ضمن عملية عسكرية بدأها عصر الجمعة الماضية، نفذ الجيش الإسرائيلي أكثر من 30 غارة على أكثر من 40 هدفاً. بواسطة 55 صاروخاً وقذيفة، ضد أهداف زعم أنها تابعة لحركة الجهاد الإسلامي. بينما ردت “سرايا القدس” -الجناح المسلّح لحركة الجهاد الإسلامي- إطلاق رشقات صاروخية، وقذائف هاون تجاه مواقع ومدن إسرائيلية.

وقد أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، اليوم الأحد. ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي على القطاع إلى 29 شهيدًا، بينهم أطفال، فضلًا عن إصابة أكثر من 253 آخرين. بينما أنهت طواقم الدفاع المدني انتشال جثامين الشهداء برفح. حيث تمكنت من انتشال 8 شهداء، بينهم ثلاث نساء وطفل. بينما أصيب 5 إسرائيليين بجروح طفيفة جراء الهلع والتدافع للغرف الآمنة في المستوطنات المحاذية للقطاع، بعد إطلاق عشرات الصواريخ الفلسطينية. حسب بيانات “نجمة داود الحمراء”. بينما أفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، أن 40 إسرائيليا، تم إسعافهم خلال الساعات الماضية.

وبينما أعلن رياض منصور، مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة. أن مجلس الأمن الدولي سيعقد اجتماعا يوم الاثنين القادم، بطلب من دولة فلسطين، ودعم المندوب العربي في المجلس -الإمارات- لبحث عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة. بحسب ما ذكرت وكالة أنباء “وفا” الفلسطينية. جاءت الإدانات ضعيفة من دول الخليج، التي وقعت اتفاقيات إبراهيم مع الدولة العبرية في سبتمبر/أيلول 2020، برعاية أمريكية.

حتى الآن، يعتبر الدعم المالي أحد أهم وسائل الخليج في التأثير على الموقف الفلسطيني. بعيدًا عن النزعة الخيرية أو الإنسانية، أو حتى المقدسات الدينية. كان استخدام المال الخليجي مع الفلسطينيين هو شأن سياسي بحت، سواء عبر قرارات القمم العربية ومؤتمرات إعادة الإعمار، أو لتمرير أجندات سياسية والتأثير في الشأن الفلسطيني. ويقدر البعض أن الإمارات تحتل المرتبة الرابعة بين أكثر 10 دول دعمت السلطة الفلسطينية منذ نشأتها، بما يقارب 2 مليار دولار.

اقرأ أيضا: انتخابات الكنيست الـ 25.. الكتلة العربية عامل مرجح في معركة تشكيل الحكومة

إدانات وبيانات

بينما شددت دولة الإمارات، الأحد. على ضرورة عودة الهدوء إلى قطاع غزة، وخفض التصعيد والحفاظ على أرواح المدنيين. ودعت مديرة إدارة الاتصال الاستراتيجي بوزارة الخارجية والتعاون الدولي. عفراء محش إلى “ممارسة أقصى درجات ضبط النفس” -حسبما ما نقلت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية- كانت الإمارات تدعو مواطنيها الموجودين في تل أبيب إلى أخذ الحيطة والحذر وضرورة اتباع تعليمات السلامة الصادرة عن السلطات الإسرائيلية.

أما وزارة الخارجية البحرينية، فأعربت عن إدانتها للهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة. وما أدى إليه من خسائر في الأرواح والممتلكات. وحذرت، في بيان أصدرته الأحد، من انعكاس هذا الاعتداء على الأمن والاستقرار في المنطقة. وعبرت المنامة عن تقديرها للجهود المتواصلة التي تبذلها مصر لاحتواء الوضع والعمل على التهدئة ووقف التصعيد للحفاظ على الأرواح والممتلكات. لكن -أيضا- أصدرت سفارة البحرين في تل أبيب بيانا تهيب فيه “بالمواطنين البحرينيين الكرام المتواجدين في دولة إسرائيل. بتوخي الحيطة والحذر واتباع الاجراءات الأمنية الرسمية المعلنة”.

كما أدانت الكويت وسلطنة عمان، العملية العسكرية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة. وعبر بيان صادر عن الخارجية الكويتية، عن “إدانتها واستنكارها بأشد العبارات. للعدوان الذي شنته قوات الكيان الصهيوني على قطاع غزة في فلسطين الشقيقة، الذي أدى إلى استشهاد وجرح عدد من الأشخاص”.

من جانبها، أعربت سلطنة عُمان عن إدانتها واستنكارها لاعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة. ودعت في بيان لوزارة خارجيتها، المجتمع الدولي إلى “تحمّل مسؤولياته نحو وقف التصعيد. ودعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بإنهاء الاحتلال، وتحقيق السلام العادل والشامل”.

دعم تاريخي للقضية

تاريخيا، تجاوبت شعوب الخليج -بقدر الإمكان- مع التيارات السياسية في العالم العربي، خاصة محاولات اغتصاب أرض فلسطين منذ عشرينيات القرن الماضي. كما أن بعضهم -خاصة الشعب السعودي- قد تجاوبوا بحماس ظاهر مع المشاعر الفلسطينية المناهضة لحركة الاستعمار الصهيوني لفلسطين خلال الثلاثينيات. وكانت السعودية هي الدولة الوحيدة بين دول المجلس التي رفضت قرار التقسيم عام 1947 مع الدول العربية الأعضاء في الأمم المتحدة. كما اشتركت مع بقية الدول العربية في المواجهة العربية الأولى مع القوات الصهيونية.

ومع استقلال إمارات الخليج تباعاً، الكويت 1961، وكل من قطر والامارات والبحرين وعمان 1971، انضمت إلى الأمة العربية في هذا الصراع المزمن. حيث اشتركت السعودية والكويت في مؤتمر القمة العربي في الخرطوم في أغسطس/ آب 1967. وخلال حرب اكتوبر لعبت الدول الاعضاء في المجلس دوراً مهماً في حظر البترول وفي الحرب الاقتصادية ضد الدول التي تساند إسرائيل،

أيضا، أعلنت دول المجلس تضامنها مع المقاومة الفلسطينية واللبنانية، إبان الحصار الاسرائيلي بيروت عام 1982. كما لعبت دوراً مهما في تأكيد استقلال القرار الفلسطيني، والحفاظ على وحدة المقاومة، ومنع تمزقها، والمصالحة بين الفصائل الفلسطينية، وبينها وبين الدول العربية. مثلما كان حرصها واضحاً على التوصل الى الوفاق الأردني- الفلسطيني عام 1985، باعتباره نقطة بدء استمرار الدفع في الجهود السلمية.

اقرأ أيضا: الراجحي: نحب تكنولوجيا إسرائيل “وفق أحكام الشريعة”.. دولارات الخليج تتدفق على الدولة العبرية

الدعم الخليجي للفلسطينيين

مع دخول دول الخليج تحت عباءة الولايات المتحدة، كانت قد ضمنت لها عدة أمور. منها الحد من التطلعات القومية والتحررية لشعوب المنطقة، حيث تحافظ واشنطن على بقاء “الأنظمة المعتدلة” من وجهة نظرها. بمعنى آخر، الأنظمة ذات الالتزام الشديد طويل الأمد تجاه أمن إسرائيل وبقاءها.

يشير الباحث الفلسطيني تيسير محيسن إلى أن هذا السياق هو ما خرجت منه مبادرة الأمير فهد 1981. والمبادرة العربية للسلام 2002. وكلاهما دعمه المال السياسي الممنوح للفلسطينيين.

يقول: بالرغم من إقرار مجلس التعاون الخليجي بالعلاقة بين استقرار دولة والحل العادل للقضية الفلسطينية. إلا أنه يصعب القول إن سياسات دولة وسلوكها السياسي تجاه القضية استندت إلى هذه الحقيقة. اتسمت نظرة جيل “الآباء المؤسسين” في دول الخليج بإعلان “العداء” نحو إسرائيل.

لكنه يلفت أيضا إلى وجود تفاوت بين هذه الدول، واستثناءات كثيرة. منها التعاون السري السعودي/الإسرائيلي إبان أزمة اليمن.

يضيف: استمر موقف العداء الرسمي بعد تشكل مجلس التعاون وحتى تسعينيات القرن الفائت. إلى أن بدأ الموقف يتآكل مع وفاة الآباء المؤسسين، وبروز جيل قيادي جديد، وتداعيات أزمة الخليج وبدء “مسيرة السلام” في الشرق الأوسط.

الاعتراف بإسرائيل

بين عامي 1995 و2006، حدثت تغييرات مهمة في هياكل القيادة الخليجية -باستثناء سلطنة عمان- بينما تأخرت السعودية حتى 2015. نجح القادة الجدد في إجراء إصلاحات سياسية حذرة، كما توسعوا في برامج التحرير الاقتصادي. في الوقت نفسه، شهدت تلك لبداية اعتدال في السياسة الإقليمية والخارجية أيضًا.

يقول محيسن: حدثت طفرة في الاستعداد العربي للاعتراف الرسمي والجماعي بوجود إسرائيل، وتوسعت علاقات التعاون التقني في مجالات متعددة ومع أكثر من بلد خليجي. شهدت التسعينيات والسنوات الأولى من الألفية، زيارات إلى عواصم خليجية، لقاءات سرية، ظهور علاقات تجارية. وكذلك تعاون تقني في مجالات إدارة موارد المياه، تجارة غير مباشرة عبر بلدان ثالثة. إضافة إلى التعاون الأمني والاستخباراتي.

وأضاف: هذا التحول تجاه إسرائيل بدا واضحًا أكثر على مستوى “صنع القرار” منه على مستوى الرأي العام. الذي ظل أكثر تحسسًا تجاه الوضع الفلسطيني.

اقرأ أيضا: ورقة جديدة من “دام”: الكفاية والكفالة.. والعصا عند اللزوم.. النظام الإماراتي يوطد حكمه

نحو التكامل الإقليمي

بدأت العلاقات مع إسرائيل تتطور وتتخلق روابط سياسية وتجارية بعد توقيع اتفاقية أوسلو 1993. رفع مجلس التعاون الخليجي الحظر عن بعض الشركات المدرجة ضمن “القائمة السوداء”. وظهرت الاتصالات بين إسرائيل والإمارات في أوائل 2000، خلال مشروع مشترك بين شركة دبي للموانئ العالمية، مع أكبر شركة شاحن بحري في إسرائيل، وهي شركة “تسيم” للملاحة.

عبر السنوات التالية، روج اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو لواقع جديد. علاقات جيدة مع أبناء إسماعيل، دون أن يغادر مستوطن واحد في الضفة الغربية، ودون أن يحل القضية الفلسطينية.

يرى البعض أن التقارب بين إسرائيل ودول الخليج يعود إلى التشابكات الجيوسياسية. المتشكلة في أعقاب الانتفاضات العربية 2011، والتي تحتل فيها إيران مكانًا مؤثرًا يشكل تهديدًا مزدوجًا لكل من إسرائيل وملوك الخليج. وهو ما يتطلب -من وجهة نظرهم- تطوير روابط أمنية تصل إلى تحالف واسع. في الوقت نفسه، تغير هيكل القيادة في الخليج، وميل القادة الجدد نحو الاصلاح الاقتصادي والانفتاح السياسي. وحاجاتهم للخبرات الإسرائيلية في هذا المضمار، فيما يعرف باسم “التكامل الإقليمي”، الذي استمد مضامينه من مشروع “الشرق الأوسط الكبير” الذي سعت إليه سابقا وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس.

سخرية على مواقع التواصل

أثارت البيانات الرسمية من سفارتي الإمارات والبحرين في الدولة العبرية. سخرية وتهكم كثير من رواد منصات التواصل الاجتماعي العرب، حيث كتب البعض “اتبعوا تعليمات السلطة الإسرائيلية.. اختبأوا في الملاجئ”. بينما رأى آخرون أنه “من غير المستغرب أن يتطوع الإماراتيون القابعون في تل أبيب في الجيش الإسرائيلي بعد هذه البيانات”. ونصح آخرون “على الصهاينة التوجه إلى بلدهم الإمارات ومغادرة فلسطين خوفا على حياتهم.. فلسطين عربية”.

أيضا، جاءت ردود أفعال غاضبة. كتب البعض “خافون على مواطنيهم الموجودين في ملاهي تل أبيب وإيلات. ولا عزاء لأطفال غزة تحت القصف”، فيما كتب أحد المعلقين “أسعار الملاجئ في إسرائيل ارتفعت نظراً لإقبال السياح الإماراتيين”.