أسفر حريق كنيسة أبوسيفين في حي إمبابة بمحافظة الجيزة عن وفاة 41 شخصًا، منهم 18 طفلًا، بالإضافة إلى عشرات المصابين. وقد اختلفت ردود الفعل حول هذا الحادث المؤلم، فهناك من اعتبره دون دليل فعل جنائي مدبر حتى لو لم يصرح بذلك بشكل مباشر. لكنه ذكر مصادفة اليوم (14 أغسطس ذكرى فض اعتصام رابعة)، وأسهب في الحديث عن ميراث سابق من الحوادث الإرهابية، التي استهدفت المسيحيين، مما جعلته يتشكك في روايات “الماس الكهربائي” ولو صحيحة على ضوء ما سبق.

وهناك من بذل مجهود حقيقي وتواصل مع شهود عيان ومع مصادر داخل الكنيسة وخارجها، ومواطنين في الحي الذي شهد الحريق وتأكد من صحة رواية انقطاع التيار الكهربائي، ثم عودته مرة أخرى، وعقب ذلك حدث الحريق، لتصبح القضية التي يجب بحثها هي مدى تطبيق إجراءات السلامة على الكنائس، وخاصة التي تم تقنينها مؤخرًا، وكانت في الأصل بيوت سكنية أو دوار أو مضيفة.

مسئولية الدولة

عادة ما يكون النقاش حول مسئولية الدولة في مصر حذرا، فلو كان الأمر يخص جوانب إيجابية يكون الحديث مهللا ومنتشرا، وإذا كان يخص أمور سلبية فإنه يكون خجولا وخافتا.

والموكد أن أحد الجوانب الإيجابية في قضية الكنائس في مصر يتمثل في تقنين كثير منها، وحصولها على ترخيص قانوني بعد سنوات من التحايل والصلاة خلسه في بيوت سكنية. ولكن الأمر السلبي هو الاكتفاء “باللقطة” أي القول أنه جرى تقنين مئات الكنائس دون العمل على المضمون، وهو ضمان احترامها لقواعد السلامة وإجراءات الحماية المدنية وعدم إعطاء أي تراخيص قانونية لأي مبنى، إلا بعد التأكد من سلامة إجراءات الحماية، وحتى لو ضغطت الكنيسة أو جانب من الرآي العام المسيحي المحافظ من أجل الإسراع في عمليات التقنين، فلا يجب الانصياع وراء ذلك إلا بعد ضمان سلامة المبنى والمصلين.

والحقيقة، أن الاكتفاء بالقول آن الدولة لاتميز بين مواطنيها، وإنها تعمل على عدم التمييز في بناء دور العبادة بين المساجد والكنائس، لا يحل المشكلة لأن الموقف المبدئي مثل الأفكار المبدئية، هو نصف طريق النجاح والنصف الآخر يتحقق بحسن الأداء والتطبيق، وأن بناء الكنائس أو تقنين وضعها لن يصبح إجراء صحيحا ومكتملا إلا بعد ضمان كل إجراءات الأمن والسلامة. 

وعي الشعب

في أعقاب هذا الحادث المؤلم خرج علينا بعض المسلمين والمسيحيين ليرددوا مقولة لزجة ومتكررة بأن المشكلة في عدم وعي الناس وخاصة في المناطق الشعبية، وهو ما فاقم من عدد الضحايا. والحقيقة، أنه لولا وعي الناس وتكاتفهم في هذه المناطق الشعبية وروح الإخاء بينهم بصرف النظر عن ديانتهم لربما تضاعفت أعداد الضحايا، بعيدا عن التوظيف “الملزق” للمشاهد العفوية والإنسانية لإنقاذ مسملين لمسيحيين، واعتبرها البعض فرصة لترديد هتافات الهلال والصليب والوحدة الوطنية.

إن الحديث عن غياب الوعي يعكس بالأساس غاياب للتوعية وضعف أو عدم جدية الأدوات التي تستخدمها الحكومة لتحقيق ذلك، فالدولة هي المسئولة عن محاسبة المخطئين والمتجاوزين وتطالبهم باحترام القانون وقواعد السلامة لا أن تقول الناس غير واعية في حين أن واجبها فرض القانون بإلزام الناس على احترامه.

إن المشكلة في عدم توعية الناس لأنه لا يوجد شعب يولد واعي، وإن ضعف الأدوات التي تستخدمها الحكومة في التوعية، لا تخص فقط خطابها السياسي والإعلامي، بل أساسا تطبيق القانون ومحاسبة المخطئين والمتجاوزين من الشعب.

حريق كنيسة أبوسيفين يقول إن الحلقة الأضعف التي تسببت في الكارثة كانت الإهمال والتسيب وعدم احترام إجراءات السلامة وليس عدم وعي الناس، وإن القوانين المهدرة هي مكمن الخلل الرئيسي في منظومتنا السياسية والإدارية، وهي التي يجب مواجهتها بدلا من شماعة وعي الناس.

المواجهة الجراحية

المشكلات التي تواجهها الكنائس في مصر مركبة، فحادثة أبوسيفين كانت كاشفة لمشاكل التقنين غير الملتزم بإجراءات السلامة، كما أنها تعكس بعض الحساسيات في فتح ملف تعامل الكنيسة نفسها مع هذه القضايا وعدم ارتياح بعض قادتها لبسط الدولة قوانينها على كل دور العبادة ومحاسبة المهملين.

مطلوب فورا مراجعة كل إجراءات الحماية في كل الكنائس، وخاصة الذي جري تقنينه مؤخرا، وهو أمر مطلوب أن ينسحب على كل المنشآت الخاصة والعامة وليس فقط على دو ر العبادة.

صحيح، أن هناك خصوصية فيما يتعلق بهموم الأقباط ومشاكلهم في مصر، ولكن لا يجب فصلها في نفس الوقت عن مشاكل المجتمع ككل، فالإهمال والتراخي والإرهاب كان ضحاياه من كل فئات الشعب المصري، فمن حوادث القطارات والطرق والسفن إلي المسارح والبيوت ودور العبادة كان هناك ضحايا لا يعدوا ولا يحصوا من الجميع ونزيف في قلب الوطن.

وقد اعتدنا على تأخر فرق الإنقاذ وإهمال هنا وتسيب هناك، ولو صحت مقوله تأخر فرق الإطفاء والإسعاف في حادثة أبوسيفين فهو  أمر متكرر في حوادث مصر ولا يوجد فيه أي تعمد كما يقول البعض ولو ضمنا لأن هذا “سلو بلادنا”.

معركة مصر مع سوء الأداء العام كبيرة وطويلة ولن ننتصر فيها إلا بدولة قانون عادلة لا تميز بين مواطنيها وتطبق القانون على الجميع.

للاطلاع على مقالات أخرى للكاتب.. اضغط هنا