شهد سعر صرف الدولار، ارتفاعا خلال الأيام الماضية، رغم تثبيت سعر الفائدة بالاجتماع الأخير للبنك المركزي، ليرتفع متوسط سعر الصرف في البنوك المصرية إلى نحو 19.13 جنيه، وخلال الشهور الأخيرة وصل معدل ارتفاع سعر الدولار إلى 21% عند مقارنة مستواه حاليًا بما كان عليه في 20 مارس/ آذار الماضي قبل التحركات الملحوظة في سعر الصرف.
الارتفاع المتواصل في سعر صرف الدولار؛ دفع البعض للتساؤل عن الأسباب الحقيقية وراء هذه القفزات المُنهكة للاقتصاد القومي، ومدى تأثيرها على حركة أسعار السلع والخدمات وتأثر المواطنين بالارتفاع المتوقع للمنتجات المستوردة من الخارج الفترة القادمة؟
يأتي هذا بعد أن سجل الدولار أعلى سعر له في البنوك المصرية عند 19.10 جنيه للشراء، و19.13 جنيه للبيع في معظم البنوك المصرية، وهو أعلى مستوى للعملة الأمريكية منذ ديسمبر 2016 التي سجلت خلاله 19.06 جنيه للشراء، و19.51 جنيه للبيع نتيجة تداعيات قرار تحرير أسعار الصرف.
لماذا ارتفع الدولار؟
يقول الدكتور أحمد شوقي الخبير المصرفي وعضو الهيئة الاستشارية لمركز مصر للدراسات الاقتصادية، إن من بين العوامل المؤثرة في تحركات سعر الصرف أن جزءا من الضغوط الحالية متعلق ببيئة أو ظروف خارجية بسبب تداعيات حرب أوكرانيا وظروف التشديد النقدي والتي تخف حدتها أو تستقر مع نهاية العام الجاري.
أوضح لـ”مصر 360″، أن الجنيه لا يزال يعاني من ضغوط متراكمة عليه حتى قبل التطورات الأخيرة التي حدثت من رفع لأسعار الفائدة، إلى جانب تزايد وتيرة العزوف عن أصول الأسواق الناشئة، وموجة بيع السندات الدولية المقومة بالدولار وارتفاع العوائد عليها بشكل كبير منذ الشهر الماضي وحتى الآن.
وكان رفع الفيدرالي الأمريكي لسعر الفائدة أحد الأسباب التي أدت إلى ارتفاع سعر الدولار وتراجع الجنيه في مصر، خاصة مع السياسات المالية والنقدية التي يتخذها البنك المركزي، من رفع سعر الفائدة في أكثر من مرة مؤخرا.
تابع شوقي: الجنيه لا يزال أمامه فترة صعبة نتيجة استمرار الضغوط على الموازين الخارجية وتراجع حصيلة النقد الأجنبي مع استمرار الضغوط على الميزان الجاري نتيجة التطورات العالمية واستمرار ارتفاع أسعار السلع العالمية.
خروج الاستثمارات وسداد المديونيات
وقال محمد بدرة، الخبير المصرفي، إن مصر تعاني فجوة تتراوح من 30 إلى 35 مليار دولار تسبب عجزا في الميزان التجاري، لذلك سيظل الضغظ على موارد العملة الأجنبية مستمرا رغم تثبيت سعر الفائدة بالاجتماع الأخير للبنك المركزي.
الحل الأمثل هو العمل على تعزيز الإنتاج ودعم الصناعة المحلية، ومع وجود صناعة قوية سيكون خفض سعر العملة المحلية محفزا للصادرات المصرية مثل الصين وتركيا.
أوضح لـ”مصر 360″، أن البنك المركزي يعمل على توازن السوق واستقرار سعر الصرف من خلال ترشيد استهلاك الدولار وتوجيهها للمجالات الأكثر احتياجا، ما دفعه لإصدار قرار بوقف التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ جميع العمليات الاستيرادية والعمل بالاعتمادات المستندية فقط.
وأضاف بدرة أن سعر الدولار تأثر أيضا بخروج أموال ساخنة من السوق المحلية، بقيمة 20 مليار دولار، إضافة إلى سداد مدويونيات بقيمة 13 مليار دولار، علاوة على تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت على العالم أجمع.
هل يصل الدولار إلى 20 جنيها؟
وتوقع محلل الاقتصاد الكلي في شركة أرقام كابيتال نعمان خالد، أن ينخفض سعر الجنيه المصري أمام الدولار بنهاية العام الحالي إلى مستوى 20 إلى 21 جنيها بنهاية 2022، جراء الأحداث العالمية المتتالية والمؤثرة على الاقتصادية النامية.
أضاف لـ “مصر 360″، أن صندوق النقد الدولي يشترط وجود مرونة أكبر في سعر صرف الجنيه المصري، بالإضافة إلى بعض الإجراءات التقشفية حتى تتمكن مصر من الحصول على القرض.
وتابع خالد، أن غالبية التعديلات المتوقعة ستكون مرتبطة بخفض دعم المحروقات والخبز، لأنهما أكبر بندين يستحوذان على الدعم في موازنة مصر.
وأشار إلى أن سعر صرف الجنيه الحالي يُقيم بأعلى من قيمته الحقيقية من 10% إلى 12%، لذلك أي مقرض لمصر سيشترط أن يتداول الجنيه عند قيمته العادلة. ويرى أن جميع العملات الناشئة حول العالم تواجه ضغوطا كبيرة بسبب ارتفاع الدولار وزيادة أسعار الفائدة.
وتوقع هاني جنينة، الخبير الاقتصادي، أن يواصل سعر الجنيه تراجعه مقابل الدولار خلال الأسابيع المقبلة ليصل سعر الدولار إلى حدود 20 جنيهًا قبل نهاية سبتمبر المقبل.
وأرجع جنينة، توقعاته باستمرار انخفاض الجنيه إلى ضعف مصادر التمويل الخارجي لمصر خلال الفترة الحالية، إلى جانب أن صندوق النقد دائما ما يتفق مع البنك المركزي على مستهدفات احتياطي النقد الأجنبي لضمان عدم التدخل في سعر الصرف أو على الأقل التدخل بصورة طفيفة.
تأثير متوقع على المواطنين
ويرى محمد أبو باشا، كبير الاقتصاديين لدى المجموعة المالية هيرمس، أن استمرار نمو سعر الدولار في الفترة المقبلة قد يؤثر على المواطن وأسعار السلع المستوردة.
التجار قد يستغلون الارتفاع الحالي لسعر الصرف ويقومون بفرض نسبة زيادة غير مبررة على السلع المستوردة.
لفت لـ “مصر 360″، إلى أن توجه الدولة نحو سد الفجوة التمويلية ومفاوضات الحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي قد تجعل هناك استقرارًا في سعر الصرف الفترة المقبلة.
وتتفاوض مصر حاليا مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل جديد بقيمة 3.5 مليار دولار تقريبا، بعدما اقترضت 20 مليار دولار من الصندوق منذ عام 2016.
ويرى الدكتور أحمد متولي الخبير المصرفي، أن الفئات المتوسطة والأقل دخلًا ستتأثر كثيرًا الشهور المقبلة بحركة أسعار السلع والمنتجات المتوقع ارتفاعها مجددًا نتيجة ارتفاع سعر الدولار، “كل الخامات والمنتجات المستورة أسعارها هتزيد. وبالتالي السوق لن ينجو من ارتفاعات الأسعار”.
لفت إلى أن تحريك أسعار الوقود بداية يوليو/ تموز الماضي أثر على حركة الأسعار بالسوق المحلية، وبالتالي الوضع الاقتصادي للمواطن لم يتعد يتحمل أية زيادات جديدة في الأسعار “دخل الأسرة مش هيقدر يواجه الزيادات المستمرة في الأسعار”، وبالتالي لابد أن يكون هناك إصلاحات حكومة على مستوى أجور الموظفين بالدولة.
تابع: مصر واحدة من الدول التي تعاني من ارتفاع التضخم العالمي وتحركات سعر الفائدة الأمريكية؛ لذا هناك توقعات بأن تتجه لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي إلى رفع سعر الفائدة في اجتماعها المقبل خلال أغسطس الجاري، ما ينبئ بمزيد من التحركات السعرية داخليًا.
أزمة تايوان تصعد بالدولار
يواصل متولي لـ”مصر 360″، أن أزمة تايوان الراهنة قد تصعد بالدولار إلى مستويات قياسية خلال الأسابيع المقبلة حال استمرار التوترات بين بكين والولايات المتحدة الأمريكية لفترة طويلة.
أضاف أن الصين وأمريكا تعتبران أقوى دولتين من حيث التأثير على الاقتصاد العالمي، فأي دولة منهما بإمكانها إحداث حالة من الاضطراب العالمي على مستوى اقتصاديات الدول المتوسطة والنامية؛ مثلما حدث في حرب روسيا على أوكرانيا.
أوضح متولي أن زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان أحدثت حالة من التوترات على المستوى العالمي، وبالتالي قد ترتفع المخاوف من تبعات التصعيد المتوقع بين الصين وأمريكا، على المستوى الصناعي وعمليات التصدير للأسواق الناشئة.