في أغلب المقابلات التلفزيونة التي أجراها أوائل الثانوية العامة مؤخرا، أجمع الطلاب الحاصلون على أكبر الدرجات في الامتحانات النهائية، على أنهم لم يذهبوا إلى المدرسة أغلب أوقات العام، حرصا منهم على عدم تضييع الوقت. بعضهم قال إن الذهاب إلى المدرسة ليس له أي معنى، خاصة في ظل الدروس الخصوصية التي توفر أكثر مما توفر المدرسة.

“رحنا المدرسة وتاني يوم قالوا لنا متجوش، المدرسين مش عايزين يشتغلوا”.. قالت “كلارا” طالبة الثانوية العامة بشيء من الغضب تجاه المدرسة ومعلميها. كما أضافت: “المدرسين ليسوا على قدر المستوى وقالوا لنا خليكم في البيت أفضل”. إذا أضفنا كلام “كلارا” إلى تصريحات الأوائل سنعرف أن القاسم المشترك بين أغلب الطلاب هو عدم الذهاب للمدرسة والاعتماد على الدروس الخصوصية، وهي ظاهرة قديمة لكنها تتفاقم رغم حديث وزير التربية والتعليم السابق دكتور طارق شوقي عن تطوير وإصلاح المنظومة.

اقرأ أيضًا.. التعليم وأولويات «الجمهورية الجديدة»

شهادات أم تعليم؟

أوائل الثانوية العامة 2022

منذ عقود ومنظومة التعليم في انحدار رغم إجراء كثير من التعديلات عليها خاصة مرحلة الثانوية التي يعتبرها كثيرون “عنق زجاجة” في حياة الطلبة ويتوقف عليها مستقبلهم. لكننا وصلنا إلى أن المدرسة بدأت في التواري عن المشهد التعليمي بالكامل، ليحل محلها الدروس الخصوصية، كمنظومة بديلة للمدرسة.

الدكتور سعيد المصري، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة والأمين العام السابق للمجلس الأعلى للثقافة، يصف الوضع: “نسبة كبيرة من أولياء الأمور لا يريدون تعليما بل يريدون شهادات فقط”. كذلك أضاف أن ذلك يعيد للذاكرة مقولة الفنان عادل إمام الشهيرة “بلد بتاعة شهادات صحيح” في مسرحية “أنا وهو وهي”.

طارق شوقي وزير التربية والتعليم الذي رحل عن الوزارة، قال إن الأجهزة اللوحية “التابلت”، في المنظومة التعليمية منذ عدة سنوات، خطوة ضمن خطوات لإصلاح عملية التعليم ونقلها من التلقين والحفظ إلى التفكير النقدي والإبداع. لكن بماذا سيفيد “التابلت” والطلبة لا يذهبون إلى المدرسة في الأصل أو كما تقول “كلارا”: “في تابلت بس مقفول ومش بنشتغل بيه في المدرسة، وبنعتمد على الدروس الخصوصية وبس”.

توضح “كلارا” أن دفتر الحضور والغياب في المدارس أحد أدوات التزام التلاميذ بالحضور إلى المدرسة خوفا من الرفت النهائي، لكن لم يعد له نفس التأثير. فمع استنفاذ كل أيام الغياب المتواصل المسموح بها للطالب، لم تعد هناك مشكلة حيث يمكن إعادة القيد مرة أخرى مع كتابة الاستمارات بـ25 جنيها فقط.

المدرسة منظومة للأسرة والطفل

ماذا لو لم يعد يستيقظ التلاميذ كل يوم صباحا للذهاب للمدرسة؟ هنا يلفت النظر الخبير التربوي والباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية دكتور كمال مغيث، إلى أن المدرسة هي منظومة وقت للأسرة وأطفالها. فالأم التي تعتاد الاستيقاظ مبكرا، لتحضير أولادها للمدرسة ثم الذهاب لعملها، ثم تتفق مع الزوج أن يأتي بهم، على أن تعود للمنزل لتجهيز الطعام. فهنا يوم الأسرة يتم ترتيبه بناءً على نظام المدرسة، والوقت الذي يقضيه الطفل في المدرسة يحمل عن الأسرة الكثير، ويساهم في التربية والتنشئة.

أما عن عدم ذهاب الطفل للمدرسة فينبه مغيث إلى أنه يضر بذلك الترتيب، وتساءل: كيف ستترك الأم العاملة أبنائها في البيت خلال فترة العمل بمفردهم؟ وما يترتب على ذلك من مخاطر في حالة عدم وجود شخص بالغ من الأقارب معهم أو مربية لمن ليس لهم إمكانات مادية تسمح بذلك. كذلك أوضح أن هذه المخاطر تظهر بوضوح في المدن والأحياء الشعبية بشكل أكبر بعدم ذهاب الأطفال للمدرسة.

غياب المدرسة: خسائر اقتصادية وأمراض نفسية ومجتمعية

تلاميذ مصريون في أحد المدارس

يتفق مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير فوزي العشماوي، مع طرح الدكتور كمال مغيث، وقال في منشور على حسابه بـ”فيسبوك”: “سيبك من أهمية التعليم للأجيال القادمة، أو للاقتصاد القومي، أو للسلم والامن المجتمعي.. سيبك من كل ده، التعليم بمعناه المتعارف عليه في كل الدنيا بيعمل حاجة مهمة جدا: ضبط حركة ومواعيد المجتمع كله. بمعنى أن الناس كلها بتصحى الساعة 7.00 الصبح علشان ولادها تكون في المدارس الساعة 8.30: 9:00، وتخرج الساعة 3.00: 4:00 والأسرة كلها بتنام الساعة 9:00: 10:00، وممكن تسهر شوية في نهاية الأسبوع”.

ويصف العشماوي المنظومة بأنها حركة منتظمة كبندول الساعة. وتابع: “هذا هو الوضع في كل الدول اللي اشتغلت فيها أو زرتها، في أفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا والدول العربية وفي مقدمتها مصر لغاية نهايات عصر مبارك“. كما ينبه للوضع القائم حاليا في السنوات الأخيرة بأنه “مصر بلدنا استثناء وحيد وفريد، الأولاد بتنام الساعة 2.00: 3:00 صباحا، لأن مفيش مدارس، وبتصحى 11:00 إلى 12:00 الظهر ويمكن بعد كدة.. والمحلات بتفتح هي كمان الساعة 12:00 ظهرا وتقفل الساعة 12:00 بعد منتصف الليل. ودورات نوم الآباء والأمهات اتشقلبت تماما، وأصبحنا مجتمع غير منتج بالمرة. نادرا ما يأتي لك صنايعي قبل الظهر لأنهم كمان أصابتهم لعنة السهر”. كما أضاف: “طبعا حجم الخسائر الاقتصادية لهذا الوضع مهولة، والأمراض النفسية والصحية والمجتمعية حدث ولا حرج، ونشوء جيل لا يعرف الانضباط ولا يسير حسب احتياجات الساعة البيولوجية التي تفترض النوم مساء والاستيقاظ صباحا باكرا أمر مدمر للجميع: الوطن والأسرة والأفراد.. لو أن الأمر بيدي لقفلت النور في عموم مصر الساعة 11.00 مساء، بس طبعا بعد إعادة المدارس لوظيفتها التي خلقت لها: استقبال التلاميذ في يوم دراسي كامل!”.

مؤسسة للمواطنة والتنشئة الاجتماعية

المدرسة هي إحدى أدوات المواطنة والتنشئة الاجتماعية بجانب الأسرة ومؤسسات الثقافة والإعلام، كما يرى أستاذ علم الاجتماع دكتور سعيد المصري. كما أوضح أن التنشئة في الدراسات الاجتماعية معناها بناء البشر وبناء قيم ومفاهيم المواطنين عن العالم وعلاقاتهم ببعضهم البعض وبالوطن.

وبحسب المصري فالمدرسة دورها تخلق مواطن يعرف حقوقه ويؤدي واجباته، قادر أن يعيش بشكل جيد، لديه مبادئ، وغياب المدرسة أو تراجعها هو غياب لهذا الدور وغياب لهذه القيم. كذلك أشار إلى أن الطفل يتم بنائه أولا داخل الأسرة، ثم تكمل المدرسة بقية عملية البناء ثم المؤسسات الثقافية والإعلامية. إذ أوضح أنه بغياب هذه المؤسسات عن أداء دورها سيكون المواطن المصري “متساب كدة كالزرع الشيطاني، ليس له هوية محددة”.

بالعودة إلى “مغيث” يوضح الخبير التربوي أن المدرسة ليست مجرد مكان لتلقي الدروس بل هي مؤسسة للتنشئة والمواطنة، فالفصل يجتمع فيه الولد والبنت، وابن الغني والفقير، المسيحي والمسلم. من هنا يتعرف الأطفال على فكرة المواطنة والاختلاف والتنوع، فالمدرسة مكان لتعلم المثل العليا والسلوك وتشكيل الهوية، والارتباط بالوطن، وتقويم السلوك للأطفال كيف يتعاملون، فكرة الإذن، وتنظيم الحديث، فالأمر ليس مجرد مجموعة معلومات بل باختفاء المدرسة فلا هوية ولا مثل عليا ولا قيم.

وهنا يذكر مصطفى قاسم أستاذ السياسات التربوية المساعد بالمركز القومي للبحوث التربوية والتنمية، في دراسة الماجستير الخاصة به، المنشورة في كتاب بعنوان “التعليم والمواطنة: واقع التربية المدنية في المدرسة المصرية”، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2008، أن المدرسة هي المؤسسة الرسمية الأولى التي درجت المجتمعات على توظيفها في بث وترويج فلسفتها بما تتضمنه من قيم واتجاهات وسلوكيات ورؤى للعالم والمجتمع والإنسان، وأن أهميته تعود إلى أنها تمثل الخبرة الأولى للطفل خارج الأسرة، إذ تلعب المدرسة دورا أساسيا في التربية المدنية من عدة جوانب، فهي تتولى غرس القيم والاتجاهات السياسية والمعارف والمهارات المدنية بصور مقصودة ومخطط لها، فالمناهج والكتب الدراسية، والأنشطة المختلفة التي ينخرط فيها الطلاب، وكذلك شكل العلاقات داخل المدرسة يفترض، على الأقل، أنها مصممة من أجل تحقيق أهداف معينة، وهذه الخاصية للمدرسة تعطيها أهمية كبيرة، يعول عليها كثيرا في إصلاح ما تفسده وسائل التربية المدنية الأخرى.

ويضيف قاسم فكرة أن المدرسة يقع على عاتقها رسالة مدنية مميزة تم إدراكها والتعامل معها منذ الأيام الأولى للجمهورية الأمريكية، يرون ضرورة استثمار نظام التعليم العام في الإعداد للمواطنة الديمقراطية والمشاركة السياسية والاجتماعية، ويؤكد ان المدارس هي ورش صياغة المواطنة وحجر الزاوية للديمقراطية ومنها تبدأ رحلة الناشئ إلى الهوية الثقافية الوطنية والمدنية المشتركة.

ما تقدمه المدرسة

وأشار مغيث إلى أن المدرسة تقدم 3 أمور أولها جانب معرفي من خلال المواد التعليمية المختلفة، والثاني جانب وجداني فيما يخص الفنون والحفاظ على البيئة، ومعاملة الحيوانات وغيرها، والجانب الثالث خاص بالمهارات مثل الرسم وكرة القدم واكتشاف وتقديم المواهب، فإذا اختفت المدرسة لن يحصل الطلبة على كل هذا ولن يعوضه الحصول على بعض المعرفة من خلال الدروس الخصوصية.

قراءة في بعض الإحصائيات

فصل في أحد المدارس الحكومية

يذكر كتاب الإحصاء السنوي لوزارة التربية والتعليم بخصوص العام الدراسي 2021/ 2022 إن إجمالي عدد التلاميذ 25.062.294، وإجمالي عدد المدارس في مصر هو 58.807 مدرسة، منهم 49.067 مدرسة حكومية، و9.740 مدرسة خاصة، بينهم 25.184 مدرسة في الحضر، و33.623 مدرسة في الريف بإجمالي عدد فصول هو 539.980، منهم 457.900 فصل حكومي، و82.080 فصل خاص، و276.797 فصل في الحضر، و263.183 فصل في الريف

وبقسمة إجمالي عدد التلاميذ على إجمالي عدد الفصول فإن كل فصل يستوعب في المتوسط 46 طالبا.

ويقول كتاب الإحصاء إن عدد التلاميذ في المدارس الحكومية 22.504.582 أي أن كل فصل من المدارس الحكومية يحتوي 49 إلى 50 طالب، وعدد التلاميذ في المدارس الخاصة 2.557.712، أي أن كل فصل يحتوي 31 إلى 32 طالبا.

“على الورق فقط، الواقع أكبر بكثير”، هكذا كان تعليق الباحث الدكتور كمال مغيث، على متوسط عدد التلاميذ في الفصول وفقا للإحصائيات الصادرة عن كتاب الإحصاء السنوي لوزارة التربية والتعليم، وأوضح مغيث أن الإحصائية تعتمد على حساب عدد المربعات في كل مدرسة، فهناك “الكانتين، غرفة الناظر، الأخصائي الاجتماعي، غرفة المدرسين، ووكيل المدرسة”، مما يعني أن الفصول تحتوي عدد تلاميذ أكبر من ذلك بكثير.

المدرسة منجم المواهب

حينما تشير إلى القوى الناعمة لمصر وحضورها الفني والثقافي، ستشير لأسماء مهمة مثل طه حسين وزكي نجيب محمود وفنانين بقدر يوسف وهبي، ونور الشريف ويوسف شاهين، ومحمد عبد الوهاب وغيرهم، جميعهم بدأوا الرحلة من المدرسة المصرية، التي اكتشفت ونمت فيهم مواهبهم منذ الصغر وتم استكمال تنمية مواهبهم في الجامعة، وكان مسرح الجامعة واحد من أهم أماكن اكتشاف المواهب وإخراجها لعالم المسرح والسينما.

مع الوقت بدأت تختفي حصص التربية الموسيقية والفنية، ونشاط المسرح والإذاعة المدرسية، وحتى نشاط التربية الرياضية، وبدأ التركيز على المواد التعليمية الأساسية، باعتبارها مواد تحصيل الدرجات، ومع الزيادة السكانية وحاجة المدارس لفصول زيادة تم تحويل حجرات الأنشطة إلى فصول دراسية وبناء مبانٍ جديدةٍ في فناء المدرسة لاستيعاب مزيد من الطلبة مع تراجع مستوى التدريس والاهتمام بتطوير المعلمين.

ويرى الكاتب والروائي إبراهيم فرغلي إن أي تطوير للتعليم بعيد عن الموسيقى والمسرح والفلسفة والفكر والفن، لن يكون له تأثير وقال في منشور على “فيسبوك” إن حصص للقراءة والنقد وزيارات الكتاب والفنانين للمدارس واللقاء مع الطلبة وفق خطة طويلة الأجل، هي الحل من وجهة نظره لتطوير التعليم، وتطوير شخصية المتعلم ليكون إنسانا متوازنا يتحلى بعقلية نقدية وإنسانية وذائقة فنية.

ويرى الدكتور سعيد المصري أستاذ علم الاجتماع إن “الغش لم يعد في الامتحانات بل في كل شيء، فهناك أفلام يتم سرقتها دون الإشارة إلى أنها مقتبسة، وسرقة لتصميمات ولوحات فنية”، وأوضح المصري أن هذه القيم نتاج مدرسة منهارة، ونبه إلى أنه لم يتعلم الناس معنى وقيمة الملكية الفكرية، وأنها تحمي الجميع وتساعد على استمرار الإبداع.

ميزانية ضخمة للدروس.. هل من علاج؟

إذا كان الوضع الاقتصادي حاليا يمر بصعاب داخل مصر وعلى مستوى العالم، فإن منظومة الدروس الخصوصية التي حلت مكان المدرسة ليس لها علاقة بتلك الصعاب الاقتصادية، فبالرغم من معاناة الأسر مع موجات تضخم وارتفاع في الأسعار إلا أن الدروس الخصوصية في كل مراحل التعليم وخاصة الثانوية العامة ليس لها علاقة بهذا الأمر، وترتفع أسعارها مع كل موجة تضخم والأسر تقتطع من ميزانيتها من أجلها.

وقالت مريم والدة كلارا وهي للمصادفة تعمل بإحدى المدارس الدولية إن هناك ميزانية كل شهر لدروس كلارا بين 2800 جنيها إلى 3 آلاف جنيها، بين ثمن الحصص ومصروفات المواصلات، إضافة إلى 300 جنيها فقط لكتب المراجعة النهائية غير كتب أخرى تم شرائها على مدار العام لم تستفد منها ابنتها.

بينما أوضحت كلارا أن حساب الدرس يتم بالحصة حاليا، وهو عكس عقود سابقة كان يتم فيها الحساب بالشهر، وأشارت إلى أن متوسط ثمن الحصة يتراوح بين 60 إلى 70 جنيها، لافتة إلى أن مدرس الفيزياء كان أقل ثمن للحصة بـ55 جنيها، بينما الرياضيات كانت الحصة بـ80 جنيها، بمعدل حصتين في الأسبوع أي 640 جنيها شهريا، بينما أشارت إلى أصدقاء لها كانوا يدفعون 100 جنيها في حصة درس الجيولوجيا، وتتراوح أسعار الحصة في “السناتر”، بين 55 إلى 65 جنيها، والحاصة الخاصة “البرايفت” 80 جنيها، والحصة “الأون لاين” 65 جنيها.

وترى مريم والدة كلارا من واقع عملها في مدرسة دولية أن الذي لا يملك المال الوفير لن يستطيع تعليم أبنائه جيدا، في مدارس تبدأ فيها مرحلة “كي جي” من 50 ألف جنيها، وتصل الثانوية العامة بين 100 إلى 120 ألف جنيها، لكن ترى أن تلاميذ هذه المدارس يعرفون ماذا سيدخلون من كليات قبل حفلة تخرجهم، إضافة لوجود الأنشطة الفنية والرياضية التي لا توجد في المدارس الحكومية حاليا، وأشارت إلى أنهم يحصلون أيضا على دروس خصوصية لكن تمن الحصة في المتوسط 400 جنيها.

وفي دراسة مقارنة لأمنية صلاح منشورة في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية بعنوان “الدروس الخصوصية.. صناعة مصرية أم ظاهرة عالمية”، تقارن فيها الوضع في مصر مع دول أخرى مثل كوريا الجنوبية وهونج كونج وإيران وتركيا، أوضحت أن مصر من الدول التي أصبحت الدروس الخصوصية بها حقيقة لا يمكن إنكارها، على الرغم من الجهود التي يتم بذلها للسيطرة على هذه الظاهرة. وأن الأسباب المؤدية لانتشار هذه الظاهرة بالمجتمع المصري يمكن تلخيصها في تدهور جودة التعليم وانخفاض مرتبات المعلمين، إلا أنه بجانب تلك الأسباب أشار محمد فايز (2020) ببحثه بالجامعة الأمريكية حول مشاركة الطلاب في أنشطة الدروس الخصوصية في مصر في المدارس الابتدائية إلى أن الدروس الخصوصية أصبحت جزءًا من الثقافة المصرية، لدرجة أن أصبح التعليم السائد في مصر هو تعليم الظل (الدروس الخصوصية) وليس المدرسة.

وأوضحت أن الدروس الخصوصية لا يمكن معالجتها بفاعلية إلا بجعلها غير ضرورية، والحد من المزايا التنافسية التي تكتسبها. وقد يعد من الحكمة إقامة حوار مجتمعي حول الظاهرة ونماذج لتعامل الدول معها للمجتمع ككل ولأولياء الأمور خاصة من خلال استبيانات ومناقشات مخططة على أساس علمي واضح؛ للاتفاق على شكل تعامل كل من المجتمع والدولة تجاه الظاهرة، بهدف التوصل إلى توافقات تقلل مخاطر الدروس الخصوصية إلى أدنى حد ممكن، وتعالج الأسباب التي تؤدي إليها، فالدروس الخصوصية ظاهرة منتشرة عالميًا، وتتعدد استجابات الدول لها وفقًا لظروفها، إلا أن المتفق عليه أن علاج الأعراض دون الأسباب لن يؤدي إلى نتيجة تذكر.

ويرى الدكتور كمال مغيث الخبير التربوي أنه “لا يجب أن نخلق عدوا وهميا”، موضحا أن سبب انتشار الدروس الخصوصية هو عدم وجود مدرسة فعالة، وأنه عندما تؤدي المدرسة دورها ويتم تأهيل المدرسين وتدريبهم ويحصلون على رواتب معقولة، ستقل ظاهرة الدروس الخصوصية بشكل تلقائي.

نظام الثانوية العامة خنق المدرسة

طلاب ثانوية عامة بعد أحد الامتحانات

أحد أسباب تراجع دور المدرسة هو نظام الثانوية العامة نفسه، وفقا لأستاذ علم الاجتماع الدكتور سعيد المصري، وأوضح أن دور المدرسة في المرحلة الابتدائية موجود، ويبدأ يقل في المرحلة الإعدادية، لكن نظام الثانوية العامة فرط المدرسة من دورها، ولم يستطع أحد أن يوقفه، بالرغم من محاولة سابقة لوزير التعليم العالي بتغيير القانون تغيير القانون لإنهاء العلاقة بين الثانوية العامة والجامعة، وإلغاء مكتب التنسيق ولم يحدث، ويرى الدكتور سعيد المصري أن هناك صراع كبير على مجانية التعليم العالي وصراع مصالح ضخم، وشبكات مصالح تأسست مع الوضع الحالي، ما يساهم في بقائه.

مشكلة مالية ومقاومة اجتماعية

كانت هناك محاولات للتطوير أو التغيير من قبل وزير التربية والتعليم السابق الدكتور طارق شوقي، لاقت رفضا واعتراضات من قطاعات مختلفة في المجتمع، ومقاومة من الطلبة وأسرهم، بالإضافة لانتقادات من بعض خبراء التربية والتعليم، ومن وجهة نظر دكتور سعيد المصري أنها خطوات مهمة لتطوير التعليم لكن لا توجد مساعدة وأشار لوجود عوائق مالية تعرقل إصلاح التعليم، وعوائق اجتماعية بأن الأسر لا تريد تغيير الوضع القائم فهم لا يريدون تعليما بل شهادات.

بينما يرى الدكتور كمال مغيث إلى أنه “لا توجد خطة واضحة المعالم، يمكن الاطلاع عليها، أي مشروع له فلسفة واضحة وأهداف، ومحاور وتكلفة مالية، وتقييم وتدريب”، معتبرا أنها “خطة لا وجود وهي مجرد تصريحات للوزير”، وأوضح أنه من أبسط الأشياء هو إذا دخل الطالب ثانوية فنية أو عامة أن يعرف ما سيحدث له خلال 3 سنوات، ما هي المناهج، والمواد، والنجاح والرسوب، ونمط الامتحان، ونماذج سابقة للامتحانات، لكن لا يمكن أن يتم الإعلان من قبل الوزير عن نمط الامتحان قبلها فقط بأسبوعين، سواء من خلال “التابلت” أم “البابل شيت”، أم متعدد بين الاثنين، أم اختياري أم أسئلة مقالية”.