كتب- عاطف سعد:
تأثر الاقتصاد العالمي باندلاع حرب روسيا وأوكرانيا وما لحق الحرب من توقف إمدادات النفط والغاز وسلاسل توريد الغذاء والسلع. رغم ذلك كان هناك مستفيدون خاصة إذا تعلق الأمر بالطاقة. فالمبدأ يقول في وقت الأزمات تصنع الثروات.
الأزمة دفعت المعسكرين (الغربي والروسي) لمغازلة الدول العربية من خلال زيارات مكوكية لزعماء إلى المنطقة العربية أهمهم زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى جدة، ورئيس الوزراء البريطاني المنتهية ولايته بوريس جونسون إلى الإمارات. بالإضافة إلى زيارة وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف إلى مصر وعدة دول أفريقية. كما حفزت الأزمة شهية الصينيين لزيادة التعاون مع الدول العربية قريبا.
اقرأ أيضا.. حرب بوتين الأخرى بسلاح الطاقة.. كيف تعوّض أوروبا الغاز الروسي؟
عقوبات متبادلة بين روسيا والغرب.. فرصة للعرب
الغرب قاد سلاح العقوبات ضد روسيا عقب العملية العسكرية التي شنها الجيش الروسي في أوكرانيا. ولجأت موسكو إلى سلاح الغاز والوقود للضغط بشكل عكسي للرد على العقوبات. كما أعلن الرئيس فلاديمير بوتين أن مقابل الغاز ليس الدولار ولا اليورو بل الروبل في محاولة لإنقاذ العملة المحلية التي تراجعت بفعل العقوبات وخروج الاستثمارات. وبعد امتثال شركات أوروبية لمطلب بوتين بالتحول إلى الدفع بالروبل، اعتبر هذا نجاحا كبيرا للاقتصاد الروسي المتأزم.
جاء ذلك في الوقت الذي تخطط فيه دول أوروبية ولا تزال، لاستبدال الغاز والنفط الروسي ببدائل أفريقية. فاستطاعت سوناطراك الجزائرية تلبية أكثر من ربع الطلب على الغاز في إسبانيا وإيطاليا. في الوقت الذي اعتبرت فيه الشركة ثالث أكبر مصدّر لأوروبا بعد روسيا والنرويج.
في نفس السياق قالت سوناطراك إن أرباح النفط والغاز هذا العام ستصل إلى 50 مليار دولار، مقارنة بمكاسب بلغت 34 مليار دولار العام الماضي و20 مليار دولار في 2020. بينما تشير إحصاءات رسمية إلى أن الصادرات غير النفطية ستتجاوز 7 مليارات دولار وهو رقم قياسي.
وتعتزم الجزائر إمداد إيطاليا قبل نهاية سنة 2022 بـ6 مليارات متر مكعب إضافية من الغاز، ومن شأن هذا القرار أن يعزز أكثر الروابط التاريخية بين مجمع الطاقة الإيطالي “إيني” ومجمع الطاقة الجزائري “سوناطراك”.
ويقول الباحث الاقتصادي بمركز فاروس للدراسات الاستراتيجية حسام عيد أبو نعمة لـ”مصر 360″، إن الجزائر قررت زيادة إمداداتها من الغاز إلى إيطاليا بواقع 6 مليارات متر مكعب إضافية. وسيقوم مجمع سوناطراك بتسليم هذه الكمية الإضافية من الغاز إلى مجمع “إيني” وشركائه الإيطاليين الآخرين. وسبق للجزائر التي تربطها علاقات مميزة بإيطاليا أن زودت الأخيرة بـ13.9 مليار متر مكعب منذ مطلع العام 2022، متجاوزة حجم الإنتاج المتوقع بـ113%.
فيما يعتزم المغرب المضي قدما في مشروع بناء أطول أنبوب غاز بحري في العالم بالتعاون مع نيجيريا لضمان إمدادات الطاقة. ويمر مشروع الأنبوب المقترح يمر بطول غرب القارة الإفريقية لنقل الغاز من منبعه في نيجيريا مرورا بـ13 دولة إلى المغرب. وحسب تقديرات سابقة تبلغ تكلفة المشروع 25 مليار دولار، ويستهدف نقل ما بين 30 و40 مليار متر مكعب من الغاز النيجيري سنويا.
ما هي منافع العرب؟
هناك منافع عربية كبيرة حققتها دول عربية، منها الجزائر على سبيل المثال، التي أعلن رئيسها عبدالمجيد تبون، زيادات متوقعة في رواتب القطاع العام، ومعاشات التقاعد، وإعانات البطالة. ليعود إلى نموذج الإنفاق الاجتماعي السخي الذي اعتاد عليه الجزائريون لزمن طويل.
وقال مستشار المركز العربي للدراسات والباحث الاقتصادي أبو بكر الديب، إن الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات الغربية على روسيا حققت 5 منافع للعرب. أهمها ارتفاع أسعار الطاقة التي تزخر بها المنطقة العربية. حيث ساعد ارتفاع أسعار النفط والغاز على تجنب دول الخليج العربي مشكلات عجز الموازنة وتحولت موازنات بعضها إلى الفائض كما عملت الأزمة واحتمالات قطع الغاز الروسي عن أوروبا إلى فتح أبواب تصدير الغاز المصري وغاز ليبيا والجزائر والمغرب لأوروبا.
مستقبل الطاقة وقضايا العرب
وأضاف الديب لـ”مصر 360″ أن الأزمة الروسية الأوكرانية كشفت مكانة وقوة الدول العربية ومنها السعودية ومصر والإمارات والجزائر والمغرب في المنطقة والعالم خاصة في ملفات الطاقة وعلى رأسها النفط والأمن والتسليح ومحاربة الإرهاب.
كما أشار إلى أن الأزمة مثلت فرصة لطرح قضايا العرب على الأطراف الكبرى بالعالم مثل سياسات إيران في المنطقة وملفها النووي. وقضايا محورية أخرى على رأسها فلسطين واليمن وسوريا ولبنان وأزمة المناخ والتحديات التي تواجه المنطقة والعالم. بينما تمخضت زيارة الرئيس جو بايدن إلى السعودية وحضوره قمة جدة للأمن والتنمية عن فشل أمريكي في الحصول على وعود بزيادة الإنتاج النفطي من جانب السعودية والدول العربية (منتجو النفط).
زيارة بايدن للشرق الأوسط
الأزمة الروسية مع الغرب مثلت فرصة للجانب العربي لطرح قضاياه ورؤاه ومطالبه بشكل مشترك وموحد على طاولة أكبر الدول الغربية. ولا شك أن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السعودية في يوليو/تموز، كشفت الدور العربي الكبير في ضبط أسعار الطاقة عالميا ولفت الأنظار لسياسات إيران في المنطقة مع بوادر تذبذب فرص مفاوضات الاتفاق النووي والعمل مع دول المنطقة لتوفير الأمن الغذائي ومكافحة الإرهاب ومعالجة ظاهرة المناخ وخطر الجفاف.
المؤكد أن أمريكا تحاول عبر زيارة مسؤوليها إلى المنطقة تعزيز الدور الأمريكي على مستوى العالم ودعم المصالح الاقتصادية والخارجية للولايات المتحدة في الوقت الذي تكافح فيه التوسع الصيني والروسي بالعالم وتأكيد الدور الأمريكي في محاولة معالجة مشكلات المنطقة والقضية الفلسطينية وحل مشكلة اليمن.
على الجانب الآخر تحاول روسيا استعادة مكانتها في دول عربية كان لديها نفوذ فيها أيام الاتحاد السوفيتي سابقا وشكلت صفقات الأسلحة الطريق المعبد لتحقيق هذا الهدف، وحافظت على وضعها كأول مزود للجيش الجزائري بالسلاح كما استعادت روسيا دورها كمزود للعراق بالأسلحة رغم ما حدث من تحولات بعد الغزو الأمريكي كما أن الدول النفطية العربية ومنها العراق تحقق مكاسب من العقوبات الغربية ضد روسيا وبيع كميات أكبر من النفط لتعويض خسائر الحبوب والقمح.
صراع روسي غربي.. ما هي الفرص والقيود؟
ويقول الباحث في الشؤون الروسية الأوروبية، الدكتور باسل الحاج جاسم، إن التوتر الحالي بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، يضع العرب أمام فرص وقيود أيضا. إذ إن الفرص تكمن في كسر أحادية القطب التي تعمل روسيا عليها من بين أهداف أخرى كثيرة معلنة لما أطلقت عليها عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا.
وأضاف باسل لـ”مصر 360″: “معظم الدول العربية أخذت موقف الحياد من هذا التوتر. كذلك لم تنضم إلى العقوبات الغربية على روسيا، لكن طول أمد هذا الصراع سيجعل من الصعب على الكثير من الدول الاستمرار في الجلوس على كرسيين في آن”.
وتابع جاسم: “هناك فائدة اقتصادية لدول المغرب العربي المصدرة للطاقة من خلال ارتفاع أسعار النفط والغاز. لكن هناك عقبات كثيرة أن تدخل كمصدر بديل للغاز الروسي إلى أوروبا بسبب ارتفاع التكلفة وعدم توفر لا الكميات ولا البنية التحتية اللازمة. كما أنه مستبعد أيضا أن تسكت روسيا على أي دولة تحاول الدخول والمضاربة على أسواقها في قطاع الطاقة. وبالتالي ردت روسيا على تحركات الإدارة الأمريكية بزيارة بايدن إلى السعودية ولقاءات مع قادة الخليج ومصر والأردن والعراق في يوليو/تموز. وجولة أفريقية واسعة في الشهر ذاته لوزير الخارجية سيرجي لافروف ومحادثات مهمة ورسالة من بوتين إلى نظيره المصري عبد الفتاح السيسي.
لا إقحام عربي في الصراع العالمي
الثابت حتى الآن أن العرب لن يتورطو في أي صراع بين الروس والغرب، ورغم معاناة دول عربية بشدة جراء تعطل سلاسل الحبوب ومنها مصر وسوريا والجزائر التي تعتمد على القمح والزيوت النباتية من روسيا وأوكرانيا. إلا أن هناك استفادات واسعة لدول الخليج والمغرب العربي في ملف الطاقة أثبتتها زيارة جو بايدن إلى السعودية. وإن كان العرب لا يلعبون دورا مباشرا في الصراع إلا أن العالم أجمع أدرك أهمية دورهم في معادلة زيادة إنتاج النفط وضمان أمن العالم اقتصاديا حتى العثور على بديل مناسب للنفط والغاز الروسي.