تستعد لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي لاجتماعها الخامس هذا العام لبحث مصير أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض. وذلك بعد قرار تثبيت الفائدة بالاجتماع الأخير. والذي عقد نهاية يونيو/حزيران الماضي. حيث سبق ورفع البنك أسعار الفائدة بمجموع 3% خلال اجتماعي اللجنة في مارس/آذار ومايو/أيار الماضيين. ومن المفترض أن يعقد هذا الاجتماع الخامس غدا الخميس.
ويأتي قرار لجنة السياسة النقدية المنتظر عقب إعلان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الأربعاء الماضي ارتفاع معدل التضخم السنوي في المدن خلال يوليو/تموز الماضي إلى 13.6%. مقابل 13.2% في يونيو/حزيران. والتأثير المتوقع للتضخم على مختلف المؤشرات الاقتصادية بالدولة خلال الربع الثالث من 2022.
اجتماع اللجنة المقبل سيأخذ في الاعتبار عوامل منها: تحركات معدل التضخم وتأثيره على قرار لجنة السياسة النقدية المقبل بشأن رفع الفائدة والسيناريوهات المتوقعة. والحفاظ على جاذبية الاستثمار في الجنيه. ومدى التأثر بتداعيات قرارات رفع الفائدة الأمريكية.
أسعار البترول تعزز صعود التضخم
البيانات الخاصة بجهاز “الإحصاء” أظهرت الأيام الماضية ارتفاع التضخم الشهري في يوليو/تموز بنسبة 1.3% عن 0.1% في يونيو/حزيران. وذلك بسبب عوامل على رأسها تحريك أسعار المنتجات البترولية داخليًا.
وأشار هاني جنينة -الخبير الاقتصادي- لـ”مصر 360″ إلى دور تحريك أسعار المنتجات البترولية في صعود معدل التضخم. حيث رفع تكلفة النقل الفردي والجماعي الخاص على المواطنين. كما أسهمت زيادة سعر السولار في تكلفة نقل المنتجات على مستوى الجمهورية.
وتابع أن السبب الرئيسي لارتفاع التضخم الشهري في يوليو/تموز هو ارتفاع الإنفاق على النقل الخاص وخدمات النقل عموما. بالإضافة إلى زيادة أسعار المواد الغذائية والحبوب والخبز.
ولفت إلى أن استمرار تحريك أسعار المحروقات في السوق الداخلية سيعزز صعود التضخم إلى مستويات قياسية. وبالتالي تأثير تلك التحركات على المؤشرات الاقتصادية المصرية وتراجع سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية.
وأوضح أن أسعار البنزين والسولار في مصر تتحرك بشكل ربع سنوي بداعي أن الحكومة تتحمل جزءا من الدعم على أسعار المحروقات. في الوقت الذي بدأت فيه الضغوط العالمية الاقتصادية تتزايد بشكل مفاجئ. ومع عدم وجود رؤية حول انتهاء هذه الأزمة العالمية. ما اضطر الحكومة لتحريك أسعار المنتجات البترولية تدريجيًا.
وكانت مصر رفعت سعر البنزين للمرة السادسة على التوالي في يوليو/تموز الماضي. كما رفعت سعر السولار لأول مرة منذ يوليو/تموز 2019 بنحو 50 قرشا ليصل إلى 7.25 جنيه للتر.
هل يؤثر التضخم في قرار لجنة السياسةالنقدية؟
التأثيرات السلبية على أسعار الفائدة في مصر باتت متعددة. وذلك نظرًا للتشابك الفعلي بين المؤشرات المالية بالدولة وبين تأثيرها المباشر في قرارات المؤسسات الاقتصادية. وهذا ليس في مصر فقط ولكن على مستوى الاقتصاد الدولي أيضًا.
وفي مصر ترى رانيا يعقوب -عضو مجلس إدارة البورصة المصرية- أن معاودة معدل التضخم في مصر مساره التصاعدي خلال يوليو/تموز جاء متوافقًا مع تحريك الحكومة المصرية أسعار المحروقات -خاصة السولار. والذي تم تثبيت سعره على مدار 30 شهرًا. ولكن نتيجة الضغوط الخارجية في ارتفاع الوقود عالميًا اضطرت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية لزيادة سعر الوقود. ما انعكس على ارتفاع معدل التضخم.
وأشارت لـ”مصر 360″ إلى أن لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري سيتأثر قرارها بمعدل التضخم. وستتجه إلى رفع سعر الفائدة بين 1-1.5%. ومواصلة تأثير تداعيات الأزمة العالمية على الاقتصاد المصري. كما توقعت استمرار ارتفاع معدل التضخم حتى سبتمبر/أيلول. بعد ذلك يأتي هدوء نسبي خلال الربع الأخير من العام.
رفع الفائدة لوقف نزيف التضخم
من جانبه قال محمد بدرة -الخبير المصرفي- لـ”مصر 360″ إن مؤشر التخضم في مصر ظهر إيجابيًا خلال يوليو/تموز الماضي. ما سيدفع البنك المركزي إلى تحريك أسعار الفائدة بين 1% و2% لكبح جماح التضخم.
وبمقارنة تأثير التخضم على الأوضاع الاقتصادية في مصر بتلك الخارجية. فإن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي “البنك المركزي الأمريكي ” اتخذ قرارًا خلال اجتماعه الأخير في يوليو/تموز الماضي برفع أسعار الفائدة للمرة الرابعة على التوالي بنسبة 0.75% إلى نطاق 2.25-2.50% لمواجهة معدلات التضخم المرتفعة. والتي وصلت إلى أعلى مستوياتها في أكثر من 40 عاما عند 9.1% في يونيو/حزيران مقابل 8.8% في مايو الماضي.
سيناريوهات رفع الفائدة
وحول تأثير معدل التضخم الأساسي على زيادة سعر الفائدة توقع هاني جنينة -الخبير الاقتصادي- أن تتجه لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي إلى زيادة سعر الفائدة خلال اجتماعها المقبل بسبب ما ظهر عليه التضخم في يوليو/تموز.
وأضاف أن هناك أسبابا أخرى ستلعب دورًا في تحريك الفائدة. وهي توقعات زيادة معدل التضخم خلال الأشهر المقبلة. مع تطبيق زيادة أسعار بعض الخدمات استجابةً لمتطلبات صندوق النقد. وانخفاض سعر صرف الجنيه. ما قد يسبب صدمة تضخمية تتطلب من البنك المركزي الاستعداد لها منذ الآن.
وتوقع الدكتور أبو بكر الديب -الخبير الاقتصادي- لـ”مصر 360″ أن يرفع “المركزي” سعر الفائدة بنسبة 1% فأعلى. وذلك للسيطرة على معدل التضخم. من خلال أولًا زيادة الإقبال على الاستثمار في الشهادات البنكية متغيرة العائد. ووقف عمليات الدولرة. ثانيًا الحفاظ على عدم تقليل الفجوة بين الفائدة في الولايات المتحدة ومصر.
وتابع: “من المتوقع أن يتجه الفيدرالي الأمريكي لزيادة سعر الفائدة 0.5-0.75% في اجتماعه المقبل. ويستهدف البنك المركزي المصري عدم خفض الفجوة في الفائدة بين السوقين. بهدف إتاحة الفرصة للمستثمر الأجنبي الذي يرغب في العودة للاستثمار في مصر أن يكون عائد الفائدة محليًا جذابا بما يسهم في استقرار سعر الصرف”.
أما الخبيرة الاقتصادية عالية ممدوح فترى أن لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي ستلجأ إلى تثبيت أسعار الفائدة خلال اجتماعها المقبل.
وشرحت لـ”مصر 360″ أن معدل التضخم في المدن يدور حول مستوى 13% في الشهور الثلاثة الأخيرة. بينما ارتفعت العوائد على أذون الخزانة إلى مستوى 16%. وهو ما يتيح للبنك المركزي مساحة لتأجيل قرار رفع الفائدة للاجتماع التالي.
وقالت إن رفع الفائدة سيكون له أضرار سلبية على الشركات المقترضة من البنوك. وذلك بزيادة عبء التكلفة. وهو ما يزيد من حجم التحديات التي تواجهها هذه الشركات نتيجة معاناة الاقتصاد العالمي.
أين سيصل الجنيه؟
من جانبها توقعت شركة إتش سي للأوراق المالية والاستثمار أن يرفع البنك المركزي سعر الفائدة 200 نقطة أساس في اجتماعه المقبل. ليواصل الجنيه هبوطه أمام الدولار إلى أن يصل لنحو 21.2 جنيه.
محللة أول الاقتصاد الكلي وقطاع الخدمات المالية بالشركة مونيت دوس قالت إن رقم التضخم لشهر يوليو/تموز جاء أعلى من التقديرات البالغة 13.0% على أساس سنوي. وتتوقع أن يبلغ متوسط التضخم 14.2% على مدار المتبقي من العام. أي أعلى بكثير من المستهدف للبنك المركزي -البالغ 7%.
وبالنظر إلى الحسابات الخارجية لمصر تعتقد شركة “إتش سي” أن الضغط يتراكم على ميزان المدفوعات المصري. متضمنا تقدير الشركة لعجز الحساب الجاري للسنة المالية 21/22 بنسبة 4.8% من إجمالي الناتج المحلي. أعلى من عجز العام السابق الذي بلغ 4.6% وانخفاض تحويلات العاملين في الخارج لشهر إبريل/نيسان بنسبة 7% على أساس شهري إلى 3.1 مليار دولار أمريكي.
وأشارت إلى جدول سداد الدين الخارجي لمصر بما يشمل سداد قروض (باستثناء ودائع دول مجلس التعاون الخليجي) قدره 12.1 مليار دولار أمريكي خلال السنة المالية 22/23.
وتتوقع “دوس” رفع سعر الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس. إلى جانب تخفيض قيمة العملة بنسبة 9%. إلى 21.2 جنيه/دولار أمريكي كضرورة لدعم العملة ومكافحة الدولرة.
صندوق النقد وتأثير القرض
وفي ظل سعي الدولة المصرية للحصول على قرض جديد من صندوق النقد. فقد توقع خبراء ومحللون اقتصاديون أن يصل سعر صرف الدولار بين 20 جنيها و21 جنيها بنهاية العام الجاري.
وأكد أبو بكر الديب -الخبير الاقتصادي- أن صندوق النقد يشترط جملة إجراءات توصف بـ”التقشفية”. والتي ستنعكس آثارها حال تطبيقها بشكل مباشر على أسعار غالبية المنتجات بالأسواق. ومن ضمن تلك التأثيرات تسببها في تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار.
ولفت إلى أن تلك الإجراءات ستدفع البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة. لكن ذلك لن يساعد في جذب الأموال الأجنبية الساخنة مجددًا. في ظل وجود فائدة مرتفعة على الدولار في أمريكا بجانب تراجع حجم مخاطرها مقارنة بالدول الناشئة. “الفائدة سيتم رفعها وفي الوقت نفسه لن يتم جذب الأموال الساخنة”.
وتابع أن الحكومة المصرية تبنت سعر صرف أكثر مرونة خلال الفترة الراهنة. لأنها تتطلع إلى الحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي.
وتشير التكهنات إلى أن صندوق النقد سيطالب بمزيد من المرونة في الجنيه كجزء من الشروط المرتبطة بحزمة جديدة دفعت العملة نحو أدنى مستوى قياسي وصلت إليه في عام 2016.