يمثل اختيار حسن عبد الله، قائمًا بأعمال محافظ البنك المركزي المصري، اليوم الخميس، “صدمة” لسلفه طارق عامر، الذي أعلن استقالته  أمس الأربعاء، وتم تعيينه مستشارًا لرئيس الجمهورية. المعنيون بالملف الاقتصادي خاصة البنكي يعرفون أن بين الرجلين “ما صنع الحداد”.

قبل ست سنوات، أصدر البنك المركزي المصري قرارا بألا تزيد مدة عمل الرؤساء التنفيذيين للبنوك على 9 سنوات. حينها دار جدل حول استهداف عامر بهذا القرار شخصيتين على وجه التحديد: هشام عز العرب الرئيس التنفيذي للبنك التجاري الدولي “سي آي بي”، وحسن عبد الله الرئيس التنفيذي لـ”البنك العربي الأفريقي”.

قال “عامر” -وقتها- مبررًا قراره، إن البقاء 3 فترات (3 سنوات للفترة) يتخطى المتوسطات في البنوك الدولية. وصمم على التطبيق على الرجلين، وحاول مساهمو “العربي الأفريقي” -خاصة الجانب الكويتي منهم الذي يملك 49.37 % من رأسماله- التوسط للإبقاء على “عبد الله”، فعقدوا مع “عامر” جلسة في لندن، انتهت إلى موافقتهم على رحيله، رغم نجاحه ورحلته الطويلة في إدارة البنك محليا وخارجيا لـ 36 عامًا.

في عام 2005 تولى “عبد الله” عملية دمج بنك مصر أمريكا الدولي بالبنك العربي الأفريقي، في صفقة تعدت 240 مليون جنيه. وبعد عملية الاستحواذ بـ10 سنوات، نجح عبد الله في قيادة البنك للاستحواذ على محفظة بنك نوفاسكوشيا الكندي في مصر عام 2015، ليصبح البنك العربي الأفريقي أحد أكبر الكيانات المصرفية بمصر.

لماذا حسن عبد الله لـ”المركزي المصري”؟

يشير اختيار حسن عبد الله تحديدًا إلى توجه لدى الدولة فيما يتعلق بالتحوط. فأفضل التجارب التي خاضها كانت في فرع بنك العربي الأفريقي بمدينة نيويورك عام 1988، حينما تولى محفظة الخزانة وسياسات التحوط وهيكلة محفظة السندات. وهي تجربة دفعت به في التسعينيات لسلسة ترقيات سريعة وصلت به للمدير العام للبنك.

وبعد إبعاده من البنك العربي الأفريقي، اقتصر دور حسن عبد الله على الأدوار الاجتماعية في مؤسسة “وفاء لمصر”، التي تبنت أعمالا خيرية تنموية في الصعيد، وتماشت مع مشروع “حياة كريمة”، الذي يستهدف تطوير الريف المصري. ذلك قبل أن يتم تعيينه رئيسًا للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، في مفأجاة كبيرة حينها.

خبرات مصرفية طويلة في بيت واحد

لحسن عبد الله خبرة مصرفية طويلة في بنك “العربي الأفريقي”، الذي بدأ به رحلته عام 1982. وقد شغل منصب الرئيس التنفيذي ونائب الرئيس. وفي الوقت ذاته تولى مسئولية العديد من الكيانات والروابط الخاصة بالصيرفة مثل مجلس إدارة “اتحاد المصارف العربية والفرنسية” في هونج كونج،  واتحاد المصارف العربية والفرنسية في باريس.

وإلى جانب الشق المصرفي، كان له نشاط أيضًا في الروابط التجارية مثل عضوية الغرفة الألمانية العربية للصناعة والتجارة، والمجلس الاستشاري للأسواق الناشئة، وشركة “أوراسكوم للإنشاء والصناعة”، وشركة تعبئة “كوكاكولا مصر”، وشركة “آنديفور مصر”، و”المصرية للاتصالات”. فضلًا عن عضوية المجلس الاستشاري الاستراتيجي في كلية إدارة الأعمال في “الجامعة الأمريكية بالقاهرة”، و”المجلس الوطني المصري للتنافسية” و”جمعية مستثمري المشروعات الصغيرة”. وكذلك مجلس إدارة مجلس الأعمال المصري الأمريكي.

اقرأ أيضًا: لماذا “استقيل” طارق عامر؟ رجل التعويم والمخاطر يغادر “المركزي”

هذا الحضور التجاري ربما كان وراء ترحيب الروابط التجارية باختياره حتى قبل إعلان القرار رسميًا. ذلك على أمل التراجع عن قرار فتح الاعتمادات المستندية للاستيراد، والذي تسبب في مشكلات للمستوردين ونقص في قطع الغيار في السوق، ومواجهة مصانع محلية أزمة تصل لمشارف الإغلاق.

توجيهات محددة للسياسة النقدية والاستثمار

تشير التوجيهات التي تلقاها حسن عبد الله إلى تطوير السياسات النقدية لتتواكب مع المتغيرات الاقتصادية العالمية، وضرورة العمل على توفير المناخ المناسب للاستثمار. وكذلك توفير مصادر متنوعة للعملات الأجنبية. وهي توجيهات توضح كيف ستسير السياسة النقدية للبنك المركزي مستقبلًا.

المتوقع أن يسير الرجل جامعا بين الحفاظ على النشاط الاقتصادي ودعمه إلى جانب تعزيز الاحتياطي النقدي، والبحث عن مصادر جديدة لإنعاشه مع المدخلات المعتادة التي تضم قناة السويس وتحويلات العاملين والسياحة والتصدير.

خاض حسن عبد الله تجربة قصيرة في المتحدة للخدمات الإعلامية، أعد خلالها لإطلاق 4 قنوات محلية وإقليمية وعالمية، تضم شبكة مراسلين على “أعلى مستوى”، ووعد بأن يكون انطلاقها حدثًا عالميًا على أرض مصر خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

ترتيب البيت من الداخل لحل مشكلات القروض

حسن عبدالله من أنصار مدرسة “ترتيب البيت من الداخل” في التعامل مع الدعم القادم من الخارج، عن طريق توظيفه في دعم الإنتاج المحلي ما يخلق مردودا اقتصاديا يتم من خلال السداد. ذلك إلى جانب توسع الشركات المصرية في الخارج، وعدم الاكتفاء بالسوق المحلية في التسويق والبيع فقط، حتى لو كانت الربحية بالخارج أقل. بمعنى آخر افتتاح فروع للشركات في السوق الأجنبية وما ينعكس على توفير العملة الصعبة.

تصريحاته التليفزيونية التي جاءت قبل سبع سنوات شبيهة بالوضع الذي تشهده مصر حاليًا. حينها، قال إن مصر تعاني من نقص الدولار، وتعتمد على التحويلات العاملين من الخارج، ما يتطلب البحث عن مصادر أخرى لتحقيق فائض. وهو أمر من وجهة نظره قابل للتحقيق عن طريق التصدير. إلى جانب القضاء على المشكلات البيروقراطية التي تقابل المستثمرين من أجل سهولة جذب رؤوس الأموال من الخارج.

يقول عبدالله -وكان حينها رئيس البنك العربي الأفريقي- إنه يشعر بالملل من وجود إمضاءات على مشروعات لا يتم تنفيذها. وإن الخطأ في فهم النظام الرأسمالي باعتقاده أن عائده يتدفق من فوق إلى أسفل أو من الطبقات الأثرياء للطبقات الأقل في تسلسل هرمي مقلوب. إذ يرى أن النجاح الأفضل في خلق تنافسية بين المحافظات على الاستثمارات والمشروعات. ما يؤدي إلى وصول العائد إلى جميع الطبقات في الوقت ذاته بطريقة أفقية وليس رأسية.