تحاول الولايات المتحدة حاليا، إنقاذ ألمانيا من أزمة الغاز الطبيعي الخانقة التي تسببت فيها الحرب الروسية الأوكرانية، باعتبارها قلب الاتحاد الأوروبي. كما أن استسلامها للضغط الاقتصادي الروسي يعني فشل واشنطن في مواجهة الحرب الأوكرانية. بالإضافة إلى أن أزمة الاقتصاد الألماني تنذر بتفكك الموقف الأوروبي الموحد بشكل كبير إزاء العقوبات المفروضة على موسكو.

يؤكد معهد “IFO” للأبحاث الاقتصادية بميونيخ أن الصراع الروسي الأوكراني فاقم الوضع المتوتر في الصناعة بالبلاد. إذ تراجعت توقعات الأعمال إلى سالب 44.4 نقطة في يوليو/حزيران الماضي، مقارنة مع 11.8 نقطة خلال الشهر ذاته من العام الماضي.

يقول فولفجانج جروس إنتروب، العضو المنتدب لاتحاد الصناعات الكيماوية الألماني “في سي آي”، إن ارتفاع أسعار الطاقة يتسبب في انخفاض الإنتاج بألمانيا. بينما يتزايد ضغط الاستيراد. إذ يتم تغطية 44% من استهلاك الطاقة في الصناعات الكيميائية بالغاز الطبيعي. كما أن 30% من تلك المنتجات تتطلب استخدامه بشكل حتمي.

بالإضافة إلى ذلك يعتمد أكبر اقتصاد في أوروبا بشكل كبير على إمدادات الغاز من الدول الأخرى. وفي نهاية يوليو/حزيران، خفضت روسيا إمدادات الغاز إلى ألمانيا عبر خط أنابيب “نورد ستريم 1” 20% عن الوضع الحالي. في وقت يعتبر فيه ذلك الخط، شريان الحياة بالنسبة للصناعة الألمانية.

اقرأ أيضًا.. ألمانيا تتلكأ في تنفيذ وعودها بتسليح أوكرانيا.. أي دور لروسيا؟

أزمة الاقتصاد الألماني.. مخاوف من تفتت أوروبا

عمال ألمان في مصنع للسيارات

مسئولون في إدارة الرئيس جو بايدن يخشون حاليا من أن يؤدي نقص إمدادات الغاز الروسي لأوروبا إلى شق وحدة الصف الأوروبي ضد موسكو. وكان ذلك الدافع وراء زيارة المنسق الرئاسي الأمريكي للطاقة العالمية، عاموس هوشستين للعاصمة الفرنسية باريس، وإلى مقر الاتحاد الأوروبي ببروكسل. إذ ناقش خطط الطوارئ “الأمريكية – الأوروبية”، حال حدوث نقص في الغاز بفصل الشتاء المقبل.

تدرك أمريكا أنه إذا تعرضت أوروبا لتأثير نتيجة تراجع إمدادات الغاز الروسي، فإن ذلك التأثير سينعكس أيضا على الولايات المتحدة. ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء، وستكون تلك الحالة اختبارا كبيرا لموقف ووحدة أوروبا ضد روسيا. كذلك تراهن واشنطن على زيادة إنتاج الطاقة النووية.

تحاول واشنطن حاليا إقناع الحكومة الألمانية بتأجيل خططها للتخلص التدريجي من استخدام الطاقة النووية، وتمديد تشغيل محطاتها النووية الثلاث. خاصة أن برلين عاودت العمل على محطات الطاقة التي تعمل بالفحم الصلب، رغم وقفها ضمن خطط مواجهة الاحتباس الحراري. ورغم وجود خطة للتخلص التدريجي من جميع أنواع الكهرباء المولدة من الفحم بحلول 2038.

ألكسندر بيته، رئيس مجلس إدارة اتحاد مستوردي الفحم بألمانيا يقول إن بلاده تسعى لاستيراد 30 مليون طن من الفحم الصلب للحفاظ على تشغيل محطات الطاقة بزيادة 11% عن عام 2021. لكن المشكلة في مصدر توفيرها. فقبل الحرب في أوكرانيا كان يتم استيراد 50% من الفحم لمحطات الطاقة الألمانية من روسيا.

تشمل المصادر المرجحة للاستيراد جنوب أفريقيا وأستراليا والولايات المتحدة وكولومبيا وإندونيسيا. لكن منتجاتها لها خصائص مختلفة عما تستخدمه المحطات الألمانية. بالإضافة إلى أن نقلها يعتبر أكثر صعوبة بسبب تكدس الموانئ البحرية الكبيرة.

تعقدت المشكلة بسبب أن ثلث واردات ألمانيا من الفحم يأتي من نهر الراين الذي يعاني من الجفاف الصيفي، بسبب الموجة الحارة التي تضرب البلاد حاليا. ما يقلص قدرة السفن على التحميل بنسبة تتراوح بين 30% و40%. علاوة على ارتفاع سعر الفحم بنحو 400 دولار للطن منذ الحرب الروسية، بعدما كان قبل عام واحد يباع بـ64 دولار فقط.

أمريكا لن تستطيع توفير احتياجات أوروبا من الغاز

أصبحت الولايات المتحدة أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في النصف الأول من العام الجاري. إذ ارتفع متوسط الصادرات الأمريكية من الغاز الطبيعي المسال إلى 11.2 مليار قدم مكعب يوميا في النصف الأول من العام الجاري. بزيادة 12% مقارنة بنفس الفترة قبل عام واحد مع ارتفاع الأسعار، والطلب المتزايد خاصة من أوروبا.

وكشفت البيانات الأمريكية أن 71% من صادرات واشنطن من الغاز الطبيعي المسال توجهت إلى الاتحاد الأوروبي وبريطانيا في أول 5 أشهر من العام الجاري. وصدرت واشنطن كميات أقل بنسبة 11% من الغاز المسال في شهر يونيو مقارنة بالمتوسط المسجل في أول خمسة أشهر من العام، بسبب حريق تسبب في توقف العمل في منشأة فريبورت للتصدير بتكساس.

وأشارت وزارة الطاقة الأمريكية إلى أن إغلاق المصنع سيستمر لمدة 3 أشهر وسيقلل من قدرة تصدير الغاز المسال في البلاد بنحو 2 مليار قدم مكعب يوميا حوالي 17% من إجمالي القدرة التصديرية، ما دفعها لتخفيض توقعاتها للتصدير للنصف الثاني من العام إلى متوسط 10.5 مليار قدم مكعب في اليوم بأقل 14% بتوقعات يونيو/حزيران

المستهلكون والمصانع الأمريكية يشتكون ارتفاع الأسعار الناجم عن زيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال في البلاد، مع تحذيرات لرئيس مجموعة “مستهلكي الطاقة الصناعية” في أمريكا من أن المستهلك والاقتصاد والأمن القومي في الولايات المتحدة أضحوا في خطر، إذا لم يتم الحفاظ على فائض المخزون.

وذكرت وكالة معلومات الطاقة الأمريكية أن المخزونات انخفضت بنسبة 12% من المتوسط الذي تم تسجيله في التوقيت نفسه سنويًا، خلال الخمس سنوات الماضية.

الألمان في قلب الأزمة.. حلول تهدد الاقتصاد الكلي

المواطنون في ألمانيا حاولوا التحوط للشتاء، عبر شراء السخانات الكهربائية التي سجلت 600 ألف سخان خلال الستة الأولى من عام 2022 بزيادة قدرها 35% عن الفترة ذاتها من العام الماضي رغم أن تلك السخانات أكثر تكلفة وحال استخدامها جميعا في وقت واحد قد يتسبب في انقطاع التيار الكهربائي.

يأتي ذلك بينما أكدت الحكومة الألمانية أن خطتها لملء منشآت تخزين الغاز بنسبة 90% بحلول ديسمبر/كانون أول لن تكون قابلة للتحقيق دون مزيد من الإجراءات التي لم تفصح عنها حتى الآن.

وزير الاقتصاد روبرت هابيك، أكد أن الوضع خطير وسيأتي الشتاء فتقليص إمدادات الغاز هو هجوم اقتصادي من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قائلا: “سندافع عن أنفسنا ضد هذا.. لكن سيتعين على بلادنا أن تسلك طريقا وعرا الآن”.