لماذا شريف عرفة؟

لأنه اثنان، فنان وتاجر، مبدع ومنفذ. كان منصة إطلاق لنجوم كمحمد هنيدي وعلاء ولي الدين وأشرف عبد الباقي وأحمد حلمي وكريم عبد العزيز ومحمد سعد وأحمد مكي. بل وأيضا كان وراء اختراع شخصيات لا تنسى كإتش دبور واللمبي. لأنه من أضاف خمسة أفلام ممتازة إلى رصيد عادل إمام. لأنه المسؤول عن مروان حامد، الذي يبدو أنه يكرر مسيرته على الجانب التقني الذي طالما أنقذ أفلام عرفة من ضعف محتواها. ولأن الحدث السينمائي المهيمن الآن على الساحة هو فيلم “كيرة والجن” لمروان حامد. المهووس في رأيي بالعمل على أفلام مأخوذة عن روايات وسيناريوهات أحمد مراد. فقط لسد الفجوة الرهيبة التي طالما ميزت السينما المصرية منذ بداية السبعينات بملاحقة التقدم التقني للسينما.

لكن ماذا عن الرؤية؟

لم تعد الرؤية عنصرا هاما على أجندة السينما المصرية، التي عرفت نوعا آخر من السحر بسبب عمق الرؤية في ثمانينيات وحتى منتصف تسعينيات القرن الماضي. لأن السينما فن قادر على تجاوز الضعف التقني والإنتاج الضعيف. إذا ما كانت رؤية مخرجه طازجة وعميقة. ولنا في السينما الإيرانية البسيطة في تنفيذها كالماء عبرة. حتى أن أهميتها تكاد أن تعيد تعريف فن صناعة الأفلام عالميا.

الشيء الذي يميز شريف عرفة والذي أدخله إلى السينما المصرية، هو تقديمه لشخوصه من خلال فن الكاريكاتير، الأشخاص المنمطة ذات بعد واحد مضخم. لذا تظل أفضل أفلامه هي تلك التي نفذها، أو وهبها حياة طازجة من خلال أصالة رؤيته هي تلك التي كتبها ماهر عواد ووحيد حامد. ذلك مع استثناءات قليلة كفيلم الناظر مع المؤلف أحمد عبد الله (واحد من أهم الأفلام الكوميدية المصرية على الإطلاق)، التي استفاد فيها من الكاريكاتير وخياله البصري وحرفية ضبط السيناريو وفق المفهوم الأمريكي عن رحلة البطل، وفول الصين العظيم، وإكس لارج، والفيلمين الأخيرين استفادا من الشيء نفسه، حتى أن بطل إكس لارج رسام كاريكاتير.

بينما يعد فيلم الجزيرة 1 مع المؤلف محمد دياب، فيلمًا مهمًا على مستوى التنفيذ والحرفية. ولا تخفى استفادته الذكية من فيلم العراب (أو نقل تلك التيمة بحرفية إلى السينما المصرية). خصوصًا في رسم شخصية حفني منصور وتحولاته على مدار الفيلم من شخص مختلف عن العائلة إلى متبني لكل قيمها بعنف أكبر.

الجميل في أفلامه مع وحيد حامد وماهر عواد، هو قدرته على الاستفادة من كتيبة ممثلين كبار أغلبهم مغمورين أو منسيين، قادرين على إعطائه حس الكاريكاتير المطلوب. ويبدو أنه أعاد اكتشافهم في تلك المنطقة كأحمد عقل، سهير الباروني، محمد يوسف، أو إعادة تعريف ممثلين تراجيدي كإنعام سالوسة في منطقة الكاريكاتير. كما أن خياله البصري لا يكتفي فقط بإضاءة السيناريو بل يجعل منه شيئا مبهرا.

يعلق عادل إمام في حوار له مع مفيد فوزي بأنه رفض أن يقوم ببطولة فيلم الدرجة الثالثة، ونصح المنتج بعدم تنفيذه لأنه سيفشل تجاريا، وهو ما تحقق بالفعل. كان فشل الفيلم مدويا، لكن عندما شاهد عادل إمام الفيلم انبهر بمخرجه، لأن ما رآه على الشاشة شيئا أكثر إبهارًا من السيناريو المكتوب.

وكذلك كاد كمال الشناوي ويسرا أن يرفضا العمل بفيلم الإرهاب والكباب، بسبب المساحة الصغيرة للدور على الورق. لكنه طلب من كمال الشناوي أن يحضر اليوم الأول للتصوير أمام المجمع. وعندما رأى التفاصيل الإخراجية التي أضافها استكمل الفيلم. أما يسرا فقد وثقت به. وبالفعل ظهر دورها على الشاشة بطريقة أفضل، لا يمكن لأحد غير شريف عرفة أن يفكر في رجل يستظل بشمسية داخل زحام المجمع.

لكن عوالم الكاريكاتير لا تصنع في كل مرة فيلم جيدًا. ففي فيلم مافيا مثلا، تتحول صفة التنميط أو الشخصيات التي تتحرك بمنطق كارتوني إلى سذاجة، فينقلب السحر على الساحر وبدلا من أن يتحقق التأثير عبر السخرية من النمط، نسخر نحن من نمطية أفكار شريف عرفة عن العالم، كشخصية الصحفي في فيلم الممر، أو كل شخصيات فيلم الكنز، أو الجزيرة الجزء الثاني.

لا أعلم ما الذي تغير تحديدا في شريف عرفة، ليتحول من خليفة لسلسال صلاح أبو سيف ويوسف شاهين وفطين عبد الوهاب وكمال الشيخ ومحمد خان وداود عبد السيد وخيري بشارة، إلى مجرد منفذ محترف، مهووس بنقل التقنية الأمريكية إلى السينما المصرية، ورغم الفائدة التي لا أنكرها، لكن لماذا يفشل ذلك الهوس مؤخرا في إنتاج أفلام جيدة، ولو على المستوى الحرفي، من بينها كوارث فنية لا تليق كذلك بتاريخه الحرفي، ولا أقول تاريخ المخرج صاحب الرؤية، كفيلم الممر، الكنز، الإنس والنمس، الجريمة، رغم أنه صار حرفيا أكبر من أن تقيده اللعبة بل صار أحد صائغي قوانينها وأحد نجومها الكبار، لم يعد مرفوضا كما كان وهو يقدم أزمته مع فنه في مواجهة سلطة السياسة والمال والمجتمع بالحساسية المرهفة لفنان موهوب هو وزميله ماهر عواد في أفلام: سمع هس، ويا مهلبية والدرجة التالتة.

لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل السينما في مصر عن الصناعة والنجاح التجاري، أفضل الأفلام في تاريخها صنعت في ظل صناعة مزدهرة في الأساس، لكن أين ذهبت الأفلام ذات الرؤى الفنية، لماذا رغم تطور التقنية تفشل حتى في الجانب الحرفي المتعلق بالسرد، فلا الكوميدي منها يضحك، ولا الخطابي منها يصيب الهدف؟