أمضى السياسيون العراقيون معظم العام الماضي في محاولة لتشكيل الحكومة. واشتد الإحباط العام من فشلهم في القيام بذلك، مما زاد من التحديات لشرعية الدولة العراقية. وانتقل الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر من قيادة جهود تشكيل الحكومة إلى الدعوة إلى الإطاحة بالنظام السياسي.

في مقاله المنشور على موقع المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. يشير حمزة حداد، الزميل في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمجلس. إلى أنه يجب على الأوروبيين تجنب دعم انتخابات مبكرة في العراق، لمجرد أن هناك زعماء وسياسيين غير راضين عن نتيجة عملية تشكيل الحكومة، وأن بعضهم يهدد بالعنف ردا على ذلك. في إشارة واضحة للصدر.

منذ يوليو/ تموز وأنصار الصدر يحتلون البرلمانوأضاف: منذ يوليو/ تموز، دأب أنصار الصدر على اقتحام البرلمان واحتلاله. إنهم يطالبون الآن بانتخابات جديدة. في المقابل، ينادي خصوم الصدر “يقصد الإطار التنسيقي الذي يضم السياسيين الشيعة المناوئين للصدر ” بالحوار، على أمل منع المزيد من التصعيد بإقناعه بالعودة إلى العملية السياسية.

نظرًا لخطورة المأزق الحالي، يبدو أن الانتخابات المبكرة هي النتيجة الأكثر ترجيحًا للنزاع. لكن، بحسب ما يرى الكاتب، فإن هناك احتمالا ضئيلا بأن مثل هذا التصويت سيوفر طريقا حقيقيا للمضي قدما إلى أمام.

اقرأ أيضا: مقتدى الصدر.. براجماتية متقلبة المسارات.. والسلطة من وراء القصد

ضغوط الصدر

بالنظر إلى أن الانتخابات البرلمانية في العراق في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 شهدت نسبة إقبال منخفضة. فإن انتخابات أخرى قد تؤدي إلى تآكل ما تبقى من ديمقراطية البلاد “خاصة إذا تم إجراؤها لمجرد استرضاء الصدر”، حسب تعبير حداد.

يلفت الباحث العراقي إلى أن الإقبال على التصويت بالعراق قد انخفض بشكل مطرد منذ ظهور حركة المقاطعة في انتخابات 2018. يقول: في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، بلغ الإقبال 43.54% بشكل عام و33.88% فقط في العاصمة بغداد. ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن انتخابات مبكرة أخرى ستعكس هذا الاتجاه.

وتابع: بدلاً من ذلك، ستزيد هذه الانتخابات، حال المضي فيها، من ترسيخ الأحزاب التي يرتبط فسادها وشبكاتها بالمحسوبية وبالسيطرة على الوزارات. في بيئة تتسم بخيبة أمل واسعة النطاق من السياسة، فإن أولئك الذين استفادوا من هذه الشبكات فقط هم من سيشعرون بأنهم مجبرون على التصويت.

وبينما يحدد دستور العراق الجدول الزمني لتشكيل الحكومة، لكن، ليس فيه آلية لإجراء انتخابات أخرى عندما تفشل هذه العملية. في الوقت نفسه، حاول الصدر التأثير على القضاء لحل البرلمان، ولكن دون جدوى.

يقول حداد: يبدو أنه -يقصد الصدر- نادم على إجبار النواب الذين يسيطر عليهم على الاستقالة. ويهدف الآن إلى استعادة سلطته البرلمانية بينما يبدو أنه قام بتغييرات ثورية في النظام السياسي. لذلك، ستأتي انتخابات مبكرة أخرى استجابة لمكائده. وأبدى وجهة نظره في أن “الانصياع لضغوط الصدر وأتباعه بطريقة غير دستورية، لن يؤدي إلا إلى الإضرار بالديمقراطية العراقية”.

نسب الإقبال خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة بالعراق

السعي لغالبية مطلقة

بالنسبة للمراقبين الذين ليسوا على دراية بالعراق أو الصدر، يكون الأمر محيرًا. لماذا يجبر زعيم سياسي -فاز حزبه بمقاعد برلمانية أكثر من أي من منافسيه- نوابه على الاستقالة والضغط من أجل انتخابات أخرى؟

يطرح حداد السؤال، ثم يشير إلى أنه “مع ذلك، فقد شعر على الأرجح أنه بحاجة إلى التصرف بناءً على تهديده بإخراج نوابه من البرلمان. ويأمل الآن في الفوز بأغلبية مطلقة، أو على الأقل استعادة ما تخلى عنه.

وأضاف: عادة ما يهدد الصدر بمقاطعة العملية السياسية، وغالبا ما يفعل ذلك قبل الانتخابات مباشرة. وعادة، يناشده القادة السياسيون الآخرون بالبقاء. لكن -هذه المرة- شرعوا بدونه في أداء اليمين لأعضاء البرلمان الجدد، وإعداد مرشح لرئاسة الوزراء. لقد رفض عرضهم اللاحق للحوار، مدعيا أنه مخادع.

اشتملت استراتيجية الصدر على جعل خطابه “الثوري” يتردد صداه لدى الشيعة العراقيين خلال موكب عاشوراء. كان يأمل في بدء حركة احتجاجية -والسيطرة عليها- مماثلة لتلك التي أدت إلى انتخابات العام الماضي. لكن “المحاولة باءت بالفشل، لأن معظم العراقيين يدركون الطرق التي يستخدم بها الصدر، وأتباعه المشاغبون، الفساد والعنف لتحقيق أهدافهم السياسية. لقد تُرك الصدر في موقف ادعى فيه أنه يتحدث نيابة عن العراقيين العاديين، لكنه -في الواقع- كان مجرد شخصية قوية تنزع شرعية الدولة، في محاولة ليصبح الزعيم السياسي الشيعي الأعلى في العراق.

مع فقدان العراقيين الثقة بالسياسيين على المجتمع الدولي تجنب التغاضي عن محاولاتهم تقويض العملية الانتخابية

اقرأ أيضا: الصراع السياسي في العراق.. أبعاده ومآلاته المحتملة

ضعف هيكل النظام

يلفت الزميل في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. إلى أنه “إذا كانت هناك انتخابات مبكرة أخرى. فإن مرشح تسوية غير منتخب، مثل مصطفى الكاظمي “رئيس الحكومة الحالي”، سيقود حكومة مؤقتة أخرى لا تؤدي إلا إلى إطالة التفتت والاستقطاب السياسيين في العراق”.

وأوضح أن الكاظمي “يفتقر إلى الدعم البرلماني الذي يحتاجه لتنفيذ الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها. ومع ذلك، لا توجد كتلة سياسية لديها حاليًا الوزن لفرض مرشحها على البرلمان”.

وتابع حداد: هناك القليل مما يوحي بأن الصدر سيؤمن أغلبية برلمانية في تصويت جديد. في الواقع، يمكن لخصومه الحصول على المزيد من المقاعد إذا قاموا بحل بعض المشاكل التنظيمية التي عانوا منها في عام 2021. وفي الوقت نفسه، من المرجح أن يكون أداء المرشحين المستقلين غير الحزبيين والأحزاب السياسية الجديدة أسوأ مما فعلوا في العام الماضي. لأنهم سيفتقرون إلى الزخم السياسي المأخوذ من احتجاجات أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

يؤكد الباحث أن لدى العديد من السياسيين والناخبين “انطباع خاطئ بأن المجتمع الدولي مستعد للتعامل مع شؤونهم والتوسط في حل وسط”. فعلى سبيل المثال، انتقد الصدر، علناً، بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق. بعد أن تجاهلت طلبه لها بالإشراف على حوار بين حركته وخصومها”. ومع ذلك، يلفت حداد إلى أنه “من المهم للاستقرار طويل الأمد للعراق -وبالتالي المنطقة- أن يحقق العراقيون إجماعًا بأنفسهم، وليس من خلال التدخل الأجنبي”.

ويلفت إلى أنه “مثل جميع أعضاء المجتمع الدولي. يجب على الأوروبيين تجنب الإشارة إلى السياسيين العراقيين، بأنهم سيدعمون إجراء انتخابات مبكرة، لمجرد أن الزعيم السياسي “أي الصدر” غير راض عن نتيجة عملية تشكيل الحكومة، ويهدد بالعنف ردًا على ذلك”.

وأكد أنه على الرغم من أن الانتخابات المبكرة هي آلية مناسبة لحل المأزق في العديد من الديمقراطيات. إلا أنها لا تستطيع معالجة نقاط الضعف الهيكلية للنظام السياسي العراقي. و “مع فقدان الشعب العراقي الثقة منذ فترة طويلة بالقادة السياسيين، من الضروري أن يتجنب المجتمع الدولي التغاضي عن محاولاتهم الفاضحة لتقويض العملية الانتخابية”.