من الواضح أن روسيا والمناطق المحيطة بها باتت مناطق غير مستقرة بنتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا من جهة. وبنتيجة إجراءات التأميم ومصادرة ملكيات الشركات العالمية الكبرى من جهة أخرى. إضافة إلى تعطيل إمدادات الحبوب والأسمدة إلى دول العالم.

ومن المتوقع أن تبدأ موجة عدم استقرار في الصين نفسها. خاصة مع خطط بكين بشأن الدفاع عن ترتيبها الدولي (المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة) واتخاذ ليس فقط إجراءات اقتصادية معينة لتحسين وجودها ضمن التكتلات الرأسمالية الكبرى. بل وأيضا إجراءات عسكرية وأمنية في آسيا والمحيط الهادي وبعض المناطق التي تريد استعادتها وضمها إلى أراضيها مثل تايوان. أو إعادة التموضع للرد على التكتلات الجديدة في منطقة شرق وجنوب آسيا والمحيط الهادي مثل تكتل (كواد) المكون من 4 دول هي الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان. وتكتل “أوكوس” الذي يضم الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا. كل هذه الاحتمالات واردة وتتزايد باستمرار في ظل صراع بين الغرب من جهة. وبين الصين وروسيا كل على حدة من جهة أخرى. والتنافس بين روسيا والصين على شغل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة.

مظاهر عدم الاستقرار في روسيا والصين والمناطق المحيطة بهما

يبدو أنه قد آن الأوان لكي تبدأ دول الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية -خصوصا الدول ذات الكثافة السكانية- في توسيع وزيادة طاقاتها الاستيعابية للاستثمارات. وتحسين وتطوير مؤسساتها ونظمها القانونية والاقتصادية لاجتذاب شركات التكنولوجيا الضخمة والتقنيات الرفيعة. ولتدشين بنى تحتية ضخمة قادرة على استيعاب الشركات والمؤسسات والاستثمارات التي كان يضخها الغرب في روسيا. بل واستيعاب التكنولوجيا والشركات الغربية التي يمكن أن تغادر الصين أو التي سيتم سحبها من الصين إن عاجلا أو آجلا.

وفي المقابل على الغرب (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي) أن يدرك أن نقل مصانع ومؤسسات التكنولوجيا من الصين وروسيا وتقليص الاستثمارات هناك أمر جيد ومهم ولصالح ليس فقط الغرب بل وأيضا لصالح دول الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية ذات الكثافة السكانية العالية والمتوسطة.

ومن الواضح أن تجريب هذه الإجراءات في ماليزيا وفيتنام والهند كان ناجحا للغاية اقتصاديا واجتماعيا. وساعد هذه الدول في التقدم إلى الأمام اقتصاديا وتقنيا وماليا.

والمعروف أنه قد تم تجريب ذلك مع الصين إبان مرحلة وجود الاتحاد السوفييتي. وبالفعل انتقلت الصين بفضل الغرب والاستثمارات والتكنولوجيا الغربية نقلة هائلة كما نرى اليوم. بل ونجحت في توطين بعض الصناعات والابتكارات التي نقلها إليها الغرب.

إن إعادة توزيع وضخ الاستثمارات الغربية في دول جديدة وإعادة تموضع الشركات العالمية الضخمة في مناطق مثل شمال أفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية -بعيدا عن الصين وروسيا- سيفيد الغرب ويفيد المناطق الجديدة التي يمكن أن تحدث فيها تحولات اقتصادية وعلمية تقنية واجتماعية هائلة تساعد الغرب على الاستغناء التدريجي عن موارد الطاقة الروسية من جهة وفرملة الطموحات الصينية من جهة أخرى.

ناهيك أصلا بأن طرق النقل والمواصلات في الجزء الذي تقع فيه روسيا والصين أصبح غير آمن بفعل الحرب الروسية ونشاطات الصين العسكرية والأمنية. وكذلك بفعل الإجراءات المتسارعة وغير المتزنة وغير المدروسة التي يجري اتخاذها لتحقيق عمليات انتقامية من روسيا إزاء الغرب ومصالحه. لكن المناطق الجديدة مثل مصر والبرازيل ونيجيريا والعراق وإثيوبيا بحاجة إلى استقرار سياسي واجتماعي للاندماج في هذه العملية المعقدة.

اتفاقية إمدادات الغاز بين مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي

وقعت مصر مع إسرائيل والاتحاد الأوروبي اتفاقية لزيادة إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا في خطوة مهمة ودالة. مهما كان حولها من لغط سياسي. ووفقا لفهم القاهرة فإن هذه الاتفاقية “من شأنها تعزيز فرص القاهرة في التحول إلى مركز إقليمي لتداول الغاز الطبيعي”.

ويبدو أن اكتشافات الغاز شجعت الإدارة المصرية على المشاركة في مشروعات كان من الصعب أن يتصور أحد إقدامها عليها. وساعدها في ذلك الاكتفاء الذاتي في الغاز الطبيعي بنهاية سبتمبر/أيلول 2018. وبدء التوجه إلى التصدير. حسب بيانات الحكومة المصرية التي قالت أيضا إن القاهرة كانت قد استثمرت “نحو 1.2 تريليون جنيه في قطاع البترول حتى نهاية إبريل/نيسان 2022. في إطار خطتها للتحول إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول البترول والغاز الطبيعي. منها 778 مليار جنيه مشروعات بدأ تشغيلها.

وكانت صادرات مصر من الغاز الطبيعي والمسال قد بلغت “مستوى غير مسبوق خلال العام الماضي 2021. والأشهر الأولى من العام الجاري 2022. إذ شهدت ارتفاعا بنسبة 770% العام الماضي. بعد إعادة تشغيل مصنعي إسالة الغاز بدمياط وإدكو، واستئناف تصدير الغاز المسال عقب توقف دام 8 سنوات”.

وبحسب البيانات الحكومية المصرية فقد “بلغت قيمة تصدير الغاز الطبيعي والمسال من مصر خلال الفترة من يناير حتى نهاية إبريل 2022 ما يصل إلى 3.9 مليار دولار. أي ما يعادل 63 مليار جنيه. وذلك بسبب زيادة الأسعار العالمية. فيما وصلت معدلات الإنتاج اليومي للغاز الطبيعي خلال العام الحالي نحو 6.8 مليار قدم مكعب”.

إن مصر والاتحاد الأوروبي لديهما بالفعل “مذكرات تفاهم للشراكة الاستراتيجية في مجالات الطاقة منذ 2018. كما دشن الطرفان أول منتدى أعمال بين الاتحاد الأوروبي ومصر حول الطاقة المستدامة في ذلك الوقت”. أي إن القاهرة بدأت مشروعاتها في مجال الطاقة ليس فقط قبل الغزو الروسي لأوكرانيا. بل وقبل جائحة كورونا أيضا. وهو ما يؤكد أن المشروعات المصرية في مجال الغاز ليست ولم تكن موجهة ضد أي طرف ثالث.

كما وقعت حكومتا مصر وقبرص اتفاقية في 2018 تمهدا لإنشاء خط غاز بحري بين الدولتين لنقل الغاز من حقل أفروديت القبرصي إلى مصانع الإسالة في مصر وإعادة تصديره. وهو الخط الذي يجري العمل على الاتفاق بشأنه مع المستثمرين حاليا.

وفي الواقع فإن المشروعات المصرية بدأت مع أسرة البحر الأبيض المتوسط قبل أربع أو خمس سنوات. ما يعكس حرص أعضاء الأسرة المتوسطية على تحقيق مصالحهم والاندماج في عملية تصدير ونقل موارد الطاقة إلى الأطراف التي تحتاج إليها.

منتدى النقب والأساطير المحيطة

ما يسمى بـ”منتدى النقب” ليس مقدمة لا لحلف دفاعي بين عدة دول بينها إسرائيل. ولا لما يسمونه بـ”الناتو العربي”. لأن غالبية دول المنطقة لديها اتفاقيات أصلا مع حلف الناتو ولديها صفة “شريك من خارج الحلف” و”صديق من خارج الحلف”.

وهناك تدريبات عسكرية دورية مشتركة مع الناتو وكذلك اتفاقيات أمنية مهمة لتبادل المعلومات وللتدريب ولإجراء “مناورات أمنية”.

وبالتالي لا حاجة إلى الناتو ولا حاجة إلى دول المنطقة للانضمام للحلف. أو حتى تكوين “ناتو عربي”. والتسمية الأخيرة هي تسمية يتم ترويجها ضمن حملات إعلامية ذات طابع معين لا يراعي التحولات الإقليمية والدولية الجارية.

إن منتدى النقب له أهداف أخرى تماما بعيدا عن “الأحلاف والتكتلات الدفاعية أو العسكرية”. فهو حتى الآن عبارة عن صيغة فضفاضة قد تضم عدة دول أخرى. من بينها فلسطين. علما بأن إسرائيل وفلسطين عضوان أساسيان ومؤسسان في “منتدى غاز شرق المتوسط” الذي يقع مقره في مصر.

وبالتالي فصيغة النقب هي صيغة أولية ومقدمة لمشروعات اقتصادية كبرى، أو ضمن مشروعات اقتصادية، في المنطقة ستكون فيها إسرائيل إلى جانب فلسطين ودول أخرى، ومشروعات في مجال الطاقة ونقلها، إضافة إلى مشروعات النقل العملاقة. لا أحد يعرف بعد مدى اتساع وعمق تلك المشروعات، وهل هي قادرة على نقل دول المنطقة من القرون الوسطى إلى ولو حتى منتصف القرن العشرين أم لا! ولا أحد يدري أيضا مدى جدوى هذه المشروعات في تحديث الاقتصادات وتطويرها، والدفع بآليات حديثة لإدارة الدول والمؤسسات والمشروعات، لأن جزءا كبيرا من تحقيق المشروعات يقع على عاتق دول المنطقة نفسها، ويعتمد على الاستقرار السياسي والاجتماعي فيها.

وهناك تساؤلات كثيرة تدور حول ما إذا كانت “صيغة النقب” تستلزم إجراءات جديدة بشأن توسيع وتعميق قناة السويس التي تواجه عداوة تاريخية غير مسبوقة من روسيا تحديدا التي تحاول وقف قناة السويس وتهميشها لصالح مشروع خط نقل “ممر بحر الشمال”. إذ تسعى روسيا منذ مطلع الألفية الثالثة إلى تشويه قناة السويس بكل الأشكال والآليات والحملات الدعائية لصالح مشروعها الصعب والمحاط بتناقضات دولية شائكة.

كما تسعى روسيا أيضا للدخول مع إيران والهند في مشروعات استحداث طرق بديلة لقناة السويس، تصلح في المستقبل كداعم لطريق ممر الشمال في حال تجهيزه للعمل. وهناك تساؤلات أخرى من قبيل، كيف ستستفيد دول مثل مصر والأردن وفلسطين ودول أخرى موجودة ضمن الصيغة أو ستنضم إليها لاحقا؟! وهل يمكن أن تساعد هذه الصيغة على دمج اقتصادات دول المنطقة في الاقتصادات الأوروبية والأمريكية، والاقتصاد العالمي ككل، وفي دورات الإنتاج السلعية وحلقاتها المتعددة؟! وهل يمكن أن تضمن هذه “الصيغة” وغيرها من الصيغ التي يمكن استحداثها فيما بعد استقرارا سياسيا بدرجات ما في تلك الدول لكي تستطيع أن تتقدم وتجري إصلاحات اقتصادية واجتماعية وقانونية حقيقية، أم ستطلق أنظمة دول المنطقة “صيغ” و”منتديات” فاشلة قبل أن تبدأ، وغير قادرة على التحرك إلى الأمام، مع تمسك هذه الأنظمة بمنظومات اقتصادية وقانونية متخلفة، والارتكاز إلى منظومات تعليمية وعلمية قديمة ومستهلكة تكرس للتخلف وتساهم في عدم الاستقرار السياسي الذي بدونه لا يمكن أن تكون أي صيغ أو منتديات ذات قيمة أو ذات جدوى.

الشأن المصري والزوايا النشطة الجديدة

من الصعب الحديث عن وضع مصر في ظل غياب الكثير من المعلومات. وبالتالي، فمن الأفضل أن يتم توجيه أسئلة محددة من قبيل:

– هل القاهرة لديها الطاقة الكافية لاستيعاب ما يمكن أن يهبط عليها من ثروات؟! فاليوم يقوم العراق والسعودية بتصدير حوالي 2.5 مليون برميل من النفط يوميا عبر قناة السويس، وعبر خط أنابيب “سوميد” الذي يمر من مصر إلى أوروبا!

– هل مصر لديها القدرة والاستعداد معا على تشغيل قناة السويس بأقصى طاقتها لنقل القمح الأوكراني والروسي، وفتح آفاق جديدة أمام عودة الناقلات العملاقة التي ستكون مهمة على الأقل طوال السنوات العشر المقبلة؟!

– هل مصر لديها ولو حتى 40% من البنية التحتية اللازمة لاستقبال بعض الصناعات الرقمية التي يمكن أن تنقلها أوروبا وأمريكا من الصين، أو التي يمكن استحداثها في مصر، وهي الدولة المرشحة بقوة إلى جانب الهند ومنغوليا لاستقبال صناعات كثيرة حديثة ورقمية؟!

– هل مصر لديها القدر الكافي من الاستقرار السياسي والأمني، والبنية التحتية المناسبة، لكي تفوز بصفقات مرور الحزم الضوئية من أراضيها؟!

– هل مصر بهذا القدر من المرونة والسرعة والإنجاز لبناء مصانع إضافية لتسييل الغاز، والشروع في تفاهمات مع ألمانيا وفرنسا وإيطاليا تحديدا لمد خط أنابيب إضافي لنقل الغاز؟!

– لماذا لا تنضم ألمانيا إلى “منتدى غاز شرق المتوسط” لتصبح عضوا عاملا وفعالا مثل فرنسا. وما هي المعوقات التي تقف أمام انضمام ألمانيا إلى هذا المنتدى الواعد والفعال لعشرات السنين المقبلة؟!

– لقد اكتشفنا فجأة أن الاقتصاد المصري مرتبط بشكل كبير بأوكرانيا (القمح، والذرة اللازمة لعلف الدواجن، والسياحة)، فلماذا لا يتم الاتفاق على إقامة منطقة تجارة وتسهيل تأشيرات بين القاهرة وكييف؟

توجه مصر والسعودية والإمارات نحو أوروبا

لقد زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان اليونان في 26 يوليو/تموز 2022. وبعدها توجه إلى فرنسا. وذلك في أول رحلة له إلى أوروبا بعد مقتل الصحفي والإعلامي السعودي- الأمريكي جمال خاشقجي بداخل القنصلية السعودية في اسطنبول. لا يمكن استبعاد أن تكون هذه الجولة الأوروبية المفاجئة، والمحاطة بحالة من “الفرح والانفراج”، إحدى نتائج زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المملكة العربية السعودية وجملة التفاهمات الأخرى التي لم يتم الإعلان عنها، لكننا سنرى تجلياتها خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. والمعروف أنه بعد زيارة بايدن مباشرة، كشفت وسائل الإعلام عن أن السعودية والعراق يصدران النفط منذ مطلع يوليو/تموز 2022 إلى أوروبا عن طريق مصر. بينما وقعت الجزائر اتفاقية مع إيطاليا للبدء مباشرة بتصدير الغاز. إضافة إلى اتفاقيات أخرى في مجالي تصدير الطاقة وطرق ونقلها.

وبعيدا عن التفاصيل “الإعلامية” من قبيل أن الرئيس كان يجلس واضعا قدم على قدم، والأمير رد عليه وأفحمه، وفلان نظر لعلان، أو قال له ما قاله مالك في الخمر، فإن المصالح هي الأساس، والتوافقات العلنية وغير العلنية هي التي تمثل التحركات الحقيقية والواقعية لتحقيق أكبر قدر من المصالح، بعيدا عن لغط وسائل الإعلام والتحليلات الضعيفة وزوايا النظر الضيقة.

إن الأمير السعودي أجرى في أثينا مباحثات اقتصادية مهمة للغاية، على رأسها قطاعات الطاقة وطرق نقلها. وتوجه إلى فرنسا التي زارها قبله الرئيس الإماراتي، ثم الرئيس المصري، بعد زيارة الأخير إلى ألمانيا. والمعروف أن اليونان وفرنسا عضوان عاملان في منتدى “غاز شرق المتوسط”. وهناك محاولات ومساعي حثيثة لجذب ألمانيا إلى هذا المنتدى المهم الذي يضم إيطاليا والأردن وإسرائيل وفلسطين وقبرص وعدة دول أخرى. وفي ضوء زيارات الرئيس الإماراتي لفرنسا، والرئيس المصري لكل من ألمانيا وفرنسا، وولي العهد السعودي لليونان وفرنسا، يمكن أن نلمح أن الأمور تتحرك بشكل جيد إلى الأمام لتحقيق مصالح دول المنطقة، بعيدا عن الأحلاف والتكتلات، وتحويل المنطقة إلى ساحة حرب بين روسيا والغرب.

إن كل هذه الترتيبات والتحركات جرت، وتجري تزامنا مع توصل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، في اجتماع طارئ يوم الثلاثاء 26 يوليو/تموز 2022، إلى اتفاق سياسي بشأن الحد من استهلاك الغاز الطبيعي، استعدادا لفصل الشتاء، وذلك في ظل قطع محتمل للغاز من روسيا. وأفاد الاتحاد الأوروبي بأنه تم “التوصل إلى اتفاق بشأن كيفية خفض استهلاك الغاز بنسبة 15%، وخفض الاعتماد على الإمدادات الروسية”، حيث تم الاتفاق على قواعد تنظم خفض طارئ لاستهلاك الغاز في فصل الشتاء المقبل.

وقالت رئاسة الاتحاد، التي تتولاها تشيكيا حاليا إن “توصل الوزراء إلى اتفاق سياسي على خفض الطلب على الغاز قبيل الشتاء المقبل لم تكن مهمة مستحيلة”. بل وأشارت إلى أن الخفض سيكون على أساس طوعي، وذلك “في محاولة لتحسين أمن إمدادات الطاقة في الاتحاد، توصلت الدول الأعضاء إلى اتفاق لخفض طوعي على الغاز الطبيعي بنسبة 15% هذا الشتاء”.

ووفقا لبيان الاتحاد الأوروبي فإن “الاتفاق هو رد الاتحاد على روسيا التي تستخدم إمدادات الطاقة كسلاح ضد دول الاتحاد”، وأشار البيان إلى أن دول الاتحاد اتفقت على إمكانية وجود بعض الاستثناءات من آلية الخفض الإلزامي للطلب على “الوقود الأزرق”. وفي وقت سابق صرحت المفوضة الأوروبية للطاقة، كادري سيمسون، بأن الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون مستعدا لاحتمال مواجهة توقف إمدادات الغاز من روسيا في أي لحظة.

في هذا المقام تحديدا، لا يوجد أي مجال لظهور تلك النعرات الصبيانية والنغمات “الساذجة” بشأن تنافس دول المنطقة، وأن نصيب هذه الدولة أكبر من تلك، وحقوق هذا الطرف أهم من ذاك. فالمشهد الحالي، وإعادة التموضعات، واتخاذ زوايا نشطة لتحقيق المصالح الوطنية والقومية حصرا لكل دولة، تشير جميعها إلى أن هناك بوادر فهم عقلاني لدروس السياسة والتاريخ، الأمر الذي سهَّل تدشين شبكة علاقات إقليمية، وإقليمية- دولية تعتمد على تحقيق المصالح حصرا، بعيدا عن الرؤى الأيديولوجية والشعبوية واعتماد نظرية المؤامرة في تفسير الأمور والسعي الدائم للعثور على أعداء خارجيين وداخليين يستهدفون استقرار “الوطن” و”الأمة”. وفي كل الأحوال، فإن الكرة الآن في ملعب دول المنطقة، سواء كل دولة على حدة أو على مستوى تجمعات وكتل معينة من الدول.