رغم مرور 14 عاما على إعلان كوسوفو استقلالها عن صربيا، إلا أنه ما يزال نحو 50 ألف صربي يعيشون في شمال البلاد. ويستخدمون اللوحات المعدنية والوثائق الصربية، رافضين الاعتراف بالمؤسسات التابعة للعاصمة الكوسوفية بريشتينا. لا يعترف هؤلاء بسلطة بريشتينا ولا باستقلال كوسوفو، وحافظوا على ولائهم لبلجراد التي يعتمدون عليها مالياً.

لذلك، مساء الأحد، حشد مئات من صرب كوسوفو شاحنات وصهاريج ومركبات ثقيلة أخرى على الطرق المؤدية الى معبري يارينيه وبرنياك، وفق ما أشار مراسل وكالة الأنباء الفرنسية فرانس برس. اعتراضا على قرارات الحكومة الكوسوفية، بإلزام حصول أي شخص يدخل كوسوفو ببطاقة هوية صربية. على وثيقة موقتة. أثناء وجوده في البلاد.

وفي شمال كوسوفو حيث تعيش أقلية صربية. أعلنت الشرطة أنها تعرضت لإطلاق نار دون وقوع إصابات، وأقيمت حواجز على الطرق المؤدية إلى صربيا. وأغلق المعبران أمام حركة المرور. بينما طالبت حكومة كوسوفو، في بيان، بـ “إزالة جميع الحواجز واعادة حرية الحركة بشكل كامل” الاثنين.

يأتي التصعيد في وقت تحاول فيه أوروبا الخروج من الأزمة الكبرى التي سببتها الحرب الروسية- الأوكرانية. والتي أدت إلى نزوح آلاف اللاجئين، مع تعطل إمدادات الطاقة إلى القارة العجوز. وتهديد الأمن الغذائي العالمي.

اقرأ أيضا: سياسة التحوط.. تركيا تبحث عن التوازن في الشرق الأوسط

وتنص القواعد الجديدة، التي كان من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ الاثنين. على لزوم حصول أي شخص يدخل كوسوفو ببطاقة هوية صربية على وثيقة موقتة أثناء وجوده في البلاد.

كذلك أمهلت بريشتينا صرب كوسوفو شهرين لاستبدال لوحات التسجيل الصربية لمركباتهم بلوحات جمهورية كوسوفو. وأوضح رئيس الوزراء ألبين كورتي، الأحد. أن هذا التدبير “يأتي ردا على ممارسة مماثلة اتبعتها صربيا. التي لا تعترف باستقلال إقليمها السابق ذي الغالبية الألبانية المعلن في عام 2008. في حق سكان كوسوفو الوافدين إلى أراضيها”.

توتر أوروبي

فور اندلاع الأزمة، دعا الاتحاد الأوروبي كلا من كوسوفو وصربيا إلى محادثات لنزع فتيل الأزمة بينهما. حيث أكد بيتر سانتو، المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، أن الهدف من دعوة الاتحاد كوسوفو وصربيا إلى محادثات. هو “بحث سبل المضي قدما للتوصل إلى حلول ومنع تجدد هذه التوترات مرة أخرى”.

وأضاف سانتو: دعوني أكرر مجددا أن جميع القضايا العالقة بين صربيا وكوسوفو لابد من معالجتها عبر حوار بوساطة من الاتحاد الأوروبي.

وذكر المتحدث أن الاتحاد الأوروبي وجه دعوة لعقد المحادثات بعد أن وافقت كوسوفو على تأجيل تطبيق قواعد جديدة على معبرها الحدودي مع صربيا، بعد تصاعد التوترات في المنطقة. دون الكشف عن موعد لعقد المحادثات.

من جانبها أعربت وزيرة الدفاع الألمانية كريستينا لامبرشت عن قلقها إزاء الوضع المتوتر على الحدود. وقالت الاثنين في برلين: “من الجيد أن رد فعل حكومة كوسوفو الآن يتسم بالتعقل، وبالتالي فإنها تساهم في التهدئة”. وذكرت لامبرشت أن بعثة الناتو “كوفور” تراقب أيضا الوضع عن كثب وعلى استعداد للتدخل في حالة تعرض الاستقرار للخطر، حسبما ينص تفويضها. وقالت: “لا يزال الجيش الألماني مع الناتو في بعثة كوفور من أجل ضمان بيئة آمنة وحرية الحركة لجميع الأفراد في كوسوفو”.

وقال الحلف، في بيان له، إن “الوضع الحالي في الشمال صعب للغاية. تتسم الحالة الأمنية العامة في البلديات الشمالية لكوسوفو بالتوتر، وقواتنا تراقب الوضع عن كثب ومستعدون للتدخل إذا تعرض الاستقرار للخطر”. وفقا لولايتها المنبثقة عن قرار مجلس الأمن 1244 الصادر عام 1999.

وأوضح البيان أن “بعثة قوة كوسوفو تركز على ضمان بيئة سالمة وآمنة وحرية التنقل لجميع السكان. وتواصل اتخاذ موقف واضح ومرن في الميدان، وقائد القوة على اتصال بجميع محاوريه الرئيسيين، بمن فيهم ممثلي منظمات أمن كوسوفو ورئيس الدفاع الصربي”. ودعت جميع الأطراف إلى مواصلة المفاوضات.

دعم روسي للصرب

عقب اجتماع مع السفير الأمريكي جيفري هونفيه. قررت حكومة كوسوفو، في بيان، تأجيل تطبيق القواعد الجديدة عند الحدود مع صربيا لمدة شهر. وهو القرار الذي رحب به الممثل الأعلى للشئون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في تغريدة مساء الأحد، داعيا إلى “إزالة جميع الحواجز عن الطرقات فوراً”.

كما أعرب وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عن رغبة بلاده في التوسط لخفض التوتر بين صربيا وكوسوفو. خلال اتصالين منفصلين أجراهما الوزير التركي، الأحد، مع نظيريه الصربي، نيكولا سيلاكوفيتش، والكوسوفية دونيكا جيرفالا شوارتز، وفق بيان للخارجية التركية.

وذكر البيان أن أوغلو “أكّد للطرفين أن تركيا تولي دائمًا أهمية للسلام والاستقرار في منطقة البلقان”. وشدد في حديثه على أن “اندلاع أي توترات في المنطقة لن يعود بأية فائدة على أي طرف. ومن ثم ينبغي التحلي بضبط النفس”.

في المقابل، فور اندلاع الصراع، أسرعت روسيا والدول التابعة لظل الكرملين بإعلان التضامن مع حليفها الصربي. بينما ألقت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، باللوم في التوتر المتزايد على ما وصفته بـ “القواعد التمييزية التي لا أساس لها”. التي تفرضها سلطات كوسوفو على الصرب في كوسوفو. ودعت الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لوقف ما وصفته بـ “الاستفزاز” ضد الصرب في كوسوفو.

وأشارت زاخاروفا إلى أن قرار السلطات في بريشتينا -عاصمة كوسوفو المعلنة من طرف واحد- بالبدء في تطبيق قواعد تمييزية غير معقولة. بشأن الاستبدال القسري للوثائق الشخصية، وأرقام تسجيل السكان المحليين الصرب، اعتبارًا من 1 أغسطس/ آب “هو خطوة أخرى نحو طرد السكان الصرب من كوسوفو”.

وتابعت: “يعرف قادة كوسوفو أن الصرب لن يظلوا غير مبالين عندما يتعلق الأمر بالهجوم المباشر على حرياتهم. وهم يتعمدون التصعيد من أجل إطلاق سيناريو عسكري”. معتبرة أن “الغرب يريد تحييد بلجراد على أيدي ألبان كوسوفو، وهذا في طليعة أهدافه الهجومية”. داعية بريشتينا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى “وقف الاستفزازات واحترام حقوق الصرب في كوسوفو”.

اقرأ أيضا: روسيا وإيران.. تحالف تتهدده منافسات مبيعات النفط

“إمبريالية بوتين المريضة”

في تحليله بصحيفة واشنطن بوست، يلفت إيشان تاهرور إلى أن روسيا ما زالت لا تعترف باستقلال كوسوفو. وشجبت بشدة حرب الناتو ضد حليفها الصربي. التي ساعدت في درء المزيد من جولات التطهير العرقي العنيف في البلقان. بينما يرى رئيس كوسوفو فيوزا عثماني أن حملة روسيا في أوكرانيا لا تستحق أي مظهر من مظاهر الشرعية الدولية. وقال خلال مقابلة مع إيشان، الخميس، في واشنطن: “إنه يعكس –ببساطة- الميول الإمبريالية المريضة للرئيس الروسي”، حسب قوله.

وأوضح أن صربيا -بعد كل شيء- حليف تاريخي لروسيا. وعلى حد تعبير عثماني فهي “أرض خصبة” لعمليات نفوذ بوتين.

وأشار إيشان إلى أنه في حين أن معظم قادة أوروبا انتهجوا إجراءات عدائية ضد الكرملين، لم يفعل ألكسندر فوتشيتش رئيس صربيا ذلك. بل رفض الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في نظام العقوبات على روسيا. “لقد وقع صفقة غاز مربحة مع موسكو في وقت سابق من هذا الصيف. حتى في الوقت الذي تحاول فيه بقية القارة إبعاد نفسها عن صادرات الطاقة الروسية”. كما سمح فوتشيتش أيضًا لأجهزة الدعاية الحكومية الروسية بالبقاء تعمل في صربيا “إنهم يلعبون دورًا مهمًا في تأجيج الاستقطاب في المنطقة”.

يؤكد تلك الرؤية تصريح رئيس الشيشان، رمضان قديروف، الذي قال إن السبب الأكيد للصراع “السخيف والمبتذل” -حسب وصفه- هو التحريض الخارجي من “الناتو”. مضيفا على قناته الخاصة على تطبيق Telegram إن صربيا “هي الدولة التي دعمت روسيا علانية. في حربها ضد النازية وعبادة الشيطان في أوكرانيا. والرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش، والذي أعرفه جيدا، يدرك تمام الإدراك ما هو حلف الناتو، والأساليب التي يتبعها لإثارة النزاعات”.

وتابع قديروف: “في غضون بضعة أشهر من العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا. شهدنا كيف طفت على السطح، كبثرة خبيثة ناضجة، أسوأ مظاهر عبادة الشيطان. والفاشية المحمومة، والإلحاد المطلق، والسخرية السوداء، والدعاية الفجة للمثليين والمتحولين جنسيا”.

ثأر تاريخي

يشير المحلل الإسرائيلي سيث فرانتزمان إلى أن صربيا شريك وثيق لروسيا . حيث قامت بلجراد مؤخرًا بتحديث بعض دفاعاتها الجوية، بما في ذلك شراء أنظمة صواريخ بانتسير.

وأضاف في تحليله المنشور في صحيفة جيروساليم بوست: “أشاد الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش بجودة الأسلحة الروسية. وأعلن عن شراء نظام الدفاع الجوي Pantsir-S1M أثناء زيارة المعرض العسكري الصربي”، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الروسية “تاس” العام الماضي.

يقول فرانتزمان: لا يزال بوتين -الذي وصل إلى السلطة في أعقاب نزاع 1999- يتذكر المواجهة بين القوات الروسية وقوات الناتو حول مطار بريشتينا الدولي. في 12 يونيو/ حزيران 1999. وكانت هزيمة صربيا على يد القوات الأمريكية في ذلك العام مهينة لموسكو.

يضيف: الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى أفريقيا، واجتماعات بوتين مع القادة الإيرانيين والأتراك. تدور حول إزاحة الولايات المتحدة من الموقع القوي الذي حصلت عليه في عام 1999. لذلك، فإن دعم صربيا يتعلق بإظهار كيف تغيرت الأمور على مدار العشرين عامًا الماضية.