منذ انسحاب إسرائيل من قطاع غزة عام 2005 شهد القطاع 10 مواجهات مسلحة بين فصائل المقاومة الفلسطنية وإسرائيل.

كما شهد قبل وبعد الانسحاب من غزة العشرات من الانتفاضات الشعبية ومظاهرات الغضب. مطالبة بزوال الاحتلال وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة. وحتى حركة حماس قبلت بتسوية تضمن عودة الأراضي التي احتلت عقب 1967 كأساس للدولة المنشودة.

ورغم حدة هذه المواجهات والتضحيات الكبيرة التي دفعها الشعب الفلسطيني فإن توازنات القوى بقيت على حالها. وظل الموقف الإسرائيلي لا يكتفي فقط بعدم تنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي تلزمها بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967. وتعطي الحق للشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة. إنما قامت ببناء مئات الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية على مدار عشرين عاما بصورة جعلت حل الدولتين صعبا من الناحية العملية. حتى لو وجدت إرادة سياسية لتحقيقه “غائبة أصلا”. حيث قطع الاحتلال أوصال الدولة الفلسطينية وجعل الحلم بعيد المال.

والمعروف أن هناك 3 ملايين شخص يعيشون في الضفة الغربية. منهم ما يقرب من نصف مليون إسرائيلي يعيشون في مستوطنات منفصلة يحميها الجيش ويحظر على الفلسطينيين دخولها. وأصبح وجودها يفصل المدن والبلدات والقرى الفلسطينية عن بعضها. ويصعب التواصل والانتقال والتنمية في المناطق الفلسطينية.

ومع ذلك ظل حل الدولتين أساس التسوية منذ هزيمة 1967. وعقب انتصار أكتوبر 1973. وظل حاضرا عقب توقيع الرئيس السادات على اتفاق سلام منفرد مع إسرائيل. كما بقي هو أساس اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير وإسرائيل والخطاب المعتمد حتى اللحظة للسلطة الفلسطينية والجامعة العربية والمجتمع الدولي.

وقد ظلت كل الحكومات الإسرائيلية تتملص من تنفيذ هذا الحل ولم تطبق قرار 242 الصادر عن الأمم المتحدة. وينص على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في حرب 1967. ويدعو لإقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وغزة عاصمتها القدس الشرقية.

وبات من الواضح أن هناك رفضا إسرائيليا للدخول في مسار تسوية يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة. كما أصبحت هناك صعوبات عملية في أرض الواقع لتحقيق هذا الهدف. خاصة في ظل التفاوت الكبير في ميزان القوى العسكرية والاقتصادية والسياسية بين الجانب العبري والفلسطيني. حيث عجزت عمليات المقاومة المسلحة والانتفاضات الشعبية في تغييره. واستمرت إسرائيل في سياساتها العدوانية والاستيطانية دون أي ضغوط دولية أو عربية تذكر.

صحيح أن هناك أسبابا متعددة لتراجع القدرة على تحقيق هدف بناء الدولة الفلسطينية. منها بالطبع السياسات الاستعمارية للدولة العبرية والحصانة الدولية التي تعطيها لها الولايات المتحدة. ولكن أيضا الضعف العربي والانقسام الفلسطيني الذي بات عنوانه سلطة في الضفة الغربية تسيطر إداريا على بعض مدنها دون أن تتمتع بأي سيادة. وتعاني من ضعف كبير. وأخرى في غزة يبدو أنها تتمسك بها “كإمارة إسلامية” أكثر من تمسكها بالدولة الفلسطينية حتى لو رفعت كل يوم شعارات تقول عكس ذلك.

والحقيقة أن حل الدولتين بات من الناحية العملية شديد الصعوبة. إلا أن هناك سؤال ملحا: هل بات من الأجدى أن يطرح الفلسطينيون شعار الدولة المدنية الواحدة في كل فلسطين والتي يعيش عليها العرب واليهود كهدف نهائي للنضال الفلسطيني حتى لو كان أيضا هدفا صعب التحقيق بدلا من حل الدولتين الذي بات أكثر صعوبة؟

إن هدف “الدولة الواحدة” ليس مجرد شعار للاستهلاك المحلي يضاف لشعارات أخرى رفعها العرب لإبراء الذمة. وكانت نتيجتها مزيدا من الفشل. لأن تبني هذا الهدف يتطلب استحقاقات ورؤى جديدة تقوم على التحول من خطاب الحرب والمواجهة العسكرية إلى خطاب مدني يعمل على بناء دولة مساواة ومواطنة كاملة في فلسطين التاريخية. وهو أمر ليس سهلا ويتطلب تغييرا في الطبيعة اليهودية للدولة التي وضعها نتنياهو كأساس دستوري وقانوني لإسرائيل. وأيضا يصطدم بالسياسات العدوانية الإسرائيلية التي تغذي فصائل المقاومة المسلحة. وخاصة حماس والجهاد والتي تعتبر نفسها ردا طبيعيا على هذه السياسات العدوانية.

ومع ذلك فسيبقي مشروع الدولة الفلسطينية الواحدة ليس مجرد شعار رفعته حركات التحرر الوطني العربية بقيادة عبد الناصر في ستينيات القرن الماضي. إنما قام على رؤية سياسية متكاملة تقوم على رفض تقسيم فلسطين بين العرب واليهود. والتمسك بدولة مدنية واحدة في فلسطين التاريخية يعيش على أرضها المسلمون والمسيحيون واليهود.

وإذا كان حل الدولتين وجد من يدافع عنه -ولو بالكملة الطيبة في العالم- كما أن هناك فلسطينيين يتظاهرون من أجله في داخل الأراضي الفلسطينية وهناك مقاومون يطلقون صواريخهم على المدن الإسرائيلية في محاولة للضغط على حكومتها من أجل القبول بحل الدولتين دون جدوى. بالمقابل فإن من سيدافعون عن حل الدولة الواحدة في ظل هيمنة الخطاب الشعبوي واليميني المتطرف على إسرائيل وسيطرة خطاب حماس والجهاد على جانب كبير من توجهات المقاومة الفلسطينية سيكونون في أغلبهم من عرب 1948. ومعهم قطاع محدود من الإسرائيليين الذين صوت عشرات الآلاف منهم للقائمة العربية في الانتخابات الأخيرة.

انتفاضات عرب الداخل الذين يشكلون 20% من سكان إسرائيل بحكم المصلحة والواقع هم من سيعملون على إحياء مشروع الدولة المدنية الواحدة. دولة العدل والقانون. خاصة في ظل حالة الضعف العربي والانقسام الفلسطيني. وستُبقي قدرتهم على خلق تعاطف عالمي مع القضية الفلسطينية باعتبارها قضية حقوق وشعب مضطهد أكبر بكثير من الجميع.