تعتبر بعض الدول “مبادلة الديون” طوق نجاة تواجه به الالتزامات المالية المستحقة عليها، خاصة أقساط الدين التي يتم تحديدها من قبل الدائنين، وبما يرفع عن كاهلها ضغط توفير العملة الصعبة المطلوبة للسداد.

أصبحت إعادة الديون السيادية، عملية دارجة خلال العقود السبعة الأخيرة، إذ تجاوزت 600 حالة في 95 بلدا خلال الفترة من عام 1950 إلى عام 2020، 33.3% منها مبادلة ديون مع دائنين من القطاع الخاص، سواء بنوك أو حملة سندات، والنسبة المتبقية في اتفاقيات نادي باريس لإعادة هيكلة الديون الثنائية.

اقرأ أيضا.. بعد 30 سنة من آخر اتفاق: هل تلجأ مصر مجددا لـ”نادي باريس”؟

مشروعات مقابل الديون

وتعني مبادلة الديون سماح الدولة المدينة للدولة الدائنة بتنفيذ مشروعات تنمويَّة على أرض الأولى، عوضا عن سدادها ديونها نقدا، أو الاتفاقيات بين الدائن والمدين، لاستبدال الدين الحالي بالتزام جديد يستلزم بعض الإعفاء المالي، وإعادة تخصيص التدفقات النقدية نحو أهداف مستهدفة تنموية وبيئية.

يوجد العديد من الأشكال لمبادلة الديون، أولها مبادلة بحقوق الملكية وفيها يتم تحويل الدين إلى أسهم، عن طريق تبديل المديونية للدول المدينة بالعملة الأجنبية إلى عملة الدولة المدينة، واستغلالها في شراء أسهم بعض الشركات فيها.

في حالات أخرى يتم شراء الدين من جانب طرف ثالث مثل منظمة غير حكومية أو شركة مقابل خصم كبير، وتقوم بعد ذلك بإعادة بيع الدين إلى المدين بخصم جديد بموجب صفقة يتم ترتيبها وفقا لاتفاق ثنائي بين المدين ودائن حكومي.

أنواع مبادلة الديون

نادي باريس

من أشكال مبادلات الديون “التوريق” ويعني تحويل الدين لأوراق مالية قابلة للتداول في أسواق المال الدولية أو بمعنى آخر تحويل الدين القديم إلى سندات بالقيمة الاسمية ذاتها ولكن بفائدة منخفضة. ما يؤدي إلى تخفيض في قيمته وتم تطبيقه في المكسيك بتولي البنك الدولي وصندوق النقد المبادلة بشرط قيام المكسيك، بإجراء وتنفيذ إجراءات إصلاح اقتصادي متفق عليها.

تعتبر مبادلات الدين المعنية بالحفاظ على البيئة هي الوسيلة الأكثر تنموية واستدامة، ويتم فيها استخدام الدين في مشروعات هدفها الحفاظ على البيئة أو الاستثمار بمشروعات مرتبطة بالطبيعة، ويرتبط بالدول ذات الموارد الإيكولوجية المهمة واستفادت منه بولندا ضمن برنامج يعرف بتنظيف البيئة.

أرقام كارثية تفتح الباب أمام مقايضات صعبة

بعد وصول الديون العالمية لمستويات حرجة طفت آلية المبادلة بقوة حاليا في إطار مبادلة الأصول أي مقايضة الديون بحقوق ملكية في المشروعات التي تمتلكها الدولة. وهو أمر يقبله الدائنون لأنه يحسن محافظهم المالية ويحول الديون المشكوك في تحصيلها لأصول إنتاجية ذات عوائد مستمرة، ويتحول الدائنون لمستثمرين.

بحسب صندوق النقد الدولي، فإن الدين العالمي وصل إلى 226 تريليون دولار خلال عام 2020 بزيادة 28 نقطة مئوية ليعادل 256% من إجمالي الناتج المحلي. بينما تتوقع دراسات عالمية أن يعجز اقتصاد 12 بلدا ناميا عن خدمة ديونها خلال عام ما يوحي بأن مبادلات الديون ستكون الطريق الوحيد أمامها حال موافقة الدائنين.

وتزايدت أهمية أعضاء نادي باريس كدائن للدول النامية مع لجوئها بشكل أكبر لأسواق رأس المال والاستدانة لتمويل عجز الموازنة، وفي مقايضات الديون المستحقة، عادة ما يتم التفاوض على إعادة هيكلة مديونيات عامة طويلة الأجل ومضمونة من الحكومة.

تتأهل البلدان المدينة للمبادلات وفقا لمعايير صندوق النقد الدولي، وقدرة المدين على إقناع الدائنين بتخصيص جزء مستدام من الديون لتمويل المشروعات المحلية، التي ستحقق فوائد بيئية كبيرة على المستويات: الوطني أو الإقليمي أو العالمي.

التوجهات الجديدة لترتيب مقايضات الديون معنية بالمشروعات البيئية وترتيبها ليس مهمة سهلة. إذ تتطلب من المدين دراسات جدوى والتزام بالشفافية، والمصداقية لبرنامج الإنفاق المحلي. ومن الدول التي طبقت تلك المقايضات بنجاح بولندا وبلغاريا، بينما فشلت جورجيا وقيرغستان في استمرار التفاوض بشأنها.

لكن في الوقت ذاته، فإن الصين أصبحت لاعبا في سوق الديون عالميا حاليا بينما انخفضت حصة الدول المدينة لنادي باريس  بنحو 17% في خلال 14 عاما وارتفعت في الفترة ذاتها الديون المستحقة للصين عليها بنحو 16%.

بحسب دراسة لـ”هارفارد بيزنس ريفيو”، فإن 50 بلدا نامية ارتفعت مديونياتها للصين 14% في خلال 12 عاما وعشرات من هذه البلدان مدينة بنسبة 20% على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي الإسمي للصين وهي (جيبوتي، جزر المالديف، الكونغو، قيرغيزستان، كمبوديا، النيجر، زامبيا، ومنغوليا).

مزايا مبادلة الديون.. وقاية من تخلف السداد

أهم مزايا مبادلة الديون أنها تحمي اقتصاد الدول المدينة من أزمة التخلف عن السداد ومشكلات من بينها ارتفاع أسعار الفائدة وهي حالة تعرقل النمو الاقتصادي وتؤدي إلى ارتفاع البطالة.

تحمي تلك المقايضات الدول من استنزاف الاحتياطي النقدي في السداد، بجانب فرصة لزيادة الاستثمارات. فمقايضات الديون بحقوق الملكية، تساهم في الاحتفاظ بالاستثمارات داخل الدولة، وعدم رحيلها حال حدوث تأخر في السداد.

لا تدخل العديد من الحكومات في مقايضات إلا إذا كان المستثمرون على استعداد لاستثمار المزيد من رأس المال في القطاع الخاص. وفي هذه الحالة، تعتبر المقايضة طريقة جيدة للتخفيف من مشكلات اقتصادية مستقبلية.

تعتبر المقايضات بديل أرخص، فكلما زادت المشكلات الاقتصادية ترتفع العوائد على السندات بما يزيد تكلفة تجديد الديون، أي استبدال القديمة بأخرى جديدة بأعباء أعلى.

كما أن معدل العائد الداخلي على مبادلة الديون إلى حقوق الملكية أقل من معدل الفائدة المطلوب في سوق السندات، وكان ذلك دافعًا لدول أمريكا اللاتينية لتوقيع اتفاقيات مقايضة الديون خلال التسعينيات.

نهج لا يخلو من مخاطر

رغم مزايا مبادلة الديون، لكن الأمر لا يخلو من مخاطر من بينها عدم التقييم العادل. فعندما تحاول البلدان مبادلة ديونها بالأسهم تكون في صالح القطاع الخاص الذي يميل إلى الاستفادة من الوضع. خاصة حينما تختلف القيمة الدفترية للأصول كثيرا عن قيمتها السوقية.

قد تدفع المبادلات التضخم للارتفاع أيضا، فعندما يتم إجراء مقايضات الديون إلى حقوق الملكية لديون مقومة بالعملة الأجنبية، يجب أولا تحويلها إلى العملة المحلية ونتيجة لذلك قد تقوم بعض الدول بالإفراط في طباعة الكثير من العملات المحلية وضخها في الاقتصاد. وحال استمرار ذلك فترة طويلة قد يرتفع التضخم بشكل واضح.

في اتفاقيات المبادلة التي يدخل فيها طرف ثالث، عادة ما تشتري شركة جزءا من الديون المستحقة على دولة ما وتحصل على خصم كبير من الدائن الأصلي بجانب تسهيلات في الحصول على مشروعات في الدولة المدينة.

تحتوي مقايضة الديون الخارجية بحقوق الملكية في المشروعات العامة على مخاطر منها تحويل الأرباح والفوائد والتوزيعات التي يجنيها الملاك الجدد، خاصة الأجانب للخارج بما يؤثر في الأجل المتوسط على زيادة العجز بميزان المدفوعات رغم مساهمته في التخفيف من الديون في الأجل القصير.

تتيح مقايضات الديون أيضَا أمام الهيمنة الاقتصادية ، إذ تطلب الجهة المهيمنة امتيازات في البلد المدينة من أجور وساعات العمل ونوع التقنية المستخدمة والإعفاءات الجمركية والضريبية.

الخلاصة

يمكن التأكيد على أن مقايضات الديون إلى حقوق الملكية طريقة جيدة لتقليل الديون غير المستحقة الدفع، ومع ذلك، يجب التأكد من عدم استغلال الدولة المدينة في هذه العملية. وأن تكون في صالحها، بجانب نوعية المشروعات والقطاعات المستفيدة منها والتفاصيل الخاصة بالصفقات ومقدار المكاسب المتوقعة.