شهدت أسعار الذهب خلال الأيام الماضية ارتفاعًا ملحوظًا بشكل غير مسبوق داخل السوق المحلية. ليسجل عيار 21 -يقيس مستويات سعر الذهب في سوق الصاغة المصرية- سعر 1075 جنيها. وهو مستوى أعلى بكثير من المتداول بالسوق منذ الربع الأول من 2022.
الارتفاع الذي تشهده السوق حاليًا جاء عقب فترة من التذبذب الواضح بين الانخفاض والارتفاع. لكن الانخفاض كان هو المسيطر. فخلال الأسبوعين الماضيين بدأت الأسعار في الارتفاع بعدما وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ عيد الفطر. حيث وصل عيار 21 إلى 960 جنيها للجرام.
الارتفاع غير المسبوق في سعر الذهب زاد تساؤلات من نوعية: “ما أسباب هذا الصعود وكيف أثر ارتفاع سعر الدولار محليًا في تحريك سعر المعدن الأصفر خلال الأسبوعين الماضيين؟. وهل يعزف المواطنون عن عمليات الشراء خلال الأشهر المتبقية من 2022؟”.
سعر الدولار يساوي اليوم 19.16 جنيه.
لماذا ارتفع سعر الذهب؟
أبرز الأسباب وراء زيادة مستويات أسعار الذهب في السوق المحلية عن الأسعار العالمية هو ارتفاع الطلب المحلي خلال الأشهر الماضية. فلا يزال المصريون يقبلون على شراء الذهب رغم ارتفاع سعر الجرام إلى مستويات غير مسبوقة.
فاستثمار الذهب في مصر خلال آخر 3 سنوات حقق أرباحًا بمعدلات مرتفعة جدًا. لذا كان هناك إقبال مستمر على الشراء. ما دفع الأسعار للصعود بشكل غير مبرر سبّب في النهاية وصول متوسط سعر الجرام بين 1050 و1100 جنيه -وفق ناجي فرج رئيس اللجنة الاقتصادية بشعبة الذهب.
أضاف “ناجي” لـ”مصر 360″ أن ارتفاع أسعار الذهب في مصر الأيام القليلة الماضية جاء تزامنًا مع انخفاض حجم المعروض في السوق المحلية. وقال إن النقص يعود إلى تشديد البنك المركزي المصري إجراءات الاستيراد للحفاظ على العملات الأجنبية من أجل استيراد السلع الأساسية. ما أثر سلبًا على حجم المعروض من الذهب.
الفيدرالي الأمريكي كلمة السر
وأوضح أن سعر الذهب قبل تشديد إجراءات الاستيراد كان يتم بناءً على سعره في البورصة العالمية وسعر صرف الجنيه أمام الدولار. مضافًا إليه مصاريف لا تتجاوز 15 جنيهًا في الجرام الواحد مقابل مصاريف نقل وهامش ربح التجار. لافتًا إلى أن صعود الأسعار دفع البعض للإحجام عن الشراء لحين هدوء الأسعار.
وأشار إلى أن أسعار الذهب عالميًا تتأثر باحتمالات رفع الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي الأمريكي) أسعار الفائدة. ما يزيد التداعيات السلبية على غالبية اقتصاديات دول العالم. وبالتبعية تأثر غالبية المجالات الصناعية ومنها صناعة الذهب.
وقال محمد عبد الوهاب -المحلل الاقتصادي- إن التذبذب في أسعار الذهب يعود إلى تضارب تصريحات مسئولي الفيدرالي الأمريكي حول الاستمرار في التشديد النقدي أو التخفيف. ولكن اليقين أن الفيدرالي الأمريكي مستمر في سياسة التشديد النقدي حتى نهاية العام الجاري ليصل بسعر الفائدة إلى 3.5%. وذلك لكبح جماح التضخم الأمريكي الذي تخطى مستويات غير مسبوقة.
وأضاف لـ”مصر 360″ أن توقعات المؤسسات المالية الأجنبية بالتخفيف من سياسة التشديد النقدي عقب السيطرة على التضخم المتوقع لها النصف الأول من 2023 أعطى بريق أمل للمستثمرين في خفض أسعار الفائدة مستقبلاً. وهنا اتجهوا للاستثمار في الذهب. ما أدى لارتفاع أسعاره عالميًّا إلى 1770 دولارا للأونصة. وانعكس هذا على تذبذب أسعار الذهب في مصر. والتي شهدت تذبذبات وإن كان بوتيرة أعلى فحقق زيادات بالغة.
هل تسبب الدولار في صعود الذهب؟
أسعار الذهب في مصر مدفوعة بشكل رئيسي بزيادة سعر الدولار. وبالتالي هناك تأثر واضح على مستوى الأسعار خلال الأسبوعين الماضيين. أي منذ بدء الارتفاع الحالي في سعر صرف الجنيه وتجاوز الدولار حاجز 19.13 جنيه. وفق ناجي فرج -رئيس اللجنة الاقتصادية بشعبة الذهب.
وأضاف لـ”مصر 360″ أن تحريك أسعار الفائدة داخليًا وخارجيًا رفع قيمة الدولار في مصر. ما تسبب في تحريك أسعار غالبية السلع والمنتجات. وعلى رأسها الذهب والمنتجات البترولية وكذلك السيارات.
وأكد أن أحد أسباب ارتفاع أسعار الذهب الفترة الماضية هو زيادة إقبال المصريين على شراء المعدن الأصفر لاستثمار مدخراتهم. وذلك خشية أي انخفاض في سعر صرف الجنيه وارتفاع التضخم نتيجة موجة التضخم العالمية والحرب الروسية في أوكرانيا. مما أدى إلى زيادة شراء سبائك وجنيهات ذهب ومشغولات. موضحًا أن هذا ما حدث بالفعل حينما ارتفع الدولار إلى ما يزيد على 19 جنيها في مصر.
هل يواصل الذهب الصعود؟
ويشرح هاني ميلاد -رئيس الشعبة العامة للذهب والمجوهرات بالاتحاد العام للغرف التجارية- أنه من الصعب توقع أسعار الذهب خلال الفترة المقبلة. وذلك في ظل المتغيرات التي تطرأ فجأة ويكون لها تأثير قوي على السعر. سواء بالارتفاع أو الانخفاض. ولكن جميع المؤشرات تشير إلى الارتفاع في ظل زيادة السعر في البورصات العالمية مع ارتفاع سعر الدولار.
أضاف لـ “مصر 360” أن أسعار الذهب في اتجاه تصاعدي حتى الآن رغم التذبذبات الحادثة في السوق العالمي نتيجة تأثير أسعار الفائدة وارتفاع سعر الدولار التي رجحت كفة ارتفاع بورصة الذهب خلال أغسطس الجاري.
تابع: كلما تزايدت حدة حالات الاحتقان العالمية بين روسيا وأوكرانيا المدعومة بالغرب وأمريكا، والصين وتايوان المدعومة بأمريكا سيتزايد معها سعر الذهب، وقد يتجاوز مستوى الـ1200 جنيه للجرام لعيار 21 خلال الفترة المقبلة.
هل يعزف المواطنون عن الشراء؟
أسعار الذهب طوال الأشهر الماضية كانت متذبذبة بين انخفاض وارتفاع. إلا أن الانخفاض كان هو المسيطر. وخلال الأسبوعين الماضيين أخذت الأسعار في الارتفاع حتى قاربت حاجز 1100 جنيه للجرام، حسب محمد رجب أحد تجار الذهب.
وأضاف “رجب” لـ”مصر 360″ أن جميع المؤشرات تشير إلى أن الأسعار ستواصل الارتفاع. ولا وجود لانخفاض أسعار في المدى القريب. مشيرًا إلى أن الإقبال ضعيف على شراء المعدن الأصفر بالنسبة للطبقات المتوسطة والمحدودة: “مفيش شراء نهائي إلا لو فيه حفل زفاف بس”. فالأسعار الراهنة دفعت الأسر إلى تجنب شراء الذهب حتى أحيانا في حفل الزفاف .
ويوضح هاني ميلاد أن التوقيت الحالي ليس توقيت شراء ذهب نهائيًا بالنسبة للمواطن العادي. فالأسعار في ارتفاع يومي وهناك تذبذب واضح على مستوى صعود وهبوط البورصة. وبالتالي يفضل أن يكون هناك تأجيل لخطوات شراء المعدن الصفر حتى نهاية العام على أقصى تقدير. وذلك لحين هدوء الأوضاع خارجيًا وبالتالي إمكانية هبوط السعر لما دون 1000 جنيه للجرام.
أما بالنسبة للمستثمرين فوضعهم يختلف تمامًا باعتبارهم يدرسون السوق جيدًا قبل الاستثمار في هذا المجال.
قيمة الذهب في احتياطي النقد الأجنبي لمصر
وبالنسبة لقيمة الذهب المسجل في احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصري فقد تراجعت بنحو 253 مليون دولار خلال شهر يوليو/تموز الماضي. مقارنة بما كانت عليه في نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي.
وبحسب بيانات البنك المركزي المنشورة على موقعه الإلكتروني بلغت قيمة الذهب المسجل في احتياطي النقد الأجنبي نحو 7 مليارات و61 مليون دولار في نهاية يوليو/تموز الماضي. مقابل نحو 7 مليارات و314 مليون دولار في نهاية يونيو/حزيران.
وانخفضت بذلك قيمة الذهب في احتياطي النقد الأجنبي بنحو 746 مليون دولار خلال آخر 4 أشهر. مقارنة بما كانت عليه في نهاية مارس/آذار الماضي عند 7 مليارات و807 ملايين دولار.
وانخفض احتياطي النقد الأجنبي في يوليو/تموز الماضي بنحو 233 مليون دولار. ليصل إلى 33.143 مليار دولار بنهاية يوليو/تموز مقابل نحو 33.376 مليار دولار بنهاية يونيو/حزيران.
وانخفضت الأسعار العالمية للذهب خلال شهر يوليو/تموز الماضي بنحو 2.3% مقارنة بنهاية يونيو/حزيران. ليصل سعر الأوقية إلى 1765.94 دولار في نهاية تعاملات الشهر الماضي.
حجم الطلب على المشغولات الذهبية خلال 2021
ونهاية إبريل/نيسان الماضي أظهر تقرير مجلس الذهب العالمي ارتفاع الطلب على المشغولات الذهبية والمجوهرات في مصر بنسبة 8 % خلال الربع الأول من 2022. مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. مسجلاً أعلى مستوى ربع سنوي منذ الربع الرابع من عام 2015.
وبحسب بيانات التقرير ربع السنوي الصادر والمنشور على الموقع الإلكتروني للمجلس فقد سجل الطلب على المشغولات الذهبية والمجوهرات في مصر خلال الربع الأول من العام الجاري 7.7 طن مقابل نحو 7.1 طن خلال الفترة نفسها من 2021.
وبالمقارنة ربع السنوية ارتفع الطلب على المشغولات الذهبية والمجوهرات في مصر خلال الربع الأول من 2022 بنسبة 13.2%. مقارنة بالربع الرابع من عام 2021 والذي سجل 6.8 طن.
وعلى مستوى منطقة الشرق الأوسط ذكر التقرير أن الطلب الإقليمي وصل تعافيه من الركود الناجم عن جائحة كورونا في 2020. إلى أعلى مستوى له منذ الربع الأول من 2019. وارتفع طلب منطقة الشرق الأوسط على المشغولات الذهبية خلال الربع الأول من العام الجاري بنسبة 18% على أساس سنوي عند 47 طنًا. وكانت الإمارات وإيران أكبر المساهمين في نمو المنطقة.