في فوز نادي الزمالك ببطولة الدوري العام هذا الموسم رسائل كثيرة. بتدقيق لما حدث يمكن أن تتخطى رسالة الفوز كل مساحات الرياضة وكرة القدم لتصل إلى قضايا السياسة والاقتصاد والإدارة وغيرها من أزمات تعيشها مصر خلال الفترة الأخيرة.
بنظرة سريعة على واقع نادي الزمالك قبل وصول “البروفيسور” فيريرا يتأكد حجم الإنجاز الذي حققه الرجل بالتخطيط والتنظيم والعدالة بين جميع اللاعبين، ثم قبل كل هذا وبعده باختيار “الخطة”، أو طريقة اللعب التي تناسب فريقه ليستطيع أن يحقق من خلالها الفوز والتقدم.
اقرأ أيضا.. لجان “أكابر الثانوية”.. هزيمة جديدة للعدالة الاجتماعية
في تكوينه الشخصي امتلك فيريرا خبرة كبيرة ساعدت في فهمه لكيفبة وضع الخطط التي ينتج عنها النجاح، ثم إن معرفته بالكرة المصرية بشكل عام، وبنادي الزمالك على وجه الخصوص جعل المهمة الصعبة أسهل قليلا، ومنحه فرصة لأن يعمل وهو يملك الخبرة والمعلومات عن أحوال الكرة المصرية.
قبل وصول فيريرا كان الزمالك يعاني، نتائج متراجعة للغاية دفعت جمهوره لتمني الوصول للمركز الثاني فقط، فضلا عن عدم استقرار إداري نتج عن مرحلة تولي اللجان الإدارية للنادي، ثم إيقاف للقيد من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم يمنع النادي من تجديد دماء لاعبيه والدفع بمواهب جديدة، ثم انتهاء عقود عدد من اللاعبين وقرارهم بالرحيل عن النادي، وسط كل هذه الأجواء المأساوية كان “للمدير” رأي آخر.
لم يستسلم “فيريرا” للواقع الصعب، لكنه امتلك “رؤية” أولا لطريقة التعامل معه، فقرر استكمال الدوري بالدفع بعدد من الوجوه الصاعدة الموهوبة، فلم يقف أسيرا لفكرة “النجوم”، بل آمن أن تجديد الدماء والدفع بطاقة جديدة سيمنح الفريق زادا إضافيا من القوة والحماس والمنافسة.
دائما الشباب هم قوة الدفع الحقيقية نحو النجاح، فمن امتلك الشباب والموهبة في نفس الوقت فإنه يكون مثل من امتلك كنزا يساهم في النجاح والتقدم.
المدهش أن الفكرة قد نجحت بالفعل، وأضافت الدماء الجديدة قوة وحيوية للفريق دفعته لأن ينافس على الدوري بل ويتصدره ويتوج بالفوز به في نهاية المطاف.
نافس الفريق على الدوري العام ثم تصدره وحصل عليه وصنع نجوماً جديدة وطاقة شابة جديدة أضافت للفريق وللكرة بشكل عام.
هكذا يفعل “المدير”، يضع الرؤية ثم يبدأ في التنفيذ، يفعل هذا وهو على الإنسان وقدرته على تغيير الواقع، فقد آمن الرجل بالتخطيط والتنظيم، ونجح في أن يصل بالفريق إلى منصة التتويج في مفاجأة كبيرة لم يتوقعها أحد بسبب ظروف صعبة للغاية كان يعيشها نادي الزمالك.
وكأن الراجل قد جاء وهو يدرك طريق النجاح ويملك من العوامل والكفاءة ما يؤهله لأن يحصد ثمار ما زرع.
في طريق الوصول نحو الهدف، آمن “فيريرا” بقيمة العدالة، فلم يكن له “شلل”، ولا أقصى أحدا، ولا تعامل بمنطق هـذا أحبه وهذا أكرهه، لذلك حصد حب اللاعبين، وشعورهم بأن الفرصة متاحة لكل من يجتهد ويمتلك الكفاءة واللياقة الفنية والبدنية التي تؤهله لأن يشارك في مباريات فريقه.
العدالة دائما تبني وتفتح الأبواب للاستقرار والتقدم والثقة في “المدير”، بمثل ما تفتح الشللية الباب للكره والإحباط والانسحاب من المشهد، وغياب الثقة في التقييم، والإحساس بالاغتراب عن المكان الذي يعيش فيه الإنسان فضلا عن عدم تصديق المدير مهما كانت كلماته رنانة أو عاطفية.
امتلك “فيريرا” حلما بأن يتوج نادي الزمالك في النهاية ببطولة الدوري، ولأنه يصدّق هذا الحلم فقد صدقه اللاعبون بنفس الدرجة، هذا الحلم الذي لم يقف عند حدود الكلمات بل تم تحويله إلى واقع عبر الاجتهاد والتخطيط السليم والعمل الدؤوب.
صدق فيريرا ولاعبوه الحلم فحصدوا ثمار ذلك نجاحاً وتتويجاً وانتصارات متكررة لم تتوقف لمدة 13 مباراة متصلة.
انتهى فيريرا من الدوري وهو يملك “خطة استراتيجية” للمقبل، فليس من المنطقي أن يتعامل المدير بمنطق “اليوم بيومه”، ولا نجاح يمكن أن يتحقق دون خطط يضعها المدير على المدى القصير والطويل على السواء، لذلك بدأ الرجل في اختيار لاعبيه للمرحلة المقبلة على أساس ما يريد تحقيقه، والمنافسات التي سيخوضها، والأمل الذي تنتظره الملايين أن يتحقق بالوصول إلى منصات التتويج وبحصد بطولات جديدة.
الآن استبدل كلمة “فيريرا” وخطواته التي اتخذها للحصول على بطولة الدوري وإسعاد الملايين بكل المجالات التي نشعر بأزمات فيها.
في الإدارة لا يمكن النجاح دون التأكيد المطلق على التنوع وعدم الإقصاء، ومنح الجميع الفرص على أسس الكفاءة والاجتهاد والحرص على التطور، والبعد عن الشللية والمحسوبية، فلا يمكن أن ننجح في السياسة أو الاقتصاد أو غيرها من المجالات دون امتلاك “رؤية” عامة لطبيعة مجتمعنا وأزماته، ثم وضع الخطط الكفيلة بحل الأزمات والمشاكل، ثم البدء في اتخاذ خطوات جادة في سبيل الحل.
فيريرا لم يقدم نموذجا ناجحا في كرة القدم فقط، بل قبل كل شيء طريقا لنجاح المدير، وضرب المثل الأروع في قدرة الإدارة “كعلم” على الانتقال بالنادي الذي حاصرته الأزمات إلى مؤسسة ناجحة ومعبرة عن ملايين من الذين شاركوه الحلم والرغبة في النجاح.
في السياسة كما في الاقتصاد يبقى “المدير” أو الرجل الأول هو صاحب اختيار الطريق، فإما أن يكون هذا الطريق سهلا وبسيطا ومنظما عبر الرؤية والتخطيط والمشاركة والكفاءة ومنح الفرص للدماء الجديدة والأفكار والمواهب الجديدة، أو البقاء في مربع التردي والتراجع، وعندها سيغطي صوت الفشل على كل الأصوات التي ستطلق التصريحات والمبررات لخداع من ينتظرون النجاح، وسيكشف الناس زيف الكلمات والتصريحات التي تنسب الفشل لعوامل غير حقيقية، فوعي الناس قد تبدل وأضحى أكثر قدرة على الفرز وتحديد أسباب التراجع والضعف، لذلك سينسبون كل الأخطاء والأزمات لعدم قدرة “المدير” على التعامل مع الواقع الصعب وتغييره للأفضل.