في كلمته بمؤتمر عقد بمدينة شتوتجارت الألمانية، مطلع الشهر الجاري، أثناء مراسم تغيير القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا “أفريكوم AFRICOM“. قال وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، إن أفريقيا تواجه تحديات متعددة على مختلف الجبهات. محذرا من “تدخل روسي بالقارة السمراء، وتآكل الديمقراطية في تونس”. وأضاف أن القارة الأفريقية تواجه أزمات على جبهات عدة. منها الأمن الغذائي، والتغير المناخي، والهجرة غير الشرعية، وخطر الإرهاب، وجائحة كوفيد-19.
وأشار أوستن إلى أن “القاعدة وداعش يزيدان من التحديات التي تواجه القارة الأفريقية وAFRICOM تساهم بشكل فعال في مواجهة الإرهاب”. مؤكدا أن القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا حققت نجاحات خلال الـ 15 عاما الماضية، وصفها بـ “المهمة”.
أوضح أوستن أن القوات الأمريكية في القارة السمراء “تعمل مع وزارة الخارجية وغيرها من المؤسسات، من أجل مساعدة شركائنا في دحر الإرهاب ومكافحة كوفيد-19. لقد أنشأت مستشفيات متنقلة ووفرت معدات طبية و170 مليون جرعة لقاح لمكافحة كوفيد. ودعم مزيد من الجهود لجعل أفريقيا أكثر أمنا، وإطلاق العنان للفرص وبناء مؤسسات ديمقراطية اقوى لتامين مصالح الشعوب”. ومضى قائلا “العمل ليس سهلا عبر أفريقيا. لكننا ندعم الديمقراطية والحرية وزيادة القوانين، مما يساعد على محاربة الفساد والفوضى”.
وقال: ” إن القارة الأفريقية تقف في الصفوف الأمامية أمام عدد من التحديات الأكثر إلحاحا في القرن الـ 21 من الهجرة الجماعية إلى انعدام الأمن الغذائي، ومن كوفيد-19 إلى الأزمة المناخية، ومن وقع الاستبداد إلى مخاطر الإرهاب.. في كل مكان بأفريقيا نرى المزيد من التهديدات للديمقراطية. نشعر بهذا الأمر في تونس، بعد أن ألهم الشعب التونسي العالم في المطالبة بالحرية. والآن هذا الأمر مهدد، والولايات المتحدة ملتزمة بدعم تونس التي تحاول الوصول لديمقراطية مفتوحة وشاملة”.
اقرأ أيضا: لقاء بوتين وأردوغان في سوتشي.. تحدٍ آخر للغرب
ما هي AFRICOM؟
جاء تأسيس “القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا” رسمياً في 6 فبراير/ شباط عام 2007، عقب مصادقة الكونجرس على إنشائها. وهي تشمل كل الدول الأفريقية -عدا مصر التابعة للقيادة الوسطى- وقد بدأت العمل رسميًا في أكتوبر/ كانون الأول عام 2008. بقيادة الجنرال ويليام وود الذي يقوم برفع التقارير إلى وزير الدفاع، ومنه إلى الرئيس الأمريكي.
وقد اتخذت AFRICOM من مدينة شتوتجارت الألمانية مقراً لها. عقب تحفظ الدول الأفريقية على احتضانها، نظراً لتخوفهم من أن تكون أداة لتدخل أمريكي في شؤون دول القارة، مما ينتقص من سيادتها. كما أنها واحدة من 11 قيادة موحدة تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية –البنتاجون- حول العالم، حيث تعتبر تاسع مركز قيادة موحدة أمريكية، وسادس مركز قيادة إقليمية يتأسس بعد الحرب العالمية الثانية. وهي مسؤولة أيضاً عن جميع عمليات البنتاجون والتدريبات والتعاون الأمني في القارة الأفريقية.
وتضم AFRICOM حوالي 2,000 عنصر، بما فيهم الموظفين المدنيين والعسكريين والموظفين الفيدراليين الأمريكيين والمتعاقدين. يعمل منهم حوالي 1,400 شخص في مقر القيادة. كما أن هناك ضباط اتصال للقيادة في المؤسسات الأفريقية، بما في ذلك الاتحاد الأفريقي والجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ECOWES.
وكان الجنرال توماس والدهاوزر، قائد القيادة الأفريقية السابق، قد صرح أمام الكونجرس عام 2018. أن عدد القوات الأمريكية في أفريقيا يبلغ حوالي 7,500 جندي -كان نحو 6,000 جندي عام 2017- يعمل معظمهم من معسكر “ليمونييه” بجيبوتي. الذي يعد نقطة انطلاق ومركز قيادة لبعثات العمليات الخاصة الأمريكية في أنحاء أفريقيا. بالإضافة إلى حوالي 700 جندي في الصومال قبل سحبهم بناء على قرار من الرئيس السابق دونال ترامب. ثم عاد الرئيس الحالي جو بايدن ليتراجع عن القرار.
حماية المصالح الأمريكية
خلال كلمته، أشار أوستن إلى أن “الغرباء يحاولون الإمساك بهذه القارة. ونحن نحاول مساعدة أفريقيا على زيادة قدرتها الاقتصادية في وجه محاولات تقويض العلاقات الأفريقية- الأمريكية”. واتهم وزير الدفاع الأمريكي روسيا بـ “تهديد النظام العالمي وتخطي الحرب على أوكرانيا”، مؤكدا التزام الولايات المتحدة بـ “توفير الحرية والسيادة للقارة الأفريقية التي يحق لها اختيار شركائها”.
وقال أوستن: “الأنظمة تحاول قمع رغبة الشعوب. وبعض الأنظمة العسكرية الأفريقية تحاول الإطاحة بالحكومات. الجيوش عليها القيام بدورها الشرعي، وحماية الحريات والحقوق الإنسانية، والدفاع عن سيادة القانون. بدلا من المساعدة في الفساد، حيث يزداد الاستبداد في العالم”.
لذلك، تتألف قوات AFRICOM من عدة قطاعات. تضم مدينة شتوتجارت الألمانية قيادة العمليات الخاصة الأمريكية في أفريقيا. وتهدف إلى بناء القدرات التشغيلية، وتعزيز مبادرات الأمن الإقليمي، والقضاء على التنظيمات الإرهابية في أفريقيا. وقوات مشاة البحرية التي تقوم بعمليات وتدريب وأنشطة تعاون أمني في أنحاء القارة. والقوات الجوية ومقرها في قاعدة رامشتاين الألمانية، وتشارك في العمليات الأمنية المستدامة لتعزيز السلامة الجوية والأمن والتنمية في أفريقيا.
وهناك قطاعان في إيطاليا، هما القوات البرية ومقرها في فيتشنزا، ويضطلع بالتعاون مع القوات الأفريقية، وتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي. والقوات البحرية التي تعمل من نابولي، ويقوم دورها على تحسين قدرات الشركاء الأفارقة في مجال الأمن البحري. إضافة إلى قوة المهام المشتركة في القرن الأفريقي، ومقرها في معسكر ليمونييه بجيبوتي. وتعمل على تعزيز قدرات الدول الأفريقية، وتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي، ومنع الصراعات، وحماية المصالح الأمريكية في القرن الأفريقي.
ورغم أن ملف الإرهاب في أفريقيا لم ينل الاهتمام الكافي في الخطاب السياسي للرئيس الأمريكي جو بايدن خلال حملته الانتخابية الرئاسية. وهو ما أوحى للشركاء الأفارقة باحتمالية التراجع الأمريكي عن مكافحة الإرهاب في القارة. لكن، جاء حجم التحديات التي تواجه السياسة الأمريكية في أفريقيا عموما وشرق أفريقيا خصوصا ربما تفرض على إدارته إيلاء ملف الإرهاب والأمن اهتماماً أكبر. كما ذكر الباحث أحمد عسكر، في دراسته حول القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا.
اقرأ أيضا: عقيدة بوتين في أفريقيا.. ساحة جديدة للصراع مع الغرب
صراع النفوذ الأجنبي داخل أفريقيا
جاء تنامي النفوذ الصيني والروسي في القارة، وأهمية ضمان تأمين النفط والموارد الاستراتيجية من الدول الأفريقية. ليدفع الولايات المتحدة إلى إعادة التفكير في التعاون العسكري مع القارة السمراء، ما يعني تعزيز دور AFRICOM لتكون قادرة على مواجهة هذه التحديات، والحفاظ على المصالح الأمريكية.
ساند هذا الاتجاه خلفيات بعض كبار مساعدي بايدن، والتي تشير إلى تفضيلهم التدخل العسكري في أفريقيا لمحاربة الإرهاب، حيث يمتلك أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، رؤية تميل إلى تعزيز الدور العالمي للولايات المتحدة على حساب الصين. وكان من قبل أحد أبرز الداعمين لإدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما للتحرك الأمريكي ضد سوريا، ودعا بلينكن أيضا الرئيس السابق ترامب إلى دعم العمل العسكري في ليبيا.
في الواقع، لا يحد التراجع الأمريكي من العمليات التي تقوم بها AFRICOM ضد التظيمات المسلحة، مثل حركة الشباب الصومالية. بل قد يؤدي كذلك إلى تراجع المعلومات الاستخباراتية، ما يحرمها أيضاً من معرفة أنشطة الحركة المستقبلية. كما أن غياب قوات جاهزة للتعامل مع تصاعد نشاط الإرهاب في القارة قد يؤدي إلى توسيع نطاق سيطرة هذه الحركات وتمددها الإقليمي إلى دول الجوار. أيضا، قد يوفر الفرصة لزيادة نشاط تنظيم “داعش”، وهو ما يهدد المصالح الدولية في المنطقة، لا سيما المصالح الأمريكية.
من ناحية أخرى، لا ترغب واشنطن في ترك فراغ أمني تستغله الصين وروسيا. كما أن توسيع عملياتها في مكافحة الإرهاب يعزز مساعي بايدن لاستعادة الدور الريادي للولايات المتحدة عالمياً، ويزيد طمأنة الحلفاء الأفارقة والأوروبيين. كما يدرك البيت الأبيض جيدًا أهمية شرق أفريقيا، بوصفها منطقة تشهد تنافساً بين القوى الكبرى. خاصة من الصين، التي تعمل على تعظيم مصالحها الاقتصادية، وتوسيع نطاق تواجدها العسكري هناك من خلال قاعدتها العسكرية في جيبوتي. وروسيا، التي تسعى هي الأخرى إلى الحصول على موطئ قدم في المنطقة. من خلال اتفاقيات التعاون العسكري، وصفقات الأسلحة، ونشر أفرع شركة فاجنر الروسية العسكرية الخاصة. وهو ما يشكل تهديدًا لنفوذ أمريكا ومصالحها الاستراتيجية في القارة.
تحديث القواعد الأمريكية في شرق أفريقيا
تخطط AFRICOM لعمليات تحديث للقواعد العسكرية الأمريكية وتجديدها في شرق أفريقيا والساحل الأفريقي. ومن المتوقع أن تتم التحديثات التي بدأت العام الماضي 2021 حتى عام 2025.
وتشير وثائق صادرة في أكتوبر 2018، نشرتها صحيفة Mail & Guardian في 1 مايو/ أيار 2020. إلى تنفيذ 12 مشروعاً لبناء قواعد عسكرية في كينيا وجيبوتي والنيجر بتكلفة 330 مليون دولار. يستحوذ منها معسكر ليمونييه بجيبوتي على الحصة الأكبر، بواقع تنفيذ 7 مشروعات خلال السنوات الأربعة المقبلة.
كما تشير الوثائق إلى أن استغلال واشنطن لمطار شبيلي في الصومال سيستمر حتى مايو/ أيار عام 2024. مع خيار التمديد لمدة 10 سنوات. علاوة على ذلك، من المقرر إنفاق ما يقرب من 34 مليون دولار في عملية تطوير القاعدة البحرية الأمريكية بخليج ماندا في كينيا. وتأسيس بعض المرافق لاستيعاب نحو 325 فردا.
أيضا، تعددت زيارات ستيفن تاونسند قائد أفريكوم السابق إلى بعض دول المنطقة مثل الصومال وكينيا وجيبوتي. وتعهد خلال زيارته إلى كينيا في ديسمبر/ كانون الأول 2020 بتقديم المساعدة الأمنية لها، وإضفاء الطابع المهني على القوات العسكرية الكينية وزيادة قدرات مكافحة الإرهاب في البلاد. فضلًا عن زيادة القدرات الأمنية على الحدود إلى جانب زيادة قدرات حفظ السلام والأمن البحري.
وعقب هذه الزيارة، وصلت سفينة USS Hershel الأمريكية ميناء مومباسا الكيني في 8 فبراير/ شباط 2021. بهدف دعم انتشار القوات الأمريكية على الساحل الشرقي الأفريقي، والتزامها بالحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة. وإظهار تنامي الشراكات الاستراتيجية والتزام واشنطن تجاه البلدان الأفريقية في مجال تدريبات الأمن البحري والسلامة البحرية.
كما زار هايدي بيرج، مدير الاستخبارات في AFRICOM ، السودان في 27 يناير/ كانون الثاني 2021 لعقد سلسلة من الاجتماعات مع المسؤولين السودانيين بهدف تعزيز التقارب بين البلدين في عدد من القضايا مثل الإرهاب.
اقرأ أيضا: وعود لا تأتي.. لماذا لا تنجح أفريقيا في “إسكات البنادق”؟
ما هو مستقبل AFRICOM ؟
كانت كلمة أوستن خلال مراسم تسليم القيادة الأفريقية مطلع الشهر الجاري أحد المؤشرات التي تفيد باستمرار AFRICOM في حربها ضد الإرهاب في منطقة شرق أفريقيا. والتي من أبرزها تأكيد ستيفن تاونسند -قائد AFRICOM السابق- أمام مجلس الشيوخ الأمريكي بأن بقاء أفريقيا آمنة ومستقرة هي مصلحة أمريكية دائمة. وإصدار قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2021، والذي يعزز دور القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا. وطلب البنتاجون من الكونجرس تخصيص 239 مليون دولار لها في عام 2021، وموافقة الكونجرس على زيادة قدرها 38.5 مليون دولار إضافية.
إلى جانب ذلك، ثمة ضغوط بدأت عام 2020 من أجل توسيع نقاط تمركز قيادة العمليات الأمريكية في دول المنطقة، حيث أشارت صحيفة نيويورك تايمز في سبتمبر/ أيلول 2020 إلى أن AFRICOM تسعى إلى الحصول على إذن لشن هجمات بطائرات من دون طيار في شرق كينيا ضد حركة الشباب المجاهدين. وهو ما يشير إلى الرغبة في توسيع نطاق ساحة المواجهة عبر الحدود في القرن الأفريقي.
وتظهر إحصائية في عام 2020 أن AFRICOM قد شنت ما يقرب من 50 غارة جوية. ضد تنظيم داعش في الصومال وحركة الشباب المجاهدين. في حين شنت حوالي 63 غارة جوية خلال عام 2019، و47 غارة جوية عام 2018، و35 غارة جوية عام 2017. أيضا، أصدر البنتاجون في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 بيانا أعلن فيه تطوير خطط المواجهة مع حركة الشباب المجاهدين الصومالية.
أيضا، من المؤشرات الأخرى على استمرار دور القيادة الأمريكية في شرق أفريقيا. هو استمرارها في إجراء عمليات التدريب للقوات العسكرية في المنطقة، مثل قوات “لواء البرق” الصومالي الذي ربما تستمر مهمة تدريبه حتى عام 2027. وقوات داناب الخاصة في الجيش الصومالي التي يبلغ عددها حوالي 1,000 فرد.
كما تستهدف AFRICOM توسيعها لتضم 3,000 جندي مستقبلًا، والتي تمارس عملها في أربع ولايات صومالية. حيث نفذت حوالي 80% من الهجمات التي شنها الجيش الصومالي خلال الربع الأخير من عام 2020 ضد حركة الشباب المجاهدين.