دخل التطبيع الاقتصادي بين إسرائيل ودول الخليج خاصة السعودية والإمارات، مرحلة جديدة شهدت صفقات واستحواذات ضخمة على شركات في تل أبيب، للاستعانة بخدمات الأخيرة التكنولوجية في إطار ما قيل إنها فقط جهود لـ”مكافحة غسل الأموال”.
البنوك الإسلامية أيضا ظهرت بقوة على خط التطبيع. إذ أصبحت عائلة الراجحي السعودية، التي تملك أكبر بنك إسلامي في العالم من حيث القيمة السوقية برأسمال 218.7 مليار ريال سعودي، أكبر مساهم في شركة ذكاء التنقل الإسرائيلية “أوتونومو تكنولوجيز” التي تركز على ما يعرف بـ”السيارة المتصلة”. الأخيرة يمكن تعريفها بإنها الطريقة التي يمكن من خلالها إنشاء اتصال لاسلكي لحظي ثنائي الاتجاه بين المَرْكَبات والجهات الحكومية وشركات التأمين.
جاءت الصفقة عبر “ميثاق كابيتال إس بي سي”، المكتب العائلي لعائلة الراجحي الذي يقع مقره الرئيسي في الرياض، والذي رفع حصته بالشركة التي يقع مقرها في تل أبيب إلى 20.41%.
محمد آصف سيماب، العضو المنتدب لشركة “ميثاق كابيتال”، قال للإعلام إن الشركة تحب “الابتكار وثقافة التكنولوجيا” لدى إسرائيل. كذلك تحاول إيجاد طرق للاستفادة منها كجزء من عملياتها الاستثمارية مع الامتثال لأحكام الشريعة. كذلك قال نصا: “نحن محايدون تجاه الدول والقطاعات الاقتصادية”.
لم تتوقف استثمارات عائلة الراجحي عند “أوتونومو تكنولوجيز” ولكن أصبحت أيضا ضمن أكبر المساهمين في شركة الإعلانات الرقمية الإسرائيلية “تريمور إنترناشيونال” المدرجة في بورصة لندن.
اقرأ أيضا.. “اتفاقيات إبراهيم”.. ورقة إسرائيل الرابحة للسيطرة على إدارة بايدن
اكتمال التطبيع مع الخليج مسألة وقت
بحسب محللين، فإن التعاون المصرفي الشامل بين البنوك الخليجية وإسرائيل بات مسألة وقت لفتح المجال أمام حركة التبادل التجاري المتنامية بين الطرفين. بالإضافة إلى تحركات رؤوس الأموال الضخمة ونشاط سوق الاستحواذات. كذلك استغلال تل أبيب لنهم دول النفط الثرية للتقنيات الرقمية التي تمتلكها.
قبل شهور، أعلنت شركة “ذيتا راي” الإسرائيلية تعاقدها على تقديم أداة مراقبة المعاملات المصرفية التي طورتها لكشف الجرائم المالية إلى بنك المشرق الإماراتي الذي يملك قطاعا واسعا للمعاملات الإسلامية.
في سبتمبر 2020، وقع بنك “لئومي” الإسرائيلي مذكرة تفاهم مع كل من بنكي أبوظبي الأول والإمارات دبي الوطني. كما وقع الأخير مذكرة تفاهم مع بنك “هبوعليم”، أحد أكبر البنوك في إسرائيل، بشكل منفرد.
تحاول الإمارات استغلال تلك الاتفاقيات في تحسين سمعتها البنكية وتبديد تصور بدأ في الانتشار عالميا بأنها بؤرة لأعمال مالية غير قانونية. كما حثت البنوك على زيادة إجراءات مكافحة غسيل الأموال.
البنوك الإسرائيلية والاستيطان
ويبدو أن البنوك الإماراتية لا تهتم في تعاونها مع نظيرتها الإسرائيلية بالخلفيات السياسية أو “الأخلاقية”. ورغم أن بنك أبو ظبي الأول، أكبر بنوك الإمارات لديه قطاع ضخم متوافق مع الشريعة الإسلامية، ورغم أن الشهادة الأخلاقية دفعت أكبر البنوك الألمانية إلى مقاطعة “هبوعليم” الإسرائيلي بسبب استثماره في البناء الاستيطاني على الأراضي الفلسطينية المحتلة. إلا أن الإمارات كان لها رأي أخر.
بنك “لئومي” هو الآخر لديه تاريخ طويل ضارب في الاستيطان. اسمه القديم كان بنك “أنجلو ـ فلسطين” وضم داخله بنك استيطان اليهود الذي أسسته المنظمة الصهيونية. كان ذلك قبل أن يتحول اسمه إلى “لئومي” مطلع الخمسينيات.
“لئومي” ضمن قائمة سوداء صنفتها الأمم المتحدة وتضم شركات تدعم الاستيطان في الأراضي العربية المحتلة وتضم 112 شركة إسرائيلية ودولية، والبنك على موقعه الإلكتروني يتفاخر بدعمه للاستيطان ناشرا مقولة لثيودور هرتزل مؤسس الصهيونية الذي تنبأ بميلاد دولة إسرائيل. قال فيها إن الحركة الصهيونية كانت في حاجة ماسة إلى مؤسسات مالية لدعم المستوطنين اليهود في فلسطين.
صفقات واستحواذ.. استثمارات الخليج تتدفق على إسرائيل
التعاون المصرفي يخدم حركة الاستثمارات النهمة، التي كان آخرها شراء شركة “مبادلة” الإماراتية حصة بقيمة مليار دولار في حقل غاز “تمار” الإسرائيلي في ديسمبر/ كانون الأول 2021. كما تعتزم الإمارات أيضا استثمار 10 مليارات دولار في إسرائيل بقطاعات رئيسية مثل الطاقة والمياه والرعاية الصحية.
تميل بعض دول الخليج أكثر إلى الشراكة مع إسرائيل والتحول إلى التكنولوجيا العميقة في مجالات تشمل الحوسبة السحابية، والعملات المشفرة، والذكاء الاصطناعي.
وبالنسبة لإسرائيل فإن أبو ظبي ودبي بوابتان للتكنولوجيات الإسرائيلية، كما أنهما توفران مصادر تمويل للصناعات كثيفة رأس المال بما يعزز الصادرات والشراكات الإسرائيلية في جميع أنحاء المنطقة.
كانت حركة التجارة بين إسرائيل ودول الخليج، بما فيها الإمارات، لا تتجاوز مليار دولار سنويا قبل أعوام قليلة. إذ كان معظمها من خلال شركات تابعة مقرها في أوروبا ودول أخرى لكنها تنامت بشدة مؤخرا.
ناهزت التجارة الثنائية بين الإمارات وإسرائيل وحدها مليار دولار في نهاية عام 2021، دون حساب السياحة والاستثمار. كذلك يتوقع مسئولون إماراتيون تجاوزها تريليون دولار خلال 10 سنوات.
الأفكار التي رددتها “ميثاق كابيتال” حول التكنولوجيا الإسرائيلية هي محور اهتمام دول الخليج التي تستهدف الاستثمار في الشركات التكنولوجية الإسرائيلية الناشئة وكذلك المشاريع الكبرى، بجانب مشروعات إماراتية للنقل، من بينها بناء ميناء مياه عميقة في إيلات وخط أنابيب من ميناء البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط،.
تعمل شركات مثل “فينتيك رابيد” ومقرها تل أبيب على فتح مكاتب لها في الإمارات، على أمل جذب قوة عاملة دولية وسط نقص العمالة في إسرائيل. كما أعلنت شركة رأس المال الاستثماري “أور كراود” ومقرها القدس أنها بصدد إنشاء متجر في “سوق أبو ظبي العالمي” في تشرين الثاني/نوفمبر، لزيادة رأس المال الترويج للشركات الناشئة الإماراتية والإقليمية.
كما تستهدف الشركة الإسرائيلية الاستفادة من “مكتب أبوظبي للاستثمار”، الذي خصص 2 مليار درهم إماراتي (حوالي 500 مليون دولار) كمنح وخصومات على “رواتب ذوي المهارات العالية”.
السعودية.. علاقات قوية في الظل
صحيح أن أبو ظبي تتصدر مشهد التطبيع مع تل أبيب لكن الرياض كانت تتعاون سرا لسنوات في المسائل الأمنية وتبادل المعلومات الاستخباراتية. الجيل الشاب الذي يقوده ولي العهد محمد بن سلمان، يتّجه بوضوح نحو مقاربة مختلفة مع إسرائيل لا تستثني تطبيع العلاقات قبل التوصّل إلى اتفاقية سلام فلسطينية إسرائيلية.
زار رجال أعمال إسرائيليون يحملون جوازات سفر إسرائيلية السعودية مؤخرا بتأشيرات خاصة. كما توجد اتصالات متقدمة بشأن استثماراتهم في المملكة وصناديق استثمار سعودية في إسرائيل.
رجال الأعمال هؤلاء هم في الأساس ممثلون ومديرون لشركات تكنولوجيا إسرائيلية تمت دعوتهم من قبل السعوديين. وجاءت زياراتهم عقب إلغاء الحظر الشامل الذي كان مفروضا على الطيران القادم من الأراضي المحتلة، بالإضافة إلى السهولة الشديدة في الحصول على التأشيرات.
كما استغل العشرات من رجال الأعمال الفرصة وزاروا الرياض، المركز الاقتصادي للمملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى أماكن أخرى، مثل موقع مدينة نيوم، التي يتم بناؤها بالقرب من البحر الأحمر.
وبحسب صحيفة المونيتور الأمريكية أسفرت الزيارات عن عدد من الصفقات بملايين الدولارات، أهمها ما تم توقيعه في مجال الزراعة الصحراوية والتي تتضمن توفير تكنولوجيا إسرائيلية متخصصة في الزراعة في الصحراء.
القطاع الخاص دافع لتنامي العلاقات
الدكتورة نيريت أوفير، الرئيس التنفيذي لغرفة التجارة بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي، ترى أن القطاع الخاص على كلا الجانبين هو الذي يدفع العلاقات إلى الأمام وبسرعة.
مسئول سعودي أكد المعنى ذاته، وقال إن هناك زيادة في عدد الطلبات المقدمة من رجال الأعمال السعوديين للحصول على تأشيرات دخول للإسرائيليين. كما أن الاهتمام والتعطش للمعرفة بالتقنيات الإسرائيلية يتزايدان بسرعة. كذلك أضاف أن اجتماعات مماثلة بين رجال الأعمال من الجانبين تجري كذلك في الإمارات والبحرين.
بداية التطبيع الاقتصادي غير المباشر بين الطرفين قبل سنوات، كانت باستثمار سعودي بـ2 مليار دولار في صندوق الأسهم الخاصة الذي أنشأه جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بحجم إجمالي 3 مليارات دولار. الصندوق يستثمر في شركات إسرائيلية بمجالات مختلفة أهمها التكنولوجيا المتقدمة.
كما استثمرت الرياض في تل أبيب عبر صندوق استثمار يديره مسئول سابق آخر في إدارة ترامب “ستيفن منوشين” بجانب شركات إسرائيلية ناشئة تعمل في الولايات المتحدة، بعقود مع مؤسسة الدفاع الأمريكية، بما في ذلك شركتا الإنترنت Zimperium وCyberreason.