نص قانون الطفل المصري على إقرار المصلحة الفضلى للأطفال كمبدأ عام تسير في جنباته كل الأمور والنصوص المتعلقة بمصالح الطفل، وقد جاء هذا النص تماشيا مع ما جاء في اتفاقية حقوق الأطفال سنة 1989، والتي تعتبر السند القانوني الدولي الأول الداعم لحقوق الطفل بشكل قاطع. ومن هنا وجب أن تسير كافة النصوص المتعلقة بالأطفال، خلف هذا المبدأ.

ومما هو جدير بالإشادة ما ورد في قانون الطفل فيما يتعلق بإثبات شخصية الأطفال ومعاملتهم الأولية من حيث النسب أو القيد، وكل ما يتعلق بشخصيتهم القانونية، حيث أوجب على السلطات المختصة بحسب مجالاتها أن تراعي إثبات الأطفال أو ترعى مصالحهم الصحية. لكن رغم ذلك لم تزل أهم مصالح الأطفال الذين في حضانة أمهاتهم في حالة يرثى لها من حيث سرعة الفصل في قضايا النفقات، أو تنفيذها بشكل يراعي مصالحهم في الحياة، لكوّن تلك النفقات التي تقضي بها المحاكم يٌستمد منها حقهم في الغذاء والكساء والمأوى.

اقرأ أيضا.. الحماية العقابية

والأهم من ذلك وجود بعض التعارضات العكسية حال وجود الأطفال في حالة نزاع مع القانون، أو ما يطلق عليهم الأطفال الجانحين، سواء كان ذلك من الناحية الإجرائية أو الموضوعية أو من ناحية التطبيق العقابي.

فمن الناحية الإجرائية، أقر قانون الطفل في بعض الأحوال جواز إيداع الأطفال قبل سنة الخامسة عشر إحدى دور الرعاية كبديل عن الحبس الاحتياطي، كما أن قانون الطفل قد أقر جواز الحبس الاحتياطي للأطفال فوق سن الخامسة عشر، فهل هذا يتماشى مع المصلحة الفضلى للأطفال؟ وهل من زاوية ثانية يحقق الحبس الاحتياطي أية مصلحة فضلى أو أقل من ذلك للأطفال؟ وكلنا يعلم ما بداخل أماكن الاحتجاز من مساوئ يستحيل معها تطبيق أية مبادئ إصلاحية خصوصا في حالات الأطفال، ذلك بخلاف ما يصاحب مرحلة القبض على الأطفال من إجراءات تعسفية بما يلازمها من احتجاز حتى يتم العرض على النيابة المختصة.

كما أن المعاملة العقابية في حالات الحكم على الأطفال بعقوبات، أمر يستوجب إعادة النظر إليه من تلك الزاوية، إذ إن الأطفال يخضعون من الأصل لذات القواعد العقابية المقررة في قانون العقوبات، دون أدنى تفرقة بين الأطفال والكبار البالغين في القواعد العقابية، وبالتالي وجب أن تكون العقوبات المقررة للأطفال غير متساوية مع البالغين من الناحية النصية. كما أن الأمر يمتد إلى الأماكن المقرر أن يتم تنفيذ العقوبات بها، حتى ولو كانت تلك العقوبات تنفذ في أماكن تسمى بالمؤسسات العقابية، إلا أنها تفتقر لما يقوم سلوك الطفل، ولما يعالج ظاهرة الجنوح على أساس كونها ظاهرة تحتاج إلى رعاية وإصلاح اجتماعي، وليس من خلال تعاملها على أساس كونها عقوبة، وليس هناك سوى أسلوب الردع العقابي، كنموذج للتعامل مع تلك الظاهرة.

وإذا كان من الواجب الحتمي الانحياز التام إلى جانب المصلحة الفضلى للأطفال، فإن ذلك الأمر يقتضي ألا تكون هناك من القوانين على اختلاف مسمياتها أي نوع يتناقض مع تلك المصلحة الفضلى أو يقلل من قيمتها، أو يهدف إلى أي أمر لا ينحاز مع تحقيقها بما يضمن تجلي ظهور التوافق المجتمعي بكافة صوره وأشكاله، بما في ذلك النسق القانونية أو التصرفات الإدارية، بما يتناسب مع تحقيق تلك المصلحة منذ لحظة الميلاد، وحتى بلوغ الطفل للسن القانونية التي بها يخرج من نطاق سن الأطفال، والذي هو في التشريعات المصرية سن الثامنة عشر.

وعلى سبيل التمثيل بما يتنافى مع تلك المصلحة الفضلى للأطفال، أن تسمح قوانين العمل للأطفال بأن يكونوا إحدى أدوات الإنتاج، حتى ولو تعلل البعض بأن هناك تشريعات تراعي الأمر بما يتناسب مع التلمذة الصناعية، ويؤهل الأطفال إلى الدخول إلى سوق العمل كقوة إنتاجية. إلا أن حقيقة الأمر تجدها عكس ذلك، حيث تجد أن معظم الورش الحرفية الصغيرة تستخدم الأطفال الصغار حتى ولو دون العاشرة، كصبية متدربين. كما أنه يتم الدفع بهم في العمالة الزراعية لرخص أجورهم وتوافرهم بكثرة في العطلات الرسمية للمدارس. ولنا في تذكر حادثة غرق سيارة بمن فيها من الصغار العاملين في المزارع ناحية قرية وردان بالجيزة في العام الماضي ما يؤكد ذلك المعنى، وهو الأمر الذي يدفع بالأطفال الصغار للابتعاد عن التعليم، وإن كان للحالة الاقتصادية لغالبية الأسر المصرية في القطاع الريفي دور دفع إلى هذا المنحدر، حيث تكون الحاجة لتك الدخول البسيطة لتوفير ملابس ومصروفات الأطفال الدراسية، وهنا لابد وأن يكون هناك دور فعّال للحكومة في معالجة تلك الظواهر التي تتنافى مع تحقيق تلك المصلحة الفضلى للأطفال.