لا يمر عام واحد دون أن تعلن الكنيسة القبطية عبر إيبارشياتها الموزعة في أنحاء الجمهورية عن اندلاع حريق بإحدى الكنائس بسبب ماس كهربائي. مذيلًا بالعبارة “دون خسائر في الأرواح”. إلا أن تكرار الحرائق رغم محدوديتها لم يلفت نظر أحد إلى غياب نظم الحماية المدنية عن الكنائس المصرية إلا فيما ندر.
20 حريقا بماس كهربائي في الكنائس من 2016
ما بين 2016 حتى حادث أمس بكنيسة “أبو سيفين” في حي إمبابة بالجيزة فإن البيانات الرسمية للكنائس ومديريات الأمن تكشف وفقًا لحصر أولي عن اندلاع ما يقرب من 20 حريقا محدودا بسبب ماس كهربائي. وذلك في مختلف كنائس الجمهورية. بالإضافة إلى حادث أمس الذي راح ضحيته 41 قتيلا. ومن ثم فإن هذه الأرقام تعني أن المسيحيين المصريين يشهدون ما بين حريقين لثلاثة سنويًا في كنائسهم بسبب الماس الكهربائي. دون أن يصبح ذلك جرس إنذار يدعو لدراسة الظاهرة ومعرفة أسبابها والبحث عن حلول لها.
حصر تفصيلي لحرائق الكنائس بسبب الماس الكهربائي
في يونيو/حزيران 2016 تمكن رجال الدفاع المدني بالقاهرة من السيطرة على حريق نشب داخل كنيسة مارمينا في منطقة شبرا مصر. ومنع رجال الإطفاء خطر امتداد الحريق وحاصروا ألسنة اللهب دون وقوع خسائر في الأرواح.
وفي أغسطس/آب من العام نفسه نشب حريق محدود داخل كنيسة بقرية دماريس. التابعة لمركز المنيا أثناء صلاة القداس. وتبين أن الحريق شب بلوحة مفاتيح كهربائية أسفل جهاز تكييف. وتم إخماده في الحال ومنع امتداده لباقي أجزاء الكنيسة دون وقوع خسائر بشرية.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2016 عاينت نيابة ميت غمر موقع كنيسة العذراء الأثرية بسبب وقوع حريق نتج عن ماس كهربائي دون خسائر بشرية.
وفي يونيو/حزيران 2017 شهدت كنيسة مار يوحنا بقنا حريقا محدودا بغرفة صناعة القربان. وتمت السيطرة عليه من قبل الحماية المدنية دون وجود خسائر بشرية. وفي الشهر نفسه شب حريق مماثل بالكنيسة الإنجيلية بالفشن ببني سويف. وقال القس وائل رمسيس -راعي الكنيسة- عبر صفحته الشخصية على شبكة التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “الحادث نتج عن ماس كهربائي دون خسائر في الأرواح”.
وفي نهاية عام 2017 شب حريق بكنيسة الملاك ميخائيل بعزبة خورشيد التابعة لقرية طما فيوم بمركز إهناسيا بمحافظة بني سويف. وذكرت وزارة الداخلية أن ماسا كهربائيا تسبب في الحريق دون خسائر في الأرواح أو شبهة جنائية.
أما عام 2018 فقد شهد حرائق عدة بالماس الكهربائي في فبراير. إذ تمكنت الأجهزة الأمنية بالتنسيق مع قوات الدفاع المدني بالمنيا من السيطرة على حريق نشب في استراحة كنيسة مارمينا بقرية “أولاد مرجان” نتيجة ماس كهربائي.
حرائق بلا إرهاب أو تخريب
وفي إبريل/نيسان 2018 شب حريق بكنيسة تحت الإنشاء بدير الشهيد العظيم مارمينا العجايبي بمنطقة كينج مريوط. وقد وقع الحريق بالطابق الثاني بسبب ماس كهربائي. ما أدى لاحتراق الشدات الخشبية المستخدمة في بناء الكاتدرائية. فيما تمت السيطرة علي الحريق دون حدوث إصابات.
وفي يونيو/حزيران أكدت مديرية أمن القليوبية أن حريق كنيسة الأنبا مقار بشبرا الخيمة شب بسبب ماس كهربائي في محول مجاور لمبنى الكنيسة. ولم تقف خلف الحريق أي أعمال تخريب أو إرهاب.
وفي أكتوبر/تشرين الأول من عام 2018 قالت الكنيسة الأرثوذكسية إن حريقا نشب بكنيسة العذراء بدرياس بعين شمس. وقد وقع الحريق أيضا نتيجة ماس كهربائي.
وفي الشهر نفسه تمكنت الحماية المدنية بالمنيا من إخماد حريق محدود داخل كنيسة رسولية بسبب ماس كهربائي دون أضرار بشرية.
وفي ديسمبر/كانون الأول أعلنت مطرانية ملوي وأنصنا والأشمونين للأقباط الأرثوذكس في المنيا اندلاع حريق بكنيسة العائلة المقدسة بقرية ديروط أم نخله. وكان سبب الحريق ماسا كهربائيا بماكينة صوت. وأن “مسلمي القرية شاركوا في إخماده”.
مسلسل حرائق الكنائس
لم يختلف عام 2019 عن سابقيه فقد شهد حوادث مماثلة في كنائس بالقاهرة والمحافظات. ففي إبريل/نيسان رد الأنبا جرجيوس -أسقف مطاي- حريقا اندلع بخيمة بديلة لكنيسة مارجرجس لماس كهربائي.
وفي مايو/أيار ذكرت مطرانية بني سويف للأقباط الأرثوذكس حدوث حريق محدود بكنيسة السيدة العذراء مريم. وذلك “بمطرانية بني سويف” بسبب ماس كهربائي. فيما تمت السيطرة عليه في وقت قصير دون خسائر في الأرواح كما لم تحدث إصابات.
وفي يوليو/تموز أظهرت معاينة رجال الحماية المدنية بالقاهرة وجود ماس كهربي تسبب في حريق مبنى كنيسة الأنبا بولا بحدائق القبة. والتهم الحريق كميات من التشوينات لمواد خشبية وأثاث ساعدت في انتشار الحريق من الطابق الأخير بالمبنى.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019 أسفر حريق ضخم اندلع في كنيسة مار جرجس بحلوان -شرق القاهرة- عن خسائر مادية وتدمير أجزاء كبيرة من المبنى التاريخي. والذي يعدّ من أقدم كنائس إيبارشية حلوان والمعصرة. ولم تُسجّل أي إصابات بشرية وفق مصدر أمني أكد أن الحادث وقع بماس كهربائي.
وفي الشهر نفسه أصيب خمسة أشخاص باختناق في كنيسة مارجرجس بالمنصورة. وذلك بعدما نجحت قوات الحماية المدنية بالدقهلية في السيطرة على الحريق الذي شب بمبنى الخدمات الملحق للكنيسة. وتبين أنه بسبب ماس كهربائي.
حريق واحد في 2020
بينما سجل عام 2020 حادث واحد فقط وقع بمحافظة الإسكندرية بكنيسة مارجرجس والأنبا أنطونيوس بمحرم بيه. وقال القمص أغسيطينوس فؤاد -راعي الكنيسة- إن الحريق نتج عن ماس كهربائي.
وشهد عام 2021 حادثين الأول في كنيسة رئيس الملائكة سوريال والشهيد مارمينا بالعمرانية بالجيزة. حيث نشب حريق داخل المبنى والتهم معظم محتويات الطوابق الأربعة للكنسية دون وقوع خسائر بشرية. أما الحادث الثاني فقد وقع في كنيسة العذراء مريم بالوراق بالجيزة. وكشفت تحريات الشرطة وقوع ماس كهربائي في لوحة مفاتيح تسببت في اشتعال الحريق دون خسائر بشرية وذلك في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
وفي مطلع العام الحالي شب حريق بسقف كنيسة العذراء مريم في مركز إدفو شمال محافظة أسوان -جنوب مصر. وذلك بسبب ماس كهربائي أدى إلى اشتعال التكييف. فيما لم يسفر الحريق عن وقوع أي إصابات.
والأسبوع الماضي شهد حريقًا بمخزن كنيسة الأنبا بولا بمدينة نصر -شرق القاهرة- تسبب في بعض الخسائر المادية. وقالت الكنيسة إنه وقع بسبب اشتعال النيران في أجهزة التكييف. ليضع حادث أمس بكنيسة “أبو سيفين” بإمبابة نهاية لعبارة “دون خسائر بشرية”. وينتهي بهذا العدد الضخم من الضحايا الذين زادوا على الأربعين ضحية.
لماذا تتكرر حوادث الماس الكهربائي في الكنائس؟
يوضح مسئول متقاعد بشركة كهرباء شمال القاهرة أسباب وقوع الماس الكهربائي. فيقول: “يحدث الماس الكهربائي بسبب قلة جودة الأسلاك أو الاعتماد على أسلاك رديئة يتم ربطها بأحمال كهربائية عالية. فتشتعل أحيانًا وتنصهر أحيانًا أخرى. خاصة في فصل الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة. ثم تبحث الشرارة الصغيرة عن أي مصدر إشعال لتتزايد. ومن بين ذلك غاز الفريون في التكييفات أو أخشاب تساعد على الاشتعال أو مصادر حرارية. وهو ما يمكن فهمه عند اشتعال حريق في كنيسة أثناء إقامة قداس قبطي يتطلب إشعال شموع ورفع بخور وكلها مصادر إشعال”.
يشرح المسئول المتقاعد الذي رفض نشر اسمه أن المولدات الكهربائية نفسها ليست سببًا في حدوث الماس الكهربائي. مؤكدًا رداءة الأسلاك أو التوصيلات الكهربائية التي تحترق بسبب الضغط عليها. ثم تتغذى على غاز المولد الكهربائي ويتفاقم الوضع.
لماذا غابت نظم الحماية المدنية عن مخصصات التدبير الكنسي؟
يقوم النظام الكنسي على اللا مركزية. فكل أسقف مسئول عن مجموعة كنائس في منطقة جغرافية محددة يشرف عليها ويديرها ماليًا وإداريًا وروحيًا. وتحصل الكنائس على عشور وتبرعات الأقباط لتنفق منها على احتياجاتها وخدماتها المختلفة وعلى إخوة الرب من الفقراء والمحتاجين وشئون الرعاية الكنسية. إلا أن الايبارشيات ليس لديها مخصصات مالية محددة وثابتة. بل تعتمد على تلك التبرعات في تدبير شئونها. وبالتالي فإن كنائس المناطق الراقية لديها تبرعات أكثر من كنائس المناطق الفقيرة والأحياء العشوائية. فيعمل الأسقف على توزيع تلك التبرعات لسد العجز. إلا أن اللافت للنظر في تكرار حوادث وبلاغات الماس الكهربائي بالكنائس في الإحصائية المذكورة في هذا التقرير هو أن الكنائس على اختلاف مستوياتها الاقتصادية والاجتماعية لا تمتلك أنظمة دفاع مدني أو طفايات حرائق بدائية. ما يشير إلى غياب تلك الفكرة عن التدبير الكنسي.
كذلك فإن الأمر يتوقف أحيانًا على حداثة عهد مبنى الكنيسة ومواكبته للتطورات التكنولوجية في هذا الشأن. فغالبية كنائس المدن الجديدة تمتلك طفايات حرائق. أما كنائس القرى والريف -خاصة غير المقننة منها- فقد غاب عنها الفكر الإداري الذي يجعل سلامة المبنى والأمن الصناعي ونظم الحريق أولوية.
كيف تقرأ “الماس الكهربائي” سياسيًّا؟
في الأوساط الكنسية عادة ما يتندر الأقباط بالماس الكهربائي الذي يتسبب في اشتعال الحرائق. أو المختل عقليًا الذي يهاجم الكنائس وربما المارة المسيحيين. وذلك في إشارة إلى سنوات ما قبل 30 يونيو/حزيران 2013. والتي شهدت حوادث طائفية متكررة لا يُقدَّم مرتكبوها إلى المحاكمة.
وظل كثير من الأقباط يتعاملون بريبة مع حرائق الكنائس. في إشارة إلى أنها كانت تقع بفعل فاعل. وغالبًا ما تتجه أصابع الاتهام إلى جماعات متطرفة تعادي المسيحيين وتستهدف كنائسهم. إلا أن القراءة السياسية للماس الكهربائي عام 2022 تكشف تغيرا كبيرا في اتجاهات الرأي العام الذي أصبح أكثر ميلًا لتصديق “الماس الكهربائي” كسبب في حريق كنيسة أبو سيفين أمس.
لعل المتابع لعلاقة الكنيسة بالدولة المصرية يستطيع أن يستنبط أسباب هذه التغيرات. وأهمها سرعة ضبط الجناة والمتهمين في حوادث الاعتداء على المسيحيين ثم حصولهم على أحكام قضائية رادعة كالإعدام شنقًا. بالإضافة إلى تغير سياسات الدولة المصرية في التعامل مع قضايا الأقباط. وتأكيد قيم المواطنة بالشكل الذي انعكس على ثقة المسيحيين بمؤسسات الدولة المصرية وبتعاملها الرادع مع هذه القضايا.
رغم ذلك فإن الأرقام السابقة عما يمكن تسميته بظاهرة “الماس الكهربائي” في الكنائس المصرية. فلا يمكن أن تتكرر بلاغات الحرائق فنتجاهلها وننتظر معجزة تحمي المصريين من فوضى الإهمال الذاتي والعام.