كتب- عبد الوهاب شعبان

تحت شعار “إثراء الدراما” زحفت ورش الكتابة الجماعية إلى ساحة الأعمال التليفزيونية بشكل لافت، ومعها تساؤلات حول المسمى “ورشة”، والمضمون “جودة المنتج الدرامي”، ومدى قدرتها على تلبية حاجة المبدعين المغمورين.

أنتجت “ورش الكتابة” قوائم طويلة من مسلسلات السباق الرمضاني -الأكثر شهرة وانتشارًا-. لكنها، وحسب نقاد ومؤلفين لم تف بوعد الشهرة لأعضائها من الكتاب الجدد، في الوقت الذي قد تكون منحتهم نذرًا من الاكتفاء المادي.

حيال انتشار الظاهرة، وتمددها فإن ثمة ترحيب بها لكونها قادرة على مجاراة كثرة المنصات المتسارعة لإنتاج أعمال درامية موسمية، ومتلاحقة. كما أنها تتيح فرصًا أمام شباب المؤلفين للتعبير عن أفكارهم، يأتي ذلك على تصور مناقض يصفها بـ”دكان” لعرض المنتج الدرامي، وإتاحة الفرصة للمنتجين لانتقاء ما يشتهون، دون إشارة في تترات المسلسلات للكتاب الناشئين لصالح السيناريست المؤسس.

“ورش الكتابة”.. كيف تعمل؟

خلف لافتة تحمل اسم “سيناريست شهير” يقبع عدد من كتاب السيناريو المبتدئين لإنتاج عمل درامي، يكتبون حلقات المسلسل برؤى مغايرة، تجمعهم فكرة واحدة، وتفرقهم مدارس الكتابة، ومقتضيات حالة وجدانية مفروضة على الكاتب الفرد.

ورغم هذا يسوق أصحاب الورش الجماعية للظاهرة التي تقرض فرص الموهوبين، وتعطل مسيراتهم نحو التحقق بأنها مساحة لإظهار التنوع في الكتابة الدرامية، وخلق روح جديدة للمسلسلات التليفزيونية.

بحسب صاحبة “ورشة سرد” الكاتبة مريم نعوم، فإن الورش تبدأ بإعلان ضمني عن حاجة لكتاب جدد لإنجاز عمل درامي “مسمى” في فترة زمنية محددة، داخل هذه الورشة يضع السيناريست المؤسس خطوط الفكرة، وينسج خيطها الدرامي، ويترك لأعضاء الورشة حرية السير على خطى القالب المصنوع حسب حلقات العمل المحددة.

ويختفي من هذه الورش شرط كتابة أسماء فريق العمل بالكامل على تتر المسلسل. بما يعني إضاعة فرصة الظهور على كتاب طرحوا أفكارًا داخل حيز مغلق، وحصلوا على مقابل مادي، وفقط.

فرصة للموهوبين أم “تلميع للمشاهير”؟

في إحدى اللقاءات المتلفزة أعربت الكاتبة مريم نعوم عن اقتناعها التام بورش الكتابة الجماعية باعتبارها أكثر إلهامًا نظير تعدد وجهات النظر في العمل الواحد. نافية كونها أمرًا مستحدثًا على الساحة الدرامية في الوقت الراهن.

مستشهدة بـ”أفلام الأربعينيات، والخمسينيات”، قالت: إن ورش الكتابة موجودة منذ أيام “الأبيض، والأسود” في الدراما حين كان العمل يتضمن “قصة مؤلف”، سيناريو لشخص آخر، وحوار لشخص مختلف، كل واحد من الثلاثة يضيف في حيزه حسب تصوراته، واعتبرت هذا كتابة جماعية -حسب وصفها.

ومن استشهاد بـ”تنوع المؤلفين” إلى ورش مسلسلات “سيت كوم” لفتت إلى أن ثمة شخص واحد يشرف على الكتابة، ويقيمها، مشيرة إلى أن أولى ورش الكتابة الجماعية كانت في مسلسل “عالم سمسم”-على حد قولها.

وعلى نحو تدعم فيه الكاتبة “الورش الجماعية” دون التفات لنقد يستهدف قدرتها على تلبية مطالب، واحتياجات الموهوبين الجدد، وفرص ظهورهم، فإن الكاتب مصطفى عبيد –الروائي، والمراجع التاريخي لفيلم “كيرة والجن” وصف هذه الورش بأنها “سيئة للغاية”، رافضًا ما يسمى بالكتابة الجماعية باعتبارها تنزع عن العمل التليفزيوني صفته “الدرامية”.

اقرأ أيضًا: ملف من «دام».. «محاكمة العقل البشري: أوراق في الرقابة على الإبداع بمصر»

“عبيد” الذي يقترب من كتابة أول سيناريو بعد فاصل مع الأعمال الروائية المتعاقبة قال: إن هذه الورش الجماعية تسحق الموهوبين الجدد، وتضعهم في حيز الانتهازية لصالح السيناريست الأشهر، لافتًا إلى أن بعض الكتاب المبتدئين يلجأ إليها كوسيلة لتحسين دخله المادي، وفقط.

أضاف في تصريح لـ”مصر360″ أن الكتابة الجماعية لمسلسل واحد تفقده وحدة الفكرة، وتبعده عن ملامسة مشاعر الجماهير، مستشهدًا بنجاحات كبرى خالدة في تاريخ الدراما المصرية مثل” ليالي الحلمية، ذئاب الجبل، وغيرها..” نتجت عن سيناريست واحد، في حين أن دراما الوقت الراهن لا تستقر في وجدان الجماهير، وتخنق فرص الموهوبين الجدد، وتحافظ على صدارة المشاهير، وفقط.

ورش الكتابة.. هل أنتجت أعمالًا مؤثرة؟

في السنوات الأخيرة، وعلى مستوى العالم العربي نجحت ورش الكتابة الجماعية في إنتاج مسلسلات حققت نجاحات كبيرة في سباق رمضاني محموم على “تصدر قائمة الأكثر مشاهدة”، على سبيل المثال “مسلسل فوق مستوى الشبهات، طايع، وليال أوجيني”، وغيرها من الأعمال.

وتحت ضغوط الوقت والإنتاج، لم يكن ثمة بديل عن ورش الكتابة الجماعية حسب رؤية مؤسسي الورش، نظير الضغط الملقى على كاهل كتاب السيناريو، وتزامن التصوير مع أيام شهر رمضان أثناء عرض المسلسل، وخشية انعدام ثقة المنتج، وضياع الفرص.

ورغم تأرجح المحتوى المقدم من خلال ورش الكتابة، وميله أحيانًا إلى لون باهت دراميًا يتسق مع شتات الفكرة، غير أنه يحتفظ لبعض مخرجاته بتماسكها الدرامي، وخطها الوجداني المرسوم بحرفية تشي بأنها خارجة عن مصدر واحد.

وربما تفرض طبيعة العمل الدرامي، وتشعب أحداثه اللجوء إلى “كتابة جماعية”، وهي آلية لجأ إليها الفنان عادل إمام في مسلسل “عوالم خفية” مغيرًا سياقه الثابت في الاعتماد على مؤلف واحد، ونتج عن الورشة كتابة أحداث، ومواقف لثلاثة كتاب داخل ورشة واحدة.

لكن الناقد نادر عدلي لفت إلى أن لجوء القائمين على الدراما إلى هذه الآلية يعد نتيجة منطقية لزيادة المنصات، ورغبات المنتجين في إنجاز مسلسلات يقابله على الجانب الآخر ندرة المؤلفين، والأفكار الخلاقة، لذلك شهدت السنوات الماضية طفرة في تأسيس ورش الكتابة.

وحملت د.عزة هيكل أستاذ الأدب المقارن ورش الكتابة الجماعية مسئولية تخريج جيل من الكتاب وضع على خارطة الدراما المصرية “العنف، والألفاظ الخارجة، والجرائم”، نظير مبالغتها في تصدير العشوائية المفرطة، وتغيير خارطة المجتمع المصري.

وأضافت لـ”مصر360″أن بناء الشخصية في العمل الدرامي كان يلخص شخصية الكاتب، ويعرف المتلقي على المؤلف دون انتظار تتر المسلسل، بينما ورش الكتابة الآن، لا تعدو كونها قوالب مصنوعة مجردة من الترابط، والوجدان الدرامي.

أضاعت قيمة الكاتب

كان الكاتب “السيناريست”نجمًا، على سبيل المثال “أسامة أنور عكاشة، محمد صفاء عامر، محفوظ عبد الرحمن، وغيرهم..”، وجاءت ورش الكتابة الجماعية لتسقط النجم من عليائه، وتفقد الدراما قيمة قضاياها الجادة، والآن حسبما وصف السيناريست”مجدي صابر”فإن جيلًا آخر اعتمد منهجية “الكتابة الجماعية” فتمحورت المسلسلات حول قضايا “الثراء الفاحش، الخرافة، والسلوكيات المريبة”الغريبة على المجتمع.

وتساءل: كيف يكتب 6 أشخاص مسلسلًا ناجحًا، يتضمن ترابط عناصره؟، واستطرد:”كل ما في الأمر أن الكتابة مشروع شخصي، يعبر عن فكر الكاتب، ووجدانه، ولا يمكن أن تخضع لشراكة تصنع نجمًا آخرًا، وهو صاحب الورشة”.

ونسج على توصيف الكاتب الراحل “وحيد حامد” لـ”ورش الكتابة”بأنها تشبه جلباب المجذوب، نظير تضمينها رقعًا متنافرة الشكل، واللون، نفى عدد من الكتاب قدرة هذه الورش على تصنيع كاتب جيد نظير تضمينها رؤى متباينة، وسيطرة منتجين لا يعنيهم بالضرورة مستوى الموهبة، والنضج الفكري لكاتبي السيناريو.

يمكنها أن تصبح تجربة جيدة

لا ترفض “ورشة الكتابة الجماعية” على إطلاقها، ورغم اتساع فوارق الإبداع بين مرحلة “السيناريست النجم”، و”صنايعية الورش الجماعية”، فإن أملًا يظل قائمًا في قدرة التجربة على تطوير ذاتها، وتلافي سلبيات الدراما المتعددة.

في اتجاه لا يخطيء تصويب الفكرة يضع السيناريست “يسري الجندي” روشتة علاج لتشوهات “ورش الكتابة” الموصومة في تصوراته بـ”البدعة الدرامية” تتبلور في قصرها على نقل الخبرات للكتاب الجدد، وصقل مواهبهم، دون إهدار لحقوق مادية، أو أدبية لأعضائها.

السيناريست الذي أسند له عبد الرحمن حافظ رئيس شركة صوت القاهرة الأسبق عمل ورشة لتطوير دراما الطفل قال: إن مضمون الورش الجماعية يجب أن يبقى في حيز تبادل الخبرات، والمشاورة، والتمرين حتى يصل الكاتب إلى نضج يفيد تجربته، دون مصادرة لحقوقه، وإبداعه الخاص.

وتلاقت تحذيرات “الجندي” مع مخاوف كتاب معارضين لـ”ورش الكتابة الجماعية” من استمرارها على نحو يؤدي إلى الحط من قدر الكتابة، وإفساد الدراما التليفزيونية.

وعلى جانب تفاؤلي فإن السيناريست “محمد إسماعيل” اعتبر ورش الكتابة الجماعية ذات أثر إيجابي في تخليق عمل فني قليل الأخطاء، لافتًا إلى أن مسلسل “رحيم” الذي قام ببطولته الممثل ياسر جلال جاء على خلفية فكرة جماعية لصناع مسلسل “ظل الرئيس”.

واستطرد قائلًا: لجأت إلى تعديل السيناريو من خلال ورشة كتابة جماعية بسبب ضيق الوقت، وعلى انتمائي لتفضيل كتابة العمل الفني منفردًا، غير أن الورش تمنح فرصًا أفضل لإنتاج أعمال مميزة إذا أحسنت إدراتها”.