اقترن اسم “الفجالة” بتجارة الأدوات الدراسية والمكتبية والورق. فالمنطقة التي تبدأ من امتداد رمسيس حتى أول باب الشعرية، تحتل ركنا مهما في قلب العاصمة التجاري. ورغم أهمية الفجالة الاقتصادية، إلا أن لها أيضا جانبا تاريخيا مهما. إذ تقول بعض الشهادات إن “الفجالة” كانت تدعى “الطبالة”. ويعود تأسيسها إلى وقت متأخر من الدولة الفاطمية.
حديثا شهدت المنطقة تطويرا كبيرا، حيث حوّلها الخديوي إسماعيل، بالإضافة إلى المنطقة على جانبي محطة قطارات باب الحديد، من منطقة شبه ريفية سميت نسبة لمزارعي “الفجل”، إلى منطقة مدنية حضرية. سريعا تحولت المنطقة بالكامل لتجارة الورق والكتب والأدوات المدرسية والقرطاسية. كما أصبحت وجهة للزبائن الباحثين عن أفضل الأسعار وأجود المنتجات، لكونها تضم عددا كبيرا من تجار الجملة والمستوردين.
وقبل اقتراب كل عام دراسي جديد، تصبح المنطقة وجهة لآلاف من أولياء الأمور الذين يأتون من كل أرجاء المحروسة، لشراء مستلزمات المدارس والدراسة. لتشهد المنطقة زحاما وزخما كبيرين. خاصة من منتصف شهر أغسطس حتى انطلاق الدراسة منتصف سبتمبر، ثم في فترة إجازة منتصف العام. لكن يبدو أن الأمر تغير هذا العام بفعل الأزمة الاقتصادية الطاحنة.
الفجالة لا تهدأ إلا أيام الأحد، إذ تغلق جميع المحلات والمكتبات أبوابها. المنطقة تضم أيضا عددا كبيرا من الكنائس القديمة منها كنيسة العذراء، ورابطة دير القدس. بالإضافة إلى بعض المدارس مثل مدرسة اليوسفية للروم الكاثوليك، التي كانت تخدم أغلب سكان المنطقة، الذين كانوا من الأرمن قبل هجرة الكثير منهم. جزء كبير من المنطقة تحول لأحد مراكز بيع السيراميك والأدوات الصحية بأنواعها في القاهرة.
موقع الفجالة.. عصر التجارة الإلكترونية
المنطقة دخلت عصر التجارة الإلكترونية عن طريق موقع “الفجالة” على شبكة الإنترنت. الموقع يضم كل الموردين والمكتبات ويتيح للجمهور الشراء عبر الإنترنت والدفع عند الاستلام، أو عن طريق وسائل الدفع الإلكترونية. الموقع يعتبر منصة لصناعة الأدوات والخدمات المكتبية في المنطقة بالتعاون مع التجار والمستوردين.
اقرأ أيضا.. هل تستطيع التسعيرة الاسترشادية مساعدة الحكومة في ضبط الأسعار؟
حضرت البضاعة وغاب الزبون
وعلى غير المعتاد غاب الازدحام هذا العام عن الفجالة، رغم أننا في منتصف موسم البيع، ومتبقي أقل من شهر على انطلاق العام الدراسي الجديد. ورغم استقرار البضائع داخل المحلات والمكتبات، ووجود الباعة في أماكنهم المعتادة، في انتظار الزبون، إلا أن هذا الأخير لا يأتي أبدا.
الدستة من 18 جنيه لـ45!!
على أطراف الفجالة دخلت “أم محمد” ربة منزل مقيمة بمشية ناصر، 38 سنة، في نوبة بكاء بسبب ما واجهته من ارتفاع في الأسعار خاصة حقائب المدراس والكتب الخارجية. قالت لـ”مصر 360″: “أنا أم لأربع أطفال جميعهم في مدارس حكومية، اثنان منهم تواءم في الصف الثالث الإعدادي، والثالث في الأول الإعدادي والرابع في رابعة ابتدائي”.
“جيت الفجالة لأنها أرخص مكان اشتري منه حاجة المدارس، لكن فوجئت بالأسعار وده اللي خلاني أبكي في الشارع. أنا نازلة من البيت بفلوس كفاية، لكن اكتشفت أنها مش هتكفي شراء شنطة ودستة كشاكيل وأقلام لعيلين اتنين. هل يعقل أن يقفز سعر دستة الكشكول العادي من 18 جنيها إلى 45”.
ارتفاع أسعار الكتب الخارجية
“أم محمد” ذهبت لشراء كتب خارجية بناء على طلب المدرسين، لكنها اكتشفت أن سعر الكتاب الخارجي لمادة واحدة للصف الثالث الإعدادي بيتراوح بين 90 إلى 100 جنيه: “أنا كنت بشتري السنة اللي فاتت بـ40 أو 50 جنيها بس. معقول أنه في عام واحد يرتفع سعر الكتب لهذه الدرجة لمجرد أن العيال دخلوا 3 إعدادي. أمال في ثانوي هيحصل أيه”.
“هقول لولادي أيه، أبوهم شغال باليومية على عربية أجرة. بياخد 100 أو 150 جنيها في اليوم الواحد. وده لا يكفي مصاريف أكل وشرب ودروس خصوصية. فهل سيكفي مصاريف شراء مستلزمات المدارس”. تقول “أم محمد”.
أدوات هندسية.. مجموعة واحدة لـ3 تلاميذ
أحمد غريب، ولي أمر اضطرته الظروف الاقتصادية للاستغناء عن بعض المستلزمات المدرسية هذا العام كالأدوات الهندسية. اشترى موجوعة واحدة ليستخدمها أولاده الثلاثة. يقول: “جئت من القليوبية لشراء الأدوات المكتبية لأولادي الـ3، لأن الأسعار في المحافظات بتكون أغلى بكتير. كمان بنشتريها من تاجر قطّاعي مش تاجر جملة وبيزود عليها مصاريف النقل من الفجالة للبلد”.
فروق الأسعار
انعكس فرق الأسعار بين القطاعي والجملة على “محمد مهدي” 40 عاما، موظف. إذ قرر الذهاب لأحد تجار الجملة في الفجالة لشراء مستلزمات أبنائه الدراسية. يقول لـ”مصر360″: “استغنيت عن أي مستلزمات مستوردة، لاعتيادي شراء مستلزمات أبنائي سنويا، من مكتبة في شبرا القديمة. الفارق بين أسعار المكاتب في شبرا وتجار الجملة مكنش كبير، لكنه اتسع هذا العام إلى مستويات غير مسبوقة”.
فروق الأسعار بين القطاعي والجملة في سعر دستة كشاكيل وصلت إلى نحو 3 جنيهات. بينما ارتفع الفارق في السعر بين التاجرين في دستة الأقلام الرصاص إلى 6 جنيهات.
“مهدي” يقدر حجم الفارق في سعر جميع المستلزمات الدراسية هذا العام من تاجر الجملة عن القطاعي بـ200 جنيه. بينما يجد أن أسعار العام الحالي تضاعفت لنفس الأدوات العام الماضي. بغض النظر عن الجودة.
حتى أهل التجمع
“أحمد التهامي” 42 عاما، اعتاد الذهاب سنويا لإحدى المكتبات الشهيرة في فرع التجمع الخامس. هذا العام وجد “أحمد” الذي يعمل برفقة زوجته في إحدى شركات البترول، مشقة مالية كبيرة لشراء المستلزمات المدرسية لابنيه واضطر لإلغاء المصيف، تخفيضا للنفقات.
يقول: “اضطررنا لإعادة النظر في أوجه الإنفاق مع زوجتي وأولادي لهذا العام، في ظل الارتفاعات غير الطبيعية في أسعار المستلزمات الدراسية، وارتفاع مصروفات المدرسة، والزي المدرسي”.
يقارن “التهامي” بين أسعار العامين الحالي والماضي. إذ ارتفعت “أسطمبة البيضاوي” إحدى الأدوات الهندسية من 150 لـ200 جنيه هذا العام. والقلم أستيكة من 12 لـ20 جنيها، وطقم 4 أقلام فسفوري من 20 لـ30 جنيها. كما وصل القلم الرصاص الجامبو من 13 لـ21 جنيها. والكشكول الورق البلاستيك من 20 إلى 32 جنيها.
التهامي يقول: “استغنيت عن الأقلام الملونة، والأدوات التكميلية التي اعتدت شراءها مع المستلزمات الدراسية مثل التيكيت والاستيكر. اكتفيت بالأساسيات فقط”.
حال “التهامي” أفضل من “عاطف محمود” 52 عاما، أب لثلاثة أبناء يدرسون في مدرسة دولية، ويدفع مصروفاتهم بالدولار. يقول: “إذا كانت أسعار المدارس زادت 20% فالزيادة بلغت الضعف في المدارس الدولية، والوضع بقى لا يحتمل سواء لغني أو فقير”.
أما إسلام عبدالعزيز، مدير فرع إحدى المكتبات، يقول إن ارتفاع الأسعار، سببه الرئيسي ارتفاع سعر الدولار، خاصة أن أغلب المنتجات المكتبية مستوردة. كما أن معظم المحلات في الفجالة لا تعتمد على المنتجات المحلية.
ويضيف: “اضطرينا هذا العام نتيجة ارتفاع سعر الدولار، وتوقف الاستيراد، إلى رفع أسعار التجزئة.. لازم نواكب الزيادة”.
تضم منطقة الفجالة 250 محلا تقريبا، و200 مخزن بحسب تقديرات التجار في المنطقة. كذلك أكدوا أنهم توارثوا المهنة في عن آبائهم وأجدادهم لذلك يعلمون كل شيء عن المنطقة.
تجار الفجالة
يقول عمرو محمود أحد تجار الأدوات المدرسية في الفجالة، إن حركة البيع والشراء ضعيفة تكاد تكون منعدمة منذ عامين. في العام الأول شهدنا أزمة كورونا وتوقف الدراسة في المدارس. أما العام الحالي بسبب ارتفاع سعر الدولار بشكل كبير وتضاعف الأسعار إلى حدود غير مسبوقة.
يضيف: “وصل الأمر إلى أني لا استطيع تغطية مصروفات المكتبة من كهرباء ومياه وعمالة. لذلك اضطريت أدور لعيالي على عمل لمساعدتي. أحمد ابني الكبير يعمل معي في المكتبة منذ خمس أعوام لكن هذا العام عمل كاشير في أحد المحلات. ابني الثاني أصبح يعمل في الإجازة في محل موبيلات والثالث يعمل معي هنا”.
وأضاف: “بكل أسف عمل أولادي لم يغط مصروفاتهم الدراسية والمكتبه أصبحت فارغة من البضاعة. كنت بستورد أكثر من 50 حاوية مختلفة كشاكيل وكراريس، إلى شنط مدارس ومقالم، وأقلام ومساطر وزمزميات. لكن السنة دي اشتريت حاويتين فقط شاملين كل شيء وبهم أقل الأسعار في كل مستلزمات المدارس. أنا عارف كويس أن أولياء الأمور معهمش فلوس يشتروا مستلزمات مدارس، فالجميع الأن وأنا معهم نبحث عن أقل سعر لأي حاجة”.
تضاعف الأسعار
وفي السياق نفسه قال محمود فتحي، مالك مكتبة، إنه يعمل في تلك المهنة منذ أن كان يبلغ 10 سنوات. أكد أن الأسعار ارتفعت أكثر من الضعف عن العام الماضي. كما أن زيادة الأسعار يواجهها انخفاضا في الاستهلاك. كذلك أرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى مشكلات استيراد الورق، وارتفاع أسعار الخامات.
“محمود” أضاف أن توقف الاستيراد تسبب في تشريد عدد كبير من العمال لأن أصحاب المخازن والمكتبات لم يستطيعوا دفع رواتبهم، في ظل ارتفاع الإيجارات وفواتير الكهرباء والمياه وانعدام حركة البيع والشراء. يقول: “الخراب أصبح من جميع الجهات ولا نعلم مصير الفترة المقبلة علينا، خاصةً أن كل ساعة يقوم المستورد برفع السعر علينا لذلك أناشد رئيس الجمهورية بحل مشكلات الاستيراد وتوفير الخامات بأسعار مناسبة”.
سبب الغلاء والحل
ومن ناحية أخرى، يقول أحمد أبوجبل، رئيس شعبة الأدوات المكتبية في غرفة القاهرة التجارية، إن جميع القطاعات تعاني نقصا في البضائع ومستلزمات الإنتاج بسبب تأخر فتح الاعتمادات المستندية في البنوك. بالإضافة إلى ارتفاع أسعار تكلفة الشحن العالمي والبلاستيك حول العالم بسبب أزمتي كورونا وحرب أوكرانيا.
وأوضح أن الشعبة طالبت الحكومة بتوفير التمويل والواردات للأدوات الكتابية والورق لأن التعليم لا يقل أهمية عن الطعام. كما تابع: “يجب أن توضع مستلزمات المكتبات ضمن السلع الأساسية التي يخصص لها دولار جمركي”.
وأضاف أن الإنتاج المحلي يغطي الاستهلاك في بعض المنتجات والمستلزمات، لكن هناك مستلزمات أخرى لا يتم إنتاجها محليا. ومع نقص المعروض فإنه من المتوقع أن ترتفع الأسعار مقارنة بالعام الماضي. كما أكد أن القطاع سيلبي احتياجات الفصل الدراسي الأول، لكن إذا ظل الوضع كما هو فإن الأزمة ستمتد حتى الفصل الدراسي الثاني.
وأشار إلى أن هناك أدوات مكتبية تصنع في مصر، لافتا إلى أن القلم الرصاص من 50% إلى 60% صناعة مصرية، والأستيكة 30% صناعة مصرية. بينما ويصل نسبة المكون المصري في الكراس والكشكول إلى 95%.