يمكن وصف الحالة التي يعيشها العالم حاليا والخاصة بأزمة المناخ بـ”ازدواجية الكبار”. ففي الوقت الذي تطالب فيه الدول الكبرى، الدول الأصغر بتقليل انبعاثات الكربون لحل أزمة الاحتباس الحراري، تتوسع هي في استخدام الطاقة غير النظيفة، كالفحم، خاصة لتعويض ارتفاع أسعار الغاز ونقص إمداداته عقب اندلاع الحرب الأوكرانية.
من ناحية أخرى، تستضيف مصر مؤتمر المناخ “27-COP” في مدينة شرم الشيخ نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، في وقت يعاني فيه العالم من اضطرابات الحرب الروسية الأوكرانية التي ألقت بظلالها على سوق الطاقة العالمي. فضلا عن التغيرات المناخية العنيفة الني تشهدها أوروبا من جفاف الأنهار وارتفاع حرارة غير مسبوق. بالإضافة إلى محاولتها التعافي من تداعيات جائحة كورونا.
اقرأ أيضا.. كيف تتحول مصر نحو الاقتصاد الأخضر؟
التحول نحو الاقتصاد الأخضر
وبحسب سلسلة دراسات بعنوان “التحول نحو الاقتصاد الأخضر في مصر.. التحديات والآليات” نشرتها دورية “الملف المصري” الصادرة عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فإن مصر تسعى للبناء على نتائج الدورة السابقة من قمة المناخ التي أقيمت في جلاسجو بالمملكة المتحدة.
القمة التي حملت مسمى “كوب 26” أكدت التزام الدول بأهداف اتفاقية باريس للمناخ. والحفاظ على ارتفاع درجة حرارة الأرض عند مستويات أقل من 2 درجة مئوية. كما أكدت ضرورة التخلص التدريجي من استخدام الفحم، والوفاء بالتعهدات لتمويل المناخ.
تشير البيانات إلى أن العمل على تمويل دعم المناخ على مستوى العالم سجل نحو 632 مليار دولار عام 2019 /2020 وهو أقل بكثير من التمويل المطلوب سنويا ويبلغ 4.13 تريليون دولار. الرقم الأخير ضروري لدعم البنية التحتية وتعزيز القدرة على التكيف والمرونة وبناء اقتصادات مستدامة وخضراء. وتحقيق المكاسب المأمولة من هذه التحولات.
أفريقيا أقل قارات العالم مساهمة في الانبعاثات الضارة، تعتبر أقل مناطق العالم حصولا على التمويل بواقع 5.5% من التمويل المناخي.
وتسعى مصر في قمة المناخ إلى الوصول لأهداف أهمها خفض الانبعاثات في مختلف القطاعات، وزيادة مصادر الطاقة المتجددة والبديلة في مزيج الطاقة. وتعظيم كفاءتها وتبني اتجاهات للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. بالإضافة إلى بناء القدرات فيما يخص التكيف مع تغير المناخ وتخفيف حدة الأثار السلبية المرتبطة به. كذلك تطوير البنية التحتية، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص في تمويل الأنشطة الخضراء وتعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا.
الاقتصاد الأخضر.. جدليات مستمرة
لاتزال نظريات الاقتصاد الأخضر قيد التطور، ويجمعها التركيز على علاقة الاقتصاد بالبيئة بالدرجة الأولى وبالقضايا الاجتماعية للتنمية بدرجة أقل. لكن هناك اتجاها نقديا يعتبره من الأساس “نزعة تلفيقية” تسعى للتوفيق بين النشاط الاقتصادي النيوليبرالي “وهو الاقتصاد الذي يقوم على مزيد من تقليص دور الدولة في الاقتصاد وإطلاق العنان للقطاع الخاص وإدارة الاقتصاد وفق العرض والطلب ” كثيف الاستهلاك للبيئة، وبين مقولات الاستدامة. وهو أمر غير ممكن من وجهة نظر ناقدي الاقتصاد الأخضر.
يرجع ذلك إلى أن الفصل بين نظريات النمو الاقتصادي في الشكل النيوليرالي، وبين إهلاك البيئة بمعدلات أسرع أكثر من معدلات تجددها. يجعل الهدفين على طرفي نقيض، بحيث لا يمكن تحقيق أحدهما دون التضحية بالآخر.
يستدل أنصار ذلك الاتجاه إلى أن الخطاب البيئي منذ قمة الأرض الأولى عام 1992، الذي انتكس عن مطالبه في التغيير الراديكالي، إلى شروط ومعايير ذات طابع تقني مثل تقليل الانبعاثات، والتي برغم أهميتها فإنها تهمش فكرة التحول إلى أنماط إنتاج واستهلاك مستدامة.
تذهب دراسات مبنية على رصد الاتجاهات التاريخية وبناء نماذج للتوقعات الحسابية إلى عدم وجود أدلة كافية على إمكانية التقليل من استهلاك الموارد في ظل تحقيق النمو. ووقف الاحتباس الحراري بالسرعة والمعدلات المرجوة.
على هذا الأساس، بدأ طرح اقترابات تتجاوز تركيز الخطاب السائد على موضوعات الانبعاثات، والأنشطة الاستخراجية، وإزالة الغابات، وقطاعات مثل الطاقة النظيفة أو منخفضة الكربون. إلى إعادة النظر في إمكانية تحقيق الاستدامة في ظل استمرار النمو الاقتصادي بشكله الحالي المبني على الاستهلاك المفرط، والإهلاك الجائر للطبيعة.
الاقتصاد الأخضر.. فجوة بين الخطاب والممارسة
بخلاف الجدل الأكاديمي الدائر حول مدى فاعلية الاقتصاد الأخضر فإن الواقع يوضح أن هناك فجوة بين الخطاب والممارسة.
ورغم التقدم في التوافق الدولي حول أولوية الأبعاد البيئية للتنمية، ومعايير الاقتصاد الأخضر، إلا أن الممارسة لا تنم عن حدوث أي تقدم مواز. فمعدلات الاستهلاك البيئي ما زالت مرتفعة. وهو ما ظهر عقب استئناف النشاط الاقتصادي لمعدلاته الطبيعية بعد فترات الإغلاق بسبب كورونا.
كما يتم إعلاء أولوية الأهداف الاقتصادية المباشرة إذا تعارضت مع مقتضيات التحول الأخضر نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية. تلك التي نتج عنها أزمة عالمية في أسواق الطاقة. وتوجه العديد من الدول إلى استخدام الفحم والغاز المسال كبدائل للطاقة الروسية.
كوب 26.. التزامات على المحك
بعد عدة أشهر من مؤتمر المناخ الأخير في المملكة المتحدة، والذي سادت فيه انطباعات إيجابية بشأن الالتزام الدولي بالاقتصاد الأخضر والمعايير البيئية فإن التطورات في مشهد الطاقة الدولي تضع هذا الالتزام على المحك.
يبدو جليا أن التعارض بين أهداف أمن الطاقة والاقتصاد الأخضر يؤدي إلى التضحية على الأقل مرحليا بأهداف الأخير. أو على الأقل تأخير الانطلاقة التي كانت مرجوة.
في الوقت ذاته، لا يمكن اتباع نهج علمي واحد في التحول ناحية الاقتصاد الأخضر بل يطوع وفقا للظروف والأولويات. بالإضافة إلى مدى كفاءة إدارة الموارد الطبيعية، وأنماط الاستهلاك.
لكن مصر تسعى خلال “كوب 27” إلى دفع التعهدات المناخية العالمية نحو التنفيذ، والعمل من أجل الوصول لتحول أخضر يراعي فوارق وإمكانيات الدول. والوصول لخريطة توزيع للتمويل المناخي وفقا للمعلومات الواردة عن مبادرة سياسات المناخ عالميا.
مزايا التقنيات الخضراء في مصر
تعتبر التكلفة الإنشائية الأولية لاستخدام الطاقات المتجددة والنظيفة أهم معوقات تحقيق التنمية الخضراء في مصر. إذ أن تكلفة إنشاء محطة الطاقة الشمسية تصل إلى دولار واحد لكل وات/ ساعة.
في الوقت ذاته، فإن فترة ضمانها تصل إلى 25 عاما، وبالتالي يمكن استعادة رأس المال المستثمر في بداية الأمر، بعد مرور 9 إلى 6 سنوات، في حالة استخدام الألواح الفوتوفلتية. ويقل إلى 4 سنوات حالة استخدام المجمعات الشمسية.
كذلك الحال بالنسبة للمباني الخضراء التي فوق توفيرها استهلاك الطاقة، لها أبعاد نفسية. إذ تعالج متلازمة المباني المريضة التي ظهرت في السبعينيات مع بدء انتشار استخدام التبريد والتدفئة الصناعية والأجهزة الكهربائية.
تظهر دلائل تلك المنازل المريضة مجموعة من الأعراض المشتركة مثل الصداع والدوخة، والحساسية على عدد من الأشخاص المتواجدين داخل مبنى معين أو في جزء منه. كما تختفي الأعراض حال مغادرة المبنى وقد لا تختفي. حيث تصل المضاعفات إلى ما يعرف بـllness Related Building، وهي حالة دائمة.
أسهمت الزيادة في الأمراض التنفسية والحساسية والمواد الكيميائية التي تطلق الغازات في الهواء، في زيادة الوعي بأهمية نوعية الهواء داخل المنازل. وتمثل المباني الخضراء حلا لهذه الأعراض والمشكلات، عن طريق تحسين جودة الهواء داخل البيوت والتحكم في مصادر التلوث وتقليلها والقضاء عليها.
فرص مصر التنموية
أمام مصر فرص لتحقيق التنمية الخضراء بالاعتماد على الطاقة النظيفة في الإنتاج النباتي والحيواني. بجانب دعم تطبيق واستخدام الطاقة المتجددة في الري الحديث؛ للمحافظة على المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي بعد المعاجلة في الري. وزراعة الأسطح لزيادة المباني الخضراء وتقنيات الطاقة الشمسية في التجفيف للمنتجات الزراعية والتدفئة والتبريد للصوب الزراعية.
كما يساهم تحويل المخلفات الزراعية إلى وقود حيوي وكهرباء في المحافظة على البيئة، والحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ما يؤدي أيضا لتوافر فرص العمل، وتحقيق دخول مادية مناسبة لأصحاب النشاط الزراعي.
وهناك فرص كثيرة للاستفادة من الاقتصاد الأخضر كقاطرة للإسراع في تحقيق التنمية المستدامة بالتعاون مع المجتمع الدولي ودعم الابتكارات ونقل التكنولوجيا الملائمة. يتطلب ذلك الأمر تحديث التشريعات والسياسات التي تطبقها الحكومة من خلال القوانين ذات الصلة للتحول إلى الاقتصاد الأخضر في عدة مجالات.
إلى جانب آليات دعم الاستثمار على مستوى التمويل والقياس والتعاون والتكامل المؤسسي حجر الأساس لنجاح التقدم بمشروعات عملية التحول للاقتصاد الأخضر أيضا مؤسسات التمويل الدولية. مع ضرورة الاهتمام بالتدريب لرفع قدرات وكفاءة الموارد البشرية لاستيعاب جدوى وأهمية التحول لتوفير حوافز مالية وضريبية للشركات التي تضخ استثمارات خضراء تفوق نطاق لمسئولية الاجتماعية.
ويجب إقرار حوافز استثمارية للشركات العالمية الكبرى المتخصصة في صناعة خلايا الطاقة الشمسية في حالة قيامها بإنشاء مصانع على أرض مصر. والتسويق العالمي لموارد مصر من الطاقة الشمسية، وإمكانيات التصدير الكبير للشرق الأوسط، وأفريقيا، وآسيا حالة التصنيع المحلي.
في الوقت ذاته لابد من تحديد حوافز مختلفة للأنشطة الاقتصادية التي تستخدم الطاقة الشمسية بنسب تتراوح ما بين 20 و40% من إجمالي استهلاكها الشهري من الكهرباء. وتشجيع إنشاء محطات طاقة شمسية وطاقة رياح بالقرب من المناطق الصناعية غير المرفقة في المحافظات لتوسيع استخدامات الطاقة الشمسية في الصناعة. وزيادة الطلب في السوق، وخفض مقابل الدمج المطلوب لربط محطات الشمسية أكبر من 1 ميجا على الشبكة القومية للكهرباء.