تكرر الأمل في أن تأتي الديمقراطية عن طريق الضباط مرتين، الأولى بعد ثورة 23 يوليو 1952، ثم الثانية بعد ثورة 25 يناير 2011، وفي كلتا المرتين خاب الأمل، إذ عمد الضباط في المرتين إلى جملة من التكتيكات العملية بدأت بتخدير القوى الديمقراطية ثم انتهت باستئصالهم واستئصال الديمقراطية معهم، وفي كلتا المرتين تم تأسيس ديكتاتوريات تُحكم قبضتها على الشعب ثم تورثه الهزائم سواء عسكرية أو اقتصادية.

لكن رغم ذلك التشابه بين ديكتاتورية الضباط الأحرار بعد 23 يوليو وديكتاتورية ضباط المشير بعد 25 يناير في البداية من تخدير المطلب الديمقراطي ثم الانتهاء باستئصاله في جراحة لا تخلو من عنف وقسوة، رغم ذلك التشابه في المرتين لكن تظل ثمة فروق جوهرية بين ديكتاتورية الضباط الأولى وديكتاتوريتهم الثانية، هذه الفروق تنبع من فارق ستين عاما بالتمام والكمال بين التجربتين ويمكن رصد هذه الفوارق فيما يلي:

1 – الفارق الأول بين ضباط عبدالناصر 23 يوليو وضباط المشير طنطاوي 25 يناير، أن الضباط الأحرار كان يحركهم دافع ثوري حقيقي، هذا الدافع الثوري كانوا مخلصين له، هذا الإخلاص دفعهم للفداء والبطولة حد التضحية بالنفس عندما حركوا قواتهم تحت جنح الظلام واستولوا على مركز قيادة الجيش واعتقلوا قياداته وتحفظوا عليهم في مقر الكلية الحربية، كان من الوارد جدا أن يتم التبكير بكشف خطتهم واعتقالهم ومحاكمتهم، لكن الذي حدث هو أن اكتشاف أمرهم جاء متأخرا، ثم ساعدتهم المصادفات في تقديم موعد التنفيذ، فكُتبت لعمليتهم النجاح كما كُتبت لهم النجاة.

لكن ضباط المشير 28 يناير 2011 نزلوا بإذن الحاكم الذي كان قد سقط بالفعل سقوطا حاسما بين صلاة الجمعة وصلاة العصر من جمعة الغضب 28 يناير 2011، صحيح نزلت مدرعات عليها لافتة “يسقط حسني مبارك” لكن لم يكن ذلك غير تحصيل حاصل، إذ كان الحاكم قد سقط بالفعل، كان الشعب -منفردا- قد أسقطه، وجرده -بالفعل- من سلطانه عندما تخلى عنه حراس نظامه من قوات البوليس التي أعطت ظهرها للإعصار وعاد كل منهم من حيث أتى.. هنا الشعب أخلى الساحة للمشير وضباطه ثلاث مرات، مرة بإسقاط الرئيس الذي صار عبئا على الجيش، ثم إسقاط توريث نجل الرئيس الذي كان خطرا على الجيش، ثم إسقاط البوليس الذي كان منافسا سياسيا للجيش.

باختصار شديد: ضباط ناصر نزلوا يواجهون أعلى درجات المخاطر على أرواحهم وحياتهم ووظائفهم ومصائرهم.. ضباط المشير نزلوا في أعلى درجات الأمان حيث الشعب الواثق يبسط ظلال الأمان على كافة أنحاء البلاد في لحظة عمرانية محتشدة بالأمان المكثف، حيث ملايين المصريين جمعتهم اللحظة المنتصرة التي لم يعرف تاريخ مصر -أيا ما يكن مقداره- مثيلا لها. نزل ضباط المشير والشعب هو المسيطر وهو الحامي وهو السيد وهو صاحب المبادرة وهو من تحمل المخاطرة دون حساب العواقب.

2 – الفارق الثاني بين ضباط يوليو 1952 وضباط يناير 2011 هو أن ضباط ناصر جاؤوا من جيش سيطر عليه الاحتلال قريبا من سبعين عاما، ثم كان الجيش من مناطق استئثار الملك بالنفوذ، وهذه المناطق هي الجيش والبوليس والمعاهد الدينية والأزهر والخارجية، هذا الجيش حتى اتفاقية 1936 لم يكن أكثر من شرطة عشكرية تعمل بأمر الاحتلال ولم يكن أكثر من جيش تشريفات في حضرة الملك، ثم بعد الاتفاقية بدأت تركيبته تختلف حيث بدأت الكليات العسكرية تستقبل الطلاب من أبناء الطبقتين الوسطى والوسطى الدنيا، وحتى ثورة يوليو 1952 لم يكن جيش حرب قادر -منفردا- على حماية أمن مصر، وقد تأكدت تلك الحقيقة بعد هزيمة الجيش مع غيره من الجيوش العربية أمام العصابات الصهيونية في حرب 1948. صحيح أن الجيش في ذاك الوقت لم يكن جيش حرب ولا جيش حكم، لكنه كان جيش سياسة، بمعنى أن السياسة تسربت إلى المعسكرات مع دخول أبناء الطبقات الوسطى والوسطى الدنيا في سلك الضباط، فقد توزعت الميول السياسية للضباط من الملك إلى الوفد إلى الإخوان المسلمين إلى مصر الفتاة إلى الشيوعيين، وباستثناء الوفد، فقد كان للملك تنظيمات سرية داخل الجيش، وكذلك الإخوان، وكذلك الشيوعيين، وهكذا. ثم جاء تنظيم الضباط الأحرار 1949 ليكون الأحدث والأقل عددا لكنه الأكثر تصميما وعزما فكان صاحب الحظ الأوفر من الفعل التاريخي منذ تحرك ليلة 23 يوليو وإلى أجل غير معلوم تتفكك فيه دولة يوليو وتتأسس على أنقاضها دولة جديدة مازالت في علم الغيب.

لكن ضباط المشير بعد 25 يناير 2011 جاؤوا من جيش مختلف تماما، جيش ليست فيه سياسة لكن له السيادة بمعنى كلمة السيادة حرفيا يعني لا سلطة تعلو فوق سلطته، جيش لا يحكم لكن هو بيت الحكم ومدرسته وقلعته وحصنه وحزبه الفعال، فهو من ينتج الرؤساء، وينتج القيادات في طيف واسع من الوظائف المدنية بعد أن ينتهوا من خدمتهم العسكرية، وهو مصدر الشرعية الفعلي لرؤساء الجمهورية ولهذه النقطة بالتحديد لا يعبأ الرئيس بالانتخابات ولا بالاستفتاءات مصدرا للشرعية إلا من الناحية الشكلية فقط، إذ الرئيس يعلم أن الجيش وليس الشعب هو مصدر الشرعية وذلك لسبب بسيط هو أن السيادة العليا مصدرها الجيش وليس الشعب، وهذه القاعدة، قاعدة السيادة للجيش لم يخترعها ضباط المشير بعد يناير 2011، إنما أسسها -برسوخ وتمكن- ضباط يوليو مساء 26 يوليو 1952 عندما نجحوا في خلع الملك وترحيله ثم حلوا محله كمصدر للسيادة العليا في البلاد وعلى العباد.

باختصار شديد: ضباط ناصر نزلوا ضباطا ثوريين مغامرين مخاطرين بينما ضباط المشير نزلوا كأصحاب سيادة عليا.

3 – الفارق الثالث بين ضباط يوليو 1952 وضباط يناير 2011، أن الأولين خلعوا الملك بأنفسهم، لم يشاركهم غيرهم في هذه المهمة الجليلة، هم الذين أسقطوه، كمقدمة لإسقاط منظومة الحكم بكاملها، إسقاط طبقة كبار الملاك والرأسمالية الصناعية سواء مصرية أو متمصرة أو أجنبية، إسقاط سيطرتهم على الحكم ومؤسسات الدولة، وما استدعاه ذلك من إسقاط الدستور وإلغاء الأحزاب، ضباط يوليو أسقطوا تاريخا طويلا من الاستعمار متعدد الوجوه، استعمار محمد علي باشا وسلالته، استعمار مدني اقتصادي من اثنتي عشرة جالية أوروبية، كل جالية منها دولة مستقلة داخل الدولة، استعمار إمبراطوري بريطاني ماكر خبيث عتيد، استغلال طبقي تمارسه الطبقات التي تمتعت بعطايا الحكام والاحتلال معا. أسقط ضباط يوليو كل هؤلاء -وهو منجز ثوري حقيقي- ثم أسسوا واحدة من أسوا ما عرف تاريخ مصر من ديكتاتوريات.

لكن الأمر مختلف في حالة ضباط المشير بعد السقوط الفعلي للحاكم مساء 28 يناير 2011، لم يكونوا هم الذين أسقطوه، لكن لم يكونوا يمانعون في سقوطه، ولم يكونوا يمانعون في سقوط رموز عهده باستثنائهم، لم تكن لهم مصلحة في منعه من السقوط ولا مصلحة في حمايته ولا في حماية رموز عهده، لم تكن لهم مصلحة في حماية الأشخاص، لكن كانت -ومازالت- لهم مصلحة أكيدة في حماية النظام الذي لهم فيه السيادة، النظام الذي تعود جذوره إلى ما أسسه ضباط يوليو 1952، كانت لهم ومازالت لهم مصالح وجودية أكيدة في الإبقاء على ركائز دولة يوليو، وأهم هذه الركائز أن الكلمة العليا للجيش لا للشعب، أو للجيش بالإنابة عن الشعب، أو -في لحظة خاطفة- الجيش والشعب يد واحدة كما انطلقت في سموات الميادين الثائرة الهادرة ثم تلاشت ثم اختفت لتكون يد الجيش هي العليا.

باختصار شديد: كان ضباط ناصر يرون في خلع الملك وتصفية نظامه ودولته وجهين لواجب وطني يؤدونه لوجه الله والوطن، بينما ضباط المشير كانوا يرون في خلع مبارك مصلحة لهم كمؤسسة سيادية عليا، وهذه المصلحة ذاتها تدفعهم للتضحية بالشخص لإنقاذ دولتهم، دولة الضباط، دولة يوليو، كان الملك خصيما لضباط يوليو هو ودولته بكاملها، بينما كان مبارك واحدا منهم صار عقبة في طريقهم، فضحوا به ليستنقذوا الدولة.

4 – الفارق الرابع بين ضباط يوليو وضباط يناير، أن الأولين كان لديهم حلم التخلص من القديم ثم بناء الجديد، أما الآخرون -ضباط المشير- فكان عندهم هم كبير يتمثل في استعادة القديم وحمايته والإبقاء عليه ثم عرقلة الجديد بالاحتواء ثم بالتخدير ثم بالعرقلة ثم بالإحاطة ثم بالحصار ثم بالإنهاك ثم بالاستئصال.

حلم التخلص من القديم ثم بناء الجديد في حالة ضباط يوليو كان حلما وطنيا يشاركهم فيه كثيرون وكافحت من أجله أجيال عديدة من المصريين، من ثورة عرابي 1881، مرورا بثورة 1919، وحتى ثورة يوليو 1952، وما تخلل تلك الفترة الطويلة من خلع إسماعيل 1879 حتى خلع فاروق 1952 من أحلام وأفكار ومبادرات لم تتوقف عن التوالي والظهور. ضباط يوليو كانوا ترجمة -ولو بالأبجدية العسكرية- لمشاريع وطنية ملأت الساحات السياسية خلال العشرين عاما السابقة على ثورتهم، فكر الضباط الأحرار كان ترجمة لمطالب القوى الصاعدة الساخطة من الإخوان ومصر الفتاة والحزب الوطني والشيوعيين وطلائع الوفد الشبابية. لم يكن ضباط يوليو يعبرون عن أنفسهم ولا عن امتيازات لهم أو مصالح، فقد كانوا من صغار الرتب، كذلك لم يكونوا يعبرون عن مصالح فئوية للجيش كمؤسسة، كانوا -بوضوح شديد- يحملون أجندة وطنية عامة بشكل صرف ونزيه ومحض.

هذا بعكس ضباط المشير في 25 يناير، فهم -بالمعنى التقني- أرستقراطية عسكرية منيعة حصينة في العالي والعاجي من الأبراج، ثم اضطرتهم الثورة للنزول إلى الشارع، فواتتهم الفرصة للتخلص من الرئيس العبء، ثم من الوريث الخطر، ثم من الرأسمالية الصاعدة التي توشك أن تكون قوة لها وزنها السياسي. هذه الأرستقراطية العسكرية عاشت تحت جناح مبارك حتى انكسرت أجنحته خرجت تحمي نفسها.

باختصار شديد: ضباط يوليو نزلوا من الثكنات العسكرية ليلة 23 يوليو وفي صدورهم وقلوبهم ودمائهم مطامح قومية نبيلة تجري في دماء الأغلبية الكاسحة من المصريين فكانت طلعة الضباط لها قوة دفع أخلاقية لم يصمد أمامها الملك، ولم تصمد أمامها طبقات الحكم، لم يصمد أمامها -صمودا هشا- غير الوفد بما له من رصيد وجلال وهيبة، لقد كانت الأيام الخاطفة بين اعتقال قيادات الجيش ليلة 23 يوليو ثم خلع الملك عصر 26 يوليو، كانت تشبه الأيام الخاطفة من مساء 25 يناير حتى عصر 28 يناير حيث سقط مبارك سقوطا حاسما لا رجعة فيه وقد انسكبت هيبته في الميادين والشوارع والأرصفة.

هذا الحلم الوطني لدى ضباط يوليو من صغار الرتب القادمين من الطبقتين الوسطى والوسطى الدنيا، لم يكن يتوفر مثله لدى الأرستقراطية العسكرية التي جاء منها المشير طنطاوي وضباطه الكبار، وكان طنطاوي -شخصيا- في طريقه إلى الثمانين من العمر فهو من مواليد 1935، يعني كان عمره 76 عاما عندما نزل مع قواته إلى الميادين والشوارع.

5 – الفارق الخامس بين ضباط يوليو وضباط المشير، أن الأولين لم يكونوا -بأي حال- جزءا من النظام الذي أسقطوه ولم يكونوا من صنائع ولا من اختيار ولا من رجال الملك الذي أنذروه ثم أذلوه ثم خلعوه ثم خارج البلاد نفوه وكل ذلك في ست ساعات، لكن المشير ومن معه من الضباط الذين نزلوا لوراثة سلطة مبارك كانوا شركاء رحلته عبر ثلاثين عاما شغل فيها موقع القائد الأعلى للقوات المسلحة، بدأوا مسيرتهم معه من صغار الرتب حتى بلغوا أعلاها، بهذا المعنى هم ركن ركين من أركان النظام.

هذا المعنى، معنى الشراكة والمسؤولية، لا موقع له ولا مكان في حالة ضباط يوليو، علما أن ضباط الجيش -في الأربعينيات- حتى قبل تنظيم الضباط الأحرار كانت لديهم عاطفة ولاء وطنية تجاه الملك، بالذات عندما حاصرت الدبابات البريطانية قصره وأرغموه على تكليف النحاس باشا بتشكيل وزارة جديدة في 4 فبراير 1942، في هذه اللحظة توحد الضباط، كل الضباط، مع الملك، واعتبروا ما تعرض له إهانة لهم ولكل المصريين وللوطنية المصرية، وتجمهروا في نادي الضباط احتجاجا على ذلك، وأرسل الملك من يعمل على تهدئتهم وشكرهم. ثم دارت الأيام دورتها، ليكون من هؤلاء الضباط من يبادر بخلع الملك، فقط بين الحدثين عشر سنوات، من 1942 حيث التعاطف من الضباط تجاه الملك في ذروته إلى 1952 حيث كراهية الملك في ذروتها ليس بين الضباط فقط ولكن بين كل الوطنيين على اختلاف توجهاتهم. زاد من ذلك تجربة الضباط في حرب 1948 حيث لم يكن الزج بهم دون استعداد إلا نزوة ملكية لا عن قرار مدروس.

ومن تناقضات التاريخ أن ضباط يوليو الذين كرهوا الملك بسبب حرب 1948 التي ورطهم فيها دون استعداد، هم أنفسهم، بعد أقل من عشرين عاما، ورطوا البلد في حرب أسوأ في 1967 دون استعداد.

لكن في حالة مبارك، فإنه منح الجيش ثلاثين عاما بلا حرب وطنية إلا المساهمة في حرب الخليج الأولى لتحرير الكويت من الغزو العراقي 1990، ورفض الضغوط الأمريكية ليشارك بقوات مقاتلة في حربهم على أفغانستان 2001، ثم رفض كذلك الضغوط الأمريكية للمشاركة بقوات مقاتلة في حربهم على العراق، وكان هذان الرفضان مما تضررت به العلاقات بينه وبينهم، وبدأوا في رفع حمايتهم عنه بالتدريج، حتى إذا اندلعت ثورة 25 يناير لم يترددوا في مطالبته بالاستجابة لمطالب الشعب والرحيل.

باختصار شديد: خصومة ضباط يوليو مع الملك كانت على أرض وطنية، بينما خصومة ضباط المشير مع مبارك كانت على أرض المؤسسة الواحدة باعتبارها -دون سواها- محل السيادة وإليها تُرجع مقاليد الحكم، وباعتباره خرج على هذا التوافق بمجرد أن سمح لنجله أن يبدو في وضع استعداد لوراثة الحكم.

***

في كلا التاريخين، ومع ضباط يوليو ثم ضباط يناير، كانت القوى الديمقراطية تأمل أن يكتفي الضباط بإزالة العقبات من طريق الديمقراطية، إزالة الملك ومن معه 1952، ثم إزالة مبارك ومن معه 2011، ثم إزالة الإخوان ومن معهم، ثم فتح الطريق للتطور الديمقراطي ثم العودة للثكنات.

لكن الواقع الذي حدث هو بالفعل إزالة من يقفون عائقا ضد الديمقراطية ثم يعقب ذلك إزالة من يطالبون بالديمقراطية، ثم القفز إلى الحكم ثم تأسيس ديكتاتورية مستقرة تجلب الهزائم وتنتج النكسات على كل صعيد.

أو بتعبير الدكتور شريف يونس في ص 56 من كتابه “نداء الشعب: تاريخ نقدي للإيديولوجيا الناصرية” يقول (كان الذي قفز إلى السلطة هو السترة العسكرية نفسها، سترة عسكرية إصلاحية بلا هوية). وهو هنا يتحدث عن ضباط يوليو، لكن في حالة ضباط يناير ثم ضباط 30 يونيو فإن الذي قفز هو السترة العسكرية لكن بدون مشروع إصلاحي سواء له هوية أو بغير هوية، في حالة ضباط المشير لم يكن ثمة مشروع غير استعادة دولة الضباط بلحمها وشحمها دولة يوليو كما أنزلت، وربما يكون المشير الجديد الرئيس بعد ذلك هو خير من عبر عن ذلك بتكرر تأكيده على هدف “الحفاظ على الدولة وتثبيتها”. وبين المشيرين، طنطاوي ثم السيسي، تم إنجاز الهدف ببراعة مكيافيلية نادرة الذكاء، فعندما تعسرت عملية استرداد الدولة كما أنزلت، تم رميها بين يدي الإخوان، حتى إذا ازدحمت الشوارع بالمتظاهرين، تم استردادها بيسر وسهولة.

باختصار شديد: استعاد ضباط يناير ثم ضباط 30 يونيو الدولة التي أسسها ضباط 23 يوليو، ثم أعادوا ترميمها في سياق جديد، مع بقاء الطابع المشترك لدولة يوليو في طبعتها القديمة والجديدة، هذا الطابع الذي أوجزه الدكتور شريف يونس قي ص 57 من كتابه في كلمتين (انتهاء أي أمل في ديمقراطية تأتي عن طريق الضباط، إما هم أو الديمقراطية)، ومنه اقتبست عنوان المقال.

***

السؤال الآن: كيف نجحت السترة العسكرية في القفز على السلطة مرتين في لحظتين كان المطلب الديمقراطي في ذروته؟

ثم كيف انفردت بالسلطة في لحظة كانت تزدحم بالحراك السياسي المزدحم بالقوى المدنية من كل الاتجاهات؟

الجواب في مقال الأربعاء المقبل بمشيئة الله.