كتب- عبد الوهاب شعبان
قبل عام أزالت هيئة حماية الشواطئ تعديات 3 قرى سياحية بالساحل الشمالي -غرب الإسكندرية بعد تأكد تعدي اتحاد شاغلي القرى على حرم الشاطئ بمنطقة الحظر. والمحددة قانونًا بمسافة 200 متر. فضلا عن إقامة منشآت مخالفة لقانون الري والصرف رقم 12 لسنة 1984.
بالتزامن مع مراقبة حرم الشاطئ كانت شركة “إعمار” الإماراتية تنفذ مشروع مراسي “شاطئ سيدي عبد الرحمن” على مساحة 1455 فدانا. على طول شاطئ مراسي الممتد على مساحة 6.26 مليون متر حتى تزايدت شكاوى الملاك بالقرى.
ميناء اليخوت الذي أقدمت عليه الشركة -حسب تصريحات الخبير المصرفي هشام عز العرب- أحد ملاك قرية الدبلوماسيين الواقعة على الشط- تسبب في تآكل نحو 10 أمتار من الشاطئ. وحدث ما يسمى “نحر الشواطئ” باختفاء الرمال وظهور الحجارة نتيجة تراكم الحجر الجيري جراء الحفر في خليج “سيدي عبد الرحمن”.
جغرافيا خليج سيدي عبد الرحمن وأهميته
في الثلث الأول من الساحل الشمالي الغربي يقع خليج سيدي عبد الرحمن. ويحدّه من الشمال الغربي رأس صخرية تسمى “رأس جبيس”. تغطيها كثبان رمال ناعمة قادمة من البحر المتوسط. أما الرياح القادمة من الشمال في اتجاه الجنوب فتدور في الخليج ثم تعود إلى الرأس نفسها.
وبفعل تيارات مائية موازية تحت سطح البحر تتحرك رمال مترسبة في عمق الخليج أمام رأس جبيس باتجاه الشط. فتعوض ما تفعله النوات العنيفة خلال فصل الشتاء من فقد للرمال. وهو تتابع طبيعي يحافظ على وجود رمال بيضاء نظيفة ومياه صافية لاستقبال فصل الصيف.
هذه اللوحة الفنية الطبيعية الخلابة على قدر جذبها للمصطافين والوفود السياحية لم تنج من يد توصف بـ”الاستثمارية” أي شركة إعمار الإماراتية. وهي في حقيقة الأمر تنحر الشط عبر إنشاءات تفتقد لدراسة بيئية محكمة -حسب وصف أحد ملاك قرية الدبلوماسيين.
سؤال عما وقع بشاطئ سيدي عبد الرحمن
تساءل الخبير المصرفي هشام عز العرب عن كيفية تدمير شاطئ خليج “سيدي عبد الرحمن” خلال عام. مستنكرًا رد الأمر لعوامل بيئية -حسب ادعاءات البعض. واستطرد: “لماذا لم تتآكل شواطئ أخرى بفعل عوامل المناخ؟”.
شكاوى الملاك بالقرى الواقعة على شاطئ مراسي وضعت شركة “إعمار” في مرمى الاتهام. وحملتها مسئولية الكشف عن التراخيص والدراسات المصاحبة. وعندئذ يمكن الوقوف على مطابقة الميناء للمواصفات المرخص بها أو تحديد التجاوزات.
في حال توافق تراخيص شركة “إعمار” مع الميناء المتسبب في تآكل الشاطئ فإن وزارة البيئة عليها وحدها توضيح الدراسات التي أقيم عليها المشروع. أو الإجابة عن سؤال: “لماذا لم تتخذ خطوات واضحة ضد الشركة؟”.
عطفًا على تساؤلات “عز العرب” المشروعة حول “ميناء اليخوت” فإنه أُعلن عن استقالة د.منير نعمة الله -متخصص في شئون البيئة من مجلس إدارة شركة إعمار. حين أصرت الشركة على تنفيذ ميناء اليخوت بصورته الحالية.
حماية الشواطئ
تداعيات أزمة “شاطئ سيدي عبد الرحمن” والرؤوس الحجرية التي دخلت حيز التآكل بفعل مشروع “مارينا مراسي” -المعد لاستيعاب 236 يختًا عبر مد لسان داخل البحر وتضمين العقد المبرم مع الشركة خطاب ضمان بقيمة 50 مليون جنيه لمعالجة الآثار السلبية- دفعت مدحت حنا -رئيس الهيئة المصرية لحماية الشواطئ سابقًا إلى الدعوة لإعداد دراسة شاملة لمنطقة الساحل الشمالي بأكملها. لافتًا إلى أن ثمة منشأة تبنى بشكل منفرد. وبعدها منشأة دون حساب للأثر البيئي. ويحدث تآكل الشواطئ بعد اكتمال البناء.
وتساءل: “هل هناك دراسة معدة لمنطقة الساحل الشمالي أم أن كل مالك قرية سياحية يخشى على قريته ويعد دراسات تؤثر بالسلب على الساحل كله؟”.
يتوافق رأي الرئيس السابق لهيئة حماية الشواطئ مع دراسة حديثة أوصت بالتدقيق في دراسات الأثر البيئي نظير تحسن الوضع في شواطئ مارينا لفترة. حين قررت معالجة أثر بيئي. لكن انعكاس الترسيب وعودته مرة أخرى إلى نحر شاطئي بعد عدة كيلومترات من مارينا، ردته الدراسة إلى عدم استخدام رمال متوافقة مع طبيعة المكان. وهي المشكلة ذاتها التي أشارت إليها دراسة ثالثة أوصت بالتدقيق في دراسات الأثر البيئي للمشروعات المُقامة على الساحل بعد عقدين من الزمن شهدت “تصميمات غير سليمة للهندسة الساحلية ناتجة من سوء فهم ديناميكيات الاستقرار البيئي في المنطقة”.
هل أعدت “إعمار” الإماراتية دراسة لميناء اليخوت؟
خبير حماية الشواطئ والذي كان مسئولًا رسميًا قال: “لا أدري هل أعدت شركة إعمار دراسة كاملة عن ميناء اليخوت محل الأزمة أم لا؟”. لكنه في النهاية يدعم تحرير محاضر مخالفات وإزالة أي تعديات تضر بالساحل. لافتًا إلى أن الهيئة سبق لها تنفيذ قرارات إزالة بالغردقة وغيرها.
وأضاف لـ”مصر360″ أن تقديم شكوى مجمعة لهيئة حماية الشواطئ هو الحل الأمثل لمواجهة مخالفات الشركات بالساحل الشمالي. وذلك للحفاظ على الشاطئ من النحر والتآكل. مؤكدًا أن المعاينات حال تقديم الشكوى ستتم في كل قرية على حدة.
ولفت إلى أن “حماية الشواطئ” لديها مكتب استشاري يدرس أثر الإنشاءات المقامة على الساحل. مشيرًا إلى ضرورة تقديم مذكرة لوزير الري ومقابلة رئيس هيئة المجتمعات العمرانية لوقف إنشاء ميناء اليخوت.
وحسب “حنا” فإن وزير الري لن يستطيع وقف الإنشاءات للشركة الإماراتية. لأنها منطقة ساحلية سياحية استثمارية ومصدر دخل كبير. لافتًا إلى أن هيئة حماية الشواطئ تعد دراسة للمنطقة الساحلية من الإسكندرية للسلوم. كما أن هناك مكاتب هولندية تراجع الإنشاءات الجديدة وفق دراسة تنتهي خلال عامين من الآن.
موقف البيئة من أزمة “مراسي”
وقد اشترطت الحكومة المصرية على المستثمرين تقديم دراسة تعرف بـ”الأثر البيئي” عند طلب تراخيص لمشروعات استثمارية وفق قانون البيئة لعام 1994.
وبموجب القانون ذاته يحظر إقامة أي منشآت على الشواطئ البحرية لمسافة مائتي متر إلا بموافقة الهيئة المصرية لحماية الشواطئ. وبالتنسيق مع جهاز شئون البيئة. على أن يرفق بالطلب دراسة متكاملة عن تقييم الأثر البيئي للمشروع. بما في ذلك النحر والترسيب والتيارات الساحلية والتلوث الناجم عن المشروع.
بموجب القانون -حسبما أفاد الدكتور مجدي علام -الخبير البيئي- فإن أي استثمار -مهما كان نوعه- يخضع للقانون. سواء كان “بناء منزل أو ميناء”. لا يستثنى إطلاقًا من تقديم دراسة. لافتًا إلى أن أزمة ميناء مراسي نشبت حيال تعميق حوض البحر وردم أجزاء وحفر أجزاء أخرى بما تسبب في تآكل الشاطئ.
وقال: “تضارب الأقوال بشأن تراخيص شركة إعمار الإماراتية اللازمة لمشروع الميناء دفع وزارة البيئة لتشكيل لجان تدرس الموقف من كل جوانبه”. مؤكدًا أنه حتى الآن لم يصدر بيان بشأن واقعة شاطئ سيدي عبد الرحمن.
وأضاف “علام” لـ”مصر360″ أن الأثر البيئي في دراسة الشركة الاستثمارية هو المحدد. مشيرًا أنه حال ظهور أثر بيئي من عدمه تتضح مسئولية الوزارة. ولحين ظهور دراسة هيئة حماية الشواطئ ومعهد علوم البحار سيكون الكلام متحفظا. وستتم الإجابة عن تساؤلات هامة مثل: “ما المواد المستخدمة؟ وهل حفروا في مناطق رملية؟”. لأنه دون دراسة ستظل هذه الأمور فرضيات فقط.
شاطئ مراسي والفئة “ج”
طبقًا للقانون بحسب تصريحات “علام” فإن المشاريع الاستثمارية تقسم إلى ثلاث فئات. تستوجب الحصول على موافقة جهاز شئون البيئة طبقًا للأثر البيئي.
الفئة “أ” ذات أثر بيئي طفيف وتحتاج إلى تدخل بسيط مثل “تسوية على شاطئ النيل عن طريق وضع كمية رمل”.
في حين أن الفئة “ب” ذات أثر بيئي كبير وهي تتبلور في إنشاء مصنع. أو مبنى خفيف أو مركب مثلًا “كمراكب الأقصر الكبيرة التي توضع على الشاطئ”. وكلها تخضع لاختبارات بشأن تصريف المياه أو غيره.
أما أزمة “شواطئ مراسي” فإنها تخضع للفئة “ج”. وهي معنية بتغيير خط الشاطئ على شارع البحر. وهو الخط المقرر قانونًا بـ200 متر. ولا يجوز أن يجور عليه أحد في هذه المساحة المحددة ولا يجوز قانونًا إنشاء لسان أو ميناء.
“علام” استنكر إنشاء جزر وألسنة على منطقة حرم الشواطئ وقال: “شركة إعمار الإمارات ارتكبت أخطاء تضر البيئة المصرية”.
واستطرد: “لسنا ضد الاستثمار. لكننا ضد التعدي على الموارد الطبيعية دون تقديم خطط واضحة للأثر البيئي”.
وأعرب الخبير البيئي عن أسفه إزاء تجاوز الدراسات العلمية في منطقة الساحل الشمالي. مؤكدًا أن البناء كان لا بد أن يكون على جنوب الطريق للحفاظ على السواحل كما هي. وتابع: “لو تم ذلك لحافظنا على الشاطئ بكرًا”.
ولفت إلى أن هذا المقترح طرح مع بداية الثمانينيات قبل موجة إعمار الساحل الشمالي. حيث لم يكن موجود به إلا قرية “مراقيا”. واقترح صدور قرار بأن تكون القرى السياحية في الفترة المقبلة جنوب الطريق للحفاظ على مساحة الشواطئ حتى لا تتآكل الشواطئ الرملية”.
عقاب للواجب الوطني
وفيما لا يقبل ترددًا فإن ثبوت تآكل في الشاطئ جراء ما أنشئ على شواطئ “مراسي” فلا بد من معاقبة مانح التصريح لهذه الشركة –على حد قول “علام”- يأتي ذلك في إطار الواجب الوطني جراء إنفاق الدولة مبالغ طائلة لحماية الشواطئ.
لا يتوقف الأمر فقط عند معاقبة مانح التصريح لـ”إقامة ميناء يخوت” على هذا النحو. بل إن الشركة -حسب تقديره- مسئولة عن أعمال الحماية التي تحددها لجنة خبراء دوليين. باعتبار ما حدث خللًا في الأمن العام لا يقبل التهاون.
وبرأ الخبير البيئي الدكتور مجدي علام القرى السياحية من اتهامات “نحر الشواطئ”. لافتًا إلى أنها تبعد عن الشط وفق المسافة المقررة. مؤكدًا أن الأزمة في المراسي التي تدخل عمق البحر لأنها تؤدي إلى نتائج عكسية. محذرًا من ترك الأمر لفصل الشتاء التي تزيد فيه ظاهرة النحر بكثافة.
تحرك برلماني
من جانبها كشف النائبة رشا كليب -عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين- تقدمها بطلب إحاطة حول حماية شواطئ الساحل الشمالي من النحر. لافتة إلى أن قضية تآكل الشواطئ ستناقش ضمن أوراق مؤتمر قمة المناخ المزمع إقامته في نوفمبر المقبل.
وقالت: “مشروعات مصر الناجحة في مجالات خفض الكربون وإنتاج الهيدروجين الأخضر وتطوير أكبر مركز للطاقة تصطدم بما لحق بشاطئ سيدي عبد الرحمن أجمل شطآن البحر المتوسط من تآكل”.
طلب الإحاطة الذي تقدمت به النائبة تضمن ضرورة توضيح أسباب النحر بشواطئ الساحل الشمالي. فضلا عن تحديد الجهة المسئولة عن ذلك. واحتمالات تقويم ومعالجة الوضع الراهن مع تحديد آلية واضحة لمراقبة عمليات التطوير بقرى الساحل الشمالي بما يتوافق مع معايير عالمية لحماية الشواطئ.