هل جربت أن تأكل طعامًا بلا ملح؟ إنه ماسخ تحتاج لعدد من الإضافات لتُمرره عبر الفم، وتُسكت اللسان الذي يتذوق ويُعطي إشاراته إلى العقل حتى يرفض أو يقبل، كذلك هي المشاعر مِلح الحياة، فكل فعل بلا مشاعر هو عديم اللون والطعم والرائحة، نفعله بلا هدف ولا شغف، روتين سرعان ما نمل منه لكنه حتى هذا الملل هو مشاعر حتى لو كانت مشاعر لا نُحبها ولا تلقى قبولًا في العقل الجمعي، ولأن المشاعر بالغة الأهمية والضرورة أصبحت طريقا.
اقرأ أيضًا.. الخيانة بين الرجل والمرأة
الحُب ذو الغرض
كُل نصاب يلزمه طماع حتى يتم دوره، وكل صاحب/ة مصلحة أو احتياج يختار المشاعر أداته يلزمه طرف جائع عاطفيًا، بحاجة إلى التقدير واثبات الوجود وسط نوعه رجلًا كان أو امرأة، وهنا كان وُجِدَ الصياد والفريسة.
الوقوع في الحب يعني الإصابة بالعمى فالحبيب يغض الطرف عن كل نقائص حبيبه، بل أنه لا يراها مهما تمت الإشارة له من ذوييه، وأحيانًا يبدأ دور المدافع عن شريكه وكأنه رسول بُعِثْ ليُنقذ شريكه من أزمته، وعندما يكون أحد الطرفين ذو غرض من العلاقة فإنه يُحسن أداء دور الفريسة الضعيفة التي سُلبت كل شيء من أجل الوقوع في شباك الصياد، يلعب الشريك دور الفريسة ويُبطن بداخله دور الصياد، يعزز تقدير شريكه ويُبالغ في اظهار ضعفه، ولا مانع من المراوغة، فالفريسة لا يجب أن تستلم، والشريك كمخلص لدوره المُعلن يهرب وفى كل مرة يترك طُعم ليُشجع شريكه على المطاردة الوهمية، فالحبيب/ة الذي وجد ضالته في شريكه وشعر بأهميته وقدرته على اسقاط الآخر في شباكه لن يتنازل بسهولة عن هذا الانتصار حتى لو أخبره العالم كله بأنه مخطئ، فقط سيفيق في لحظة على كسر مؤلم، وفجيعة أنه لم يكن الصياد بل كان فريسة ساذجة حد الشفقة.
فكل الأغراض تتحقق، ولا أهداف بعيدة المدى، فقد يصبر النصاب على فريسته، صبرًا يهيئ الظرف ويلتقط اللحظة الملائمة، وصاحب الغرض يصبر حتى ينال ما يرغب، وعندما يُحقق هدفه فإنه سينصرف والأعذار كثيرة، حُب ذبل، تقصير، عدم تقدير، قل ما شئت فلا شيء يمكن الإمساك به إذا تحدثنا عن المشاعر التي هي بالأساس لا نُمسك بها فقط نلمح انعكاساتها في سلوك أو فعل أو تضحية.
الانكسار المتعدد
كل انكسار موجع، لكن ليس كل انكسار يُشبه آخر، هناك كسر يؤدي لقطع كبيرة، وهناك انكسار يُفتت، فالحب الذي داعب أيامنا، لوّن الطرقات بالذكرى، ورسم الدهشة في عيون اعتادت السكون، الصخب الذي يصنعه الحب يصم الروح عن الاستماع لتنبيهات الكون، نعم إن الله يبعث لنا إشاراته، لكن ليس كل منا يرى العلامات ويلتقط موجات تصحيح المسار، إنه أمر أشبه بارتباك الحواس، فقد لا نتذوق بشكل جيد، أو نسمع بشكل جيد، أو حتى نرى بوضوح، لكن تلك العلة بالحواس تعود لجينات أو مرض، أما انغلاق الروح فسببه القلب الذي بات لا يرى سوى حبيب قادر على سلب إرادته في كل لحظة.
نُحب راغبين في الاتحاد، نقول إننا روحًا واحدة في جسدين، ولا تماثل في أي شيء في تلك الحياة، لكن احتياجنا لانتصارات صغيرة يضعنا فريسة لطامع أو مزيف.
يتحدد حجم الانكسار حسب كل روح وكل قلب، الخداع الذي زيفنا به الضوء، وظننا أننا نرى أكثر، فألصقنا عيوننا بضوء مباغت، ونسينا أن الضوء المبهر يُعمي، فلا نرى.
الصعود على سُلم الحُب
الغالبية تتحسس مسدسها إذ ما قيل لهم من شخص أُريد مساعدة أو خدمة، كثير منا لديه حساباته لدعم الآخرين ومعاونتهم، ربما كان المثل الشعبي “ازرع بني آدم يخلعك”، أو “اديته صباعي فأكل دراعي” يعكس خبرات سيئة لأصحاب الدعم، أو أولى الأمر في مكان ما، هو ما جعل راغبي الحاجات أو أصحاب المصالح يلتفون لطرق جانبية، وحين يكون هناك اختلاف في النوع، يُصبح الحب والاهتمام هما الطريق الأسرع والأنجز، وليس بالضرورة أن يكون القادر على المساعدة لديه خبرة سيئة، لكن طريق الحب يرفع حرج الاحتياج والطلب، فالمشاعر تهدهد الاحتياجات وتجعلها تطوع، فلماذا أطلب إذا كان الاخر يمكن أن يمنح أكثر مما أحتاج؟ هكذا سوف يُفكر كثير من أصحاب/ صاحبات الطموح والاحتياج أفكارًا غير مُعلنة إزاء مشاعر مُعلنة واهتمام واضح للقاصي والداني، حين يستخدم أحدهم الحُب سلمًا، فإنه يحيك علاقة مسمومة باقتدار، جذب واهمال، مطاردة وتجاهل، افراط في التدليل والاهتمام، وافراط في العادية، حين تقع في مثل هذه العلاقات لا ترى، لا تعرف سوى لحظات الاهتمام التي تجعل منك ملكًا متوجًا، وتجعل منك ست الهوانم، لحظات السعادة المميزة، فالعقل الذي تم ابطاله بات بلا عمل، فقط هو القلب يُحرك صاحبه، الرغبة في استعادة لحظات سعادة وهمية، سعادة دبرها الشريك، العسل الذي يلصقك بكل شيء، حتى وإن كانت تلك الأشياء هي التي ستفتت روحك لحظة وصول الشريك لقمة السُلم، وربما أيضًا لن ترى انتهازية شريكك، لكنك مؤكد ستكون منكسرًا وحزينًا.