قالت دراسة لبنك “إتش إس بي سي” البريطاني إن صانعي السياسات في مصر يحاولون علاج اختلال الحسابات الخارجية الناجمة عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتراجع الرغبة في المخاطرة العالمية وتراجع أسعار الصرف.
بحسب الدراسة، فإن عجز الحساب الجاري بلغ ذروته بمصر خلال الربع الأول من العام الحالي، لكن اتفاقية صندوق النقد الدولي المصحوبة بدعم من الخليج العربي ستسهل الأسابيع المقبلة الانتقال المنظم إلى توازن أكثر استقرارا للمدفوعات مع إمكانية لأن يأتي ذلك على حساب المزيد من الاستهلاك.
يعتبر الحساب الجاري مؤشر مهم لصحة الاقتصاد إذ يتكون من الميزان التجاري، بالإضافة لصافي الدخل من الخارج، وصافي التحويلات الجارية من الداخل.
اقرأ أيضًا.. 2021.. “عام الذهب” واستقرار الجنيه
العجز التجاري القياسي
بحسب الدراسة، فإن آخر التحديثات تشير إلى أن عجز الحساب الجاري بلغ 5.8 مليار دولار أمريكي في الربع الأول، وهو أعلى عجز ربع سنوي على الإطلاق. على أساس سنوي كانت النتائج 18.7 مليار دولار تعادل 4% من الناتج المحلي الإجمالي.
لا يزال العجز التجاري هائلا بأكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي، والميزان التجاري لبلد ما هو الفرق بين صافي صادراتها من السلع والخدمات ووارداتها في الفترة ذاتها.
رغم ارتفاع قيمة الصادرات السلعية بنسبة 50% على أساس سنوي، مدفوعة بالإيرادات غير النفطية التي قفزت بأكثر من 20% على أساس سنوي للمرة الخامسة على التوالي.
لكن في المقابل ارتفعت الواردات غير النفطية بنسبة 20% في الوقت ذاته في أعلى يرى البنك أن الضوابط التنظيمية التي وضعت للاستيراد أخيرا وضعت الطلب على الواردات في مسار تنازلي، لكنه حذر من أن تكاليف خدمة الديون آخذة في الارتفاع أيضا مع صعود أسعار الفائدة العالمية ووجود احتياجات تمويلية كبيرة بمصر.
بحسب الدراسة، فإن قطاع السياحة، الذي يدخل صمن حسابات الحساب الجاري، آخذ في الازدياد مع ارتفاع الإيرادات بنسبة 80% على أساس سنوي لتصل إلى 90% من مستويات ما قبل كورونا في الربع الأول، رغم تعطل وصول القادمين من روسيا وأوكرانيا.
التزامات ضخمة.. خيارات مصر للسداد
تشير دراسة بنك “إتش إس بي سي” إلى أن مصر عليها التزامات مستحقة بنحو 13.5 مليار دولار أمريكي خلال السنة المالية الحالية، تتضمن ودائع خليجية يحتمل أن تكون لها آجال استحقاق، بجانب مدفوعات أخرى كبيرة عند 9 مليارات دولار أمريكي على مدار 12 شهرا مقبلة.
تضيف أن صندوق النقد الدولي لديه مستحقات بقيمة 2 مليار دولار أمريكي في السنة المالية الحالية، وهناك أيضا ديون قصيرة الأجل بقيمة ملياري دولار أمريكي مستحقة، خلال الفترة المتبقية من هذا العام.
توقعت الدراسة أن تساعد تدفقات الاستثمار المباشر في تغطية جزء من تلك الفجوة خاصة الاستثمار الخليجي، فالميزانيات العمومية لدول مجلس التعاون الخليجي حققت فائض بلغ 400 مليار دولار أمريكي خلال الفترة 2022-2023.
من المرجح أن يتم تحديد التمويل الجديد من صندوق النقد عند حوالي 4 مليارات دولار أمريكي في ظل اقتراض مصر ما يقترب من 700% من حصتها، بحسب التقرير الذي أشار أيضا إلى إمكانية رفعها لـ10 مليارات، أسوة بطريقة تعامل الصندوق مصر كالأرجنتين التي اقترضت ما يزيد على 1000% من حصتها.
تخفيضات جديدة لسعر صرف الجنيه
بالنسبة لسعر الصرف، تتوقع دراسة “إتش إس بي سي” أن يتحرك الجنيه بنسبة 10% أخرى مقابل الدولار إلى 22 جنيها مصريا بنهاية العام مقابل توقعات سابقة بأن يسجل 19.5 جنيه سابقا، بعد خفض قيمة التغيير التدريجي بنسبة 16% في مارس و2.5% منذ يونيو الماضي.
تشير الدراسة إلى ارتفاع الاستثمار الأجنبي المباشر في الربع الأول، مسجلا أعلى مستوى ربع سنوي له منذ 15 عاما، مرجحا أن يكون السبب الاستحواذات التي تمت ضن الاستثمار الواسع النطاق الذي تعهد به الشركاء في دول مجلس التعاون الخليجي.
لكن في التوقيت ذاته خرجت أموال ساخنة للخارج بقيمة 15 مليار دولار أمريكي تعادل ما يقرب من أربعة أضعاف قيمة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الوافدة وما يعادل أكثر من 3% من إجمالي الناتج المحلي للعام بأكمله مع تراجع الحيازات الأجنبية من الديون والأسهم بالعملة المحلية.
لم تعد مصر عرضة لهروب رأس المال بالحجم المسجل خلال الأشهر الأولى من هذه السنة. لكن غياب التدفقات الوافدة الجديدة لا يزال يلقي بظلاله على مصر حيث تتطلع إلى تمويل كلا البلدين عجز كبير في الحساب الجاري وسداد الديون الخارجية.