الماضي كلمة تتحقق بسرعة مُدهشة حين تتسرب الأيام. كل لحظة تنفلت تنتقل إلى الوراء في سرعة مبهرة، وكلما سال الوقت حفر فجوة بيننا وبين ما فات. لكننا معلقين بما فات، فكيف يجذبنا أحدهم لنقفز إلى الوراء، منتقين لحظات الأمل ومدفوعين بحنين لا يكفي للمضي قليلًا؟

قفزة للخلف بقوة لم نكن نعهدها في أنفسنا. لكننا قد نقفز ظنًا منا أن آلة الزمن قد تم تشغيلها للتو، وأننا سنعود ونعيش كل ما هو جميل. نقفز وكل ما يملأ عقولنا هو نقاط النور وومضات الفرح التي كانت. فهل حين نعود حقًا إلى شركاء الماضي سننتقي فقط السعادة؟ 

“الإكس” مختصر لما فات

في إطار تطور المصطلحات تم الاتفاق مؤخرًا على كلمة الإكس (X) للدلالة على الحبيب أو الحبيبة السابقة في علاقة انتهت، وإن كنت أرى أن هذا “الإكس” يمكن أن يشمل أي شريك في علاقة انتهت، عمل أو صداقة. لكننا في الغالب لا نلتفت إلا إلى علاقات الحب، ظنًا أنها الأهم.

الحب سلاح مقاومة ونهر يهب الحياة. تلك الحقيقة تغفل عن تنوع أشكال الحب، وأن تزويد علاقات الحب بنكهات مختلفة من الصداقة هو الذي يُطيل عمر علاقات الحب التي باتت تنطفئ مبكرًا بعد أن صارت سطحية تشتعل لأي شرارة وتنطلق تحفر وتحرق وشوم على الروح، تنطفئ العلاقة وتبقى آثارها صانعة حنينًا قد يورطنا مرة أخرى.

قوة الحنين

حين يرحل حبيب يترك فراغًا كبيرًا لدى حبيبه، مساحات كانت مخزنة بصوته وصورته وتفاصيل وحكايات. إنها نتاج طبيعي تلك الحالة من التقارب المفرط، والتي تلغي المساحات الشخصية، فيصبح كل طرف حياته فارغة إلا من حبيبه، وعند الانفصال أو انتهاء العلاقة تكون هناك فترة من الوحدة والفراغ، حتى يستعيد الحبيب/ة علاقاته التي تجمدت بفعل الحب.

ولأن استعادة العلاقات تكون في إطار الصداقة والعمل، فإن مذاقها مختلف تمامًا، أنماط الاهتمام والكلام غير الذي ملأه الحبيب/ة أثناء العلاقة العاطفية، فتبدأ بذور الحنين في الانبات، تتغذى على كل ذكرى جميلة، تتشعب جذورها في الوقت، صانعة مقارنة غير صحيحة الأركان، فالعلاقة التي انتهت لأسباب، باتت تطل على الحبيبين من نوافذ الحنين، تطرق زجاج الروح برقة، وتداعب المشاعر بجمال براعمها، الحنين لكل جميل، وتتواطئ الذاكرة الانتقائية، فتغفل كل أسباب الخلاف، وتبقى فقط لحظات السعادة معطية أوامر واضحة للعقل لفرز الدوبامين المسئول عن السعادة، فيمضى الحنين قوة دافعة لصاحبها، تدفعه بقوة ودون توقف للعودة إلى ما فات، والقفز على كل شيء، تجهيل الآخرين وآراءهم، إسكات العقل وكل الآراء التي تضع أسباب الخلاف جنبًا إلى جنب مع مسببات الحنين. فالحبيب في هذه اللحظات لا يدرك سوى الدوبامين المسبب للسعادة. هو بمثابة مُدمن حانت وقت جرعته من المخدر الذي لن يتخلى عنه مهما كانت النصائح والحقائق.

مسارات استعادة العلاقات بسبب الحنين

يصنع الحنين روابط جاذبة نحو الماضي، لا شيء الآن سوى إعادة الروح لعلاقة انتهت وتحمل في نهايتها أسبابها، تلك الأسباب التي اختفت مع توهج الحنين، وسرعان ما يعود الطرفان للعلاقة، كل طرف متوجهًا نحو نقاط سعادته، مجترًا المواقف والذكريات التي فاجأت أحلامه واستحوذت على أفكاره، وحين يُزهر الحنين يُصبح شمسًا تلغي كل النجوم حولها.

العودة إلى العلاقات التي انتهت تأخذ ثلاث مسارات:

الأول:

أن تمضي كما كانت في الماضي، وسرعان ما سينطفئ الحنين وتعود بذور الخلاف والاختلاف للإنبات، ومجددًا تنتهي العلاقة ويعود كل من الحبيب والحبيبة لحمل لقب (الإكس) كما كان. وهذا هو النمط الغالب.

الثاني:

أن يفكر الطرفان في إصلاح أسباب الخلاف التي دفعت بهم سابقًا لنهاية العلاقة، ويعملان على تصحيح أخطاءهم، وهؤلاء قلة.

الثالث:

وهو المسار الأكثر خطورة. لكنه حاضر بقوة في الفترة الحالية ومنذ فترة، حيث يكون أحد الطرفين الحبيب أو الحبيبة، قد أعد خطة لاستعادة حبيبه بهدف استغلاله أو تعويض نقصًا يعيشه، وليس بالضرورة أن تكون الدوافع مادية.

لو أن الطرفين أحيا علاقتهما سويًا دون مخططات للاستحواذ، فلن تكون هناك مشكلة، لكن المشكلة أن شخصًا يخطط. بينما الآخر مدفوعًا بمشاعره فقط، متناسيًا عقله ومتجاهلا أراء الأصدقاء الذين يشاركهم تجربته وسعادته، حتى أنه من فرط تعارض أراءهم مع قراره يبتعد عنهم ليعود وحيدًا في أسر حبيبه/حبيبته الذي أو التي تخطط بدقة وتصنع الفخ بإحكام.

النساء يعرفن تجربة العجين والرجال يعرفون تجربة الوحل أو الطين، وكلا التجربتين متشابهتين في الأثر، فأنت حين تضع يدك في عجين أو طين أو وحل ليس سهلا على الاطلاق تخليص يدك. بل أنك سوف تستعين باليد الأخرى لتخليص الأولي، والنتيجة أنه كثير من التورط والخروج بصعوبة غير نظيفين بالمرة.

فتظهر قسوة وعدم أخلاقية المسار الثالث كونه مدبر من طرف وليست هناك فرص متكافئة. هذا عقل يُدبر ويستغل القلب، حيث تخرج المشاعر وفق معايير مدروسة، ويُصبح الصدق غير حقيقي، ومهما كانت المشاعر معتمدة على حقيقة أو لها بذور حقيقية، فإن تدبير أحد الطرفين للإيقاع بالآخر ينتقص من شرف العلاقة وأمانتها.

فحين يفكر ويخطط طرف فهو يفعل ما يُلبي احتياجاته ومصلحته الشخصية غير واضعًا في الاعتبار مصلحة الطرف الآخر. وبينما تؤكد كل التجارب أن علاقات الحب التي تبنت مصلحة طرف واحد انتهت بالفشل، فإن إعادة العلاقات باستخدام الحب والحنين لمصلحة طرف واحد هي أيضًا علاقات ستنتهي بالفشل.

اهرب سريعًا

مُدهشة هي الجماعة الشعبية، الأمثال والحكم التي تعطي دروسًا مختصرة في الحياة في كبسولات. لكن غالبيتنا لا يعتمد تلك النصائح او الخبرات. بل كبرنا على أن نخوض تجاربنا بأنفسنا، ونتعلم من أخطائنا ليس هذا فحسب. وإنما البعض يكرر نفس الخطأ ظنًا إن النتائج ستتغير، فالأمثال الشعبية مليئة بأمثال تُحذر من العودة إلى العلاقات التي انتهت، فالمثل القائل «اِللِّي يِتِف تَفَّهْ مَا يِلْحَسْهَاشْ» تُشير إلى أن المرء عندما يُخرج شيء من فمه عليه ألا يعود مرة أخرى له. كما أن المثل الشعبي عندما تكون البضاعة مرغوب فيها. فإن المشتري أعمى، يُشير أن الرغبة في شيء تغمي العين عن رؤية عيوبه، والباحث في هذا الحقل سيجد ثمارًا كثيرة من الحِكم، لكن كل منا يود اختراع العجلة بنفسه.

حين يهاجمك الحنين عليك أن تهرب، تستدعي ذكريات الألم لصنع توازن بروحك، فإذا لم تستطع لا تخطط للإيقاع بحبيبك/تك السابق/ة، اترك الأمور تمضي في طريقها المعهود، أما إذا كنت الطرف المفعول به، وجدت حبيبك أو حبيبتك يمارس عليك لُعبة الكر والفر، التحفيز والتجاهل، إثارة الحب والغيرة والمظلومية، كلها أدوات يستخدمها الطرف الذي يخطط لمزيد من التوريط، وفى غالبية تلك العلاقات ستنتهي إلى ما آلت إليه من قبل ولكن هذه المرة بخسائر أكبر وجراح في الروح والقلب، فهل يمكن أن تنتبه لإنذارات الحنين الوهمية.