لم يكن مقطع الفيديو الذي تداوله مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا، لمعلمة تقدم أداءا غريبا أثناء تدريس مادة علم الاجتماع في أحد المراكز التعليمية الخاصة، هو الأول ولن يكون –للأسف– آخر المشاهد العجيبة التي يتنافس فيها “نجوم” الدروس الخصوصية، من أجل صنع شهرتهم الخاصة واجتذاب أكبر قدر من “الزبائن” الذين هم طلبة الثانوية العامة.

اقرأ أيضًا.. عن “القايمة” وشياطين أخرى

لنقرّ أولا أن تلك الظاهرة، ظاهرة نجوم الدروس الخصوصية، قديمة قدم تحول التعليم إلى سلعة، وتحوّل الثانوية العامة إلى عنق زجاجة مكتظ بمئات الآلاف الذين على استعداد لتقبّل كل شيء حتى لا يتضرر مستقبلهم بسبب فقدان نصف درجة، وحتى قبل أكثر من ربع قرن، حين كنتُ في الثانوية العامة، كانت جدران الشوارع مليئة بإعلانات “صاروخ الكيمياء” و”ملك الجبر” و”أسطورة اللغة الألمانية”، وقد حضرتُ بعض دروس هؤلاء المحتشدة بآلاف الطلبة، وشاهدتهم، قبل زمن طويل من عصر السوشيال ميديا، بل حتى قبل انتشار الإنترنت نفسه، وهم يقدّمون أداءات استعراضية، ويأتون بحركات غريبة، ويلجأون أحيانا حتى إلى إشارات خارجة، في سبيل صنع ما صار يسمّى الآن “الترافيك”، وكان يسمى آنذاك النجاح والشطارة والشعبية، التي كانت تجلب لهم الطلبة من كل أنحاء المدينة.

سنتر دروس خصوصية

إذا، ليس الأداء الغريب والإشارات البذيئة التي أبدتها معلمة مادة الاجتماع بالشيء الجديد من حيث المبدأ، ولكن لأن التنافس، والمزيد من التنافس، يتطلب المزيد من الجرأة على “الغرابة”، والصوت الأعلى من بقية الأصوات، فإن المعلمة لم تكتف باستخدام ألفاظ من قبيل وصف العولمة بأنها “زحلقة، مصحوبة بخزوَقة” (معبرة بإشارات يديها عن الخزوقة)!، بل واصلت، بأداء حركي إيقاعي، وبقدمين حافيتين، وبصوت جهوري وطريقة نداء تنافس بائعات السوق، صارخة: “مين اللي زحلقك يا بت؟” ثم متابعة “الأداء” لتصف بحركتها معنى “الاحتكاك”، مجيبة على سؤال الزحلقة: “الاحتكاك بوسائل التواصل الاجتماعي!”

لم تكن “البت” أو البنات فقط هن الحاضرات لـ”الدرس” الذي تقدمه المعلمة من فوق منصتها، يظهر في الفيديو عدد من الطلبة الذكور أيضا، ما يشير إلى “نجاح” المعلمة وجماهيريتها. وببحث بسيط يتضح أنها “معلمة” شهيرة، وبقراءة التعليقات على الفيديو، ليس صعبا العثور على الكثير من المؤيدين الذين يباركون “أداءها”، لأن الطلبة، وقد رأوا أمامهم محاكاة الزحلقة والخزوقة والاحتكاك، لن ينسوا “المعلومة”!

وبالطبع فإن “عدم النسيان” هو المهم وهو المسألة، لأن نظامنا التعليمي لم يستطع بعد أن يطوّر نفسه بما لا يسمح أن تكون الامتحانات هي الغاية والهدف والمنتهى. ولأن الامتحانات والنتيجة والدرجة والنصف درجة والربع درجة هي كل شيء، وهي الحد الفاصل بين تحقيق المستقبل أو الفشل فيه، فإن كل شيء يصبح مبررا، من الغش الجماعي والتسريب، إلى تعليم الأولاد على طريقة الزحلقة والخزوقة لأن المهم هو أن تنطبع العبارات – ولن أقول المعلومات- في أذهانهم/ هن حتى يسكبونها في أوراق الامتحانات، ثم “كل حي يروح لحاله”.

ولأن “التحفيظ” وعدم النسيان هو المهم، فإن فيديو معلمة الاجتماع، على غرابته ليس هو الأغرب، يمتلىء الإنترنت بمقاطع أخرى تصوّر معلمين يحفظّون طلبتهم بواسطة أدوات متعددة، منها الطبلة والإيقاع، ومنها غناء مقاطع الكتب، ومنها الحيل التي تكاد تشابه خفة اليد من أجل مواصلة حفظ المواد الدراسية، إنه سيرك شامل، والفارق الوحيد أن من يتم تدريبه هو الطلبة بدلا من القرود.