حينما بدأ الحديث عن تعديل وزاري وشيك في مصر قبل ثلاثة أيام، كانت الترجيحات كلها تدور في فلك المجموعة الاقتصادية. وتضم وزارات “المالية والتخطيط والتعاون الدولي”، ومعها هيئة الاستثمار. ذلك في ظل الأزمات التي تواجهها مصر حاليًا واحتياجها – حسب المحللين – إلى حلول خارج الصندوق. إلا إن المفاجأة كانت في تجديد الثقة بهذه المجموعة. وهو تجديد فتح الباب أمام التساؤل الأكبر في هذا التعديل: هل استجابت الدولة لمطالب الإصلاح الاقتصادي في التعديلات الوزارية؟ خاصة مع استمرار هذه المجموعة في سياسة الاقتراض لحل الأزمات الداخلية الطاحنة من ارتفاع الدولار الذي كسر حاجز 19 جنيهًا، ورفع أسعار القمح والنفط المستورد من الخارج، وموجة نزوح الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة “الأموال الساخنة”، بقيمة 20 مليار دولار في عدة أشهر فقط. ما هبط معه الاحتياطي النقدي في مصر إلى مستوى 33.1 مليار دولار في يوليو/تموز الماضي. وهي كلها أزمات مكتومة أظهرتها الحرب الروسية الأوكرانية الأخيرة.
حل أزمة القروض بالقروض
تتفاوض وزارة المالية منذ أربعة شهور على قرض جديد من صندوق النقد الدولي، لم يتم تحديد قيمته حتى الآن. رغم أن الموازنة الحالية للدولة مكبلة بأعباء فوائد القروض المحلية والأجنبية بنحو 579.5 مليار جنيه. ما يعادل 8.2% من الناتج المحلي، مقابل 566 مليار جنيه تعادل 8.3% من الناتج المحلي للعام المالي الحالي، بزيادة قدرها 13.5 مليار جنيه.
مع الفوائد الضخمة، مطلوب من وزارة المالية سداد أقساط قروض بقيمة 477.67 مليار جنيه العام المالي الحالي. هذه القروض بينها قروض خارجية بقيمة 115.3 مليار جنيه مقابل 36.2 مليار جنيه العام الماضي. وهي موزعة بين أقساط الدين العام الخارجي 114.3 مليار جنيه مقابل 35.05 مليار جنيه العام الماضي. بينما تبلع الأقساط الخارجية التي تسددها الجهات نحو 947 مليون جنيه مقابل 1.2 مليار جنيه للعام الماضي.
اقرأ أيضًا: مصر تسدد ديونها من احتياطي يتراجع.. لماذا تخلى “المركزي” عن “مقدساته”؟
فالمصنعون يشكون، حاليًا، من تعقيدات في فتح الاعتمادات المستندية لاستيراد مواد خام منتجات وسيطة. إذ إن غرفة الصناعات الهندسية تحذر من أن مصانع مكونات السيارات أصبحت مهددة بالإغلاق في غضون 3 أشهر لعدم توافر بعض خامات الإنتاج بشكل كاف، والسوق بوجه عام يعاني نقصًا في سلع أساسية كقطع غيار السيارات التي توشك على النفاد، ويتسبب التأخر في صدور موافقات البنوك على الاعتمادات المستندية في تحمل المصانع الكثير من الغرامات لشركات الشحن الأجنبية ما يحول مكاسبها إلى خسائر.
استمرار المجموعة بقاء للسياسة نفسها
تتضمن المجموعة الوزارية الاقتصادية هيئة الاستثمار التي لم تستطع الاستفادة من حركة رؤوس الأموال بعد الحرب الأوكرانية، والتي تدفقت على الأسواق المجاورة كدبي التي جذبت آلاف المستثمرين من ذوي الملاءة المالية الكبيرة، بفضل سهولة الحصول على تأشيرة إقامة حال امتلاك عقار، وانخفاض عدد الاشتراطات اللازمة لتدشين مشروع تجاري. كما احتلت المرتبة الأولى عالميًا في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر والمشاريع في مجال السياحة، وفقاً لتصنيف (FDiMarkets).
بعض الأحزاب امتعضت من عدم شمول التعديلات المجموعة الاقتصادية. ممن أبدوا ملاحظات في هذا الشأن كان حزب “التجمع”، الذي رأى أن بقاء المجموعة الاقتصادية يعني استمرار السياسيات الاقتصادية الحالية، التي رفضها على مدار السنوات الماضية، وتزيد من أعباء المواطنين ومعاناتهم، في ظل ارتفاع معدلات التضخم وعدم السيطرة على الأسعار.
الحزب المصري الديمقراطي كذلك انتقد الإبقاء على المجموعة. فتشكيل الحكومة ييفترض أن يعبر عن الرؤى والخطط والأولويات وليس مجرد تغيير الأشخاص. خاصة في ملفات هامة مثل الملفين الاقتصادي والاجتماعي.
يرى الحزب ضرورة استيعاب الحكومة أخطاء السنوات الماضية في التوجهات الاقتصادية والاجتماعية. مع ترتيب بنود الإنفاق وتحقيق التنمية المستدامة الحقيقية، وعدم الاستمرار في الاقتراض المحلي والأجنبي لتغطية عجز الموازنة وحل مشكلة العجز في الميزان التجاري.
وزارة المالية باتت بلا دور حقيقي
يقول عمرو عدلي، الباحث ودكتور العلوم السياسية، إن التغيير لا يجب أن يكون في الأشخاص، ولكن في إدارة الأزمة الاقتصادية الحالية بجميع جوانبها الداخلية والخارجية.
وزارة المالية على سبيل المثال تقلص دورها في العقود الأربعة الماضية فأصبح غير أساسي في المجموعة الاقتصادية، بعدما تحولت إلى وزارة للخزانة تدبر الأموال فقط، على حد قول عدلي.
ويضيف عدلي أن وزارة المالية يجب أن تكون وزارة اقتصاد. بمعنى أن تصبح “العقل” في التنسيق بين أجزاء المجموعات الاقتصادية وتدير الاقتصاد الكلي وتنظمه. أي تتولى الدور المفروض للتغيير، ولن يتم ذلك إلا بإعادة تعريف وزارة المالية، وأن تضم معها التخطيط.
ويوضح أنه مع تقلص دور وزارة المالية زادت أدوار البنك المركزي وأصبح هو الجهاز الأساسي الذي يدير الاختلالات بالاقتصاد الكلي، بالأخص في ملف العملة الصعبة، بينما هو جهاز منفصل عن الحكومة ولا يتم تغييره معها، أي أن المركزي حل محل المالية في العديد من الملفات بشكل مباشر وغير مباشر بما فيها إدارة ملف التجارة والواردات وتنظيمها.
هل انتبهنا لتحذيرات التقارير الدولية؟
تقول الدكتورة عالية المهدي، عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية السابقة، إن مكمن الأزمة في ملف الديون والالتزامات التي باتت تأكل الجزء الأكبر من النفقات العامة. بينما تشير إلى ملف الأسعار الذي يلقي أعباءً ثقالا على المواطنين. الأمر الذي يتطلب من الحكومة سياسات متكاملة تعطي نتائج تتم ترجمتها في ناتج محلي ومعدل نمو وتصدير جيد.
فالحكومة مطالبة بتحسين مستوى معيشة المواطنين وتحقيق الرفاه الاجتماعي. جنبًا إلى جنب مع النمو المستدام واضح المعالم الذي ينعكس على كل المناطق وليس أماكن بعينها.
وترى المهدي ألا سبيل لذلك سوى بوجود مؤشرات رئيسية لقياس الأداء والرقابة على الخطة الاقتصادية، يتم مراجعتها سنويًا، حتى لا يظل أداء بعض الوزارات سلبيًا ينتظر تعديلًا وزاريًا آخر.
اقرأ أيضًا: “مش صديق الفلاح”.. مشروع الموازنة يخفض دعم المزارع 120 مليون جنيه
ولا ترى المهدي مشكلة في وجود وزير غير متخصص، فالفيصل هو الإدارة. وهنا، تشير إلى ممدوح البلتاجي الذي لم يكن متخصصًا في السياحة ونجح حينما تمت الاستعانة به من هيئة الاستعلامات لاستعادة الوفود السياحية خلال ٦ أشهر فقط بعدما غابت تمامًا في أعقاب أحداث الأقصر.
وتشير المهدي إلى ضرورة انتباه الحكومة إلى تفاصيل التقارير الدولية التي تتضمن رغم عنوانها العريض الإيجابي بعض التحذيرات الداخلية المقلقة. خاصة مع تخفيض التوقعات للنمو الاقتصادي من جانب مؤسسات دولية، آخرها صندوق النقد الدولي.
العنصر الأول للحكم على نجاح المجموعة الاقتصادية
الدكتور سعيد توفيق، أستاذ الاستثمار والتمويل بجامعة عين شمس، يرى أن بيت القصيد لتقييم المجموعة الاقتصادية هو السيطرة على ملف الأسعار، ووجود خطة متوسطة الأجل لزيادة الصادرات. مع فتح أسواق جديدة، بتفعيل الاتفاقيات القائمة مع مصر ودول وتكتلات العالم. ذلك للسماح بمزيد من النفاذية للمنتجات المحلية بعد تجويدها، توفيرًا للعملة الصعبة.
ويضيف توفيق أن المجموعة الاقتصادية الحالية لم تحقق من تلك الأمور سوى ترشيد الواردات فقط لتقليل الضغط على العملة الصعبة. بينما لا يزال عجز الميزان التجاري كبيرا. وهو ما ينعكس على ميزان المدفوعات ويضغط على الدولار الأمريكي ويرفع أسعاره فيؤدي في النهاية لارتفاعات في الأسعار تشتكي منها جميع الطبقات حاليًا.
وفق توفيق “الشكوى من الغلاء لم تعد قاصرة على القطاعات الأقل فقط”.
ويرى توفيق أن التساؤل الأساسي في تقييم المجموعة الاقتصادية يرتبط بمدى امتلاكها رؤية أو خطة للأزمة الحالية أم لا. وكذلك مدى التنسيق بينها وبين السياسة النقدية المسئول عنها البنك المركزي. والملاحظ أن تلك السياسة لم تنجح خلال الفترة الأخيرة في أداء مهامها، ما انعكس على أداء وزارة المالية فيما يتعلق بملف الديون الذي رغم تفاقمه تسعى الحكومة، حاليًا، لإضافة المزيد منها بالتفاوض على قرض جديد ضخم مع صندوق النقد الدولي.
التغيير في وزارة مثل قطاع الأعمال العام كان مطلوبًا بقوة في ظل عجزها عن حسم ملفات مهمة كالسيارة الكهربائية التي ظلت في مرحلة التفاوض لقرابة العامين. وكذلك التجارة والصناعة التي تعتبر محركًا للاقتصاد ككل، يقول توفيق.
لكنه يشير أيضًا إلى أن السياسة المالية مرتبطة الصلة بالبنك المركزي، حتى إنه في الولايات المتحدة دور وزارة المالية محدود في مقابل أدوار الاحتياطي الفيدرالي في الاقتصاد.
هل أجبرت الحكومة على الاستحواذات؟
الدكتور صلاح الدين فهمي، رئيس وحدة الأبحاث العلمية بالمركز الدولي للاستشارات الاقتصادية، يرى أن التغيير لم يحقق طموحات الوصول إلى تغيير جذري تستلزمه سياسة المجموعة الاقتصادية. وهو ما كان متوقعًا في ظل الأزمة الحالية التي تتحكم فيها متغيرات خارجية وصدمات أقوى من المتوقع.
ومع ذلك، فإنه يرى التغيير الوزاري الحالي مقبول حتى مع وجود تساؤلات مشروعة حول سر التغيير إذا ما كان الدفع تم بالصف الثاني في 3 وزارات، ما يعني أن السياسات السابقة باقية ومستمرة.
وفيما يتفق فهمي مع الملاحظات المأخوذة على أداء المجموعة الاقتصادية في بعض الملفات، فإنه يرى الوضع الحالي أشبه بمشرط جراج يسير في جسد مريض بداء عضال. فالاحتياطي النقدي متراجع والاستثمار الأجنبي المباشر متوقف، بسبب مشكلات العملة وعدم قدرة المستثمر على حساب الربحية والتكلفة مع تقلب سعر الصرف المستمر وتغيرات الفائدة.
ويوضح أن المجموعة الاقتصادية حاولت تعويض نقص الاستثمار المباشر عبر الاستحواذات بنقل ملكية فقط وليس استثمار بالمعنى الحقيقي. إلا إذا ترتب عليها ضخ المستحوذ استثمارات جديدة. هنا، الحكومة مجبرة على هذه السياسة -كما يرى فهمي- لنقص الحصيلة الدولارية. ذلك رغم اعترافه بحمل تلك الاستحواذات ضررًا مستقبليًا في كون الأرباح الناجمة عن المشروعات سيتم تحويلها للخارج بالعملة الصعبة أيضًا.
وقد نجحت وزارة المالية -وفق فهمي- في ملفات تتعلق بالميكنة وحصر الاقتصاد غير الرسمي. لكن الإشكالية في أدائها تكمن في ملف الديون الذي تزايد بسبب الحاجة لتمويل عجز الموازنة العامة للدولة وارتفاع أسعار السلع العالمية بسبب الحرب الأوكرانية.
هذا الملف مرهون بالقدرة على السداد وعدم التخلف عن الأقساط أو طلب جدولة لها. وهو أمر لم يحدث في تاريخ مصر، على حد قوله
الإبقاء على المجموعة الاقتصادية محبط
يقول الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، إن التعديل الوزاري الأخير محبط لأنه لم يمس الكثير من مكونات المجموعة الاقتصادية. بينما المشكلة التي نمر بها حاليًا هي في الأساس مشكلة اقتصادية، وبعض الوزراء الذين استمروا هم أحد أسبابها.
ويرفض عبده الحديث عن وجود أسماء رفضت الانضمام للحكومة. موضحًا أن مصر مليئة بالكفاءات التي يمكنها مواجهة التحديات الصعبة. كما أن المستشارين في الوزارات لديهم قائمة بالملفات التي تساعد أي وزير جديد على استكمال مهامه، خاصة المشكلات المتعلقة بملف الديون الخارجي والالتزامات الضخمة المستحقة بنهاية العام المالي الحالي. وتصل إلى 18 مليار دولار إلى جانب 33 مليارًا العام المالي المقبل.
ويشير عبده إلى أن السياسة النقدية تسببت في ارتفاع التضخم بالسوق المحلية، فعدم فتح الاعتمادات المستندية التي تم اتباعها من قبل البنك المركزي أدى إلى نقص المواد الخام اللازمة للصناعة وتوقف عدد من المصانع. فضلًا عن نقص السلع في الأسواق، ما تسبب أيضًا في ارتفاع أسعار السلع بالسوق المحلية.