ما إن طلبت مني السيدة ناتاشا ترشيح فيلم مصري للعرض خلال أنشطة برنامج الكتابة الدولية في جامعة آيوا، حتى قفز إلى ذهني فيلم داود عبد السيد “الكيت كات” (1991)، ورشحته لها فورا.

وهكذا، ومن بين الأنشطة العديدة التي تحمست للانخراط فيها خلال مشاركتي في البرنامج المقام خلال هذا الخريف، كنت أتخيل تلك اللحظة التي سيعرض فيها هذا الفيلم العظيم في سينماتيك البرنامج، وأحاول توقع ردود أفعال الكتاب المنتمين إلى أكثر من ثلاثين دولة، وهم يراقبون مغامرات وأحلام وفكاهة الشيخ حسني في حي الكيت كات، على وقع الموسيقى المذهلة لراجح داود والأجواء الساحرة التي رسمها أديبنا العظيم إبراهيم أصلان.

اقرأ أيضا.. “الماميز” لسن العدوّ

كنت أرى في الفيلم، فضلا عن روعته الفنية، تعبيرا جميلا وحميميا عن مصر في لحظة ما، وربما أيضا مناسبة للحديث عن حي الكيت كات، وعن بيت نجيب محفوظ القريب من الحي، وربما عن العوامات المزالة القريبة من الشاطيء الذي تم فيه تصوير المشهد الأخير، حين صرخ يوسف في أبيه: إنت ليه مش عايز تصدق إنك أعمى؟
ليجيبه الشيخ حسني بأسلوبه الحاذق وشخصيته العنيدة، معبرا عن “مورال/ رسالة/ فكرة” الفيلم:
– اخرس يا ولد، أنا باشوف أحسن منك في النور، وفي الضلمة كمان.

وربما كان سبب اقتراحي أبسط من ذلك كله، قادما من اللاوعي، إذ تذكرت بعد قليل أن صديقا عزيزا أخبرني يوما عن صديقته الأوروبية التي شاهدت الفيلم في مركز ثقافي ما، وصارت تعتبره أجمل فيلم شاهدته في حياتها! نعم، ليس أجمل فيلم (مصري) شاهدته، بل الأجمل على الاطلاق.

لكن تلك اللحظة، وأقصد لحظة عرض الفيلم، والتي سأتحدث فيها لبقية المشاركين والحضور عن الفيلم، لم تأت، وكذلك فهي – للأسف – لن تأتي.

داود عبدالسيد أثناء إخراج الكيت كات

لسبب يغيظ من فرط بساطته، كي لا أقول تفاهته. فرغم المكتبة السينمائية الضخمة للجامعة لم يكن الفيلم -رغم أهميته في السينما العربية- متوفرا بها، وكذلك لم ننجح في العثور على نسخة مترجمة إلى الإنجليزية للعرض العام. ولم نجدها حتى للبيع على الإنترنت.

ثم وجدنا نسخة مترجمة على يوتيوب، لكن نظرة سريعة على الترجمة من ناتاشا مسؤولة برمجة الأنشطة، جعلتها تعلن أنها ترجمة غير احترافية، ترجمة يبدو أنها تعود إلى اجتهاد من أحد المشاهدين ولكنها غير صالحة وقد تجيء بأثر عكسي، وأضافت ناتاشا، حيث كنا نجلس في مكتبها بالطابق الثالث من مبنى (شامباوج هاوس) في آيوا سيتي، إنها تعرف قيمة السينما المصرية ولهذا فلا تريد إن تظهرها في صورة سيئة، فالترجمة غير الجيدة قد تحول المشهد الجاد – حسب قولها- إلى مشهد كوميدي.

أردت أن أجيبها مازحا بأن “الكيت كات” ينتمي إلى حد كبير إلى عالم الكوميديا إلا أنني كنت أفهم ما تقصده.

والأمر أن لدى ناتاشا أكثر من 15 ترشيحا للأفلام تقدم بها المشاركون في البرنامج، بينما لا يتسع البرنامج إلى أكثر من ثمانية عروض، ولهذا فإن “المنافسة”- إذا جاز التعبير- كانت شديدة بالفعل، وفي ظل مشكلة عدم توفر النسخة المترجمة، تم استبعاد اقتراح “الكيت كات”.

كان هذا حدثا حزينا، فقد كنت من بين قلة معدودة من المشاركين يمكن أن يقولوا أن لديهم صناعة سينما عريقة، كنت مستعدا للحديث عنها -بفخر مستحق- في ليلة عرض الفيلم التي لن تأتي، لكن يمكن لك أن تتخيل، أنه إذا كان هذا هو حال فيلم مهم مثل الكيت كات، فإن الحال التي تخص أفلامنا الأخرى أسوأ وأسوأ، وقد كنت شاهدا بنفسي على حالات كان يبحث فيها بعض مخرجينا الكبار عن نسخ من أفلامهم المهمة فلا يجدون.

وإذا كان تخبطنا في التوزيع الداخلي والخارجي للأفلام مأساويا، فإن عدم توفر نسخ من أفلامنا المهمة في بلد السينما، أمريكا، يكاد يقترب من الجريمة.

هذا من دون الحديث -لا سمح الله- عن المواقع الأخرى في العالم وجغرافيا صناعة السينما مترامية الأطراف، إنه وضع نجيد صنعه في كل مجال، وضع نبدو فيه متخصصين في إهدار الفرص، أو نبدو مثل أحفاد يطيحون بثروات أجدادهم، بين الكسل والنزق.

وهكذا، تقرر عرض فيلم وثائقي من هونج كونج في الأسبوع الأول للسينماتيك، بينما اكتفيت بالحديث مع المشاركين عن القاهرة وأفلامها وآدابها، وتلقيت منهم أسئلة بديهية ومحقة، ولكن هذا حديث آخر.