في 2 أغسطس/آب، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، أن الولايات المتحدة قتلت زعيم القاعدة أيمن الظواهري. بهجمة دقيقة استهدفته في كابول صباح يوم 31 يوليو/ تموز. اكتشفت أمريكا أن الظواهري قد عاد إلى العاصمة الأفغانية مع عائلته في ربيع عام 2022. بعد أكثر من عقدين من الاختباء.
معظم الوقت، كان يُعتقد على نطاق واسع أن زعيم القاعدة يحتمي في مكان ما بالقرب من الحدود بين أفغانستان وباكستان. لكن وكالة المخابرات المركزية كانت تراقب منزلا آمنا في منطقة راقية في كابول، حيث كان الظواهري يقيم لعدة أشهر. قبل أن تشرع في هجوم دقيق بطائرة بدون طيار. لم تعترف طالبان صراحة بوفاة الظواهري إلا بالقول إنه ليس لديهم معلومات عن وصوله وإقامته في العاصمة.
في تحليله، يستكشف خبير مجموعة الأزمات، جيروم دريفون، ما قد يعنيه مقتل زعيم القاعدة، وتداعياته على التنظيم والفروع المرتبطة به. والتحدي الأكبر للقاعدة، وهو اختيار زعيم جديد لتنظيم صار خاملًا، ولم يعد يستطيع مواجهة “العدو البعيد”.
اقرأ أيضا: الإدارة الأمريكية: هكذا تم اصطياد “الظواهري”
الصعود إلى القاعدة
للظواهري تاريخ طويل في التشدد، منذ انضم إلى أول جماعة إسلامية مسلحة في عام 1966. وبدأ يظهر اسمه في الحديث عن المجموعة التي قامت باغتيال الرئيس الراحل أنور السادات عام 1981. ثم اعتقلته السلطات المصرية بعد ذلك، قبيل مغادرته لـ”الجهاد” ضد السوفييت في أفغانستان، بعد إطلاق سراحه، في عام 1985.
يقول دريفون: أصبح الظواهري زعيم تنظيم القاعدة في عام 2011، بعد الغارة الأمريكية على مدينة أبوت آباد الباكستانية التي قتلت أسامة بن لادن.. قبل هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 التي شنتها القاعدة، كان الظواهري شخصية ثانوية في التنظيم. اندمجت أجزاء من الجماعة التي كان يقودها سابقًا -الجهاد الإسلامي المصري- مع القاعدة قبل وقت قصير من الهجمات.
وأضاف: على الرغم من أن الظواهري كان يتعامل مع بن لادن منذ الثمانينيات. إلا أن قائدين آخرين في الجهاد الإسلامي كانا أكثر نفوذاً في القاعدة. أحدهما كان أبو عبيدة البنشيري، الذي قيل إنه اقترح المفهوم الأوليّ للقاعدة على بن لادن. ثم أصبح أول قائد عسكري للتنظيم، قبل أن يغرق في حادث عبارة في عام 1996. والآخر هو خليفة أبو عبيدة، أبو حفص المصري، الذي قتل في غارة بطائرة بدون طيار في أفغانستان بعد 11 سبتمبر/ أيلول.
وتابع: هكذا أصبح الظواهري نائبا لابن لادن، بعد وفاة اثنين من معاونيه السابقين.
يلفت دريفون إلى أن قرارات الظواهري اندمجت في استراتيجية القاعدة التي سبقت مقتل بن لادن، بالتحالف مع الجماعات المسلحة المحلية. يقول: لقد قبل جماعة الشباب الصومالية في تنظيم القاعدة بعد وقت قصير من وفاة بن لادن. كانت حركة الشباب تريد أن تصبح جزءًا من القاعدة قبل بضع سنوات، لكن بدا أن بن لادن كان لديه تحفظات على الجماعة.
الآن، التمرد المتشدد الذي يسيطر على أجزاء من جنوب وسط الصومال، هو الآن أحد أقوى فروع القاعدة.
مواجهة الانقسامات
في عام 2013، أوضح الظواهري نهج القاعدة في محاربة التمرد. والذي يتماشى إلى حد كبير مع المواقف التي روجت لها القاعدة في اليمن ومالي في عام 2012. واقترحت توجيهاته “أن يلعب تابعوه لعبة طويلة، وأن يسعوا لكسب المجتمعات المحلية، وتجنب العنف المفرط ضد المدنيين المسلمين -بالتأكيد أقل من داعش- مع الاستمرار في استهداف الولايات المتحدة وحلفائها.
لكن الظواهري لم يستطع منع الانقسامات الكبيرة داخل القاعدة. شهد الانقسام الأهم انفصال “تنظيم القاعدة في العراق”، والذي أصبح فيما بعد تنظيم “داعش” في عام 2013. أدى هذا الانقسام إلى صراع داخلي على عدة جبهات، حيث أصبح تنظيم “داعش” -الذي كان له فروعه المحلية- المنافس الجهادي الرئيسي للقاعدة.
يؤكد دريفون أنه “بشكل ملحوظ، فشل الظواهري أيضًا في الحفاظ على ولاء الفرع الرئيسي للقاعدة في سوريا، “جبهة النصرة” -كان في ذلك الوقت أكثر فروعها تأثيرًا- على الرغم من العلاقات الوثيقة بين قيادتها والعديد من الأفراد من نواة القاعدة أو “القيادة العامة”.
وفي عام 2016، قطعت “جبهة النصرة” علاقاتها مع القاعدة، قبل أن تحول نفسها في العام التالي إلى “هيئة تحرير الشام “. بعد ثلاث سنوات، اعتقلت هيئة تحرير الشام معظم القادة السابقين، الذين ظلوا مخلصين للظواهري. وقمعت القاعدة إلى حد كبير كمنظمة في سوريا.
اقرأ أيضا: “سيف العدل”.. هل يخلف رجل الاستخبارات الإيرانية “الظواهري” في قيادة “القاعدة”؟
انتهاك اتفاق الدوحة
بعد وفاة الظواهري، أكد وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، أن وجود زعيم القاعدة في كابول ينتهك اتفاقية 2020، التي أبرمتها طالبان مع الولايات المتحدة في العاصمة القطرية الدوحة. والتي تعهدت فيها الولايات المتحدة بسحب قواتها من أفغانستان، مقابل وعود من الحركة. من ضمنها، منع أي مجموعات أو أفراد -بما في ذلك القاعدة- من “استخدام أراضي أفغانستان من أجل التجنيد والتدريب وجمع الأموال. لتهديد أمن الولايات المتحدة وحلفائها”.
أكد الباحث بمجموعة الأزمات أنه “إذا كان الظواهري بالفعل يجمع الأموال أو يجند أو يخطط ويوجه العمليات الخارجية. فإن وجوده في كابول سيكون خرقًا لالتزامات طالبان”. صرح البيت الأبيض أن الظواهري كان يقدم “إرشادات للتنظيمات التابعة في جميع أنحاء العالم لاستهداف الولايات المتحدة”. لكنه لم يفصل دورًا محددًا للظواهري في التخطيط للعمليات.
ليس من المستبعد تماما أن وجود الظواهري في أفغانستان كان غير عملي. أخبر العديد من مساعديه مجموعة الأزمات في مايو/أيار، أن القاعدة قررت الالتزام بأوامر طالبان ضد التحضير لهجمات مسلحة من أفغانستان أو التحريض على العنف في مقاطع الفيديو.
يشير التقرير الأخير، الصادر عن فريق الدعم التحليلي ومراقبة العقوبات، التابع للأمم المتحدة. بشأن تنظيمي القاعدة وداعش -التقارير المنتظمة بناءً على معلومات استخباراتية للدول الأعضاء. والتي تحتوي غالبًا على أسوأ الحالات للتهديدات الإرهابية- إلى أن القاعدة “تفتقر إلى القدرة العملياتية الخارجية، ولا ترغب حاليًا في إحداث صعوبة دولية لطالبان، أو إحراجها”.
يقول دريفون: قد تدعي طالبان أنهم كانوا يستضيفون الظواهري بشرط ألا ينتهك التزاماتهم بموجب اتفاق الدوحة. وقد يكون هناك غموض كافٍ في اتفاق الدوحة لإثبات هذه الحجة. على أي حال، فإن مسألة ما إذا كانت طالبان قد انتهكت هذا الاتفاق، من المرجح أن تؤثر بشكل أقل على علاقات نظامهم مع الغرب، وبعض الحكومات الإقليمية. من حقيقة وجود الظواهري في كابول.
ماذا ستفعل القاعدة بعد ذلك؟
التحدي المباشر للقاعدة هو اختيار زعيم جديد “قد لا يكون الأمر سهلاً، نظرًا لأن استبدال الظواهري سيحتاج إلى قبوله من قبل مجلس شورى التنظيم. والذي يتكون من العديد من المحاربين القدامى، وأمراء الجماعات التابعة للتنظيم، والقائمين على اتخاذ قرارات استراتيجية. سيكون الإجماع مهمًا لمنع المعارضة والتأكيد على أن جميع المنتسبين يجددون ولائهم للتنظيم”.
يؤكد دريفون أنه “لا يبدو أن هناك خليفة مسمى. كما أنه لا يوجد مرشح عليه إجماع واضح. حيث لا أحد له مكانة بن لادن أو الظواهري. كان هذان الرجلان جزءًا من الحركة الجهادية لعقود من الزمن، وكانا مرتبطين بشبكة متشددة عالمية، نشأت خلال الجهاد ضد السوفييت في أفغانستان في الثمانينيات.
يسرد تقرير الأمم المتحدة أربعة متنافسين رئيسيين. كان سيف العدل وعبد الرحمن المغربي -اللذان يُعتبران على نطاق واسع المرشحين الأكثر ترجيحًا- مقربين من الظواهري. العدل نفسه قائد محنك وذي صلات جيدة في القاعدة. ويُعتقد أن كلا الرجلين يقيمان حاليًا في إيران.
مع ذلك، من المرجح أن يتساءل الكثيرون في التنظيم عما إذا كان أي منهما سيكون قادرًا على التصرف بشكل مستقل عن طهران. على الرغم من بعض التقارير التي تشير إلى أنهما لم يعودا قيد الإقامة الجبرية. وقد يؤدي اختيار أحدهما أيضًا إلى المخاطرة بتعزيز الحجة -التي غالبًا ما يروجها داعش- بأن القاعدة هي أداة إيرانية.
المتنافسان الآخران، يزيد مبراك -المعروف باسم يوسف العنابي- وأحمد الدرعية -المعروف باسم أبو عبيدة- وهما قائدا الجماعات التابعة للقاعدة في منطقة الساحل والصومال.
يلفت الباحث بمجموعة الأزمات إلى أنه “لم يقد أي زعيم فرعي التنظيم من قبل. كان الزعيم السابق لفرع القاعدة في اليمن -القاعدة في شبه الجزيرة العربية- ناصر الوحيشي، في المرتبة الثانية، وعُيِّن خلفًا للظواهري قبل وفاته في عام 2015. لكن لم يكن لمبراك أو الدرعية مكانة الوحيشي أو صلاتهما ببن لادن”.
يرجح كذلك أنه قد يؤدي تعيين أي من الرجلين إلى تغيير المركز الجغرافي للقوة في القاعدة “وقد يعوق أحد المنتسبين قيادة الطرف الآخر. في مثل هذه الظروف، سيكون العثور على قائد جديد أمرًا صعبًا، وليس من المستبعد أن تتولى شخصية غير معروفة نسبيًا المهمة”.
هل لا زالت القاعدة قادرة على مواجهة العدو البعيد؟
بعيداً عن مسألة الخلافة، تواجه القاعدة تحديا أكثر عمقا. بنى بن لادن التنظيم على فكرة مهاجمة “العدو البعيد”. أي الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، على أساس أنه لا يمكن لدولة إسلامية أن تنشأ في دولة ذات أغلبية مسلمة. طالما أن القوى الأجنبية -وخاصة الولايات المتحدة- كانوا يدعمون النظام الحالي.
ساعدت المواءمة بين قتال العدو القريب والبعيد القاعدة على تجنيد الشباب، بالنظر إلى الغضب الذي ألهمته السياسة الغربية في كثير من العالم الإسلامي. في حين جلب تمويل بن لادن وقيادته الخبرة والمؤهلات التي يتوق إليها المسلحون المحليون في كثير من الأحيان.
لكن -والحديث لدريفون- فقدت تلك الرؤية الكثير من أهميتها خلال العقد الماضي “أتاح تعاقب الانتفاضات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عام 2011 فرصًا للقتال. وحتى -في بعض الحالات- للإطاحة بالأنظمة المكروهة دون الاضطرار إلى مطاردة داعميها الأجانب أولاً.
يقول: في ظل هذه الظروف، أصبح شن الحرب ضد القوى الأجنبية أمرًا زائدًا عن الحاجة أو حتى يأتي بنتائج عكسية. إلى حد ما، فإن تعميق القاعدة لاستراتيجيتها التابعة ونهجها المحلي هو استجابة لهذا الواقع الجديد، على الرغم من أن الظواهري شدد دائمًا على أهمية الحفاظ على التركيز على العدو البعيد، حتى لو تجاهلت التنظيمات الفرعية هذه النصيحة في الغالب.
وأضاف: يبدو أن جوهر القاعدة ظل لما كان عليه سابقًا، لم تتمكن القاعدة -ككل- من شن هجوم في الغرب منذ إطلاق النار على محطة جوية للبحرية في بنساكولا بولاية فلوريدا في عام 2019. كانت العملية السابقة هي الهجوم عام 2015 على مكاتب مجلة شارلي إيبدو في باريس. وكلا الهجومين مرتبطان بفرع القاعدة في اليمن.