قررت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري، تثبيت أسعار الفائدة بالبنك المركزي للمرة الثانية على التوالي والثالثة خلال عام. خلال الاجتماع الخامس للجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي هذا العام، وفي اجتماعاتها السابقة رفعت سعر الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس، حيث رفعت الفائدة 200 نقطة أساس في مايو و100 نقطة أساس في مارس.

وحدد البنك المركزي سعر الفائدة على الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند مستوى 11.25٪، 12.25٪ و11.25% على الترتيب، كما تم الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند مستوى 11.75٪. وفتح القرار التساؤل عن أسباب التثبيت رغم توقعات الوقعات السابقة باحتمالية تحريك الفائدة؟، وعما إذا كان تغيير رئيس البنك المركزي له دور في قرار الإبقاء على معدلات الفائدة كما هي؟.

ويعد هذا هو أول اجتماع للجنة بعد تولي حسن عبد الله القائم بأعمال محافظ البنك المركزي الجديد مهام منصبه الخميس، بعد قبول الرئيس عبد الفتاح السيسي استقالة طارق عامر المحافظ السابق أول أمس الأربعاء وإصدار قرار بتعيينه مستشارًا لرئيس الجمهورية.

حسن عبدالله

اقرأ أيضًا.. إلى أي مدى سترتفع أسعار الفائدة؟

ما هو سعر الفائدة؟

يعتبر سعر الفائدة إدارة رئيسية للبنوك المركزية في العالم؛ لضبط السياسات النقدية في الدول، ضبط حركة السيولة، ويعتبر سعر الفائدة العائد على رأس المال، الذي يدفعه البنك المركزي على إيداع الأموال لديه، لمدة ليلة أو أية مدة زمنية محددة. وتستخدم البنوك المركزية سعر الفائدة لجمع السيولة من السوق أو العكس.

وتحدد البنوك المركزية سعر الفائدة من خلال لجان تقوم بدراسة الأوضاع الاقتصادية في البلد، والتي تعد مؤشر للبنوك التجارية لتحديد سعر الفائدة استنادًا على سعر الفائدة الأساسية التي حددها البنك المركزي.

وتقوم البنوك المركزية بتحديد سعر الفائدة بناء على العرض والطلب، فإذا ارتفعت معدلات الطلب على النقود المعروضة، يقوم البنك المركزي برفع سعر الفائدة، ما يؤدي لتخفيض معدلات الإقراض في القطاع الاقتصادي، وتعمل زيادة عرض رؤوس الأموال على خفض أسعار الفائدة والعكس صحيح.

وماذا يعني تثبيت؟

تقول منى بدير الخبيرة الاقتصادية، إن تثبيت الفائدة يعني أن سعر الفائدة على الإقراض في البنوك لن يتغير وفقًا للسعر الاسترشادي للبنك، فإذا كان العميل يرغب الآن في الحصول على قرض فهذا يعني أن سعر الفائدة سيستمر كما هو قبل اجتماع الخميس.

أضافت لـ”مصر 360″: “كما أن الفائدة على القروض التي حصل عليها العملاء قبل القرار الصادر، ويسددون حاليًا أقساط عليه لن تتغير كذلك”.

وفي حال كان العميل سبق وحصل على قرض بفائدة متغيرة- أي مرتبطة بسعر الفائدة المقررة من المركزي- فهذا يعني أن سعر الفائدة لن يتغير وسيستمر عند نفس المعدلات.

واستفاد المستثمرون الأجانب من السعر المرتفع للدولار في مصر خلال الزيادتين الأخيرتين للبنك المركزي، لأنه يمكنهم من الاستثمار في تحقيق مكاسب كبيرة من شراء أدوات الدين التي تقترض الحكومة من خلالها لسد العجز بين المصروفات والإيرادات وفق بدير.

لماذا لجأ المركزي لثبت أسعار الفائدة؟

 

وأرجع عدد من الخبراء أسباب هذا التثبيت لحين وضوح رؤية السياسة النقدية للمحافظ الجديد، وحتى لا تؤثر أي زيادة سلبا على الاقتصاد. أو تشكيل وجهة نظر ضد المحافظ الجديد للمركزي المصري.

الخبير المصرفي أحمد متولي، أكد لـ “مصر 360″، أن قرار تثبيت سعر الفائدة بمثابة تأجيل لعملية اتخاذ قرار جديد بشأن الفائدة؛ لحين التعرف على توجهات السياسة النقدية في ضوء خطة محافظ البنك المركزي الجديد، والذي تم تعيينه قبل ساعات من القرار.

لفت إلى أن لجنة السياسات أبقت على أسعار الفائدة كما هي دون تغيير على عكس التوقعات قبيل الاجتماع، وذلك لوجود متغير هام وهو استقالة محافظ البنك المركزي طارق عامر قبل ساعات من موعد اجتماع اللجنة. ويعد ذلك أحد الأسباب في الإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير.

قرار تعيين حسين عبدالله محافظًا جديدًا جاء قبل وقت قصير للغاية من قرار اللجنة. لذلك أعضاء اللجنة قرروا الإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير حتى يتم الانتهاء من وضع أولويات السياسة النقدية خلال المرحلة المقبلة.

سحب سيولة السوق رجع تثبيت الفائدة

وكشف الدكتور هشام إبراهيم أستاذ التمويل والاستثمار، أن معدل التضخم في مصر تجاوز مستهدف البنك المركزي البالغ 7% (± 2 نقطة مئوية)، مما كان يستدعي أن تتخذ اللجنة السياسات النقدية قرارا بزيادة سعر الفائدة.

أضاف أستاذ التمويل لـ “مصر 360″، أن اللجنة ربما اكتفت بقرار البنك المركزي بسحب 100 مليار جنيه سيولة من السوق المفتوح، وهو إجراء يعد من أدوات السياسة النقدية.

أشار إلى مواصلة المعدل السنوي للتضخم العام في خلال يوليو الماضي اتجاهه التصاعدي الذي اتخذه منذ ديسمبر 2021، ليسجل 13.6% وذلك بعد أن تباطأ في يونيو مسجلاً 13.2%. لذا كانت التوقعات ترجح لجوء المركزي إلى رفع الفائدة تأثرًا بقرار الفيدرالي الأمريكي الذي حرك الفائدة هناك مؤخرًا. لكن اللجنة نحت معدلات التخضم جانبًا وصممت على التثبيت لحني اتضاح رؤية محافظ المركزي الجديد فيما يتعلق بالسياسات النقدية للدولة الفترة المقبلة.

وقالت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي في بيان لها عقب تثبيت الفائدة، إن قرارها يتسق مع تحقيق هدف استقرار الأسعار على المدى المتوسط. وأشارت إلى أن ارتفاع معدلات التضخم في يوليو جاء مدفوعا بارتفاع أسعار كل من السلع الغذائية الأساسية والسلع الاستهلاكية والخدمات نتيجة الأثر الموسمي الخاص بعيد الأضحى المبارك وتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية وكذلك الآثار غير المباشرة الناتجة عن ارتفاع أسعار المنتجات البترولية.

وقالت اللجنة إن أدوات السياسة النقدية يتم استخدامها للسيطرة على توقعات التضخم، والحد من الضغوط التضخمية من جانب الطلب والآثار الثانوية لصدمات العرض والتي قد تؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم نسبيا عن المعدلات المستهدفة.

تحريك الفائدة سيؤثر سلبًا على تكلفة الدين ومناخ الاستثمار

ويرى الخبير المصرفي هاني أبو الفتوح، أن قرار تثبيت سعر الفائدة مناسب حاليًا؛ لأن زيادة معدل التضخم كانت متوقعة بعد قرار الحكومة تحريك أسعار المنتجات البترولية، مشيرا إلى أن زيادة سعر الفائدة بأي نسبة ستؤثر سلبًا على تكلفة الدين ومناخ الاستثمار، والحالة الاقتصادية عامة والتي تعاني من حالة ركود في الوقت الحالي، وهناك آمال معلقة في أن يتخذ المحافظ الجديد قرارات وسياسات أخرى لفتح الباب أمام المصدرين لاتباع سياسات مرنة لسعر الصرف.

وذكر لـ “مصر 360″، أن هناك تحديات تواجه معدل التضخم في مصر خلال الربع الأخير، نتيجة التوقعات الخاصة بزيادة سعر النفط متأثرا بارتفاع الطلب خلال فصل الشتاء، واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما يؤثر على معدل التضخم المستورد من الخارج على الأسعار في مصر، وتوقع أن البنك المركزي سيستخدم أدواته النقدية للسيطرة على التضخم خلال الشهور المقبلة.

تراجع أسعار وتباطؤ آثار الحرب الروسية الأوكرانية

من جانبها بررت لجنة السياسات النقدية قرار تبيثت الفائدة، بأن النشاط الاقتصادي العالمي اتسم بالتباطؤ نتيجة آثار الأزمة الروسية الأوكرانية، وأدت الزيادة في المخاطر الجيوسياسية في جنوب شرق آسيا إلى ارتفاع حالة عدم اليقين في التوقعات الاقتصادية العالمية.

وأشارت إلى أنه على الرغم من الانخفاض في حدتها مقارنة بالشهور السابقة، استمر تقييد الأوضاع المالية العالمية، حيث استمرت البنوك المركزية في الخارج في تشديد السياسات النقدية عن طريق رفع أسعار العائد وخفض برامج شراء الأصول لاحتواء ارتفاع معدلات التضخم في بلادهم.

وذكرت اللجنة أن الأسعار العالمية لبعض السلع الأساسية انخفضت نسبيا مثل البترول والقمح بعد الوصول إلى ذروتها بعد اندلاع الصراع بين روسيا وأوكرانيا.

وأكدت اللجنة أنها ستواصل تقييم تأثير قراراتها على توقعات التضخم وتطورات الاقتصاد الكلي على المدى المتوسط آخذة في الحسبان قراراتها خلال اجتماعاتها السابقة برفع أسعار العائد الأساسية.

وشددت على أنها سوف تتابع عن كثب كافة التطورات الاقتصادية ولن تتردد في استخدام كافة أدواتها النقدية لتحقيق هدف استقرار الأسعار على المدى المتوسط.

كيف سيتحرك الجنيه؟

ورغم تثبيت أسعار الفائدة إلا أن توقعات بنوك استثمار ومؤسسات دولية تشير إلى أن الجنيه المصري يجري تداوله بأعلى من قيمته. ومنذ تدخل البنك المركزي في مارس الماضي بخفض قيمة الجنيه، فقد قفز سعر صرف الدولار من مستوى 15.66 جنيه إلى 17.42 جنيه، فيما يجري تداوله في الوقت الحالي عند مستوى 19.10 جنيه.

وقد ذكر كل من “دويتشه بنك” و”جولدمان ساكس”، أن العملة المصرية مقوّمة بأعلى من قيمتها بنسبة 10%. لكن “سيتي جروب” لديه تقدير أقل بنسبة 5%.

فيما خفضت وكالة “بلومبيرج” تقييم الجنيه المصري بنسبة 23%، وذلك كضرورة للنهوض بالاقتصاد وتقليص فجوة التمويل. وانخفض الجنيه المصري بأكثر من 15% أمام الدولار منذ مارس الماضي.

وعلى صعيد المفاوضات الجارية مع صندوق النقد فقد شدد الصندوق على حاجة مصر لاتخاذ مزيد من الخطوات لتعزيز تطوير القطاع الخاص وتحسين الحوكمة وتقليص دور الدولة، في حال أرادت البلاد الحصول على قرض جديد. وأشار إلى الحاجة إلى إحراز تقدم حاسم بشأن إصلاحات مالية وهيكلية أعمق لتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد وجعله أكثر مرونة في مواجهة الصدمات.

وكشف تقييم صندوق النقد الدولي أن اتفاق الاستعداد الائتماني حقق هدفه الأساسي المتمثل في الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، وأن تنفيذ السياسة كان يتماشى بشكل عام مع أهداف البرنامج.

وفي حين قال صندوق النقد الدولي إن هدف الحكومة المصرية المتمثل في تعزيز الثقة من خلال عملة مستقرة، كان من الممكن تعزيز تقلبات أكبر في سعر الصرف خلال اتفاق الاستعداد الائتماني، لتجنب تراكم الاختلالات الخارجية وتسهيل التكيف مع الصدمات. ومن المتوقع أن يطالب صندوق النقد الدولي بمزيد من المرونة في الجنيه كشرط لتقديم مساعدات جديدة لمصر.

محددات تزيد صعوبة موقف المركزي أمام الفائدة

يواصل الخبير المصرفي أحمد متولي، أن هناك محددات تزيد من صعوبة الموقف أمام البنك المركزي فيما يتعلق بسعر الفائدة خلال الأشهر المتبقية من 2022 والتي قد تشهد تحركات لاحقة.

تتمثل هذه المحددات في معدل التضخم، واستمرار تراجع قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار، والمفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي بشأن الحصول على تمويل جديد، واتجاه نشاط القطاع الخاص إلى الانكماش، وهروب جزء من الأموال الساخنة، وأخيراً معدل النمو الاقتصادي المستهدف من قبل الحكومة المصرية.

لفت إلى أنه على صعيد التضخم، فقد تسارع التضخم السنوي إلى مستوى 13.6% في يوليو من 13.2% في الشهر السابق، وارتفع التضخم الشهري 1.3% على أساس شهري، مقارنة بانخفاض 0.1% على أساس شهري في يونيو، وهو ما يتطلب سرعة التحرك فيما يتعلق بامتصاص السيولة المتاحة من السوق المحلية لتهدئة الموجات المتتالية من ارتفاعات الأسعار.

حركة الأسعار

ويوضح أيمن ياسين الخبير المصرفي، أن تثبيت سعر الفائدة سيمنع حدوث أية تحركات على مستوى تسعيرة شراء المنتجات والسلع من الخارج، وبالتالي منع حدوث تغيرات في حركة البيع والشراء محليًا خلال شهري أغسطس وسبتمبر “السوق سيشهد ثبات في الأسعار على المدى القصير لحين اجتماع لجنة السياسيات النقدية من جديد وتحديد سعر الفائدة في 22 سبتمبر المقبل”.

أضاف لـ”مصر 360″ أن الأوضاع الاقتصادية المحلية وكذلك أوضاع المواطنين باتت أكثر تعقيدًا من ارتفاع معدلات التضخم المرتفعة، “هناك حالة من الركود بسبب رفع سعر الفائدة مرتين سابقًا وبالتالي لم يكن الأمر يتحمل مزيدًا من التحركات في الأسعار حفاظًا على حياة المواطن”.

أضاف أن الكيانات الصناعية في الدولة التي تعتمد على الدولار بشكل رئيسي في تدبير احتياجاتها من المادة الخام من الخارج، تتأثر مباشرة بأي رفع في الفائدة ما يدفعها إلى محاولة إجراء تحريك فوري في منتجاتها المتداولة بالسوق، سواء كانت مواد غذائية أو غيرها، لكن مع تثبيت الفائدة قد تحجم تلك الكيانات الاقتصادية عن تحريك الأسعار مجددًا.