توقع الكثيرون الدعم الإماراتي والمساندة لمصر في أزمتها بشأن سد النهضة. ذلك بما تمتلكه أبوظبي من موقع تأثير في الفترة الحالية باعتبارها العضو العربي في مجلس الأمن. إلا أن بيانها الأخير بشأن الملء الثالث للسد جاء باهتا. ويحمل قدرا كبيرا من الضبابية تنطلق من حرصها على التزام الدور الحيادي. الذي يتغافل عن تهدييدات السد لمصالح مصر المائية.
وفقا لنص البيان: “نؤمن بإمكانية اختتام المفاوضات حول سد النهضة الإثيوبي بشكل ناجح. ونقر بالفرصة القيّمة التي يتيحها ذلك لدعم التكامل الإقليمي وتسريع وتيرته مع تعزيز التعاون والتنمية المستدامة في المنطقة وخارجها”.
هذا الموقف دفع البعض للتساؤل: “هل المصالح الإماراتية مع إثيوبيا أكثر أهمية من مسيرة العلاقات المصرية الإماراتية؟”.
تطورات الموقف الإماراتي تجاه أزمة سد النهضة: مساعدات في بناء السد ومساندة عسكرية واقتصادية لنظام آبي أحمد
ويأتي هذا البيان الإماراتي الأخير منسجما مع خطوات إماراتية سابقة حيث كثفت الإمارات حضورها في منطقة شرق أفريقيا خلال السنوات الأخيرة. إذ وطدت علاقتها مع إثيوبيا مع تولي رئيس الوزراء “آبي أحمد” الحكم هناك في 2018. ويشكل الدور الإماراتي في مسألة سد النهضة علامة فارقة في تحديد طبيعة المصالح التي تحكمها مع الدول المتنازعة.
في مارس/آذار 2018 وفي ظل اشتعال أزمة سد النهضة قدمت الإمارات دعما كبير لإثيوبيا بين مساعدات واستثمارات بقيمة 3 مليارات دولار. والتي أسهمت في دعم الاحتياطي النقدي بالبلاد لاستكمال مشاريعها ومن بينها سد النهضة.
وفي عام 2019 ساعدت الإمارات في حصول إثيوبيا على تحديث منظومة جيشها الدفاعية. وذلك بالحصول على منظومة الدفاع الجوي “بانتسير إس 1″. والتي استخدمت في تأمين السد.
وبعدها بعام حاول وزير الخارجية المصري سامح شكري حشد الموقف العربي لأجل دعم مصر في موقفها إزاء سد النهضة. وذلك من خلال جولة شملت 7 دول من بينها الإمارات.
خلال يناير/كانون الثاني 2021 حاولت الإمارات لعب دور الوساطة بين الدول الثلاث لتسهيل الوصول إلى اتفاق بشأن سد النهضة وتقريب وجهات النظر.
الإمارات والاتساق مع موقف إثيوبيا ضد مصر والسودان
في مارس/آذار عام 2021 وفي ظل التعنت الإثيوبي والإصرار على ملء السد من جانب واحد أصدرت الإمارات بيانا دعت فيه إلى “أهمية العمل من خلال القوانين والمعايير الدولية المعمول بها للوصول إلى حل مقبول للجميع ويضمن الحقوق والأمن المائي للبلدان الثلاثة”. وذلك اتساقا مع الموقف الإثيوبي الذي رفض أن تتدخل الإمارات في الوساطة مع مصر. ولم تشارك أبوظبي في حملة الدعم العربي التي شجبت الخطوات الإثيوبية العدائية.
في أغسطس/آب الجاري يمكن وصف بيان الإمارات تجاه السد بـ”المحبِط”. حيث لا يخدم المصالح المصرية وإنما يدعم الموقف الإثيوبي. إذ توجه نحو الاستعانة بالاتحاد الأفريقي الذي أكدت دول المصب (مصر والسودان) فشله مرارا في إيجاد حل للأزمة. مع تجاهل مماطلة إثيوبيا المستمرة لتعطيل أي مفاوضات لكسب الوقت المستهدف لإتمام بناء السد.
أشكال التعاون الإماراتي الإثيوبي
بالانتقال من سد النهضة إلى مجمل صور التعاون بين الإمارات وإثيوبيا حاولت الدولتان بناء أطر تعاون في مختلف المجالات.
-الإمارات تدعم اقتصاد إثيوبيا
العلاقات الاقتصادية هي حجر الزاوية في العلاقات الثنائية بين الإمارات وإثيوبيا. حيث اتضحت ملامحها في 2016 بنحو 38٪ من المشاريع الاستثمارية الإماراتية في إثيوبيا في الصناعة. و27٪ في العقارات و23٪ في الزراعة و4٪ في التعليم. فضلا عن 4٪ في مقاولات البناء.
وزاد حجم صادرات الإمارات إلى إثيوبيا بنسبة 46% في 2018. ووصل حجم التبادل التجاري بين البلدين مليار دولار. وتستحوذ الإمارات على 15% من مجمل تجارة إثيوبيا الخارجية مع الدول العربية. كما حققت المرتبة الثالثة عربيا كأهم شريك تجاري لأديس أبابا.
بين عامي 2002 و2020 دخلت 121 شركة إماراتية السوق الإثيوبية في العديد من قطاعات الاستثمار.
وبلغ حجم الشراكات الاقتصادية بين إثيوبيا والإمارات نحو 100 مشروع. على سبيل المثال مشروع “لا جار” الخاص بشركة “إيجل هيلز” للتطوير العقاري. كما استحوذت الإمارات على 40 مليون فدان إثيوبي للاستثمار الزراعي. ووفرت فرص عمل لأكثر من 10 آلاف إثيوبي. كما يبلغ عدد العاملين الإثيوبيين في الإمارات نحو 200 ألف عامل.
في 20 مارس/آذار 2019 انطلقت فعاليات ملتقى الأعمال الإماراتي الإثيوبي بدورته الثانية بأديس أبابا. وذلك بمشاركة 80 شركة إماراتية.
وفي فبراير/شباط 2020 اعتمد مجلس الأعمال الاستشاري الإماراتي الإثيوبي خطة متكاملة لتسهيل الاستثمارات الإماراتية. وجرى التوقيع بين “صندوق خليفة لتطوير المشاريع الإماراتي” ووزارة المالية الإثيوبية على اتفاقية بقيمة 100 مليون دولار لدعم وتمويل المشاريع متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في إثيوبيا.
التعاون السياسي: انتخابات تشريعية وبطاقات اقتراع من أبوظبي
افتتحت الإمارات في عام 2010 أول سفارة لها في أديس أبابا. ثم تبعتها إثيوبيا بفتح سفارة لها في أبوظبي 2014.
وتسارعت وتيرة الزيارات بين الإمارات وإثيوبيا منذ قدوم آبي أحمد إلى السلطة. حيث اتجه إلى الإمارات بعد شهر من توليه السلطة. وشكلت الزيارة إطارا لخارطة الطريق بين البلدين.
قادت الإمارات وساطة ناجحة بين إثيوبيا وإريتريا. حيث قدمت حزمة استثمارات ودعم لكلا البلدين كوسيلة ضغط للاستجابة لجهود المصالحة. والتي أثمرت عقد اتفاق السلام التاريخي بين البلدين في يوليو/تموز 2018. والذي أنهى حالة حرب دامت عقدين من الزمان. ما رسخ دور الإمارات كلاعب فاعل في منطقة القرن الأفريقي وأظهر قوة الجهود الدبلوماسية الإماراتية.
كما شاركت الإمارات في العملية السياسية بإثيوبيا عام 2019. حيث تعتبر المرة الأولى التي تتعاون فيها إثيوبيا مع دولة خارجية لطباعة بطاقات الاقتراع الخاصة بالانتخابات العامة التي كانت مقررة في 2020.
هذا بجانب العلاقات التي تجمعها بالإسلاميين على المستوى الرسمي عبر مفتي إثيوبيا “عمر إدريس”. وعلى المستوى غير الرسمي.
التعاون العسكري: أبوظبي تدعم آبي أحمد بأحدث النظم الدفاعية
وقع الطرفان عام 2019 مذكرة تفاهم عسكرية لتعزيز التعاون في المجالات العسكرية والدفاعية بين البلدين. وتعددت أوجه الدعم العسكري الإماراتي لإثيوبيا في أزمات عدة. لا سيما تمكينها من الحصول على منظومة الدفاع الجوي “بانتسير إس 1”. كما ساعدت آبي أحمد في حربه ضد التيجراي منذ عام 2020. وأمدّته ببعض أحدث الطائرات المسلحة دون طيار. والتي كانت السبب الرئيسي في حسم الحرب لصالحه. بجانب المساعدات الإنسانية خلال الحرب “6 طائرات محملة بـ300 طن من مواد الإغاثة”.
حضور الإمارات في شرق أفريقيا: البحث عن النفوذ
تقوم اعتبارات عدة وراء اهتمام الإمارات المتزايد بمنطقة شرق أفريقيا. لا سيما إثيوبيا. ومن هذه الاعتبارات:
منذ عام 2011 ومع توالي المتغيرات من حيث الاضطرابات في الشرق الأوسط. والنفوذ الإقليمي المتزايد لإيران والقرصنة المنبثقة من الصومال. بدأت أبوظبي تنظر إلى البلدان الواقعة على طول ساحل البحر الأحمر على أنها أكثر من مجرد شركاء تجاريين. واعتبارًا من عام 2015 تضافرت الحرب في اليمن بجانب التركيز على الجانب الأفريقي من البحر الأحمر.
ثم دفعت أزمة الخليج عام 2017 (مواجهة الدول الخليجية مع قطر )الدول المتنازعة إلى تسريع وتيرة التنافس والاستقطاب السياسي لأكبر عدد من الحلفاء. لا سيما التنافس بين دول الخليج وتركيا (حليفة قطر حينذاك) في منطقة القرن الأفريقي على بناء تحالفات مع وكلاء محليين للضغط على منافسيها.
لدى الإمارات طموحات عسكرية على طول البحر الأحمر. حيث صاغ كل من “مواني دبي العالمية” والجيش الإماراتي اتفاقية لتطوير ميناء بربرة في جمهورية أرض الصومال المعلنة من جانب واحد لتطوير ميناء بوساسو. كما يستضيف ميناء عصب في إريتريا أول قاعدة عسكرية لدولة الإمارات في الخارج منذ 2015. والتي انطلقت من خلالها الإمارات بإسناد تدخلها العسكري في اليمن.
الاختبار الحقيقي
ترتبط الإمارات ومصر بشبكة راسخة من العلاقات والتي تنامت في عهد الرئيس السيسي. وقدمت الإمارات لمصر العديد من المساعدات كما تضافرت الجهود بين الدولتين في مختلف أزمات الإقليم.
ومن منطلق مفهوم المصلحة تتحرك الإمارات عربيا وأفريقيا لتحقيق أكبر قدر من المكاسب بغض النظر عن المحددات الجغرافية والدينية والعربية والتاريخية، التي يمكن أن تسمى المحددات الاستراتيجية. ولعل ذلك ما يبرر الموقف الإماراتي في العلاقة بإثيوبيا. وجاء بند”حلول أفريقية للتحديات الأفريقية” في بيان الإمارات ليؤكد حرص أبوظبي على عدم التدخل في المسألة. رغم توجه مصر لمختلف الدول العربية للوقوف إلى صفها. هنا تضحي الإمارات بما هو مصلحة استراتيجية مقابل ما هو مصالح عاجلة ومؤقتة.
وإن كانت الإمارات تمتلك فرصة الضغط أو المواءمة مع إثيوبيا لدفعها نحو الوصول إلى حل وسط مع دولتي المصب. لكن لا تستخدم ذلك بدعوى الحياد.
ويقف خلف ذلك توجهات الإمارات نحو دعم إثيوبيا بما يضر عمليا مصالح مصر ويمثل ضغطا عليها.
ويوضح مجمل المؤشرات السابقة من تعاون عسكري واقتصادي وتنسيق سياسي إماراتي إثيوبي أن الإمارات تقف بجانب إثيوبيا وتساندها. وتعتبر موقفها من السد حياديا. وهو ما يطرح تناقضات للموقف الإماراتي من مصر. ما بين دفع مساعدات مالية فى فترات متتابعة بعد وصول الرئيس السيسي إلى الحكم. ثم الوقوف بجانب إثيوبيا في أزمة سد النهضة الذي يشكل خطرا وجوديا على حياة المصريين ومستقبلهم. وهو ما تشير إليه دوما بيانات الدولة المصرية وتصريحاتها.
في النهاية يعتبر الموقف من سد النهضة اختبارا حقيقيا للإمارات التي تسعى لحيازة نفوذ في القرن الأفريقي حتى وإن كان على حسابات الدول العربية وبينها مصر.