سجلت إيرادات السياحة المصرية خلال الربع الأول من 2022، نحو 2.4 مليار دولار، بنسبة تراجع وصلت إلى 20.2% مقارنة بما كانت عليه في الربع الأخير من عام 2021 عندما سجلت نحو 3 مليارات دولار.

وتعول الحكومة المصرية بشكل كبير على السياحة كأحد أهم مصادر الدخل القومي لما توفره من عائدات دولارية سنوية، وعوائد للعملة الأجنبية التي تمكن قطاع السياحة من المساهمة بشكل كبير في الناتج الإجمالي للدولة.

لكن يبقى التساؤل؛ هل تأثرت السياحة المصرية بغياب الروس والأوكران بسبب الحرب الدائرة بينهما؟ وكيف أثرت هذه الحرب على نمو إيرادات السياحة المصرية خلال 2022؟ وهل يمكن للسياحة العربية تعويض تلك الوافدة إلى مصر من أوروبا؟

اقرأ أيضًا.. “التأشيرة” وأشياء أخرى.. محاولة جديدة لإنقاذ قطاع السياحة من “السنوات العجاف”

إيرادات الربع الأول

خلال الفترة الماضية انتعشت السياحة المصرية بشكل تدريجي عما كانت عليه عقب حادث سقوط الطائرة الروسية بسيناء في 31 أكتوبر 2015، وما تلاها من إحجام على مستوى الطيران الروسي إلى مصر. ومع ذلك يشهد قطاع السياحة حاليا تقلبا واضحا على مستوى حجم ايرادات المحققة، نتيجة الأحداث العالمية التي أثرت على أعداد الوفود القادمة إلى القاهرة.

ووفق آخر تقرير صادر عن البنك المركزي المصري، أظهرت البيانات انخفاضا في إيرادات السياحة خلال الربع الأول من العام الجاري إلى 2.4 مليار دولار، بنسبة 20.2% مقارنة بما كانت عليه في الربع الأخير من عام 2021 عندما سجلت نحو 3 مليارات دولار.

لكن بمقارنة إيرادات الربع الأول من 2022 الذي سجل 2.4 مليار دولار بنفس الفترة من عام 2021 سنجد أن هناك زيادة محققة بنسبة 79.7%، حيث سجلت نفس الفترة من عام 2021 نحو 1.3 مليار دولار أي بزيادة وصلت إلى 1.1 مليار دولار.

ويأتي ذلك رغم اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في أواخر فبراير الماضي، وتأثيرها على أعداد السياح الوافدة من البلدين اللذين يعتبران من أهم مصادر السياحة الوافدة إلى مصر.

ووفق بيانات المركزي تراجعت إيرادات العام الماضي بسبب التأثير المباشر لتداعيات جائحة كورونا التي أثرت على تدفقات السياحة على الأقل خلال عام 2020 والنصف الأول من عام 2021.

وقال البنك المركزي، إن الإيرادات السياحية خلال أول 9 أشهر من العام المالي 2021-2022 سجلت نحو 8.2 مليار دولار، مقابل نحو 3.1 مليار دولار خلال نفس من عام 2020-2021.

لماذا انخفض العائد في 2022؟

خلال العام الجاري كانت أعداد الوفود السياحية بدأت في التعافي بشكل جيد بعد تراجع حدت الإصابات بفيروس كورونا، حيث نمت السياحة المصرية بشكل جيد، ما مكن القطاع من تحقيق عائد دولاري جيد بنهاية العام حيث تجاوزت إيرادات السياحة 13 مليار دولار في عام 2021، وفق الخبير السياحي عامر شبيب لـ “مصر 360”.

ويواصل شبيب: “خلال 2022، عانى الاقتصاد العالمي من موجة التضخم التي ضربت غالبية دول العالم، وأثرت بشكل مباشر على معدلات الإنفاق لدى المواطنين وعلى رأسها حجم إنفاق السياح؛ فتراجعت أعداد الوفود السياحية على مستوى دول العالم وليس مصر فقط”.

أوضح شبيب أن لجوء عدد من دول العالم إلى رفع معدلات الفائدة وما تلاها من تحركات على مستوى الأسعار قلّص من اتجاه الأفراد نحو إنفاق الرفاهية، وتوجيه الأموال نحو السلع الأساسية والاحتياجات الضرورية فقط.

محور آخر أثر بشكل مباشر على السياحة المصرية وهو الخاص بالحرب الروسية الأوكرانية التي اتشعلت في فبراير 2022، بين البلدين الأكثر من حيث تعداد الوفود السياحية القادمة إلى مصر. حتى توقفت الكثير من الرحلات السياحية التي كان مخططا وصولها إلى المدن السياحية المصرية خاصة القادمة من أوكرانيا. وبالتالي كان هناك تأثيرا واضحا على مستوى العائد الدولاري للسياحة المصرية.

كيف تأثرت مصر بغياب الروس والأوكران؟

الحرب الروسية الأوكرانية

بالأرقام؛ تأثرت مصر بالحرب الروسية الأوكرانية. هناك فجوة كبيرة حدثت على مستوى الإيرادات حيث تراجعت إيرادات السياحة بحوالي 600 مليون دولار خلال الربع الأول من 2022. “آخر 3 شهور من 2021 حققنا 3 مليارات دولار وفي أول 3 شهور من العام الجاري رجعنا لـ 2.4 مليار” يقول مجدي صادق الخبير السياحي وعضو غرفة شركات السياحة لـ”مصر 360″.

لفت إلى أن نسب الإشغال تأثرت في جميع المدن الساحلية المصرية بعد الغياب غير المتوقع للسياح الأجانب -الروس والأوكران- ما قلص حجم إيرادات الفنادق المصرية خاصة في مدن شرم الشيخ والغردقة التي تعد الوجهتان الأولى والثانية للسائح الأجنبي.

السياحة الروسية كانت تسهم قبل 2015 بنحو 3.5 مليار دولار أمريكي سنويا من عائدات القطاع، يدفعها أكثر من ثلاثة ملايين سائح كانوا يزورون مصر كل عام، لكن عقب سقوط الطائرة الروسية في سيناء تراجع العدد بشكل كبير. لكن خلال العامين الماضيين بدأت الأوضاع تعود إلى طبيعتها لكن الحرب الروسية الأوكرانية أعاقت التقدم الذي حدث على مستوى زيادة الوفود الروسي إلى مصر.

أوضح أن حال امتداد التوترات بين أمريكا والصين بسبب تايوان، واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية، سيتضرر قطاع السياحة العالمي بأكمله، خصوصا أن الاقتصاد العالمي لا يزال يعاني تداعيات جائحة كورونا.

وفق وكالة السياحة الحكومية الأوكرانية، فقد وصل عدد رحلات السياحة الأوكرانية للخارج في عام 2021، وصلت إلى نحو 14.7 مليون رحلة سياحية أجنبية. فيما احتلت تركيا المرتبة الأولى في استقبال السياح الأوكران بنسبة 28% وجاءت مصر في المرتبة الثانية بنسبة 21%، بنحو 3 ملايين سائح.

وأوضحت الوكالة أن 25% من المسافرين كانوا من فئة الشباب حتى سن 34 سافروا خارج البلاد، فيما بلغت نسبة من هم دون الخامسة والستين الذين سافروا للخارج 7، وأن هذه الفئة العمرية فضلت السفر إلى الشواطئ البعيدة، وأن (56%) من هذه الفئات سافرت من خلال منظمي الرحلات ووكالات السفر. بينما خطط 44% من المواطنين رحلاتهم بأنفسهم.

وعلق صادق، أن أعداد الرحلات الحالية خلال 2022 لن يكون مماثل لتلك التي تحققت في العام الماضي، وبالتالي ستعاني جميع الوجهات السياحية التي كانت مقصدا أساسيا للسائح الأوكراني خلال السنوات الماضية.

تراجع الإشغال إلى 40%

واصل عضو عرفة شركات السياحة أن شركة الطيران الأوكرانية أوقفت رحلاتها إلى مصر خلال شهور فبراير ومارس وأبريل ومستمرة حتى الآن. بعد زيادة التوترات مع روسيا وتخوف السياح من السفر، ما تسبب في تراجع نسب الإشغال الفندقية خلال الربع الأول من 2022 إلى نحو 40% بالمدن الساحلية المصرية.

ذروة السياحة المصرية تكون خلال النصف الثاني من العام، وهي ذات التفرة التي تشهد تأثرا واضحا على مستوى أعداد الوفود القادمة إلى مصر من روسيا وأوكرانيا.
وبالتالي استمرار تدهور الأوضاع بين البلدين سيقلص من عوائد السياحة المصرية من الوفود الأجنبية. وهنا يكون على الدولة ضرورة البحث دول أخرى يتم ترويج السياحة المصرية بها بشكل لائق يضمن إقناع أكبر عدد هنا للقدوم إلى مصر مستقبلا.

من جانبه قال عصام علي الخبير السياحي، إن المركز التحليلي الروسي للسياحة والسفر، أعلن أن مصر هي الوجهة السياحية الأرخص في سعر تذاكر السفر للسياح الروس مقارنة بتركيا وعدد من المقاصد السياحية العالمية الأخرى.

وأوضح الخبير السياحي، أن مصر جاءت في المرتبة الأولى بين أرخص الوجهات، حيث بلغ سعر تذكرة الطيران لمصر 22.9 ألف روبل، مقارنة بمتوسط سعر تذكرة الطيران إلى تركيا، والذي وصل أكثر من 20 ألف روبل في اتجاه واحد فقط. ومع ذلك هناك تراجعا واضحا على مستوى الوفود السياحية الروسية إلى مصر وكذلك وفود باقي الدول الأوروبية لمختلف البلدان السياحة وليس فقط بسبب الاضطرابات الاقتصادية العالمية التي أثرت على اقتصاديات الدول.

هل تعوض السياحة العربية غياب الروس والأوكران؟

سقوط الطائرة الروسية في شرم الشيخ

بعد الأزمة الروسية الأوكرانية بدأت عدد من الشركات السياحة التوجه بشكل سريع إلى السوق العربية، الذي توقع البعض أن يشهد طفرة غير مسبوقة في الحركة الوافدة إلى القاهرة.

وقال محمد ثروت رئيس لجنة السياحة العربية بغرفة شركات السياحة السابق، إن السياحة العربية يمكنها أن تعوض نسبة من السياحة الأجنبية ولكن ليس تعويض كامل، نظرا لانخفاض أعداد السياح العرب مقارنة بالوفود الأجنبية على مستوى العالم وبالتحديد تلك القادمة من روسيا وأوكرانيا.

أضاف ثروت لـ”مصر 360″، أن مصر تعوّل على روسيا وأوكرانيا اللتان تحتلان المراتب الأولى بين الدول الأكثر زيارة إلى مصر في القطاع السياحي. لكن يصعب أن تعوضها الدول العربية رغم ارتفاع أعداد الوفود السياحية السعودية إلى مصر خلال العامين الماضيين.

لفت إلى أن السياحة العربية لا يمكن أن تلعب دورا بديلا للسياحة الأجنبية بسبب اختلاف العملة، فمصر تعتمد على الدول الأجنبية كمورد رئيسي للعملة الدولارية، وهو ما لا يحدث في حالة السياحة العربية، وبالتالي لن يكون عائد السياحة المصرية بنفس المعدل.

وتابع أن القاهرة هي أكثر المدن المصرية استقبالا للسياح العرب حاليا، وأن غالبية السياح العرب عند زيارتهم لمصر يفضلون الإقامة بفنادق القاهرة، ما ساهم في رفع نسب الإشغال بغالبية فنادق القاهرة إلى ما يقرب من 90% من بداية 2022.

في الوقت الذي تحتل فيه القاهرة المركز الأول كأكثر المدن المصرية التي يفضل السياح العرب زيارتها؛ نجد أن الغردقة والساحل الشمالي تأتي بعدها بمسافات كبيرة في جذب العرب لزيارتها. الساحل الشمالي ومدينة العلمين الجديدة بدأتا أخيرا في جذب واستقطاب أعداد جيدة من السياح العرب لزيارتها لاسيما من الإماراتيين والسعوديين وبخاصة خلال موسم الصيف الحالي وفق ثروت.

12 مليار دولار إيرادات في عام

وخلال لقاءات عقدت في مايو الماضي لوزير المالية المصري محمد معيط، مع ممثلي بنك “مورجان ستانلي”، وممثلي بنك “أوف أمريكا” وبنك “أوف نيويورك” لفت معيط إلى أن القطاع حقق خلال العام المالي المنتهي في 30 يونيو الماضي، إيرادات ما بين 10 إلى 12 مليار دولار.

لفت وزير المالية خلال لقائه أن حجم الإيرادات السياحية تحققت رغم فقدان 35% من السياحة نتيجة لفقد السياح الوافدين من أطراف الأزمة الأوكرانية. حيث تحاول الدولة تعويض ذلك بجذب المزيد من السائحين من الدول الأخرى منها: ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا؛ باعتبار السياحة مصدرا مهما للعملة الصعبة.

ماذا فعلت مصر في 7 سنوات؟

خلال السنوات التي تلت سقوط الطائرة الروسية، زار المطارات المصرية سواء مطار القاهرة أو مطاري شرم الشيخ والغردقة ما يزيد عن 15 وفدا أمنيا. للوقوف على الإجراءات الأمنية الجديدة المتبعة في مطارات المدن السياحية الساحلية.

الوفود الروسية المتتالية دفعت السلطات المصرية إلى اتباع أعلى معايير التأمين داخل المطارات. التي تطبق وفقا لمنظمات الدولية. كما تم تحديث المنظومة الأمنية داخل المطارات بشكل كامل.

طيلة السنوات الماضية اجتازت المطارات العديد من التفتيشات الأوروبية والأمريكية. حتى استأنفت العديد من شركات الطيران رحلاتها إلى المطارات المصرية. وتم تسيير خطوط جوية جديدة إلى مختلف المطارات بعد توقف بسبب جائحة كورونا.

وفي 9 يناير 2021، أعلن المجلس الدولي للمطارات لإقليم أفريقيا. عن قائمة المطارات الـ 21 المعتمدة صحيًا في القارة السمراء.

وجاء مطار شرم الشيخ الدولي في صدارة تلك المطارات ضمن برنامج الاعتماد الصحي للمطارات AHA الذي أطلقه المجلس الدولي للمطارات من أجل سفر آمن في ظل جائحة كورونا.

كما حصل مطار الغردقة الدولي في العام ذاته، على شهادة الاعتماد الصحي للسفر الآمن.

مصادر بالطيران المدني كشفت لـ”مصر 360″، أن الوفود الأمنية الروسية أشادت بالإجراءات الأمنية التي بات يتم اتباعها بمختلف المطارات وبالتحديد مطاري شرم الشيخ والغردقة. خاصة بعدما اتبعت السلطات المصرية إجراءات أمنية صارمة داخل صالات السفر والوصول وإجراءات تأمين الحقائب والمسافرين، والإجراءات الاحترازية التي تتبعها سلطات الطيران لحماية المسافرين.

المصادر شددت أيضًا على تفتيشات الوفود الروسية على الركاب والحقائب ومتابعة عمليات التأمين المختلفة. ومراقبة أسوار مطارات المدن السياحية الغردقة وشرم الشيخ. كما تطرقت إلى ما تطوير الدولة في أنظمة المراقبة والكاميرات. وتأمين مهبط الطائرات والإجراءات الأمنية داخل مقرات المحطات. ومن ثم باتت المطارات المصرية تضاهي نظيراتها العالمية من حيث الأمن والسلامة الجوية، ووجود أحدث أجهزة التفتيش.