يشهد الغرب الليبي توترا ملحوظا مع وجود حكومتين متنافستين، الأولى في طرابلس انبثقت عن اتفاق سياسي قبل عام ونصف العام يرأسها عبد الحميد الدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة إلا إلى حكومة منتخبة. والثانية برئاسة فتحي باشاغا عيّنها مجلس النواب في فبراير/شباط ومنحها ثقته في مارس/آذار وتتّخذ من سرت (وسط ليبيا) مقرّا موقتا لها بعدما مُنعت من دخول طرابلس رغم محاولتها ذلك.
وكانت العاصمة الليبية طرابلس شهدت عمليات تحشيد عسكري متصاعد من الميليشيات المسلحة، مع انتهاء المدة القانونية لخارطة الطريق، التي أقرّها ملتقى الحوار السياسي في جنيف وانتهاء صلاحية حكومة عبدالحميد الدبيبة بالتبعية في 24 يونيو / حزيران الماضي.
وخاضت اثنان من المليشيات المسلحة في طرابلس في الثالث والعشرين من يوليو/تموز الماضي أعنف اشتباكات هناك منذ عامين، أدت إلى مقتل 16 شخصا وإصابة نحو 50 آخرين بجروح عندما تواجهت مجموعتان مسلحتان، وهما قوة الردع ولواء ثوار طرابلس وكلاهما تابع للسلطة التنفيذية.
اقرأ أيضًا.. ليبيا.. مظاهرات ومناورات ومواجهات.. متى ترجح كفة الحراك الشعبي؟
ولم تمر سوى أيام قليلة حتى اندلعت اشتباكات عنيفة مجددا في العاصمة طرابلس مطلع الأسبوع الجاري، بين مليشيا تابعة لرئيس جهاز الاستخبارات المقال اللواء أسامة الجويلي، وميليشيا القوة المتحركة التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، في محاولة من جانب مليشيات الجويلي السيطرة على مجموعة من المقرات داخل العاصمة وتأمينها للسماح لباشاغا بدخول طرابلس وممارسة أعمال حكومته منها بدلا من سرت.
وسلط القتال المتكرر بين مليشيات الغرب، الضوء على المخاطر المتمثلة في حالة الانفلات التي تسببها تلك المليشيات في ظل تحول ولاءاتها بين عشية وضحاها، أمام التمويلات الممنوحة من السياسيين والأطراف الإقليمية.
وتسببت الاشتباكات التي شهدتها العاصمة طرابلس في الثالث والعشرين من يوليو/تموز الماضي في الإطاحة باللواء خالد المازن، وزير الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية، وآمر الكتيبة 166 للحماية والحراسة محمد الحصان، و أيوب بوراس من رئاسة جهاز الحرس الرئاسي. بينما تسببت الاشتباكات التي سبقتها حينما قرر باشاغا دخول العاصمة تحت حماية إحدى المليشيات في الإطاحة برئيس المخابرات العسكرية أسامة الجويلي.
وضع أمني هش في العاصمة
في السابع والعشرين من يوليو/تموز الماضي اتفق قادة فصائل ليبية مسلحة، خلال اجتماع في العاصمة طرابلس، على خفض التصعيد والتوتر وسحب قواتهم والعودة إلى معسكراتهم، تفاديا لتجدد الاشتباكات.
الاجتماع الذي حصل على تخوم طرابلس بين الكتائب الموالية لباشاغا وتلك الموالية لعبد الحميد الدبيبة، رغم أنه خلص إلى التهدئة المؤقتة والعودة للمفاوضات في وقت لاحق إلا أن ذلك الاتفاق سرعان ما تلاشى أمام تمسك الدبيبة برفض تسليم السلطة، وباشاغا بانتهاء صلاحية حكومة الوحدة الوطنية.
ومن بين قادة الفصائل الذين حضروا الاجتماع، أسامة جويلي، آمر الاستخبارات العسكرية المقال من الدبيبة، والذي يمثل أحد الداعمين لحكومة باشاغا.
كما حضر قادة عسكريون من مصراتة والزاوية وطرابلس وأبرزهم، محمد الحلبوص آمر كتيبة الحلبوص بمصراته، وبشير البقرة وهو أحد أكبر القادة المسلحين في طرابلس وعبد الغني الككلي آمر فصيل الدعم والاستقرار الداعم لعبد الحميد الدبيبة، وأيوب بوراس أحد قادة فصيل الحرس الرئاسي التابع لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، وآمر لواء المحجوب بمصراتة الداعم لفتحي باشاغا.
مليشيات غرب ليبيا ولاءات وخلفيات مختلفة
تختلف طبيعة المليشيات المسلحة في غرب ليبيا وفقا لعدد من العوامل فمنها المؤدلج دينيا مثل التابعة لجماعة الإخوان في ليبيا وأصحاب الخلفيات السلفية. وبعضها يضم بين منتسبيه أعضاء سابقين بتنظيم القاعدة والجماعة الليبية المقاتلة، وأخرى نشأت على أساس عرقي ومناطقي مثل ميليشيات الأمازيغ. ونوع ثالث تأسس لأسباب متعلقة بإدارة عمليات تهريب المهاجرين غير الشرعيين، والسلاح والبضائع، وتتعدد ولاءات المليشيات في غرب ليبيا ما بين أطراف داخلية وإقليمية.
4 مناطق تتصارع من أجل السيطرة
ويمكن تقسيم المليشيات في الغرب الليبي، وفقا لأربع تجمعات كبرى، وهي طرابلس، ومصراتة والزاوية، والأمازيغ.
مليشيات العاصمة
فالعاصمة طرابلس، حيث مقر السلطة التنفيذية الرسمية، ممثلة في المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية التي انتهت صلاحية الاتفاق السياسي الذي جاءت بموجبه في يونيو/حزيران الماضي، تضم نحو 30 مليشيا تجمعت غالبيتها في تحالفات تحت مسميات أجهزة أمنية لإضفاء الشرعية على وجودها.
و تعد مليشيا “الردع” أبرز مليشيات طرابلس وتكرر ذكرها كثيرا خلال الأحداث الأخيرة، وتعرف تلك المليشيا باسم قوات الردع المشتركة، وهي مجموعة مسلحة يتراوح عدد أعضائها من بين 2000 و2500 فرد، وتحمل توجها سلفيا. وتتولى مهام أقرب إلى الشرطة ووحدات الأمن الداخلي، وتتمركز بصورة أساسية وسط العاصمة حيث تسيطر على أكبر قاعدة عسكرية جوية بالمنطقة الغربية وهي معيتيقة، بجانب منطقة سوق الجمعة، ويقودها الشيخ السلفي (عبد الرؤوف كارة)، وترتبط تلك المليشيا بعلاقات قوية مع حركة النهضة (إخوان تونس) كما أنها تعد المستقبل والموزع الرئيسي للأسلحة التي تأتي لمليشيات غرب ليبيا في طرابلس من تركيا.
تحول اسم تلك المليشيا إلى “جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والتطرف”، بعد أن قام المجلس الرئاسي السابق برئاسة فايز السراج، بحلها وضم أفرادها إلى القوات التابعة لوزارة الداخلية.
كما يأتي في مقدمة المليشيات ذات التأثير في طرابلس، ميليشيا النواصي المعروفة باسم القوة الثامنة، والتي تضم بين أعضائها أعدادا كبيرة من منتمين سابقين للجماعة الليبية المقاتلة، ويصل تعداد أعضائها لنحو 1000 مقاتل، وتتمركز بشكل أساسي وسط العاصمة، وهي مجموعات مسلحة تأخذ طابعا قبليا أو عائليا، حيث تتشكل بالأساس من تحالف لثلاث عائلات كبيرة تقطن في منطقة سوق الجمعة شمالي عين زارة ومناطق الأبراج السكنية الكبرى، وهي قدورة والزقوزي وأبو ذراع.
كما تشرف مليشيا النواصي على تأمين مصارف طرابلس ومينائها وقاعدة أبو ستة البحرية، ويقودها مصطفى قدور الذي يشغل أيضا منصب نائب رئيس جهاز المخابرات الليبية.
ويأتي في مقدمة المجموعات المسلحة في طرابلس ما يعرف بجهاز “دعم الاستقرار”وهو جهاز أمني تأسس بقرار من المجلس الرئاسي في 11 يناير/كانون ثاني 2021، ومهمته حماية مؤسسات الدولة والمقرات والمسئولين، ويتكون من تجمع 9 مليشيات، ويتولى رئاسته عبد الغني الككلي الشهير بغينوة، والذي يدعم رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة.
ويعد أبرز المليشيات المنطوية تحت جهاز دعم الاستقرار كتيبة ثوار طرابلس التي تضم نحو 1500 مقاتل، ويقودها هيثم التاجوري.
كما يبرز في العاصمة طرابلس اسم ميليشيا “البقرة” المعروفة في الوقت الراهن باسم الكتيبة 51 مشاة، والتي يتزعمها كل من بشير خلف الله المعروف باسم بشير البقرة وعبد العاطي الدربازي أحد قادة تنظيم القاعدة السابقين. وتتمركز بشكل رئيسي في معسكر رحبة الدروع الواقع جنوب تاجوراء وينتمي كثير من منتسبيها إلى جماعة الإخوان المسلمين.
ونظرا لتواجد الدربازي بين قادتها جدير بجعل الكثير من العناصر التي كانت تنطوي في مجموعات مسلحة عقائدية في شرق ليبيا مثل مجلس شوري ثوار بنغازي ومجلس شورى مجاهدي درنة وأنصار الشريعة وكتائب شهداء بوسليم ينضمون إليها.
ويعلن قادة مليشيا الكتيبة 51 مشاة المنطوية تحت رئاسة الأركان، دعمهم للدبيبة في الخلاف القائم بينه وبين باشاغا.
مليشيات مصراتة
في مقابل مليشيات العاصمة طرابلس هناك ميليشيات مصراتة التي تعد القوة المسلحة الأكبر في مدن الغرب الليبي، حيث تمتلك أكثر من 17 ألف مقاتل وآلاف العربات المسلحة ومئات الدبابات وعشرات الطائرات الحربية.
وتمتد منطقة نفوذ هذه المليشيات من مدينة السدادة شرقي مصراتة بحوالي 80 كيلومتر إلى مدخل العاصمة طرابلس، تحديدا مدينة القرابللي، ويتوزع ولاء تلك المليشيات بين الدبيبة وباشاغا، خاصة وأن الرجلين من أبناء المدينة.
ويعد من أبرز مليشيات مصراتة وأهمها مليشيا المرابطين و166 التي كان يدعم قائدها المقال محمد الحصان، حكومة باشاغا، ومليشيا حطين وكتيبة المرسي التي تعد أبرز الداعمين لباشاغا أيضا، ومليشيا الصمود التي يقودها صلاح بادي الضابط الطيار السابق المعروف بقربه من جماعة الإخوان والذي يتولى التنسيق المباشر مع تركيا، و مليشيا الحلبوص التي ينحدر منها رئيس الأركان الحالي لقوات غرب ليبيا محمد الحداد، و”مليشيا لواء المحجوب” و”مليشيا القوة الثالثة” و”مليشيا شريخان”، و”مليشيا حطين” التي تصطف أيضا خلف باشاغا.
مليشيات الزنتان
ميليشيات (الزنتان)، التي يقودها رئيس المجلس العسكري في مدينة الزنتان ورئيس المخابرات العسكرية المقال مؤخرا، أسامة الجويلي، حيث تنشط غرب مدينة الزاية إلى الحدود مع تونس. وتوالي في الوقت الراهن رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا، وهي مليشيا يغلب عليها الطابع الجهوي حيث تعد ممثلة للمدينة التي تنشط بها وهي الزنتان.
مليشيات الزاوية
تضم مدينة الزاوية عددا من المليشيات ذات الأعداد القليلة لمنتسبيها، وهو ما دفعها إلى التوحد في تحالف كبير أطلق عليه اسم “البحث الجنائي”، ضم ميليشيا غرفة الثوار، والنصر، والفار، والأبح، والسلوقي والبيدجا، بالإضافة إلى ميليشيا مدينة صبراتة بقيادة أحمد الدباشي.
ميليشيا الأمازيغ
وهي عبارة عن جماعات مسلحة ليس لها نفوذ خارج مناطقها، وقليلة العدد والعتاد كالتي تتواجد في الجبل الغربي، وأكبرها في مدن نالوت وجادو، بالإضافة لمدينة زوارة الساحلية القريبة من حدود تونس، وأسلحتها خفيفة، وتطلق على نفسها “القوة الوطنية المتحركة”.
ختاما فإن حالة التنافس بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، ورعاته الإقليميين، ورئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا وحلفائه، على ولاءات المليشيات المسلحة في غرب ليبيا من أجل الاحتماء بهم وتثبيت نفوذهم، وفرض أمر واقع بات يمثل الخطر الأكبر أمام الحل السياسي في الوقت الراهن للأزمة في ليبيا، ما يعني تعطل مسار الانتخابات.