شهدت أفغانستان، طيلة العام الذي عادت فيه حركة طالبان إلى السلطة، انخفاضا كبيرا في المعارك والنزاعات المسلحة. رغم ذلك السلام النسبي، لكن تقرير حديث لمجموعة الأزمات يشير إلى أن هناك مشاكل أمنية خطيرة تواجهها البلاد. أقلها، المقاتلون الأجانب الذين يتجولون في شوارع كابول وغيرها من المناطق الأفغانية. ما يوجب على السلطة الجديدة الوفاء بالتزاماتها، حتى يتم تجنب إشعال العنف على نطاق واسع.
يؤكد التقرير أنه “رغم تراجع المعارك الأكثر دموية في العالم، ووصلوها إلى معدلات هدوء نسبي غير مستقر. بعدما عادت طالبان إلى السلطة. لكن بعد هذا الهدوء عادت المياه إلى الغليان، وخرجت عن مجاريها، كون طالبان ما زالت تأوي متشددين أجانب. مثل زعيم القاعدة أيمن الظواهري، والذي قنصته السلطات الأمريكية في العاصمة الأفغانية.
يقول التقرير: رغم أن طالبان ليست مهددة، ولكن السلطات الجديدة كافحت لأجل نيل ثقة الدول المجاورة، وسكان أفغانستان. حيث قامت الحركة في بعض الأماكن بتخفيف الأساليب القاسية. التي أدت إلى نفور السكان.
ويلفت التقرير إلى أنه “يجب على الأطراف الأجنبية تجنب استخدام نفس الأنماط السابقة في دعم الحلفاء. ونفس النهج المتبع سابقا بقصف الأعداء بشكل روتيني جوا، كلاهما لا يرجى منه تحسين الأمن.
اقرأ أيضا: مشاهدات داخل أفغانستان: المعاني المختلفة لحكم طالبان
هدوء حذر
جلب انتصار طالبان قدرًا من الهدوء غير المألوف إلى أفغانستان. حيث هدأ القتل في أواخر عام 2021 في غالبية الأراضي الأفغانية. ولكن، يرى خبراء مجموعة الأزمات أن “هذا لا يعني أن كل الأشياء تسير في النسق السليم وأنها على ما يرام، لأنها ليست كذلك. حيث تقاتل حركة طالبان عدة حركات تمرد”.
الجماعة الأولى التي يواجهها الملالي (رجال الدين الذين يحكمون باسم طالبان) في كابول هي قيادة الفرع المحلي لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. والثانية تتكون من جبهة المقاومة الوطنية (NRF)، إضافة إلى جماعات أخرى متحالفة مع الحكومة السابقة.
يقول التقرير: هذا أكثر ما يقلق العالم الخارجي، بسبب أن تلك الجماعات المسلحة الأجنبية التي اعتمدت في الماضي على طالبان كملاذ آمن لا تزال في البلاد، كما يتضح من الضربة الأمريكية في 31 يوليو/ تموز. التي قتلت زعيم القاعدة أيمن الظواهري في كابول. مع ذلك، يجب على الأطراف الخارجية مقاومة أي إغراء للعودة إلى الحروب بالوكالة، أو ضربات الطائرات بدون طيار الروتينية. ويجب عليهم -بدلاً من ذلك- الضغط على طالبان للوفاء بالتزاماتهم الأمنية.
وأضاف: طالبان -رغم وجود عدم ثقة متبادل مبرر- يقدمون تعاونًا متواضعًا في قضايا منفصلة. كون الحركة اليوم تتحمل المسؤولية الأساسية عن أمن أفغانستان، فيجب عليهم إضفاء الطابع المهني على قواتهم. والتخلي عن العقاب الجماعي، وفرض سياستهم التي تقدم العفو للمسؤولين وقوات الأمن التابعة للحكومة التي أطاحوا بها.
تكشف الصورة الناشئة للمشهد الأمني في أفغانستان تحت حكم طالبان عن دولة أكثر سلامًا بشكل ملحوظ مما كانت عليه قبل عام. ولكن مع جيوب من العنف تهدد بانعدام الأمن بشكل أكبر، إذا لم يتم إدارتها بشكل فعال.
الوضع المتغير لقوة طالبان
من السمات الرئيسية للمشهد الجديد هو الوضع المتغير لقوة طالبان، والذي بدا في حالة استرخاء في معظم أنحاء البلاد. تم تفكيك المئات من نقاط التفتيش على الطرق والطرق السريعة، لأن طالبان تفتقر إلى القوة البشرية لصيانتها “وعلى أي حال، لا ترى تهديدات كبيرة من القرى الريفية التي استضافت مقاتليها خلال عقود من التمرد.
في الوقت نفسه، ما زالت الحركة تكافح للتكيف مع دورهم الجديد في حفظ الأمن في المدن وأجزاء الشمال، حيث لا يتمتعون بشعبية. مع استقرارها في كابول والتخطيط للمستقبل، أعلنت طالبان عن خطط طموحة لجهاز أمني كبير، لكن الجهود المبذولة لبناء هذه القوات لا تزال في مراحلها الأولى. من المرجح أن تستغرق المهمة سنوات. وفق التقرير.
في غضون ذلك، تواجه طالبان حركات تمرد صغيرة على الأقل. في الشرق وأجزاء من الشمال “مقاتلي الدولة الإسلامية – ولاية خراسان”. كما يقاتلون أيضًا عناصر تابعة للجيش والشرطة وأجهزة المخابرات السابقة التي هزموها في أغسطس/ آب 2021.
يفيد تقرير مجموعة الأزمات بأن الحملة ضد داعش أدت إلى تقليص قدرتها في الشرق “لكن المجموعة بدأت في التكيف، وتغيير مناطق العمليات، وتحويل تكتيكاتها. حتى شنت ضربات عبر الحدود في جيران أفغانستان في آسيا الوسطى. من المرجح أن تشير إلى القدرة على التصرف من الفناء الخلفي لطالبان. في الوقت نفسه، اكتسبت أكبر فصائل المتمردين الشمالية، جبهة الخلاص الوطني، زخمًا -ربما جزئيًا- بسبب حملة طالبان القمعية.
في الوقت الذي يواجهون فيه هذه التحديات، اتخذت طالبان أيضًا -بطريقة أكثر هدوءا- خطوات محدودة لإدارة المخاطر التي يشكلها المقاتلون الآخرون. والذين ما زالوا خاملين إلى حد كبير، ولكنهم خطرون. تشمل هذه القائمة تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات الجهادية ذات الطموحات الإقليمية أو العالمية، والتي تمتعت تاريخيا بحماية طالبان. وتهدف طريقة تعامل طالبان مع هذه الجماعات إلى احتوائها دون استفزازها للانقلاب على حكومتها الوليدة.
اقرأ أيضا: أفغانستان.. فوتوغرافيا الموت والانسحاب
نتائج عكسية
يشير التقرير إلى أن التوازن غير المستقر الذي تحاول طالبان فرضه داخل البلاد “ربما قد أدى إلى نتائج عكسية، وربما لم يعد مستدامًا في أعقاب الضربة الأمريكية التي قتلت الظواهري. أوضح موته التناقضات في رغبة طالبان في استضافة جهاديين عالميين، يهدفون -من حيث المبدأ- إلى إسقاط نظام دولي يسعى الطالبان أنفسهم للاعتراف بهم”.
في الوقت نفسه، حاولت الحركة سحق المعارضة بتكتيكات قاسية. شملت الاعتقالات التعسفية، والتعذيب، والقتل خارج نطاق القانون، والعقاب الجماعي، والتنميط. حيث تستهدف قوات أمن طالبان أعضاء الجماعات العرقية والقبلية والدينية، الذين يشتبه في دعمهم للمتمردين، أو تعزيز المشاعر المناهضة لطالبان.
وأضاف التقرير: يدرك الطالبان أنفسهم أن هذه التكتيكات القاسية غالبًا ما ولدت رد فعل عنيف يدفع الأفغان إلى دعم أعداء طالبان. وبالتالي، فإن السلطات تختبر أساليب أكثر دقة للأمن. في بعض الحالات، ينقلون أفراد أمن طالبان، لمنع رجالهم من الانغماس في نزاعات محلية، ويعرضون إطلاق سراح السجناء. بشرط أن يقدم زعماء القبائل ضمانات لحسن السلوك.
لقد أطلقوا جهودًا كاسحة في نزع السلاح، بما في ذلك عمليات بحث غير مسبوقة من منزل إلى منزل للبحث عن أسلحة ومصادرة العتاد. خطوات دراماتيكية، لكنها أقل عنفًا من تكتيكات مكافحة التمرد الأخرى، التي أصبح الأفغان معتادين عليها على مدى العقود الماضية. كما أنهم يجندون القوة الناعمة لعلماء الدين، في محاولة لإقناع الدولة بأكملها بعدم مقاومة حكم طالبان.
وتابع: لعل الأهم من ذلك، أن طالبان كررت عفوًا عامًا يسري على كل من يمتنع عن قتالها، وتواصلت مع أعدائها السابقين، وحثت أعدائها السابقين على المساعدة في إعادة بناء مؤسسات الدولة – بما في ذلك قوات الأمن.
كيف يمنع العالم التدهور الأفغاني؟
في حين أن هذه المبادرات لم تكبح بعد العنف ضد طالبان، فإن التهديدات للنظام الجديد ليست وجودية والسؤال من وجهة نظر طالبان هو كيفية منعها من التدهور. يمكن أن تشكل عدة سيناريوهات مستقبلية مخاطر أكبر على سيطرتهم. مثل التشرذم الواضح لحركة طالبان نفسها، توحيد الجماعات المعارضة، أو تمرد الجهاديين ضد جهود طالبان لاحتوائهم.
يشير تقرير مجموعة الأزمات إلى انه “في الوقت الحالي، يبدو أن هذه التطورات غير مرجحة. ويمكن أن يكمن خطر آخر في تسليح القوى الإقليمية والغربية لقوات مقاتلة بالوكالة، أو لجوء الدول الغربية إلى روتين جديد من الضربات الجوية. أو غيرها من الإجراءات الأحادية الجانب، ضد المسلحين الأجانب على الأراضي الأفغانية.
وأضاف: كان من الطبيعي أن يؤدي اكتشاف زعيم القاعدة في قلب كابول، إلى تشكك العديد من الحكومات الأجنبية في قدرة طالبان، أو رغبتها في احتواء المسلحين متعددي الجنسيات. في الواقع، يشعر العالم الخارجي بالقلق من نهج السلطات الأفغانية الجديدة، الذي يبدو مهملاً تجاه الجهاديين الذين لا يزالون -على الأقل في الوقت الحالي- تابعين لطالبان.
مع ذلك، يجب أن تكون الأولوية الأولى للقوى الخارجية هي تجنب التعجيل بالعودة إلى مستويات عالية من العنف في أفغانستان، وفق الخبراء الذين أعدوا التقرير.
يقول: لقد أوضحت الولايات المتحدة وشركاؤها أنهم سيحتفظون بقدرة “فوق الأفق” لضرب أهداف من قواعد في دول أخرى. لكن الضربة الناجحة على زعيم القاعدة لا تعادل استراتيجية أوسع. حيث المزيد من قصف الجماعات المسلحة لن يقضي عليها. ولا ينبغي للحكومات الأجنبية أن تشعل العنف في أفغانستان بعودة مضللة إلى الحروب بالوكالة.
لذلك، من المستبعد جدًا -وفق التقرير- أن تتحد الجماعات المتمردة المناهضة لطالبان في أي وقت قريب وتنتصر في حرب أهلية، والاستيلاء على كابول، حتى بتمويل أجنبي. بدلاً من ذلك، من المرجح أن تؤدي مثل هذه التكتيكات-زيادة وتيرة ضربات الطائرات بدون طيار أو محاولة زيادة قدرة خصوم طالبان على استخدام القوة- إلى خسائر في صفوف المدنيين، وزيادة المشاعر المعادية للغرب، وربما دعم شعبي أكبر لطالبان. والتحدي هو منع الإنزلاق إلى هذا المنحدر.