في تحليله حول إمكانية تطور العلاقات السعودية- الإسرائيلية. يشير الدكتور يويل جوزانسكي الزميل في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، في تحليل جديد. إلى أنه منذ توقيع اتفاقيات إبراهيم، ثم زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة. جادل البعض بأن المملكة العربية السعودية ستكون الدولة التالية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

مع ذلك -يشير جوزانسكي- فإن التطبيع الكامل بعيد كل البعد عن أن يكون وشيكا. رغم أنه “في السنوات الأخيرة، ظهر تغيير مهم -مهما كان بطيئًا وتدريجيًا- في السعودية فيما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل”.

يقول: في حين أن هناك علامات على تنازلات محتملة من جانب الرياض فيما يتعلق بعلاقتها بإسرائيل. فمن المقدر أن التحسين المحتمل للعلاقات سيتبع نموذجًا مختلفًا عن اتفاقيات إبراهيم. اختارت المملكة العلاقات مع إسرائيل كخيار استراتيجي، لكن -من وجهة نظرها- لا يتوقع التطبيع الكامل إلا بالتقدم في حل القضية الفلسطينية.

وأضاف: أي محاولة لحث المملكة على تحسين علاقاتها مع إسرائيل في المدى القريب -وبالتأكيد لإعلان العلاقات القائمة- يمكن أن يقوض احتمالات النجاح. في هذه المرحلة، فإن بقاء الرياض خلف الكواليس في قضية التطبيع، بينما تساعد في دفء علاقات إسرائيل مع الدول العربية والإسلامية وراء الكواليس. هو في الواقع الخيار المفضل.

اقرأ أيضا: “الناتو العربي الإسرائيلي”.. تعثر الهدف الكبير لا يحول دون البدائل الأصغر

اتفاقيات إبراهيم والتغيرات في السعودية

وضعت زيارة الرئيس بايدن لإسرائيل والسعودية في يوليو/ تموز 2022 مرة أخرى مسألة تطبيع العلاقات بين البلدين على جدول الأعمال. في وقت مبكر من عام 2020، كان من الواضح أن الرياض تسعى إلى نوع من “التطبيع الزاحف”. لتمهيد الطريق أمام عملية، التي من شأنها أن تتوج بانفتاح متزايد بشأن إسرائيل.

منذ ذلك الحين، تغيرت إدارة الولايات المتحدة، واستؤنفت المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران بشأن العودة إلى الاتفاق النووي. وظهر نظام حكم مختلف في إسرائيل، وتعمقت العلاقات بينها وبين الدول المركزية في المنطقة، كجزء من اتفاقيات إبراهيم.

يقول جوزانسكي: هذه التطورات قد تؤثر على موقف السعودية من العلاقات مع إسرائيل. خاصة منذ أن تولى محمد بن سلمان منصبه وليا للعهد، ظهر تغيير بطيء وتدريجي في المملكة فيما يتعلق بمسألة العلاقات مع إسرائيل. هناك بوادر على حلول وسط محتملة في هذا الشأن. من بين أمور أخرى، كانت هناك تقارير عن زيادة مشاركة القطاع الخاص الإسرائيلي في صفقات التكنولوجيا والزراعة في المملكة. وحتى عدة اجتماعات بين شخصيات دفاعية إسرائيلية وسعودية، لتعزيز التعاون الاستخباراتي العملياتي ومبيعات الأسلحة بين البلدين.

مع ذلك، من أجل جعل العلاقات علنية وتمكين توسعها، كما يشير الباحث الإسرائيلي. سيتعين على العائلة المالكة السعودية التغلب على الحساسيات الداخلية والخارجية، المرتبطة -جزئيًا- بالطبيعة الفريدة للمملكة والتأثير على مكانتها. لا سيما بصفتها “وصيًا على الأماكن المقدسة للإسلام “وحتى استقرارها.

وأضاف: أيدت المملكة اتفاقات إبراهيم -من الخارج- وقادتها، وعلى رأسهم ولي العهد، يعبرون عن أنفسهم بطريقة أكثر اعتدالاً مما كانت عليه في الماضي تجاه إسرائيل. مع ذلك، هناك العديد من القضايا، التي تحافظ على الحواجز أمام التغيير الجوهري في موقف الرياض من التطبيع.

علاقات الرياض مع الولايات المتحدة

يؤكد الباحث المتخصص في سياسات الخليج وأمنه، والذي عمل مستشارا لعدة وزراء في الحكومات الإسرائيلية. أن تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة هو مصلحة سعودية عليا، مرتبطة أيضًا بمكانة بن سلمان المحلية.

يقول: في السنوات الأخيرة، كانت هناك شكوك بين النخبة السعودية. بشأن استعداد الولايات المتحدة للوقوف إلى جانبها، في الأوقات التي تتعرض فيها المصالح السعودية للتهديد، وخاصة من قبل إيران. ربما يقدم السعوديون تنازلات محتملة تجاه إسرائيل كتعويض عن تغيير في الموقف تجاه المملكة من جانب واشنطن. والذي قد يشمل -في جملة أمور- ضمانات تجاه إيران، وفتح صفحة جديدة مع بن سلمان، الذي يتوقع أن يعزز شرعية حكمه.

لذلك، يبقى أن نرى ما إذا كانت التفاهمات التي تم التوصل إليها بين الولايات المتحدة والمملكة خلال زيارة الرئيس بايدن قد تحققت. كانت الرسالة الأساسية التي سعى بايدن إلى إيصالها في “قمة جدة للأمن” هي أن الولايات المتحدة تعود، وتتولى دورًا قياديًا، وحتى وساطة إقليمية، على حساب الصين وروسيا. اللذان عملا خلال السنوات الأخيرة على تعزيز موطئ أقدامهما في المنطقة.

يضيف: هذه الرسالة قوبلت بتشكك من جانب الأنظمة العربية. والتي هي غير مقتنعة بأن واشنطن استوعبت مصاعبها الاستراتيجية، خاصة فيما يتعلق بإيران. وأنها مستعدة للاستثمار في حماية مصالحها. من وجهة نظرهم، الرسالة التي نقلها بايدن تعكس مصلحة أمريكية فورية، هي الحاجة إلى تعديل سعر النفط.

مع ذلك، سعى السعوديون إلى إعادة العلاقات مع الولايات المتحدة. مع زيادة التعاون العسكري، وتلقي الضمانات الأمريكية في السياق الإيراني، كشرط لتعاونهم في كبح جهود الصين لتوسيع وجودها في المنطقة.

اقرأ أيضا: الإيكونيميست تتساءل: كيف نتعامل مع الطغاة؟

مأزق القضية الفلسطينية

في مارس/ أذار 2022، قال ولي العهد السعودي إن إسرائيل “لا يُنظر إليها على أنها عدو، بل كحليف محتمل، وسيتعين عليها أولاً حل المشاكل مع الفلسطينيين”. من ناحية أخرى، يتبنى والده -الملك سلمان- الموقف الأكثر تقليدية تجاه إسرائيل والصراع. ويربط التطبيع مع إسرائيل بمعايير مبادرة السلام العربية.

وعشية زيارة بايدن للمملكة، أكد عادل الجبير وزير الدولة للشؤون الخارجية، التزام القيادة السعودية بتنفيذ مبادرة السلام العربية. وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية. قال: “أوضحنا ان السلام يأتي في نهاية العملية وليس في بدايتها “.

يقول جوزانسكي: يترك هذا الموقف للمملكة مساحة لإجراءات تطبيع بطيئة وصغيرة الحجم، قبل حل القضية الفلسطينية بشكل كامل. ربما تريد الرياض أن ترى على الأقل -كشرط للعلاقات الرسمية مع إسرائيل- بداية الحوار الإسرائيلي الفلسطيني. وبالتأكيد، كشرط لتقارب مدروس مع إسرائيل.

على أي حال، من المرجح أن تزداد احتمالية التطبيع مع إسرائيل بعد وفاة الملك سلمان. وفي نفس الوقت، تشير التقديرات إلى أن موقف بن سلمان سيتأثر بفهمه لتداعيات التقارب مع إسرائيل على الشرعية الداخلية له.

يلفت الباحث الإسرائيلي إلى أنه “بصرف النظر عن السياسة الداخلية في المملكة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه. إلى أي مدى المجتمع السعودي -وهو في الغالب محافظ- منفتح على التطبيع مع إسرائيل؟”

في السنوات القليلة الماضية، وبصرف النظر عن بعض الانتقادات. كان المجتمع السعودي قادرًا على استيعاب عمليات التغيير الاجتماعي والاقتصادي الهامة. مع ذلك، لا يعني ذلك بالضرورة أن الإعلان عن العلاقات مع إسرائيل -وبالتأكيد توقيع اتفاقية التطبيع معها- سيحظى بمثل هذا الدعم، لا سيما في أوساط التيارات السلفية التي لا تزال تتمتع بمكانة مهمة.

وأكد جوزانسكي أن الرأي العام السعودي ظل -في الغالب- ضد التطبيع مع إسرائيل. وفقًا لاستطلاعات الرأي العام الأخيرة، يعارض حوالي 80% من مواطني المملكة اتفاقيات إبراهيم، على الرغم من وجود انفتاح معين على العلاقات التجارية مع إسرائيل من قبل الأفراد.

موقف السعودية في العالم الإسلامي

يلفت جوزانسكي إلى أن التواجد في العالم الإسلامي مصلحة حيوية للسعودية يمكن أن تتضرر من الانتقادات الإيرانية بسبب استخدام السعودية للقضية الفلسطينية. بينما قد يؤدي تحسين علاقات المملكة مع قطر وتركيا إلى تلطيف الانتقادات الخارجية لتحسين علاقاتها مع إسرائيل.

يقول: بسبب ثقل المملكة في العالم الإسلامي، فإن الاتفاق معها من شأنه أن يمنح “شرعية دينية” للعلاقات مع إسرائيل. وربما حتى تتمكن إسرائيل من تحسين علاقاتها مع العالم الإسلامي بأسره. في الوقت ذاته، كان التهديد الذي تشكله إيران على دول المنطقة أساسًا للتقارب الهادئ بين إسرائيل والسعودية. رغم أن إسرائيل تؤكد على التهديد النووي، بينما ترى السعودية إيران قوة تكافح من أجل الهيمنة الإقليمية

لذلك، فإن العلاقات مع إسرائيل لها مزايا للمملكة، منها التنسيق على المستوى السياسي- الاستراتيجي. فيما يتعلق بالتحديات المشتركة، وإحباط التهديدات على مستوى العمليات المخابراتية، بما في ذلك الوصول إلى التكنولوجيا الإسرائيلية الخاصة بالدفاعات المضادة للصواريخ.

لكن، في حين أن الاتصال بإسرائيل يمكن أن يعزز صورة الردع السعودي ضد إيران. هناك خوف بين دول الخليج من أن يُنظر إليها على أنها بمثابة نوع من “القاعدة الأمامية” لإسرائيل. والسعودية -التي تحافظ على حوار مستمر مع إيران- ليست استثناء في هذا الصدد.