ثورة الأيام الأربعة من 25 حتى 28 يناير 2011 لم تكن غير فاصل قصير قطع الإرسال بين حقبتين دكتاتوريتين، بدأت الأولى مع تحرك القوات ليلة 23 يوليو 1952 واستمرت ستين عاما دون انقطاع إلا في أسماء الحكام وشكل السياسات التي اتبعها كل منهم من نجيب إلى ناصر إلى السادات إلى مبارك، ثم عاد الإرسال بالتدريج مع النزول الثاني للقوات مساء 28 يناير 2011 ومازالت مستمرة، بدأت متخفية وراء الثورة في الميادين، ثم متخفية وراء حكم الإخوان، ثم متخفية وراء المدنيين الثائرين على حكم الإخوان، ثم متخفية وراء الرئيس المؤقت، ثم مع منتصف 2014 كانت قد أبانت عن وجه صريح واضح مكشوف، جاءت بانتخابات لا تختلف في شيء عن الاستفتاءات، ثم قضت على المنافسين من عسكريين ومدنيين، ثم شكلت كل المؤسسات على مقاسها، ثم فرضت الصمت -خوفا ورهبا- على الجميع، حتى نجحت في تأسيس ديكتاتورية مستقرة، هذا التأسيس يقوم على بنية تشريعية وقانونية وأمنية ومؤسسية تكفي لتستقر الديكتاتورية الجديدة إلى نهاية هذا القرن الحادي والعشرين، حيث نجحت الديكتاتورية البازغة -عبر سيطرتها الكاملة- على البرلمان من ضمان هندسة قانونية تكفل لها إحكام السيطرة على الدولة والشعب.
وقد كان العنصر الفاعل في هذا التأسيس الثاني للديكتاتورية الجديدة رئيس المخابرات الحربية في أواخر عهد مبارك، ثم الذراع اليمنى في الفترة الانتقالية للمشير طنطاوي ثم وزير دفاع الإخوان ثم الرئيس الفعلي في عام الرئيس المؤقت ثم الرئيس المؤسس لما يسمى “الجمهورية الجديدة” من 2014 وما بعدها. وهكذا لم تكن أيام الثورة الأربعة غير فاصل قصير انتقلت بعده الراية من ديكتاتورية يوليو الأولى 1952 – 2011 إلى ديكتاتورية يوليو الجديدة 2014 إلى ما شاء الله.. ربما إلى نهاية هذا القرن الحادي والعشرين.
يوم أعلنت الديكتاتورية الجديدة دعوتها لما أسمته “الحوار الوطني” في 26 إبريل 2022 كان ذلك نقطة فارقة بين مرحلتين من مراحل نموها وتطورها، من عنف التأسيس إلى عنف الاحتواء.. عنف لم يعرف الاستثناءات من نزول الآلات مكتوبا عليها “يسقط مبارك” إلى صدور قرار النائب العام بالقبض عليه، إلى إيداعه سجن طرة، إلى تقديمه للمحاكمة، إلى تصفية الثورة ماديا وأدبيا، إلى احتواء خطر الإخوان ثم تصفيتهم تنظيما وواقعا، إلى تجميد المدنيين، إلى ترهيب المنافسين العسكريين، إلى إقناع الداخل والخارج معا بأن ذلك كله ليس غير ضرورات أملاها الواقع واستلزمها حفظ الاستقرار وصون البلاد مما انزلقت إليه بلدان عربية مجاورة شملها ما كان يُعرف بـ”الربيع العربي”.
وصل عنف التأسيس إلى نهايته مع تمكن الديكتاتورية الجديدة تمكنا غير مسبوق في تاريخ الدولة الحديثة، فقد تمكنت بصورة لم تسعد بمثلها أي ديكتاتورية سابقة عليها، بما في ذلك ديكتاتورية محمد علي باشا 1805 – 1848، ثم ديكتاتورية جمال عبد الناصر 1954- 1970، وما بينهما وما بعدهما من ديكتاتوريات سواء تحت حكم سلالة محمد علي باشا أو تحت حكم ضباط الجيش.
بعد الدعوة للحوار الوطني بدأت المرحلة الثانية من مراحل نمو الديكتاتورية الجديدة وتطورها، حيث العنف مستمر، لكن الهدف منه مختلف، لم يعد الهدف هو خلق أجواء تساعد على التأسيس دون شوشرة ولا تعطيل ولا تعويق ولا تشتيت للانتباه والجهد، فقد اكتمل التأسيس منذ تم تعديل الدستور في ربيع 2019، حيث ضمن الرئيس بقاءه في السلطة دون أدنى إزعاج حتى صيف 2030. الهدف من العنف -المادي والأدبي- في مرحلة ما بعد “الحوار الوطني” هو الاحتواء، ليس احتواء غضب الشارع، وليس احتواء غضب تبديه المعارضة، فغضب الشعب مثله مثل غضب المعارضة يندرج تحت بند غضب العاجزين الذين لا يملكون أدنى قدرة على تحويله إلى فكرة، ولا يملكون أي هامش لتحويله إلى حركة، وبدون فكرة وبدون حركة يظل الخطر على النظام عند نقطة الصفر.
لكن المقصود هو احتواء أمرين: أولهما ما ترتب على السياسات الاقتصادية للديكتاتورية من تداعيات شديدة السلبية على موازنة الدولة ثم على مستويات معيشة الأفراد ثم على التركيبة الطبقية حيث ثراء فاحش على حساب فقر مدقع. وثانيهما: احتواء ضغوط الخارج -وهي على كل حال ليست ذات خطر- لكن استمرار الاستدانة واستفحال الأزمة الاقتصادية يستدعيان الظهور بمظهر أقل ديكتاتورية في الداخل، ثم إن هذا الاحتواء هو تطعيم الديكتاتورية الجديدة بتكتيكات دولة يوليو في الاحتواء وهو تقليد قديم لجأ إليه كل حكامها من نجيب إلى ناصر إلى السادات إلى مبارك، وقد برع فيه مبارك بصورة مكنته من الاستقرار ثلاثة عقود كاملة، ولولا غلطة التوريث لنجله لكان استقر في الحكم آمنا مطمئنا دون إزعاج ذي شأن حتى يوم وفاته في 25 فبراير 2020م، يعني لولا مشروع التوريث كان حكم مبارك لم يسقط في فبراير 2011 وكان استمر حتى وفاته في فبراير 2020 وربما كان التمتع بمزايا السلطة أطال عمره إلى ما بعد ذلك التاريخ حيث يتيح له المنصب راحة نفسية ورعاية صحية وثقة في النفس وحبا للحياة.
في كلا المرحلتين، سواء مرحلة التأسيس، أو مرحلة الاحتواء، فإن عنف الدكتاتورية -المادي والأدبي- مستمر ومستقر، طالما بقيت تحكم بمثل الانتخابات الرئاسية في 2014 ثم في 2018 وكلتاهما استفتاءات في شكل انتخابات، ثم طالما بقيت تحكم ببرلمانات مثل برلمان 2015 ثم برلمان 2020 وهي جاءت بالتعيين الفعلي لكن في ثياب الانتخابات، وطالما بقيت تطبق السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تخدم مصالح الفئات المميزة على حساب عموم الشعب، وطالما بقيت تحكم بالعقد الاجتماعي القائم على الإملاء من طرف الحاكم يقابله الإذعان من طرف المحكوم، ثم طالما بقيت أولويات السلطة ذات الطابع الخديوي ليست هي أولويات الشعب، طالما بقي كل ذلك فإن حاجة الديكتاتورية الجديدة إلى العنف المادي والأدبي سوف تظل قائمة
***
السؤال الآن: هل ما تم في سنوات عنف التأسيس 2014 – 2022 من وضع بنية تحتية تشريعية وقانونية وأمنية ومؤسسية تكفي لتستقر الديكتاتورية مائة عام أو على الأقل حتى نهاية القرن الحالي هل فعلا ستحقق الهدف منها، بعبارة أخرى هل توفر البنية التحتية للديكتاتورية المعمرة يضمن استقرارها ثم استمرارها حتى 2030 ثم إلى ما بعدها؟
وإذا كانت الديكتاتورية الأولى عمرت ستين عاما ثم إذا كان المصريون تحملوا -ومازالوا يتحملون- ديكتاتوريات متواصلة من مطلع القرن التاسع عشر حتى كتابة هذه السطور ألا يعني ذلك قدرة الديكتاتورية الجديدة على الاستمرار وقدرة المصريين على التكيف معها والخضوع لها؟
إذا كان المصريون خضعوا لتداول عدد من الضباط -غير النابغين نبوغا خاصا لا في العسكرية ولا في السياسة- لمدة سبعين عاما من 1952 – 2022 ألا يعني ذلك استعدادهم ليتداول عليهم عدد مماثل من الضباط حتى نهاية القرن الحالي؟
هنا يلزمنا إبداء عدة ملاحظات:
رقم واحد: أن الديمقراطية التي نقصدها لم يعرفها العالم قبل الثورتين الأمريكية ثم الفرنسية في الربع الأخير من القرن الثامن عشر، ولم تكتمل ملامحها حتى الربع الأول من القرن العشرين، لم تعرف ألمانيا وإيطاليا ديمقراطية لها معنى إلا في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، ثم بريطانيا ذاتها -مهد الديمقراطية- لم تكتمل تجربتها بإقرار حق التصويت لجميع مواطنيها إلا عام 1918، ومن ثم فالحديث عن ديكتاتورية محمد علي باشا ليس بمعنى الخروج على قواعد الديمقراطية بمعناها الحديث لكنها ديكتاتورية الاستبداد التي تمتاز بأمرين: الحكم في يد أقلية والحكم يخدم مصالح أقلية، بهذين تتم إدانة حكم محمد علي باشا باعتباره نوعا من الاستعمار يستنزف البلد والشعب لصالحه وصالح أقلية من حوله، ولا تتم إدانته بمعنى أنه غير ديمقراطي بالمعنى المستقر للديمقراطية.
رقم اثنين: لم يبدأ المصريون كفاحهم الديمقراطي -بالمعنى الحديث- حكم نيابي، فصل السلطات، تقييد سلطة الحاكم، دولة الدستور والقانون إلا مع عهد الخديوي إسماعيل وبدايات عهد الخديوي توفيق، حيث عرفت مصر – بالفعل – محاولات جنينية للديمقراطية وحكم الدستور والقانون وسيادة الشعب، وقد بلغت ذروتها مع الثورة العرابية 1881، وبلغت من الفوران والعنفوان والقوة حدا استدعى تدخل مسلح من أعتى إمبراطوريات القرن التاسع عشر لإجهاضها مع هزيمة العرابيين في التل الكبير ودخول قوات الغزو الإنجليزي القاهرة في سبتمبر 1882.
رقم ثلاثة: رغم خضوع مصر لاستعمار مزدوج -استعمار سلالة محمد علي باشا مع استعمار الإنجليز- إلا أن كفاح المصريين من أجل حكم الدستور والقانون لم ينقطع على مدى ثلاثة أرباع قرن، من ثورة العرابيين 1881، إلى الثورة المجيدة 1919، إلى ثورة 23 يوليو 1952، ثلاثة أرباع قرن راكم فيها المصريون -في الفكر والنضال مع – واحدة من أعظم تجارب الشرق سعيا لضبط السلطة الحاكمة وتقييدها بما يخدم المصالح العامة وما يبعدها عن الانحراف لخدمة أهواء الحاكم الفرد وخدمة مصالح الذين من حوله.
رقم أربعة: على مدى سبعين عاما من 1952- 2022 كان حكم ضباط الجيش مجرد إعاقة مستمرة للديمقراطية، حيث الرئيس فوق الدولة، وحيث الدولة فوق الشعب، وحيث الشعب مركون على الهامش، فالرئيس سلطته بلا قيود، يسيطر سيطرة كاملة على السلطة التنفيذية، والسلطة التنفيذية تسيطر سيطرة كاملة على السلطة التشريعية، هذه السيطرة تنال من حرية الصحافة، وتنال من استقلال القضاء، وتمنع المبادرة السياسية أو الاجتماعية المستقلة، وتجفف منابع السياسة، وتغلق المجال العام، وتنصب المواطن الفرد في ساقية المطالب اليومية والاحتياجات الضرورية فلا يكاد يرفع رأسه ولا يشم نفسه.
رقم خمسة: رغم هزيمة مشروع محمد علي باشا كمستبد عظيم، ثم رغم هزيمة مشروع جمال عبدالناصر كديكتاتور عظيم، إلا أن انجازات الرجلين في مشاريع الري -على وجه التحديد- تضمن لهما الخلود في تاريخ مصر إلى جوار الفراعين العظماء الذين أدركوا أن مصر هي النيل وأن النيل هو مصر، وذلك على خلاف الديكتاتورية الجديدة 2014 – 2022 التي أقصى إنجاز لها في هذا التحدي الوجودي الأضخم هو “تبطين الترع”، وهي -في هذا السياق- امتداد لحقبة السادات – مبارك 1970- 2011 إذ هي حقبة بائسة فيما يختص بمشاريع الري وزاد البؤس في حقبة مبارك ثم أورثه لمن جاءوا من بعده.
رقم ستة وأخيرا: صحيح تاريخ مصر الحديثة هو تاريخ الديكتاتورية مختلفة الأشكال والألوان، وصحيح أن كل الثورات حلمت بالديمقراطية ثم انتهت إلى الديكتاتورية بما في ذلك ثورة 1919 المجيدة رغم أنها كانت ثورة شعبية محضة دون أي مكون عسكري، وصحيح أن ثورة الأيام الأربعة في يناير 2011 لم تسلم من هذا المصير، لكنها لم تمت بعد، ولم تخرج من دائرة الفعل التاريخي بعد، ولم تغب عن الحضور بعد، فمازالت هي الحاضر الحاضر وليست الحاضر الغائب، مازالت في وعي السلطة كما هي في الوعي الباطن للشعب، جزءا من خبرة السلطة تتمنى لو أنها لم تكن، وجزءا من خبرة الشعب تم تشويهها وتمت إدانته بها، لكنها تركت فيه وعيا مختلفا -حتى لو لم يكن واعيا به- تركت فيه الوعي أنه إذا قرر النزول إلى الشارع نزل الحاكم عن سلطانه وتكسر برواز هيبته ودخل قاعة المحكمة في خضوع وتسليم. ثورة الأيام الأربعة من 25 يناير إلى 28 يناير 2011 ليست جملة اعتراضية في التاريخ، وحتى لو كانت فاصلا بين ديكتاتوريتين إلا أنها روح حاضرة في التاريخ كما هي وعي حاضن للإرادة العامة لجمهرة المصريين أن تسقط في بئر اليأس.
***
الديكتاتورية -أي ديكتاتورية- بدون مشروع اقتصادي وسياسي واجتماعي يستفيد منه أغلبية الناس هي ديكتاتورية بلامستقبل حتى لو كانت -مثل الديكتاتورية الجديدة 2014- 2022- قد وضعت خلال ثمانية سنوات الأسس الصلبة والبنية التحتية التشريعية والأمنية والمؤسسية والترهيبية التخويفية التي تكفيها لتبقى مائة عام، يتداول عليها عدد من ضباط الجيش يقلون أو يزيدون عن عدد من حكم مصر منهم خلال العقود السبعة الأخيرة.
ورثت مصر عن عهدي السادات – مبارك غفلةً تاريخيةً عن مشاريع الري في بلد حياته وموته في نهر النيل، وهذا هو الخطر الأكبر الذي يستهدف جميع المصريين دون استثناء، وبدون استجابة عظمى تؤمن تدفق النهر بحقوق المصريين من المنبع إلى المصب فلا مستقبل لحاكم ديكتاتورا كان أو ديمقراطيا.
” تبطين الترع” ليست حلا، وليست استجابةً للتحدي، وليست مشروعا للمستقبل، وليست تأمينا لمستقبل المصريين، وليست دفاعا عن مصر ضد أخطر مهددات أمنها القومي بالمعنى الوجودي.
الديكتاتورية الجديدة تنقصها همة الديكتاتوريات القديمة، همة السد العالي وما سبقه من مشاريع عظمى للري على مدار القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، وهنا أود أن أنقل النصين التاليين عن اثنين من كبار المؤرخين المعاصرين يمثلان جيلين مختلفين في رؤيتهما أولا للسد العالي ثم ثانيا ما سبقه من مشاريع الري العظمى.
أولا: عن السد العالي، تحديدا، يقول المستشار طارق البشري في ص 132 من كتابه “دراسات في الديمقراطية المصرية” الطبعة الأولى 1987 عن دار الشروق، يقول: “سلكت ثورة 23 يوليو مسلكا جديدا يضمن الأمن الاستراتيجي لمصر ويؤكده، وهو إقامة السد العالي، وقد أطنب المنصفون في ذكر الفائدة الاقتصادية للسد العالي، من استصلاح أراضي واستزراعها وتحويل أراضي الحياض الباقية إلى الزراعة الدائمة وكهربة مصر وغير ذلك، وغالى المغالون في استنباط أضرار السد ضلالا وتضليلا، ولكن يبدو لي أن أعظم فوائد السد العالي أنه ضمان استقلال وأمن قومي، وأنه سور عظيم من المياه كسور الصين العظيم بناه عبدالناصر، وأن بحيرة ناصر أمنت لمصر مورد مياه مستمرا يكفيها غائلة المفاجآت، وبه تحررت مصر من احتمالات التهديد السنوي، ومنحها فسحة من السنين تتدبر أمرها”.
انتهى الاقتباس من البشري، ولك أن تتوقف عند معنيين، الأول أن السد العالي هو سور الصين العظيم -كمصدر حماية- بناه عبد الناصر، ثم الثاني أن السد العالي لم يكن حلا نهائيا إنما هو منح مصر فسحة من الزمن حتى تتدبر أمرها، وتعليقي أن هذه الفسحة من الزمن قد أهدرها كل من السادات ثم مبارك بالتتابع.
ثانيا: السد العالي منظورا إليه في إطار أوسع يضمه إلى جوار ما سبقه من مشروعات ري عظمى سواء أنجزها محمد علي باشا وسلالته أو أنجزتها إدارة الاستعمار البريطاني، يقول المؤرخ الدكتور شريف يونس في ص 26 من كتابه “نداء الشعب: تاريخ نقدي للإيديولوجيا الناصرية” الطبعة الأولى عن دار الشروق 2012، يقول: “السد العالي -كمجرد مثال- لم يكن أكثر من تتويج لسلسلة من مشروعات الري، والتي بدأت في عهد محمد علي، وحتى إقامة خزان أسوان وتعليته مرتين. وقبل السد العالي كانت أربعة أخماس الأراضي الزراعية تتبع نظام الري الدائم بكل محاسنه ومساوئه، فلم يزد دور السد عن مضاعفة حسنات وسيئات الري الصناعي الحديث”.
انتهى الاقتباس من دكتور شريف يونس، وتعليقي أنه يكمل ما سبق وذكره البشري مع لغة أكثر تحديدا ونظرة أكثر شمولا.
حدث ذلك، في القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث لم تكن مصر تواجه مثل الخطر الذي تواجهه مع السدود الأثيوبية على النيل الأزرق، ومن ثم فإن الحديث عن “تبطين الترع” هو خروج عن الحد الأدنى من جدية التفكير ثم جدية التدبير ثم جدية القرار ثم مواجهة الخطر بحل حقيقي.
***
عندنا، وعند غيرنا، الديكتاتورية كمنهج في الحكم والإدارة قد تنجح في تأسيس نظام حكم، ولكن -على الجانب الآخر وبالمقدار ذاته- هذه الديكتاتورية هي من تتكفل بسقوطه كما تكفلت بقيامه.
وهذا هو موضوع مقال الأربعاء المقبل بمشيئة الله تعالى.