منذ لحظة ظهوره في مسلسل ريفو، مؤديا شخصية شادي، خطف أمير عيد قلبي. كأني استعدت بشكل شخصي صديق قديم أعرفه عن حق، لكن تفرقت بنا السبل، كمرشد فقدته في الطريق، أخ أكبر متخيل يمكن أن يلهمني غضبه لا حكمته شيئا، تماما كما مثل شادي لأصدقائه في الباند الذي تفكك بموته داخل المسلسل، ورأوا أن في استعادة ذكراه، استعادة لأنفسهم من تيه أنفسهم، حيث كل واحد فيهم لم يعد يملك إلا إشاحة النظر عن الحلم، ومواصلة الحياة كجثة، أحدهم بمخدر الدين والثاني في الهجر والثالث بالمال والرابع بالاستسلام لليأس.

كان أمير عيد صديقا شخصيا بأغنياته السكة شمال، اثبت مكانك، كان باد بوي عن حق، كشادي بجاكيته الجلد الأسود الذي لا تملك حياله سوى الانبهار، باغترابه القلق عن عالمه؛ لأنه لم يتعلم بعد كيف يهادنه، الغاضب الذي لا يتورع عن تصحيح الخطأ بيده بكل ما أوتي من جرأة وحماقة، محاولته الحالمة لتغيير واقعه.

ألبوم أغاني المسلسل لا يمل، لا أتذكر عدد المرات التي استمعت فيها إليه، رغم أنه ليس مشحونا بطاقة تمرد تلك المرة، بل حزن عميق على ما آلت إليه أحلامنا، ولمحة لأشباح قديمة لما كنا عليه.

ما يقدمه أمير عيد الآن من أغنيات هي أشبه بإشاحة النظر، نعم صار يدعو للأمل، وما أحوجنا إليه، لكن ما أقبحه إذا كان على طريقة التنمية البشرية، حيث تختلط الدعوة المطلوبة دائما للتفاؤل من أجل مواصلة الحياة بالهراء الذي يكذب الواقع، خاصة عندما يحدث وسط طبول واضحة للهاوية، وفي أوقات حالكة خطرة بشكل غير مسبوق، حتى أن بيانات الحكومة صارت تسمح لنفسها أخيرا بشفافية إعلان اليأس العام.

لقد صاروا يعلنون الحقائق الآن بقسوة، وهو أمر محمود بالطبع، لكن وفقا لما اختبرناه من وعود براقة، فهذا الإعلان الشفاف عن الحقيقة، يبدو أشبه بمثابة تنصل عن مسؤولية تلك الوعود التي ساقتها حملات ضخمة وأغنيات من بينها أغنية حياة كريمة، اللذيذة على عكس ما يحدث. ينذر أن ما يختبئ خلف براءة الشفافية خطرا أشد.

لا ألوم أمير عيد، فما الذي يمكن لأحد أن يغنيه تلك الأيام خارج السرب، كما أنه لا ينافق في رأيي بل يقاوم بإيجاد طريقة كي لا يطرد من ساحة الغناء، أن يواصل الغناء ذلك انتصار، وربما يؤمن فعلا أن ما تبقى لنا فقط هو الأمل، ربما يغني عنه بصدق بسبب التعب أو على العكس شدة الإيمان، أن الثورة وإن كانت قد فشلت، فهي لا تملك سوى إيمانها أن سريانها في الأفئدة قد حدث ولو على سبيل إرباك من رفضها أو الشعور بالحزن أو بالذنب.

كما أنه ليس وحده من تغير خلال العشر سنوات الأخير، كلنا وجدنا طريقتنا لإشاحة النظر. فسواء كانت هناك أزمة أو لم تكن، نحن لسنا مدعوين للنظر، النظر صار تهمة، ولا يتبقى لنا سوى الصمت أو الوقوع في اليأس أو محاولة التغني بالأمل.

مفارقة أخيرة، لا تضيف الكثير، لم أتوقف عن استعادة أغاني أمير عيد القديمة على سبوتيفاي، أغانيه القديمة المتمردة، كنت أجدها تحت اسم الباند كايروكي، بينما أغانيه المتفائلة تحت اسم أمير عيد، كأن البرنامج يعلم أنه مثلنا صار اثنين، أمير عيد ومستر هايد.