في تحليل بعنوان “اثنان أفضل من واحد”، يتناول الباحثان يويل جوزانسكي الزميل بمعهد دراسات الأمن القومي (INSS)، المتخصص في سياسات الخليج وأمنه. وأوفير وينتر المحاضر في قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة تل أبيب. كلا من الدور المصري والقطري في قطاع غزة. حيث نما التعاون بين القاهرة والدوحة بشكل “بدا حتى وقت قريب شبه مستحيل”.
يتساءل الباحثان: ما الذي يكمن وراء هذا التقارب المفاجئ؟ وكيف ساهم في ختام سريع للحملة الأخيرة على غزة؟ وما التحديات والفرص أمام إسرائيل في ظل الوضع الجديد؟
يؤكد التحليل أن زيادة التعاون بين قطر ومصر لها أثار على الجغرافيا السياسية الإقليمية، وتحديدا على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ففي الآونة الأخيرة “ساهمت في الجهود المبذولة لتحقيق الهدوء بين إسرائيل وحماس خلال عملية “حارس الجدران”. وكان لها أهمية خاصة خلال عملية “كسر الفجر”. حيث كان التنسيق مع قطر “عاملا مضاعفا لقوة الوساطة المصرية في قطاع غزة، وجعل نفوذ الدولتين أكثر فاعلية، فيما يتعلق بضبط النفس لحماس والجهاد الإسلامي، وفيما يتعلق بإعادة إعمار القطاع”.
وبينما يصب كل ذلك في مصلحة إسرائيل. لكن التحليل ينبه صانع السياسة الإسرائيلية إلى أنه في الوقت نفسه، يجب على الدولة العبرية التأكد من أن التدخل القطري المتزايد لا يضر بعلاقاتها مع الإمارات والبحرين “اللتين لا تزالان تنظران إلى تحركات الدوحة الإقليمية بريبة”.
اقرأ أيضا: رهانات الخط 29.. فرص إنهاء أزمة الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل
يقول التحليل: كان اعتراف وزير الدفاع بيني جانتس بجهود مصر في نهاية عملية “كسر الفجر” لجهود الوساطة التي بذلوها، و”مساهمتهم في وقف القتال” كان غير عادي. كما أشاد الرئيس الأمريكي جو بايدن بقادة مصر وقطر لمساهمتهم الدبلوماسية المشتركة.
لم يقتصر الأمر على قيام كبار المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين بالثناء علنيا على قطر، بعد أن هاجمتها الحكومات الإسرائيلية السابقة. ولكن، تمت الإشارة أيضا إلى تعاون الدوحة السياسي والدبلوماسي مع مصر، بعبارات إيجابية.
إضعاف الإسلام السياسي
جاء التطور في العلاقات بين القاهرة والدوحة في سياق تغيرات ملموسة خلال العامين الماضيين بين دول الشرق الأوسط. وفق جوزانسكي ووينتر، اللذان أشارا إلى أن هذه التغييرات “حدثت بطريقة تجاوزت المعسكرات، والكتل، وخرقت الانقسامات الثنائية المألوفة في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية”.
يقولان: من الأمثلة على هذا الاتجاه تجدد العلاقة بين مصر وقطر، والتي كانت تعتبر حتى أوائل عام 2021 من المنافسين الإقليميين. في الواقع، ساهم التعاون المصري- القطري في السياسة الإقليمية، في الجهود المبذولة لتحقيق الهدوء خلال عملية “حارس الأسوار”. وكان أكثر أهمية بعد عام واحد، خلال عملية “كسر الفجر”.
بسبب الاضطرابات الإقليمية في العقد الماضي، اعتبر عدد من الدول العربية -بما في ذلك مصر- قطر قوة مزعزعة للاستقرار في المنطقة. نشأ الاستياء من الدوحة لدعمها حركات الإسلام السياسي، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين في مصر وحركة حماس. والتي اعتبرتها بعض العواصم العربية “تهديدًا إقليميًا وداخليًا”. وقد بدأ التوتر مع القاهرة في عام 2013، في أعقاب دعم الدوحة لرئيس جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي -الذي أطاح به المصريون بعد عام واحد في السلطة- في مقابل الهجوم على السيسي. الذي وصل إلى الحكم بعد عزل مرسي من منصبه.
يوضح الباحثان الإسرائيليان أن التقارب الحالي بين الدولتين “يأتي بعد عقد من الهزائم للحركات التابعة للإسلام السياسي في الشرق الأوسط”. بداية من جماعة الإخوان المسلمين في مصر -التي تمر بأزمة داخلية حادة- إلى سقوط الأحزاب الإسلامية في تونس والمغرب والسودان”.
وأضافا: بدأ رعاة الإسلام السياسي -وخاصة قطر وتركيا- في إبعاد أنفسهم تدريجياً عن المشروع الإسلامي. من أجل تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع ما يسمى بـ “المعسكر السني البراجماتي”، بقيادة مصر والسعودية والإمارات. وقد تأثرت هذه المصالحة باعتبارات اقتصادية، واتفاقية المصالحة بين قطر والرباعية العربية في يناير/ كانون الثاني 2021. والتي أتاحت للجانبين مزيدًا من المرونة في السياسة الخارجية، وسهلت على إسرائيل إقامة علاقات مع قطر، التي أصبحت الآن واحدة من الدول العربية “الأخيار.”
التنسيق بين مصر وقطر
يتعلق المتزايد بين البلدين بالشؤون الثنائية والإقليمية. يلفت التحليل إلى أنه “في ضوء جائحة COVID-19 والحرب في أوكرانيا، أصبحت القضايا المادية أكثر بروزًا من الخلافات الأيديولوجية بين مختلف التيارات المتنافسة في المنطقة. تسلط مصالح الأمن الغذائي والطاقة والاستقرار الضوء على المصالح المشتركة على الخلافات وتشجع على تضافر القوى”.
هكذا، في مايو/ أيار 2021، التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني. واتفقا على “التشاور والتنسيق العاجل”. في مارس/ أذار 2022، زار وزير الخارجية القطري مصر، وأعلنت الدولتان عن اتفاقية استثمار بقيمة 5 مليارات دولار في مجموعة متنوعة من المجالات. بما في ذلك البنوك والعقارات والطاقة والتجارة والزراعة والطيران.
وشهد يونيو/ حزيران 2022 مزيدًا من الدفء في العلاقات، مع زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى مصر. كانت هذه أول زيارة من نوعها منذ عام 2015. بالإضافة إلى ذلك، اجتمع وزيرا مالية البلدين في المنتدى الاقتصادي في قطر، ووقعا مذكرة تفاهم بشأن تعزيز التعاون الاقتصادي، والتي ركزت على منع الازدواج الضريبي وتشجيع الاستثمار.
بل، قرر الطرفان إعادة إنشاء مجلس الأعمال المصري- القطري المشترك، بهدف زيادة التكامل الاقتصادي والتجارة بين البلدين. تشير الإحصاءات المصرية إلى زيادة بنسبة 76.4% في التجارة بين البلدين من عام 2020 إلى عام 2021.
اقرأ أيضا: كيف تتحرك إسرائيل للتعامل مع الاتفاق النووي الإيراني؟
عملية كسر الفجر
ظهرت أولى براعم التعاون بين مصر وقطر فيما يتعلق بغزة خلال عملية “حارس الأسوار” 2021، عندما تناسق الموقفان. على عكس أفعالهما خلال عملية “الدرع الواقي” 2014 عندما تنافسا على دور الوسيط. في ذلك الوقت، فضلت إسرائيل مصر على قطر، بسبب عداء القاهرة الأساسي تجاه حماس، باعتبارها فرعًا من جماعة الإخوان المسلمين.
أيضا، كانت الثقة بين مسؤولي الأمن الإسرائيليين والمصريين، والنفوذ المصري الفعّال بالنظر إلى حدودها الجغرافية مع القطاع، كانت تمنح القاهرة السيطرة على معبر رفح الحدودي، وحركة الأشخاص والبضائع إلى غزة، والقدرة على مراقبة عملية إعادة الإعمار. في الوقت نفسه، تمتعت إسرائيل أيضًا -على مدى عدة سنوات- بالدور المستقر للمساعدات المالية القطرية لغزة، والتي وصلت في مجموعها إلى ما يقرب من 5 مليارات دولار، على الرغم من الانتقادات العلنية لهذا التمويل.
في أغسطس/ آب 2021، واستجابة لمطالب إسرائيلية، تم إنشاء آلية جديدة لتحويل الأموال القطرية إلى غزة بمشاركة مصر. وهو “ما يقضي على ظاهرة حقائب الدولارات لمسؤولي حماس”، وفق التحليل. وتنطوي الآلية على تحويل أموال قطرية بقيمة 10 ملايين دولار شهريًا إلى حماس بشكل غير مباشر، من خلال شراء وقود بهذا المبلغ من مصر، مخصص للحركة.
يقول التحليل: نظرًا لانخراطها في الساحة الفلسطينية. وبشكل أساسي بسبب مساعدتها المالية لقطاع غزة وحركة حماس -بصفتها السيادة المحلية- فإن قطر لديها أشكال من النفوذ استخدمتها في وقت مبكر من عملية “كسر الفجر”. لإرسال رسائل وساطة بين إسرائيل وحماس مباشرة، والجهاد الاسلامي عبر إيران. وبحسب ما ورد، هدد الوسطاء المصريون بأن إسرائيل ستمنع وصول المساعدات القطرية إلى القطاع.
وأضاف: المشاركة القطرية هذه المرة -كما حدث أثناء عملية حارس الجدران- حدثت من جانب مصر. ولم تحاول الدوحة الطعن في دور مصر كما في الماضي، في دليل إضافي على تحسن العلاقات بين الاثنين. بل، هاجمت قطر وأدانت بشكل أساسي إسرائيل على شبكة الجزيرة، كما جرت العادة. ومع ذلك، أفيد أيضًا أن قطر أجرت حوارًا مع إيران، ربما من أجل التأثير على الجهاد الإسلامي للموافقة على وقف إطلاق النار.
مصالح الوسطاء في غزة
يؤكد التحليل أن لكل دولة من الدول الوسيطة لها مصالحها الخاصة. لمصر “مصلحة أمنية، هي فصل فصائل غزة عن الإرهابيين في شبه جزيرة سيناء والإخوان المسلمين في مصر، وضمان هيمنتها في القطاع على منافسيها الإقليميين الآخرين. ومصلحة سياسية، هي استغلال دور الوسيط لتعزيز مكانته داخل المنطقة وخارجها. مع التركيز على الولايات المتحدة، وتصوير النظام محليًا على أنه حامي الفلسطينيين. ومصلحة اقتصادية، فيما يتعلق بالشركات المصرية التي تشارك في إعادة إعمار غزة، وزيادة التجارة بين مصر والقطاع. والاهتمام بتعزيز الاستقرار في غزة، مما له آثار خارجية إيجابية على سيناء والمنطقة”.
أمّا قطر “أرادت من جهتها دفع وقف إطلاق النار بين الجهاد الإسلامي وإسرائيل. لمنع الإضرار بجهودها في إعادة الإعمار في قطاع غزة، وتسجيل نقاط، في المقام الأول من واشنطن. حيث يساهم أحد الأطراف في الهدوء والاستقرار الإقليميين، وبالتالي تعزيزه. إضافة إلى المكانة والتأثير، حيث يُفترض أن تقارب قطر مع مصر والسعودية ساهم في هذا الدور المعتدل. ولولا العلاقات الجيدة بينهما، فقد حاولت قطر تحدي مصر. بل إن مسؤول أمني إسرائيلي كبير قال إن “إسرائيل تعتبر قطر كذلك دولة لديها إمكانات كبيرة للمساعدة، ليس فقط في إعادة إعمار قطاع غزة، ولكن في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
كما أفادت التقارير أن قطر بدأت في نقل الرسائل بين إسرائيل ولبنان / حزب الله. فيما يتعلق بالتنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، ونزاع ترسيم الحدود البحري بين الدولتين”.
اقرأ أيضا: عامان على “اتفاقيات إبراهيم”: ما بين الآفاق المُكتشَفة والمُنتظَرة
التداعيات بالنسبة لإسرائيل
يشير التحليل إلى أن التنسيق المتزايد بين مصر وقطر هو “عامل مضاعف للقوة للدولتين ويفتح إمكانيات جديدة لإسرائيل”. فهو “يمنح القاهرة مجموعة متنوعة من سبل النفوذ على الأطراف المعنية، وفي مقدمتها حماس والجهاد الإسلامي وإيران. بفضل النفوذ الاقتصادي الكبير الذي تجلبه قطر معها”.
وأوضح: بدلاً من التنافس على دور الوسيط. يمكن لمصر وقطر استخدام عملهما المشترك لتحسين صيغتهما، القائمة على سياسة العصا والجزرة، سياسيًا واقتصاديًا.
ويلفت الباحثان إلى أن العلاقات بين مصر وقطر ليست مجرد علاقات اقتصادية. بل “إنها أيضًا علاقات سياسية خارجية وأمنية، وقد تؤثر على العديد من القضايا الإقليمية خارج قطاع غزة. بما في ذلك إمدادات الطاقة، والأزمة في ليبيا، والأمن البحري في البحر الأحمر، والقضية الإيرانية”.
وأضافا: من المرجح أن يتلاقى تقارب الدوحة مع القاهرة بشأن هذه الأمور مع المصالح الإسرائيلية. ويحد من العناصر الإشكالية في السياسة القطرية. وقد يسهم التعاون بين الطرفين في إعادة إعمار غزة، ويمنح كلاهما نقطتي ضغط إضافية، قبل جولات التصعيد المستقبلية بين إسرائيل وحماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة.
من ناحية أخرى، قد يتحدى التقارب المتجدد بين الدوحة والقاهرة إسرائيل أيضًا. نظرًا لأنه يخلق واقعاً إقليمياً جديداً، هو احتمال وجود محور نفوذ جديد، لن تتداخل سياسته دائماً مع سياسة إسرائيل، وقد تتعارض معها على وجه التحديد. على سبيل المثال، قد تشجع قطر مصر على اتخاذ نهج أكثر مساومة للإخوان المسلمين بشكل عام، وتجاه حماس بشكل خاص. وبالمثل، فإن البصمة المتزايدة لقطر قد تؤثر سلبًا على علاقات إسرائيل مع الإمارات والبحرين، اللتين ما زالتا تنظران إلى الدوحة بقدر كبير من الشك.