في أعقاب استقالة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، بدا أن السباق لقيادة حزب المحافظين. والذي سيحدد من سيصبح رئيس وزراء المملكة القادم، أصبح “بربري”، وفق تعبير ليزلي فينجاموري، مديرة برنامج الولايات المتحدة والأمريكيتين في تشاتام هاوس.

تشير استطلاعات الرأي في بريطانيا إلى أن وزيرة الخارجية وشؤون الكومنولث والتنمية “ليز تروس”. متصدرة على وزير المالية  السابق “ريشي سوناك”. لكن، لا يمكن تحديد إلى أي مدى قد تستمر الحملات الانتخابية، التي يتنافس فيها المرشحان بقوة على أصوات أعضاء حزب المحافظين.

تقول ليزلي: أيا كان الرابح، سيكون انتصارا باهظ الثمن، ويأتي في وسط أزمة بدأت منذ ست سنوات وما زالت مستمرة. حيث كانت المملكة المتحدة غارقة في سياسات الخروج من الاتحاد الأوروبي والمعروفة إعلاميا باسم “بريكست”.

يعتقد الكثيرون أن البلاد أكثر انقسامًا مما كانت عليه قبل الاستفتاء. حيث لا يزال ثلثا البريطانيين يميلون لخروج المملكة من الاتحاد الأوروبي، وهذا جعل رئيس الوزراء بوريس جونسون “يسعى وراء خروج صعب من الاتحاد الأوروبي”. توضح ليزلي أن ذلك في جوهره أدى إلى تأجيج المشاعر الانفصالية في اسكتلندا “لم يأخذ جونسون ذلك على محمل الجد. رغم أن الإخلال ببروتوكول أيرلندا الشمالية يعرض سلام المنطقة للخطر، مما جعل وحدة المملكة المتحدة الآن موضع قلق كبير. وهو موضوع يتعين على رئيس الوزراء المقبل -دون شك- أن يحسب له حساب”.

اقرأ أيضا: صديقة القاهرة تقود الدبلوماسية البريطانية.. هل تستفيد مصر من “ليز تروس”؟

الخروج من أوروبا

عندما أيد جونسون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، صوّر الطلاق بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. على أنه شيء من شأنه أن يحرر المملكة المتحدة من قيودها المزعومة، ويمكّن البلاد من أن تكون قوة رئيسية على المسرح العالمي “مع ذلك، فإن الوعد ببريطانيا العالمية لم يتحقق”.

بدلاً من ذلك، أدت عادة رئيس الوزراء، المتمثلة في الاستخفاف بالتزامات المعاهدة، وتجاهله لقانون المملكة المتحدة -حيث فوّض من البرلمان البريطاني لتجنب التدقيق في خطط الحكومة بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي- إلى تدهور سمعة البلاد على المستوى الدولي.

توضح ليزلي: بسبب جونسون، لم يعد لدي بريطانيا علاقة مستقرة مع أوروبا. خسرت بلاده الكثير من الحلفاء والأصدقاء، وأصبحت بالكاد موجودة في النظام العالمي. حتى الدولة التي تعد الآن أهم شريك لها -الولايات المتحدة- لم تعد تنظر الى المملكة المتحدة بنفس العين. خاصة وأن الولايات المتحدة تكافح مع الحرب في أوكرانيا، والمنافسة المتزايدة مع الصين.

مع هذا، لم تفوت المملكة المتحدة كل فرصها في الريادة العالمية. استضافت البلاد مؤتمر COP 26 في العام الماضي حول تغير المناخ. وساعدت في التوسط في اتفاقية أمنية ثلاثية مع أستراليا والولايات المتحدة. والتي من شأنها إعادة تشكيل أمن المحيط الهادئ. وكذلك، كانت رائدة في الرد على العدوان الروسي على أوكرانيا، رغم إنها لم تكن اللاعب الأكثر أهمية.

لكن، تهدد وعود حملة سوناك وتروس بتقويض مكانة المملكة المتحدة دوليا. خاصة بعد المحادثات حول حل بروتوكول أيرلندا الشمالية، وإرسال اللاجئين وطالبي اللجوء إلى رواندا، وإجراء تخفيضات ضريبية غير مدروسة. “ولمساعدة البلاد على القيادة حقًا، سيحتاج رئيس الوزراء المقبل إلى استعادة الانضباط الأخلاقي والمالي في الداخل، وضمان مصداقية الالتزامات الدولية للبلاد. وتعزيز شراكاتها الدولية والإقليمية”.

التحركات الدولية

منذ الانتهاء من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي -البريكست- اتبع جونسون سياسات ضيقت من دور بلاده في العالم. منها، ملف المساعدات الخارجية التي تقدمها الحكومة، حيث تم تخفيض أكثر من ربع تلك المساعدات. جاءت هذه الخطوة بعد بضعة أشهر من ضم وزارة التنمية الدولية -التي كانت كبيرة ومستقلة ذات يوم- إلى وزارة الخارجية. ليُعاد تسميتها فيما بعد باسم “وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية”.

تضيف ليزلي: كما تلاشت سلطة الدولة في الشرق الأوسط، حيث لم يعد لديها سياسة مستقلة قوية. وأصبحت لاعب غير مهم في المفاوضات حول مستقبل إسرائيل وفلسطين، وحل الصراع في اليمن. كما تقلص وجود المملكة المتحدة في أفريقيا بشكل كبير.

مع ذلك، أبرمت لندن صفقة مع رواندا. التي ستستضيف وتعالج قريبًا اللاجئين وطالبي اللجوء، الذين يرغبون في دخول المملكة المتحدة. وقد تعرضت تلك الاتفاقية لانتقادات واسعة، لا سيما من قبل الوكالات المتعددة الأطراف التي تحتاجها لندن لتضخيم دورها العالمي.

تضيف: لقد عزز جونسون دور المملكة المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، عن طريق زيادة الإنفاق الدفاعي. وأدان بشدة محاولة الصين تشديد سيطرتها على هونج كونج. ولكن على العموم، فإن تركيز جونسون على آسيا قد عزز ببساطة التصورات الدولية بأن بريطانيا هي نائب لأهداف السياسة الأمريكية. كما ترك الانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان طريقا واحدا أمام المملكة المتحدة، وهو اتباع نهج أمريكا.

اقرأ أيضا: بريكست.. زلزال سياسي بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا

وقت سيء للاعتماد على واشنطن

تؤكد مديرة برنامج الولايات المتحدة والأمريكيتين في تشاتام هاوس. أن “التوقيت الآني وقت سيء بالنسبة للمملكة المتحدة للاعتماد على واشنطن. لأن مستقبل الديمقراطية الأمريكية غير مؤكد، وكذلك التزام الدولة تجاه حلفائها”.

وأشارت إلى أنه إذا حصل الموالون للرئيس السابق دونالد ترامب على الأغلبية في الكونجرس. أو إذا فاز ترامب أو أحد مساعديه من متبعي نفس النهج. فقد تجد الولايات المتحدة نفسها تنسحب مرة أخرى من المسرح الدولي أو تلعب دور المسبب للاضطراب.

وتابعت: “هذا من شأنه أن يخلق مشاكل خطيرة للندن. سيكون من الصعب على المملكة المتحدة أن تكون لاعبًا عالميًا رئيسيًا، إذا كان أكبر وأقوى شريك لها غير مبال”.

أوضحت ليزلي أنه “قد تبدو لندن، بالطبع، تميل أحيانًا إلى أن تكون المساعد الشخصي لواشنطن. لكنها ترى نفسها أيضًا أكثر من ذلك بكثير. سعت حكومة المملكة المتحدة إلى القيام بدور مستقل للبلد، لا سيما في منطقة اليورو الأطلسي، والتي حددتها المراجعة المتكاملة للمملكة المتحدة صراحة على أنها الأولوية الأمنية الرئيسية للبلاد”.

وأضافت: هذا نجح في بعض النواحي فقد كانت استجابة بريطانيا للحرب في أوكرانيا رائعة وسريعة وشجاعة. لقد عرضت مساعدة عسكرية أسرع من شركائها الأوروبيين. حيث قدمت 1.6 مليار دولار من الدعم العسكري، وتعهدت بـ 1.2 مليار دولار أخرى. لقد ساعدت في صياغة عقوبات صارمة، وعلى عكس أوروبا، فقد وعدت بالتخلص التدريجي من واردات النفط الروسية بحلول نهاية العام.

أيضًا، لعبت لندن دورًا حاسمًا في تمهيد الطريق أمام فنلندا والسويد للانضمام إلى الناتو. من خلال دعم الضمانات الأمنية التي تحمي كلتا الدولتين حتى حصولهما على العضوية الكاملة.

الشريك الأصغر 

في الوقت نفسه، تلفت ليزلي إلى أنه “حتى في منطقة أوروبا الأطلسية، فإن القيادة البريطانية لها حدود في الناتو. من الواضح أنها الشريك الأصغر لواشنطن. وعندما يتعلق الأمر بالطاقة والعقوبات وحتى المساعدات العسكرية، تظل كل من الولايات المتحدة وأوكرانيا أكثر اهتمامًا بالحصول على مساعدة الاتحاد الأوروبي. لأنه اقتصاد أكبر بكثير، مع عدد أكبر بكثير من الناس والموارد”.

تقول: إذا بقيت المملكة المتحدة جزءًا من الاتحاد الأوروبي، كانت لتصبح أحد أكبر اللاعبين في قرارات السياسة الخارجية للكتلة. كان سيساعد في دفع بنود المساعدة العسكرية للأعضاء، وكان سيساعد في تنسيق العقوبات. لكن الآن، لندن ليس لها أي تأثير فعلي على سياسة الاتحاد الأوروبي.

تضيف: أكسب سلوك جونسون بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عددًا قليلاً من الأصدقاء للمملكة المتحدة في القارة، وسياسات اللاجئين في البلاد. جعلها تتعارض مع المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، مما تسبب في صداع لا داعي له.