استضافت مدينة سوتشي الروسية الواقعة على ساحل البحر الأسود، مطلع هذا الشهر، لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، استمر لما يقرب من أربع ساعات.حسبما ذكر موقع روسيا اليوم. وذلك بعد وقت قصير من لقائهما في منتدي أستانا، الذي شهدته العاصمة الإيرانية طهران، وعكس تعميق التعاون بين موسكو وأنقرة.
في تحليلهم المنشور على موقع معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي. يتناول كل من بات فيلدمان، الباحث في برنامج روسيا. والدكتورة جاليا ليندنشتراوس، المتخصصة في السياسة الخارجية التركية. وأركادي ميل مان، رئيس برنامج روسيا في المعهد والسفير الإسرائيلي الأسبق في روسيا. حاولوا الإجابة على سؤال: ما الذي جمع هذان الحاكمان؟ وكيف سيأثر هذا الاجتماع على الوضع الإقليمي وإسرائيل؟
يقول التحليل: في واقع الأمر، تحتاج موسكو لأنقرة -جزئيًا- من أجل الحد من التداعيات الاقتصادية السلبية للحرب في أوكرانيا. بالإضافة إلى زيادة إضعاف الناتو من الداخل. من جانبها، تحتاج أنقرة إلى موسكو، بسبب النفوذ الروسي فيما تعتبره مناطق صراع رئيسية. مثل سوريا والقوقاز وليبيا، إضافة إلى اعتمادها على روسيا في شؤون الطاقة.
تمنح الدول الغربية أنقرة بعض الفسحة في اتصالاتها مع موسكو -جزئيًا أيضا- كوسيط في الصراع في أوكرانيا. نظرًا لأهمية عضوية تركيا المستمرة في الناتو، وموقعها المركزي في مسرح البحر الأسود. بينما “لا ينبغي لإسرائيل أن تستنتج أن الغرب سيظهر نفس التسامح تجاهها إذا خفف موقفه تجاه روسيا. علاوة على ذلك، تدفع تركيا بالفعل ثمناً لعلاقاتها مع روسيا، ومن المتوقع أن تدفع المزيد في المستقبل”.
اقرأ أيضا: ألمانيا تتلكأ في تنفيذ وعودها بتسليح أوكرانيا.. أي دور لروسيا؟
التعاون رغم تضارب المصالح
تقابل الرئيسين قبل اجتماع سوتشي بأسابيع قليلة، في اجتماع قمة ثلاثي لمنتدى أستانا في طهران. والذي ضم أيضًا الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، واستمر قرابة الساعة. ومن المتوقع أن يشارك أردوغان الشهر المُقبل في اجتماع بأوزبكستان، تنظمه منظمة شنغهاي للتعاون. التي تعتبرها تركيا “شريك في الحوار”. بينما “كان اجتماع سوتشي المطول دليل على الجهود التي يبذلها الجانبان للتعاون، حتى لو كان هناك تضارب كبير في المصالح بينهما”.
ضم وفد أردوغان إلى روسيا -من بين أمور أخرى- وزراء الدفاع الوطني، والشؤون الخارجية، والخزانة، والمالية، والتجارة، والطاقة، والموارد الطبيعية، والزراعة. بالإضافة إلى رئيس جهاز المخابرات الوطنية التركية.
ومن بين الموضوعات التي تمت مناقشتها، التجارة والطاقة واتفاقية الحبوب مع أوكرانيا، وكذلك سوريا والصراع في كاراباخ.. وتم التوقيع على مذكرة تعاون اقتصادي. في الوقت نفسه، أوضح الاجتماع جهود أردوغان للمناورة بين روسيا والغرب، مع حماية مصالح تركيا، بما في ذلك في ساحة البحر الأسود الساخنة.
من جانبه، يهتم بوتين بتعزيز العلاقات مع تركيا -العضو في الناتو- من أجل مواصلة محاولة دق إسفين بين أنقرة والغرب. كما حدث في عام 2017، مع بيع نظام الدفاع الجوي الروسي S-400 لتركيا.. أدت هذه الخطوة إلى إزالة تركيا من مشروع F-35 الأمريكي، على الرغم من أن عضويتها في الناتو لا تزال مكونًا مركزيًا في عقيدة تركيا الأمنية.
يقول التحليل: على الرغم من اعتراضها الأولي، وافقت أنقرة على إطلاق عملية ضم السويد وفنلندا إلى الناتو. وهو تطور لا يرضي موسكو بشدة.
شريان “ترك ستريم” للغاز
كان التعاون بين روسيا وتركيا في مجال الطاقة، أحد الموضوعات المدرجة على جدول أعمال مؤتمر سوتشي. وهو أمر ذو أهمية حيوية لكلا الجانبين. أهم مشروع للطاقة بين روسيا وتركيا هو “ترك ستريم”، خط أنابيب الغاز من روسيا إلى تركيا، والذي يعد جزءًا من سلسلة إمداد الغاز الروسي إلى شرق ووسط أوروبا.
في الوقت الحالي، تعمل ترك ستريم بدون أي انقطاع تقريبًا، مقارنة بخطوط الأنابيب الأخرى. التي تحمل الغاز من روسيا إلى أوروبا (على الرغم من أن روسيا أوقفت في يونيو/ حزيران توريد الغاز في ترك ستريم لمدة أسبوع بدعوى أعمال الصيانة). وفي سوتشي، شدد بوتين على أن “الشركاء الأوروبيين يجب أن نكون ممتنين لتركيا. لضمان النقل غير المنقطع لغازنا إلى الأسواق الأوروبية”.
يقول التحليل: بالنسبة لأردوغان، من المهم الحفاظ على إمدادات الغاز الروسي مع اقتراب فصل الشتاء، وتجنب المخالفات. إنجاز آخر لبوتين في هذا السياق هو موافقة أردوغان على دفع جزء من تكلفة إمداد الغاز بالعملة الروسية. وهذا مخالف لموقف معظم الدول الغربية، الرافضة لهذا المطلب الروسي.
اقرأ أيضا: سيناريوهات لوقف التصعيد العسكري في ليبيا.. والأمل في تقارب مصر وتركيا
الطاقة والسياحة والمحطات النووية
ينعكس العمل بين الدولتين في مجال الطاقة أيضًا. ظهرت معالم هذا عبر بناء أول محطة للطاقة النووية في تركيا في أكويو وتشغيلها المستقبلي من قبل شركة روساتوم الحكومية الروسية، مع بعض التمويل الكبير من بنك سبيربنك الروسي. والذي يخضع للعقوبات الغربية.
يلفت التحليل إلى أنه “بدأ مؤخرًا بناء الوحدة الرابعة والأخيرة من محطة الطاقة. وتم تحويل ما مجموعه 5 مليارات دولار إلى تركيا، من أصل 20 مليار دولار اللازمة للمشروع. هناك وعود بتحويلين آخرين بمبلغ مماثل في المستقبل القريب، من أجل تبديد المخاوف في تركيا من أن العقوبات المفروضة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا ستؤخر المشروع”.
وتعتبر محطة الطاقة، التي من المفترض أن توفر في نهاية المطاف حوالي 10%من الكهرباء في تركيا. أمرًا بالغ الأهمية، لتزايد عدد السكان الأتراك. وشدد أردوغان على أهمية استكمال المشروع في موعده في عام 2023 دون تأخير أو عقبات. وهو العام الذي يصادف الذكرى المئوية للجمهورية التركية، والمتوقع فيه إجراء انتخابات.
يقول الباحثون: تبحث روسيا -التي تتعرض لضغوط شديدة من العقوبات الغربية- عن طرق بديلة للتخفيف عن اقتصادها. وفي هذا المسعى، منحت تركيا دورًا مهمًا. في السنوات الأخيرة. حدثت زيادة كبيرة في التجارة بين البلدين.
وأضافوا: يفخر بوتين بهذا التطور. ولهذا، تعتزم تركيا وروسيا مواصلة تسريع علاقاتهما الاقتصادية. بما في ذلك في مجالات التجارة، والبناء، والزراعة، والسياحة. علاوة على ذلك، شرعت روسيا -بهدف تجاوز العقوبات- في إجراء اتصالات مع خمسة بنوك تركية، بهدف تطبيق استخدام بطاقات الائتمان الروسية عبر نظام “مير”.
ولفت التحليل إلى أنه “لتعزيز هذه الخطوة، عقدت اجتماعات بين رؤساء البنوك المركزية في البلدين. يمكن أن تعزز هذه الخطوات العملة الروسية، وتساعد على استقرار الاقتصاد الروسي. بالإضافة إلى ذلك، تعد تركيا من بين الدول القليلة في الكتلة الغربية التي حافظت على علاقات طيران مع روسيا. وهي أيضًا وجهة سياحية، ونقطة عبور مهمة للمواطنين الروس، خاصة بعد غزو أوكرانيا”.