ارتفعت أسعار السجائر في أسواق التجزئة بمصر رغم تأكيد الشركة الشرقية “إيسترن كومباني” -محتكر صناعة الدخان بالسوق المحلية- عدم تحريكها. وذلك وسط اختفاء واضح للعديد من الأنواع المتوسطة وندرة غالبية التبغ المسخن.
تأتي زيادات الأسعار في ظل مخاوف من نقص المادة الخام التي يتم استيرادها بصورة كاملة. والتضييق على فتح الاعتمادات المستندية الخاصة بالاستيراد من قبل القطاع المصرفي. وذلك للحفاظ على العملة الصعبة للسلع الاستراتيجية.
بحسب شعبة الدخان فإن اختفاء أنواع سجائر من السوق يرجع إلى جشع بعض التجار. مع سيطرة شائعات في السوق عن قرار وشيك برفع الأسعار.
الأكشاك ومواجهة جمهور السجائر
يقول أحمد الصعيدي -صاحب كشك يبيع سجائر- إن التجار الكبار خزّنوا كميات ضخمة للاستفادة من فارق الأسعار. ويضعون أصحاب الأكشاك في مواجهة الجمهور.
من جانبها لم تحسم الشركة الشرقية ملف التسعير حتى الآن. إذ أكدت أخيرًا أنها تدرس تداعيات ارتفاع أسعار الوقود ومدخلات الإنتاج على العملية الإنتاجية وأسعار منتجاتها ومدى قدرتها على امتصاص تلك الارتفاعات دون تحريك السعر.
تراجع الاستيراد.. هل ينعكس على المعروض؟
واستوردت مصر سجائر خلال شهري يناير وفبراير 2022 بقيمة 8 ملايين و241 ألف دولار. مقابل 50 مليونا و520 ألف دولار خلال الفترة ذاتها من العام السابق. وذلك بتراجع قدره 42 مليونا و279 ألف دولار.
ووفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن عدد المدخنين في مصر 11 مليونًا. وغالبيتهم من الفئة العمرية بين 45 و55 عامًا. لكن جمعية مكافحة التدخين تقول إن العدد يناهز 18 مليون مدخن بين 100 مليون نسمة.
ويبلغ المتوسط العام لإنفاق الأسرة المصرية على الدخان نحو 5٪ من إجمالي إنفاقها السنوي. بما يعادل 5 آلاف و798 جنيها متوسط إنفاق الأسرة على التدخين سنويا.
وارتفعت أسعار السجائر المحلية في مصر بما لا يقل عن 600% خلال عقد ونصف. إذ ارتفعت الأنواع الشعبية من مستوى 2.75 جنيه إلى 20 جنيهًا,. مع تخصيص جزء من حصيلة البيع لمشروع التأمين الصحي الشامل.
غلاء السجائر للحد من استهلاكها
وقد بررت الحكومة رفع أسعار السجائر المستمر بسعيها للحد من استهلاكها. وذلك لأنها تتسبب في موت 171 ألف شخص سنويا بأمراض السدة الرئوية وسرطان الجهاز التنفسي.
ويحمل إبراهيم إمبابي -رئيس شعبة الدخان- البنك المركزي مسئولية اختفاء التبغ المسخن. بسبب عدم توفير العملة الصعبة للاستيراد. وحذر من احتكار بعض أنواع السجائر وحجبها عن السوق. حتى إن التبغ المسخن اختفى تماما في محال البيع.
بينما يحذر “إمبابي” من وجود مصانع دخان مهددة بالتوقف خلال الأسابيع المقبلة. إذا استنفدت كامل المخزون لديها من التبغ الخام. لكن الشركة الشرقية للدخان أكدت امتلاكها مخزونًا احتياطيًا من منتج التبغ لتلبية احتياجات السوق المحلية.
ويبلغ إنتاج مصر من السجائر 89 مليار سيجارة في 2021. بينها 66.8 مليار سيجارة للأصناف المحلية، بينما بلغ حجم الإنتاج لصالح الغير 21.5 مليار سيجارة خلال العام الماضي.
المصريون يتجهون للأرخص
قبل أسابيع اتخذت شركة “بريتش أمريكان توباكو” -ثاني أكبر منتج للسجائر بالعالم- قرارات بتصفية أعمالها في مصر. وذلك بعد عزوف المدخنين عن شراء منتجاتها والاتجاه لمنتجات أرخص. نتيجة لقفزات أسعار السجائر وزيادة تكلفة مواد الإنتاج والاستيراد.
توقفت الشركة عن تصنيع منتجاتها في مصر بعد 22 عامًا من العمل قدمت خلالها منتجاتها مثل “روثمانز” و”لاكي سترايك” و”دانهيل” و”كينت” و”فايسروي”. علاوة على سجائر التبغ المسخن “غلو”.
شركة فيليب موريس الأمريكية التي فازت بالرخصة الثانية لإنتاج السجائر اتخذت طريقا آخر بزيادة أسعار بيع بعض أصنافها من التبغ المسخن في السوق المحلية. وذلك بقيمة 3 جنيهات. ليرتفع سعر منتج “هيتس” بجميع أنواعه من 37 إلى 40 جنيهًا. كما قامت بزيادة سعر منتجها “هيتس دايمنشيونز” بجميع أنواعه من 42 إلى 45 جنيهًا.
وقامت “فيليب موريس” بتأجير مصنع من الشرقية للدخان تمهيدًا لإنتاج منتجاتها محليًا في كيان جديد يحمل اسم “المتحدة للتبغ”. والذي تمتلك الشرقية للدخان 24% من رأسماله بقيمة 100 مليون جنيه. وكان يفترض أن تكون منتجاتها في الأسواق لكنه تأجل لأسباب غير معلنة حتى الآن.
لماذا ترفض مصر زراعة التبغ؟
يطالب كثيرون بزراعة التبغ لتوفير 300 مليون دولار موجهة للاستيراد من الخارج سنويا. خاصة أن مصر كانت لها محاولات سابقة في الإنتاج بمنطقة الفيوم إبان الحملة الفرنسية. وامتدت لكثير من المناطق بجنوب البلاد. حتى جاء محمد علي باشا -تاجر الدخان الذي تولى عرش مصر- فاحتكر الاستيراد. وأصدر قرارًا بمنع زراعة التبغ بدعوى تضرر المحاصيل الرئيسية.
لكن رئيس شعبة الدخان يرى أن المُناخ المصري لا يؤهل لإنتاج أنواع جيدة من التبغ. والذي يحتاج إلى مناخ شديد الرطوبة. وتجارب الماضي أسفرت عن منتج رديء لا يستطيع منافسة الأنواع المستـوردة التي تتسم بالجودة حاليا.
لا يزال حظر محمد علي باشا ساريا لكن أرفق معه القرار الوزاري 54 لسنة 1966. والذي حظر استنباط التبغ أو زراعته محليًا إلا لأغراض التجارب. إضافة إلى التوقيع على الاتفاقية الإطارية لمنظمة الصحة العالمية بشأن مكافحة الدخان في يوليو/تموز 2003 لحماية البيئة وصحة الأفراد.
بحسب باعة في السوق فإن التجار بدؤوا منذ يونيو/حزيران في تعطيش السوق لرفع الأسعار وإجبار المستهلكين الذين يتعاملون مع السجائر كمستلزم أساسي. خاصة مع وقف الشيشة في غالبية المقاهي ضمن خطة مكافحة جائحة كورونا.
ويشكل مدخنو الشيشة نحو 19.9٪ من عدد المدخنين بواقع 17.2/ بالفئة العمرية من 15 إلى 29 سنة. و18.6٪ للفئة العمرية من 30 إلى 44 سنة. و23.4٪ للفئة العمرية من 45 إلى 59 سنة. و27.3٪ للفئة العمرية من 60 إلى 69 سنة. وغالبية تلك الفئات اتجهت للسجائر كبديل.
خيارات المستهلك في تضخم مرتفع
دفع ارتفاع السجائر المصنعة المستمر المدخنين إلى التقليب في ذكريات الماضي. ليعود لف السجائر الذي كان منتشرا في القرى قبل عقود لكن بشكل عصري. مع شراء فلاتر والاعتماد على ماكينات بدلا من اللف اليدوي.
وتحمل العادة الجديدة عدة مآرب لصالح المدخنين. ومنها توفير مبلغ مالي شهري لا يقل عن 400 جنيه. وتقليل حجم الاستهلاك لحاجة اللف إلى قدر من الوقت لا يتناسب في غالبية الأوقات مع جو العمل. على عكس التدخين التقليدي السهل لدى كثيرين.
لكن تلك المحاولات تصادف مخاوف أيضا. فتعقيدات الاستيراد تطال جميع أنواع التبغ. ما قد ينعكس على العبوات التقليدية المحلية. التي كانت وسيلة الطبقة الوسطى للتحايل على ارتفاع أسعار السجائر.
أسعار السجائر وتأثيرها في خدمات غير المدخن
حينما ترتفع أسعار السجائر فإنها تؤثر بشكل غير مباشر في غير المدخنين أيضا. وذلك عن طريق تحريك أسعار الخدمات الحرفية. فأصحاب الحرف من سباكة ونجارة وغيرها يقدرون مجهودهم وفقا لأسعار الدخان. لتصبح أقل خدمة مهما كانت بسيطة بما يعادل ثمن علبتي سجائر.
الأمر ذاته يتكرر في مهن الوساطة والسمسرة. التي تنتشر في مختلف الأنشطة. فالمخلصاتية -مواطنون ينهون المصالح للغير في الشبكات الحكومية- رفعوا مقابلهم حاليا لما يعادل علبتين أو أربع علب سجائر من النوع الفاخر حسب نوع المصلحة.
ارتباط المصالح بالسجائر ضارب بجذوره في عمق المعاملات المصرية تحت شعار “إذا أردت أن تنجز فعليك بالوينجز”. وهي ماركة سجائر أمريكية كانت رائجة عام 1929 وتم الدعاية لها على أنها “الأرقى والأنظف”.