مشهد متكرر في محاكم الأطفال، أن ترى أطفالا تم ربطهم بالحبال، كنوع من التخفيف، استبدالا عن الكلبشات ثم اقتيادهم إلى المحكمة مربوطين بعضهم ببعض بحبل واحد يجمعهم معا كقطيع من الأغنام، إلا أن الأمر أفزعني كثيرا، فكيف يُساق الأطفال هكذا؟، وإن كانت تلك إحدى خطوات محاكمتهم كأطفال في نزاع مع القانون، أو أطفال جانحين، بما يسمى بظاهرة انحراف الأطفال، فما بال باقي خطوات المحاكمة التي من المفترض أن ترعى مصلحتهم القصوى، بحسب نص قانون الطفل ذاته.

اقرأ أيضًا.. ملاحظات على قضاء مجلس الدولة

وتبدأ مراحل التعامل مع الطفل الجانح منذ لحظة القبض عليه، ثم اقتياده إلى قسم الشرطة التابع إليه، أو الذي وقعت في دائرته الجريمة. وفي أحسن الأحوال يتم إحالتهم أو تجميعهم في قسم شرطة الأزبكية، والمختص إداريا بتجميع الأطفال، مرورا بترحيلهم إلى نيابة الطفل المختصة، ثم خطوات الاحتجاز أو الإيداع على حسب سن الطفل، فوق الخامسة عشر أو دونها، حتى مرحلة المحاكمة، ثم صدور حكم، إلى أن يتم تنفيذ الحكم المقضي به.

وفي هذه المراحل الإجرائية جميعها يجب أن يحظى الأطفال بالعناية الفائقة بما يتناسب مع مراحلهم العمرية، وبما يتفق مع أنهم في حاجة إلى رعاية قصوى، أكثر من احتياجهم إلى عقوبات رادعة بالمعنى التقليدي للعقوبة، وبما يضمن لهم معاملتهم كأطفال فعليا وليسوا مجرمين، وبما يتوافق مع ضرورة الإصلاح الاجتماعي.

وأظهرت التجارب الدولية أن معاملة الأطفال الجانحين جنائيا لا يجب أن تتم وفقا للقواعد التي يتم من خلالها معاملة البالغين، إذ يؤدي ذلك لنتائج سلبية، وبالتالي فإنه من الأوجب والأصلح للطفل والمجتمع أن يتم معاملة الأطفال وفق نظم وقواعد إجرائية بشكل خاص ومغاير، وذلك ما يتفق مع نظرة قانون الطفل من كون الأطفال ليسوا مجرمين، حتى لو ارتكبوا جرائم خطرة، إذ يجب وينبغي أن تظل القواعد الإجرائية القانونية، راعية ومحافظة على كونهم أطفالا، وليسوا من عتاة المجرمين.

محاكم الأطفال الأحداث

وأرى أن التعاملات الإجرائية الأولى مع هؤلاء الأطفال الذين هم في نزاع مع القانون، وهذا أفضل تعبير أحب أن أصف به هؤلاء الأطفال، يجب أن تتم وفق أسس علمية مدروسة ما بين علم النفس وعلم الاجتماع، وذلك منذ اللحظة الأولى للقبض عليهم، وقد رأيت في محكمة دلهي بعض إجراءات محاكمة الطفل، حيث لا يمكن أن يختلط الأطفال مع البالغين، وأن القضاة ليسوا فقط من دارسي القانون، حيث يجب على الأقل أن تصاحب دراسة القانون بعض الدراسات المتخصصة بجنوح الأطفال وانحرافهم، ورأيت قاعات مخصصة للطفل، ولا يمكن نظر الدعوى في قاعة محاكمة كغيرها من المحاكمات، وأن هناك أبعاد اجتماعية أخرى يجب أن تحيط به الهيئة القضائية.

أما ما أره في مصر رغم كوّن نصوص قانون الطفل تعد من أفضل صيغ القوانين في المنطقة العربية المعنية بحقوق الأطفال، ولكن للأسف لم يتم تخصيص قواعد إجرائية متخصصة، تضمن عرض الطفل فور القبض عليه على طبي، وإخصائي اجتماعي ونفسي، أو تضمن عدم احتجازه مع البالغين، حيث إن معظم أقسام الشرطة لا يوجد فيها مكان مخصص للأطفال، كما أن النيابة رغم تسميتها بنيابة الطفل، إلا ـن ذلك لا يعني أن من يقوم بالتحقيق مع الطفل من وكلاء النائب العام لديهم دراسات مختصة بعلوم الأطفال، بل أن الأمر مجرد توزيع إداري لفترة من الزمن لا تزيد عن عامين في أغلب الأحوال، كما أن قضاة الأطفال في مصر على نفس وتيرة نيابة الطفل، سواء من حيث التكوين، الذي يقتصر على المعارف القانونية فقط، أو قواعد العمل أو الندب على حسب الأحوال.

وإذا كانت الأحوال العامة تفرض علينا أن هناك فعلا ظاهرة مجتمعية متعلقة بانحراف الأطفال واتجاههم نحو الجريمة، فإن هذا الأمر لا يجب أن يتم التعامل معه منذ اللحظة الأولى وفق القواعد التي يتم التعامل بها مع الراشدين، إذ لن يؤدي ذلك إلى إنجاح تجربة الإصلاح التي من المفترض أن نسعى إليها مع هؤلاء الأطفال، بل إن هذا النسق من التعامل الذي عليه الوضع الفعلي قد يزيد من معدل تجريم الأطفال، وليس من معدلات تقويمهم.

وإذا ما تناولنا أمر عدم وجود قانون إجرائي مخصص لقضايا الأطفال، أعتقد أن ذلك الأمر من الممكن حله بشكل على أقل تقدير يتماشى مع التطور التشريعي الحاصل في قانون الطفل، وهو ما يجعل أمر القبض على الأطفال، وأماكن احتجازهم لحين عرضهم على النيابة المختصة، يقوم به متخصصون في قضايا الطفولة، أو ممن تلقوا تدريبات عليها، ولا يقتصر الأمر في أن تكون هناك شرطة للأطفال، إذ أنها بهذه الطريقة لا تُخرج القائمين عليها من عباءة التعامل الشرطي، ولكن يجب أن تخصص دراسات معينة لمن يقومون بهذا الدور، وأن يرافقهم في كل الخطوات خبراء اجتماعيين، وأن يُلحق بكل قسم شرطة خبير اجتماعي أو نفسي لمقابلة الأطفال.

كما يجب كذلك أن يكون هناك قضاة وأعضاء نيابة متخصصون في قضايا الطفولة، أو على الأقل أن يتم تدريبهم أو تعليمهم وتكليفهم بكورسات تعليمية متخصصة في مجال إصلاح الأطفال، كما يجب معالجة موضوع الأخصائين الاجتماعيين الذين يقومن بعملهم بشكل روتيني، في كتابة تقرير اجتماعي لمجرد استيفاء الأوراق الخاصة بالملف القضائي للطفل.

وإن كنت أرى بشكل شامل أن تكون هناك قواعد قانونية إجرائية خاصة بالأطفال، ولا يتم معاملتهم وفق قواعد ونسق قانون الإجراءات الجنائية العام.