعتقلين والمفقودين والمحتجزين تعسفياً والمخفيين قسرياً والموضوعين تحت الإقامة الجبرية.
وأخيرًا طالب المقترح الأممي الطرفين بتعيين ممثلين سياسيين رفيعي المستوى بمن فيهم نساء لعضوية لَجنَةٍ للتنسيق السياسي. على أن تعمل تلك اللجنة على استئناف العملية السياسية للتوصل إلى اتفاق يضع نهاية شاملة للنِّزاع ويرسي دعائم السلام، ويلبي المطالب والتطلعات المشروعة لليمنيات واليمنيين من النساء والرجال بما فيهم الشباب.
توقعات برفضه من الحكومة الشرعية
وسط كل هذا، وبحسب ما أفاد مصدر مطلع على المفاوضات الجارية بين الطرفين خلال الأيام القليلة الماضية، فإن مجلس القيادة اليمني يتعرض لضغوط إقليمية ودولية لقبول مشروع الهدنة الأممي. رغم تحفظه على عدد من بنوده، لاسيما البنود الخاصة بتوسيع الملاحة في مطار صنعاء وميناء الحديدة وطريقة دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين.
ويشير المصدر إلى أن المشروع الأممي الذي عرضه كبير مفاوضي جماعة الحوثي محمد عبد السلام على قيادات الجماعة في صنعاء أمس الأحد، لم يفرض على الحوثيين توريد كافة الإيرادات والضرائب المتأتية من ميناء الحديدة. ورغم ذلك يفرض على مجلس القيادة سداد عجز رواتب الموظفين. وهو ما يجعل المشروع منحازًا إلى الحوثي، بحسب المصدر القريب من مجلس القيادة.
وفيما يخص تحفظات مجلس القيادة الرئاسي، قال مصدر آخر قريب من الحكومة الشرعية إن المجلس أبدى تحفظات على بند فتح طرق تعز. كما تحفظ أيضًا على بند فتح الملاحة بمطار صنعاء الدولي. واشترط أن تقتصر الرحلات على الوجهات القائمة لحين حل أزمة إصدار الجوازت. وطالب كذلك بوضع إضافات على بند سداد رواتب الموظفين.
ورجح المصدر -وثيق الصلة بمجلس القيادة- أن ترفض الحكومة الشرعية المقترح الأممي رغم الضغوط الدولية. وقال إن قبول بنود هذا المقترح أقرب إلى إعلان تسليم بشروط الحوثيين. وذهب إلى أن المبعوث الأممي سيضطر إلى تقديم عرض بتمديد الهدنة لشهرين آخرين على الشروط القائمة منذ إبريل/نيسان الماضي، والمجددة في يونيو/حزيران.
وتلقى رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي أمس الأحد اتصالًا هاتفيًا من وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن. حيث بحثا الجهود الإقليمية والدولية الرامية لتحقيق السلام في اليمن.
ووصف العليمي تجارب التهدئة مع مليشيات الحوثي بـ”المخيبة للآمال”، وصولًا إلى الهدنة القائمة التي تنصلوا فيها من كافة التزاماتهم. بما في ذلك استمرار حصار تعز والمحافظات الأخرى وعدم دفع رواتب الموظفين في مناطق سيطرتها.
من جهته، أشاد بلينكن بتعاطي مجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية مع كافة عناصر الهدنة المستمرة منذ 4 شهور. وشدد على أهمية ذلك في تحقيق الآثار الايجابية الملموسة على الصعيد الإنساني.