أثار التعديل الوزاري الجديد كثيرا من الجدل حول جدواه في الوقت الراهن، خاصة وأنه لم تكن هناك أية بوادر حوله خلال الأيام الماضية. ويزيد من الجدل أن اختيار الوزراء الجدد ليس إلا استمرارا في النهج التكنوقراطي لهذه الحكومة، التي لم تمثل فيها أية أحزاب سياسية، ما يشير إلى مواصلة السير بالسياسات نفسها التي رُسمت للحكومة في نسختها السابقة.
ضمن الوزارات التي شهدت تعديلًا في قيادتها، تأتي وزارة القوى العاملة، التي ظلت لدى العمال والمهتمين بالشأن العمالي، لا تعرف رسالتها وسياستها واستراتيجيتها نحو من تمثلهم ولا الهيئات والمنظمات الدولية.
يغيب في القوى العامة كوزارة الدور المفترض أن تلعبه كوسيط بين العمال وأصحاب الأعمال في القضايا الخلافية حول علاقات العمل، إضافة إلى دورها الرقابي والإشرافي على أطراف العمل والتحقق من مدى توافقهما مع القوانين المحلية والمعايير الدولية واللوائح المنظمة لتلك العلاقة.
ويمكن القول إن هناك فجوة بين استراتيجية ورسالة وأهداف الوزارة والممارسة الفعلية على أرض الواقع، من حيث الأدوار والأهداف، التي تتمثل في رعاية القوى العاملة بما يحقق الاستقرار في علاقات العمل، ومراعاة ومراقبة شروط العمل العادلة وظروفه الملائمة، إضافة إلى إجراء الدراسات التي تكفل حماية القوى العاملة من حوادث العمل وأمراض المهن، واقتراح الوسائل التي تهدف إلى الحد من هذه المخاطر. وفيما يخص استخدام القوى البشرية، إذ من المفترض أن تسعى الوزارة لرسم سياسات الاستخدام وتنظيمه في الداخل والخارج، بالإضافة إلى متابعة تشغيل العمالة المؤهلة، بما فيها العمالة الأجنبية، ورسم السياسة التدريبية، ومراجعة خططها، وإجراء البحوث والدراسات الميدانية حول قضايا العمال، ومنها دراسة هياكل الأجور لمختلف المهن والقطاعات وإعداد النشرات الإحصائية عن عرض القوى العاملة والطلب على العمل، والأهم من ذلك كله إنشاء قاعدة للبيانات والمعلومات لسرعة اتخاذ القرار.
بمتابعة موقع الوزارة نفسه، تبرز الفجوة الكبيرة بين الأهداف والممارسة الفعلية والأدوار التي تقوم بها. إذ يكشف تقرير أعمال الوزارة أنها لم تعد الدراسات اللازمة لحماية القوى العاملة من حوادث العمل وأمراض المهنة. ورغم أنها أعلنت عن استراتيجية وطنية للسلامة والصحة المهنية، لكنها لم تفصح عن مكونات الاستراتيجية ومحاورها، فضلًا عن كيفية تنفيذها. اكتفت فقط بالإشارة إليها، وأنها ترغب في تقليل نسبة إصابات العمل.
كذلك غابت الدراسات الخاصة بهيكل الأجور، وإعداد الموازنات والعرض والطلب على القوى العاملة، وإعداد النشرات الإحصائية.
لقد اكتفت الوزارة في السنوات الماضية بنشر الأخبار عن توظيف أعداد هزيلة، أو منح شهادات تأمين لعدد محدود أو عمل تدريبات مهنية شكلية دون معرفة أثرها وجدواها.
تأرجحت علاقة مصر خلال السنوات الثماني الماضية بالهيئات والمؤسسات العمالية الدولية، وأهمها منظمة العمل، وتلقت انتقادات عدة لمدى امتثالها بمعايير العمل الدولية. الأمر الذي وصل إلى إدراج مصر في قائمة الملاحظات القصيرة -المعروفة إعلاميًا بـ”القائمة السوداء”- لخمس مرات، خالفت فيها المعايير الدولية، قبل أن يتم رفعها من القائمة عام 2011، وتعود مرة أخرى إليها عامي 2017 و2019.
رفع اسم مصر مرة أخرى من القائمة السوداء عام 2021، لكن بقي أن الوزارة ليس لديها استراتيجيات واضحة للتعاطي مع متطلبات منظمة العمل الدولية، وقد بدت غير جادة في إقامة علاقات جيدة معها. ومن المرجح أن تعود مجددًا للقائمة السوداء بعد التقارير حول تجاوزات السلطة التنفيذية وتدخلها في الانتخابات النقابية الأخيرة في ظل قانون المنظمات النقابية.
منذ مطلع الثمانينيات تتبنى الدولة سياسات الانفتاح والتحول إلى نظام السوق الحر، وفي مطلع التسعينيات بدأت برامج الخصخصة، وإعادة الهيكلة، ونتج عنها بيع عدد من شركات القطاع العام لتوسيع قاعدة القطاع الخاص، بعد سن تشريعات تنظم علاقات العمل وتنتقص من حقوق العمال. فكان نتاج ذلك توسع الاحتجاجات العمالية، التي تركزت مطالبها على الأجر العادل، وتعديل التشريعات التي تسمح بفصلهم، وتتسبب في عدم الأمان الوظيفي، غير الانتقاص من مكتسبات وميزات لهم، منها حصص في الأرباح والحوافز.
اقرأ أيضًا: هل استجابت الحكومة للأزمة الاقتصادية بالتغيير الوزاري؟
يعمل القطاع الخاص على تقليل تكلفة العمل من خلال تشغل العمالة عدد ساعات أكثر مما هو منصوص عليه في القوانين المحلية والمعايير الدولية.
هذه الاحتجاجات العمالية ما كانت لتتوسع بهذا القدر إلا لتقاعس وزارة القوى العاملة عن أداء دورها المنوط بها، وفقًا للتشريعات والقوانين المنظمة لعلاقات العمل. فشكاوى العمال دائمًا مصيرها أدراج المكاتب، وكذلك مكاتب التفتيش لم تقم بدورها في الرقابة على علاقات العمل، وهذه أدوار استباقية تقوم بها الوزارة قبل وصول العمال إلى نقطة الاحتجاجات، وبالتالي عدم الوفاء بهذه الأدوار، أدى لتوسع الاحتجاجات العمالية.
يزداد الأمر تعقيدًا للعمال وللوزارة نفسها أثناء فض الاحتجاجات وإدارة المفاوضة والتي أثبتت للعمال انحياز الوزارة لأصحاب الأعمال على حساب حقوقهم ومكتسباتهم مما أفقدهم الثقة في أدوار وأعمال الوزارة.
تعاني وزارة القوى العاملة من مشكلات داخلية تراكمت عبر سنين طويلة لم تفلح معها إصلاحات الوزراء الذين تعاقبوا عليها، ويرجع السبب في ذلك إلى أنه لا توجد رؤية واضحة وشاملة لعمل الوزارة، ما جعل تلك المشكلات أحد أهم المعوقات في تحقيق أهدافها، وتتمثل المشاكل الإدارية في تعقد وتضخم هيكل الجهاز الإداري، وسوء توزيع القوى الوظيفية، ونقص الوظائف التخصصية، وعدم ملاءمة حالة البنية الأساسية التكنولوجية والمعلوماتية. بالإضافة إلى ضعف نظم المحاسبة المرتبطة بتحقيق النتائج والأهداف، وعدم القدرة على الاستفادة من الجهات المانحة، فضلا عن ترسانة قانونية عمالية تتصف بالتضارب والتعقيد.
قيمت دراسة سابقة صادرة عن معهد الدراسات والبحوث البيئية بجامعة عين شمس، أداء وزارة القوى العاملة، فبرزت المشكلات سالفة الذكر، ومن بينها مشكلات مالية، قال عنها الوزير السابق سعفان إنها تكمن في عدم تحديث النظم المحاسبية بالوزارة، وتكدس العمالة غير الفاعلة.
يمكن أن نخرج من هذا العرض حول أداء وزارة القوى العاملة في ضوء مهامها بعدد من التوصيات، منها: أولًا، ما يختص بمحور العمال، وهو يتطلب جهد كبير لكسب ثقة العمال من خلال تفعيل مكاتب الشكاوى والتفتيش وآليات حل المنازعات، بينما على مستوى التشريع، يجب إعادة النظر في التشريعات والقوانين المتعلقة بتنظيم علاقات العمل والسعي إلى تعديلها.
ثانيًا، فيما يتعلق بمحور العلاقات مع المؤسسات والمنظمات الدولية، يجب تحسينها في إطار تفعيل المعايير الدولية الخاصة بعلاقات العمل، وآليات النزاع والمفاوضة الجماعية، والعمل على إنشاء المجالس الاقتصادية الاجتماعية، إضافة إلى التوسع في الحماية الاجتماعية، وكذلك الاهتمام بتحسين آليات السلامة والصحة المهنية.
ثالثًا، فيما يخص محور تطوير الوزارة نفسها، يجب إعادة صياغة استراتيجيتها وأهدافها وتفعيل الأدوات اللازمة لتحقيق تلك الأهداف والعمل على تبني سياسات واضحة في إصلاح الوزارة سواء على المستوى الإداري أو المالي.