مر الأسبوع الأول على حادث حريق كنيسة أبو سيفين بإمبابة في الجيزة ، والتي راح ضحيتها 41 من الأقباط، بينهم أطفال. غير أن الفاجعة مازالت تستحوذ على أحاديث وهمهمات المسيحيين حتى اليوم. خاصة وأن البابا تواضروس الثاني قد استقبل أسر الضحايا بالكاتدرائية المرقسية الجمعة الماضية، وقدم لهم التعازي كمن يأتي متأخرًا خيرًا من ألا يأتي.

بين إدارتي الكنيسة والحكومة

لعل المتابع لطريقة إدارة الأزمة كنسيًا وحكوميًا يستطيع أن يستكشف ضعف الإدارة الكنسية في مواجهة كارثة إنسانية موجعة راح ضحيتها عدد غير قليل من الأقباط. ففي يوم الحادث أصدرت الكنيسة بيانها الأول تعلن أرقام الضحايا والمصابين بعدما قدم الرئيس عبد الفتاح السيسي التعازي للبابا تواضروس تليفونيًا. ثم توالت بيانات الكنيسة التي تكشف عن اتصالات البابا تواضروس بكبار رجال الدولة، قبل أن يظهر الدكتور مصطفى مدبولي على شاشات التلفزيون ومعه عدد من الوزراء القدامى والجدد ممن حلفوا اليمين في نفس اليوم، يزورون المصابين في المستشفى، ثم يتفقدون الكنيسة مقر الحادث؛ فوزيرة التضامن تعلن عن صرف التعويضات ومراجعة ملف الكنائس، ووزير الصحة يتابع حالة المصابين ورئيس الوزراء يشرح للرأي العام أزمة الكنائس غير المرخصة، وكيف تعمل الدولة على حل تلك الأزمة المتوارثة.

وسط كل هذه التحركات المتعاقبة نشرت صفحة المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية خبرين متتالين عن استقبال البابا لطاقم تدريس أحد المدارس الكنسية الخاصة. ثم لقاء له مع وفد من علماء المهجر قبل أن تعلن الكنيسة عن ترتيبات الجنازة.

يتيح موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” إمكانية جدولة الأخبار ونشرها في موعد لاحق. ومن ثم قد يكون البابا قد التقى زواره قبل الحادث، غير أن نشر تلك البيانات بالتزامن مع وقوع الحادث قد تسبب في غضب كبير لدى الشارع القبطي، حتى أن تعليقات المتابعين للصفحة قد تراوحت ما بين الاستياء والتساؤل عن جدوى نشر هذه الأخبار وسط الكارثة. ما يكشف عن ضرورة مراجعة السياسات الإعلامية للكنيسة. لاسيما في أوقات الكوارث وفي مواجهة الأزمات.

كذلك، فإن تشييع جنازات المتوفين أشعل انتقاد آخر للإدارة الكنسية. حيث تم تقسيم الضحايا على كنيستين؛ الأولى هي كنيسة العذراء الأثرية بالوراق، وكنيسة العذراء والملاك ميخائيل بالوراق؛ ليترأس القداس الأنبا يوحنا أسقف شمال الجيزة والأنبا ثيؤدوسيوس أسقف الجيزة. حيث عجت الكنائس بالمعزين والمشيعين يتدافعون وسط درجة حرارة عالية في كنائس صغيرة لا تستوعب هذه الأحداث الضخمة. وذلك كله وسط تساؤلات عن عدم إقامة الجنازة بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية أو بكنيسة مطرانية الجيزة ذات المساحة الواسعة، والتي تستوعب عدد الضحايا وأسرهم وكاميرات وسائل الإعلام أيضًا.

اختبار إداري للكاتدرائية

تساءل الأقباط عن غياب البابا تواضروس عن تشييع جثامين الضحايا أو زيارة المصابين الراقدين في المستشفيات أو إيفاد مسئول كنسي رفيع المستوى مثل الأنبا دانيال سكرتير المجمع المقدس والرجل الثاني في الكنيسة لينوب عنه في تقديم التعازي والصلوات أو تفقد الضحايا. فلم تقدم الكنيسة إجابات شافية حتى إذا جاءت عظة الأربعاء الأسبوعية، التي يلتقي فيها البابا شعب الكنيسة، فقد كشف عن نصيحة طبيبه بضرورة اتباع إجراءات العزل الصحي بعد الاشتباه بإصابته بفيروس كورونا، غير إن تلك المعلومة لم تأت إلا متأخرة أربعة أيام عن توقيتها الطبيعي؛ فظل المسيحيون يتساءلون من الأحد إلى الأربعاء عن البطريرك الذي لم يظهر إلا في فيديو مسجل ومداخلات تلفزيونية حتى استقبل الجمعة أسر الضحايا وقدم لهم التعازي وأظهرت الصور حنوًا أبويًا قدمه البطريرك لأسر المكلومين.

وضعت حادثة أبو سيفين الإدارة الكنسية في مأزق ترتيب الأولويات وضرورة الاستجابة السريعة لردود فعل الشارع، وهو ما لم يختبره البابا تواضروس من قبل طوال السنوات السبع الماضية، فقد كانت الحوادث الإرهابية تقع في محافظات بعيدة عن العاصمة حتى وصلت إلى بابه في حادث تفجير الكنيسة المرقسية يوم تفجيرات الأحد الدامي عام 2017 إلا أن بسالة رجال الشرطة واستشهاد بعضهم قد أنقذ البطريرك، أما في حادث البطرسية الذي وقع في الكاتدرائية فقد كان البابا مسافرًا في زيارة إلى اليونان، وظهر في الصور يتلقى الخبر مفزوعًا هناك، فقطع زيارته وعاد إلى مصر.

لماذا انتظر الأقباط لقاء البابا؟

تسبب التأخير في ردود فعل الكنيسة في عقد المقارنات بين البابا تواضروس والبابا شنودة. وهو الأمر الذي يزعج البابا الحالي الذي يؤمن إن الزمن قد تغير وإن لكل رجل طريقة في إدارة كنيسته بينما تظهر الحفاوة البالغة التي استقبل بها الأقباط استقبال الكاتدرائية لأسر الضحايا إن المسيحيين ينتظرون البابا دائمًا حتى وإن تكاتفت الدولة في مواجهة الكارثة إلا إن رمزية موقع البابا تعني لهم الأبوة والحنو والرعاية الروحية.

إلى جانب ذلك فإن تكرار حوادث الماس الكهربائي في الكنائس هذا الأسبوع قد تسببت في بلبلة لدى الكثير من المسيحيين الذين لا يتابعون إلا أخبار الكنيسة، فلم يرنو إلى مسامعهم حرائق كبرى في كارفور الإسكندرية وبعض المصانع والمحال التجارية بسبب ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الأحمال على الشبكة الكهربائية وسوء التوصيلات واستعمال التكيفات.

كيف تحل الكنيسة الأزمة مستقبلًا؟

يشير الكاتب بيشوي القمص المتخصص في الشأن المسيحي إن الحرائق المتتالية في الكنائس قد وقعت بسبب زيادة الأحمال الكهربائية طوال الأسبوعين الماضيين في موسم نهضات صوم السيدة العذراء. وقد أظهرت الأزمة سوء التوصيلات الكهربائية وغياب إجراءات الأمن والسلامة والحماية المدنية عن الكنائس، مضيفًا: حتى اليوم لم تطرح الكنيسة أي حلول مركزية للتعامل مع الأزمة.

وانتقد القمص من يشككون في تسبب الماس الكهربائي في حريق الكنائس. قائلًا: هناك قطاع كبير يرفض مجرد توجيه اللوم للإدارة الكنسية التي لم تلتفت إلى إجراءات الأمن والسلامة. بل تركت الكنائس تدبر قضايا خطيرة مثل الكهرباء والدفاع المدني دون توجيه مؤسساتي. بينما تميل الكنائس المحلية دائمًا للاعتماد على شعب الكنيسة في مسائل الأمن والسلامة فيتطوع المهندس أو الكهربائي لشراء المولدات وتركيبها ولا يراجعه أحد. كذلك، فإن الشفافية والتحرك السريع من قبل إعلام الكاتدرائية قد يكسر حالة القلق.

وطالب القمص الكنيسة بضرورة إصدار تعميم لكافة كنائسها وإيبراشياتها يتضمن تشكيل لجنة في كل كنيسة محلية تتولى مراجعة سلامة الأسلاك الكهربائية وإجراءات الدفاع المدني والحريق مع تخصيص ميزانية للإنفاق على تلك الأمور لأنها تتعلق بأرواح الناس.

أما الصحفي نادر شكري فقد عمل كإعلام كنسي بديل وكشف عبر جولات ميدانية عن أسباب بعض الحرائق بينها كنيسة مارجرجس جزيرة بدران التي أطلق فيها المولد الكهربائي شررًا أثار الفزع في نفوس الحاضرين غير إنه لم يسفر لا عن خسائر ولا إصابات

كذلك، فإن شكري نفى حدوث حريق في كنيسة الملاك رافائيل بمنطقة غيط العنب بالإسكندرية. مؤكدًا إن شررًا من الدخان خرج من لوحة المفاتيح وانقطع التيار فأرسلت شركة الكهرباء من يصلحه.