أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة -مجلس حقوق الإنسان- في دورتها الخامسة والعشرين أن وصول الأطفال إلى العدالة حق أساسي في حد ذاته وشرط جوهري لحماية وتعزيز حقوق الإنسان الأخرى كافة، وكررت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، في الإعلان الصادر عن الاجتماع الرفيع المستوى للجمعية العامة بشأن سيادة القانون على المستويين الوطني والدولي المعتمد في أيلول/سبتمبر 2012، تأكيد حق الجميع في الوصول إلى العدالة، بمن في ذلك الأشخاص المنتمون إلى فئات ضعيفة، وأعرب الاجتماع عن “التسليم بأهمية سيادة القانون لحماية حقوق الطفل، بما في ذلك توفير الحماية القانونية من التمييز والعنف والإيذاء والاستغلال، وكفالة تحقيق مصلحة الطفل الفضلى في المقام الأول في جميع الإجراءات، وجدد الالتزام بإعمال حقوق الطفل على نحو تام.

اقرأ أيضًا.. الحماية الإجرائية للأطفال الجانحين

كما أن هناك العديد من الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الأطفال، وخصوصا من هم منهم في حالة نزاع مع القانون، وبالأخص من يطلق عليهم الأطفال الجانحين، بما يعني أنهم قد خرقوا القوانين الجزائية، وبالتالي يتم تقديمهم إلى المحاكمة الجنائية من خلال محكمة الطفل، حتى يتم معاقبة المذنب منهم، ووفقا لقانون الطفل المصري، والذي فرق بين الأطفال في هذه الحالات، وقام بتقسيمهم إلى فئتين: الأولى، من هم أقل من سن الخامسة عشر وقت حدوث الجريمة، والفئة الثانية من زادت أعمارهم عن سن الخامسة عشر، فقد أقر قانون الطفل المصري بأن الأطفال دون الخامسة عشر يتم توقيع مجموعة من التدابير الاجتماعية أو الإصلاحية على أي منهم يكون الطفل فيها معرضا للمحاكمة الجنائية، وتلك المجموعة من التدابير، يكون المرجو منها إصلاح الطفل من الزاوية الاجتماعية والنفسية، ومجموعة التدابير تبدأ من توبيخ الطفل أو تسليمه لذويه أو ولي أمره، مع أخذ التعهد بإصلاح سلوكه، مرورا بالمراقبة الاجتماعية عن طريق الاختصاصيين الاجتماعيين، نهاية بالإيداع بإحدى دور الرعاية الاجتماعية.

ورغم ما يحيط بهذه التدابير من سلبيات وقت التنفيذ الفعلي، إلا أنها لا تسمح في نهاية الأمر بدخولهم السجون، لكن تبدو المشكلة أكثر وضوحا في حالة الأطفال الذين تجاوزت أعمارهم سن الخامسة عشر، حيث يبيح قانون الطفل تطبيق العقوبات السالبة للحرية عليهم مع مراعاة تخفيض الأحكام المقضي بها عن غيرهم من الكبار، وبرغم ما جاء بنص المادة 141 من قانون الطفل من أن تنفيذ العقوبات السالبة للحرية المقضي بها ضد الأطفال يكون في مؤسسة عقابية خاصة، إلا أن الأمر هنا محل نظر، أو هنا تكمن الخطورة.

ويبدأ الأمر من تطبيق النموذج العقابي المنصوص عليه بقانون العقوبات العام على الأطفال، وكل ما يمكن فعله هو تخفيض العقوبة المقضي بها، فهل يستقيم الأمر مع الفلسفة العامة لقانون الطفل، والتي جعلت من مصلحة الطفل القصوى هي الهدف العام من القانون؟ ولعميق السؤال بشكل أكثر، هل فعليا تصلح المؤسسات العقابية التي يقضي بها الأطفال العقوبات المحكوم بها عليهم كأماكن تعيد تقويمهم، أو إصلاح الخلل السلوكي في تصرفاتهم، وإصلاحهم مجتمعيا؟

عقاب الأطفال

يبدو الأمر أكثر تعقيدا ولو بالنظرة السطحية البسيطة، حيث كلنا يعلم ما يلم بأحوال أماكن الاحتجاز بشكل عام، وأعتقد أن الأمر لا يفرق كثيرا ما بين السجون، والمؤسسات العقابية، لكن ليس الأمر متعلقا بتنفيذ العقوبة وحدها، حيث يكمن جوهر ولب المشكلة في النموذج العقابي الذي يتم التعامل به مع الأطفال.

وإذا كان موضوعنا هو مناقشة كيفية معالجة إجرام الأطفال أو بالأصح انحرافهم إلى عالم الجريمة، وكيفية التعامل معهم كنموذج قانوني عقابي، فإن الأمر يزداد تعقيدا إذا ما كان هؤلاء الأطفال يتعاملون وفق نفس النموذج العقابي الذي يتعامل به البالغون الراشدون، وهو قانون العقوبات المصري، دونما أي تفرقة في المعاملة العقابية لصالح الأطفال، سوى نهج تخفيف العقاب المقضي به وفق نص المادة 141 من قانون الطفل، ويزيد الأمر ضراوة وقسوة على الأطفال، من هم منهم فوق الخامسة عشر حيث أجاز قانون الطفل ذاته أن يتم حبسهم احتياطيا، فهل هذا يتوافق مع الطبيعة الخاصة التي يكون عليها الأطفال، وهل من زاوية ثانية يتفق ذلك مع الأسس الحديثة للمعاملات العقابية والسياسات الجنائية الحديثة، تلك التي تدعو إلى تبني السبل العلاجية والبعد عن القسوة والعقوبات الانتقامي، والسجن قدر المستطاع، مع التوجه إلى بدائل العقوبات السالبة للحرية، وذلك بشكل عام، وإذا ما أضفنا على كل ذلك ما جاء بقانون الطفل لكونه يستهدف المصلحة الفضلى للأطفال.

فهل يتوافق تقرير الحبس الاحتياطي للأطفال فوق الخامسة عشر مع المصلحة الفضلى لهم؟ وهل يتوافق النموذج العقابي الموجود في قانون العقوبات مع مصلحة الأطفال الفضلى. أعتقد أن الإجابة الوحيدة على مثل هذه التساؤلات لا تكون سوى بالنفي، وبالتالي أرى أننا بحاجة ملحة إلى مراجعة نصوص قانون الطفل، خصوصا ما يتعلق بتقرير الحبس الاحتياطي، وإلغائه تماما في أي قضايا تخص الأطفال، واستبداله على أسواء الفروض بأي تدبير يتناسب مع كل حالة، كما أنني أدعو كنظرة استشرافية إلى استحداث نموذج قانوني عقابي للأطفال مختلف عن النسق العقابي الموجود بقانون العقوبات المصري.