يدور في أذهان المتابعين للشأن العام في مصر عدد كبير من الأسئلة التي لن نجد لها إجابة حقيقية، ربما أغلب تلك الأسئلة لا تظهر في العلن، ولكنها بالتأكيد حاضرة داخل كل جلسة. يتساءل الجميع عن الأسباب التي دعت رئيس الجمهورية لإطلاق دعوة “الحوار الوطني”، وأن تشمل تلك الدعوة المعارضين، ممن كانوا في مرمى نيران النظام لسنوات، كما تدور تساؤلات عدة حول مآلات الحوار ونتائجه وما إذا كانت مخرجات الحوار سوف توضع في حيز التنفيذ أم لا. في هذا الإطار يتم تداول عدد من الإجابات المتضاربة ومحض ادعاءات لا يملك أحد برهانا عليها.

بغض النظر عن تلك الأسئلة – المشروعة – والإجابات المدعاة، فإن الأسئلة الأهم رغم أنها لا تحظى بالاهتمام الكافي، هي الأسئلة التي يجب أن توجهها المعارضة لنفسها، على سبيل المثال، ماذا تريد المعارضة من “الحوار الوطني”؟ كيف يمكن استغلال دعوة الحوار لتحقيق أفضل المكاسب السياسية للأحزاب والمجتمع المدني، ما هي الطريقة الأنسب للتعاطي بإيجابية مع دعوة الحوار لتحقيق المستهدف منه؟

ما تم حتى الآن من خطوات ينبئ بأننا أمام فرصة حقيقية للحوار، كما أن تشكيل مجلس أمناء الحوار يبدو متوازنا بدرجة كبيرة، إذا جرى تشكيل اللجان بنفس الشكل، ربما نشهد مناقشات ثرية تؤدي إلى مخرجات تناسب ما ينتظره المجتمع من حوار غاب لسنوات.

أعتقد أن المستهدفات الرئيسية من الحوار ليست صياغة مخرجات تناسب المعارضة وتنفيذها من قبل النظام، لأن شكل المخرجات سوف يعتمد بشكل كبير على تشكيل اللجان والتمثيل بها، وما يتم بها من نقاشات، كما أن تنفيذ تلك المخرجات يخضع لرغبة النظام وحده، وفق التوقيت المناسب له وبالكيفية التي يراها. ما يجب أن نستهدفه من الحوار هو تحقيق توافق في الرؤى بين مكونات المعارضة بعضها البعض، وصياغة أوراق تعبر عن موقف المعارضة من القضايا الرئيسية التي يتناولها الحوار، ثم إعلان تلك الأوراق والرؤى على الرأي العام ليكون شريكا وشاهدا على ما تقدمت به المعارضة.

مع كامل التقدير لكل ما تبذله المعارضة من جهود في سبيل حل قضية “سجناء الرأي” والإفراج عن أكبر عدد ممكن منهم، فإن ما ننتظره أكبر من ذلك، فنحن ننتظر أن يقترح ممثلو المعارضة في جلسات الحوار ضمانات تشريعية واضحة تحمي حقوق المواطنين في التعبير عن آرائهم، وسياسات تتيح هامش أكبر للمعارضة السياسية والمؤسسات الحقوقية والإعلامية.

تضم اللجنة السياسية ثلاثة محاور أعتقد أنها المرتكزات الرئيسية لأي عملية إصلاح سياسي تتم في المجتمع، وبغض النظر عما إذا كانت مخرجات اللجنة سواء المتعلقة بالسياسات العامة أو مسودات التعديلات التشريعية سيتم تنفيذها أم لا، فإن هذه المخرجات ينبغي أن تكون وثيقة لـ”وصفة” الإصلاح السياسي، حتى إذا لم يتم تنفيذها حاليا، بالتأكيد في وقت ما سوف تحظى بالاهتمام الكافي.

خلال الأيام الماضية تقدم عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان، برسالة إلى رئيس مجلس أمناء الحوار الوطني، تضمنت الرسالة عددا من الخطوات الواضحة والمحددة التي يقترحها الموقعون لتحسين الأوضاع الحقوقية. حظيت الرسالة بصدى واسع تقديرا لأهمية الموقعين، وما يتمتعون به من سمعة حسنة اكتسبوها عبر سنوات من نضالهم لأجل إصلاح المنظومة الحقوقية في مصر.

بغض النظر عن محتوى الرسالة وما إذا كانت سوف تكون أساسا لعمل اللجنة المختصة بجلسات الحوار، وإذا ما تمت دعوة الموقعين لحضور الجلسات، فإن هذا النوع من التعاطي الإيجابي مع فعاليات الحوار الوطني، هو ما ننتظره من مختلف القطاعات المهتمة بالشأن العام في مصر، أن يعبر أصحاب المصالح عن مطالبهم المنتظرة، وبدائلهم المقترحة.

غياب التمثيل السياسي والاجتماعي وغياب التنظيمات هي أكبر المشكلات التي تواجه الحوار الوطني، حتى يكون معبرا بصدق عن المجتمع، ولكن الحل الذي قدمه الحقوقيون عبر رسالتهم، ربما يكون مناسبا للوضع الحالي، أن يتفق المستقلون على رسائل واضحة تتضمن حلولا ومقترحات لكل ما يعانونه من مشكلات ويتم تقديمها لجلسات الحوار الوطني على أن يتم اعلانها للرأي العام.

بعيدا عن ما يقره الواقع من أن ثمة احتمالات ألا يلبي الحوار سقف أمنيات وطموحات المعارضة، الا أن التفاعل الايجابي مع جلسات الحوار وإشراك المجتمع فيما يدور بأروقته، ربما يكون هدفا في حد ذاته، أن يعود المجتمع للاهتمام بالشأن العام، وأن يلتقي أصحاب المصالح ويطرحوا أفكارهم بشأن المستقبل على النظام والرأي العام، تلك الخطوات قد تدفع النظام لتنفيذ مخرجات الحوار، ووضع اليد على مواطن الشكوى.